التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سؤالاً لكلّ منها جواب. وتدور كلّها حول الأساليب التربوية الوالدية


* اول جواب 

1- ثقة الطفل بوالديـه :

       ســؤال:

   " تشعر أمّ لطفلة عمرها سبع سنوات، بين الحين والآخر، أنّ طفلتها لا تثق بها مهما أكّدت محبّتها لها.. ماذا تفعل الأم لكي تغرس هذه الثقة في نفس طفلتها..؟ "

     جــواب:

    إنّ ثقة الإنسان بنفسه أو ثقته بالآخرين، ليست من الصفات الوراثية التي يحملها من والديه، كما يحمل الطول ولون الشعر وشكل العينين..، وإنّما الثقة من الصفات المكتسبة بفعل المؤثّرات التربوية، بما فيها من محرّضات ومعزّزات. ولذلك، لا يمكن أن تكتسب الثقة بالنفس من خلال الكلام، بل من خلال الممارسات التربوية الفعلية، والتي تتمثّل في أساليب التعامل الصادقة والصريحة، ضمن المجال الأسري العام، سواء فيما بين الوالدين من جهة، أو فيما بينهما وبين الأبناء من جهة أخرى.

    وفي المقابل، فإنّ كسب الوالدين الثقة من الأبناء، لا يتأتّى من خلال تأمين حاجات هؤلاء الجسديّة، من غذاء وكساء، أو شراء بعض الألعاب لإلهائهم بها، وإنّما يأتي بصورة أكثر تلقائيّة وفاعليّة، من خلال توغّل الوالدين في عوالم الأبناء، ولا سيّما الأطفال منهم، وتحسّس ميولهم وحاجاتهم النفسيّة والاجتماعية، ومشاركتهم اهتماماتهم ونشاطاتهم، ومساعدتهم في تنمية المواهب والهوايات التي يرغبون فيها، سواء كانت المساعدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

    إنّ تصرّفات الوالدين بهذه الصور، تشعر الأطفال بالمسؤوليّة التي يتحمّلها آباءهم وأمّهاتهم، والتي تتجلّى في توفير الأمن والاطمئنان، وتأمين كلّ ما يضمن لهم النموّ السليم والحياة السعيدة. وهذا كلّه  من شأنه أن يعزّز من ثقة الأطفال بوالديهم، ويجعلهم أكثر قرباً من أسرتهم.. فلا خوف ولا قلق ولا اضطراب، بل الأمن والهدوء والاستقرار والسعادة.. وهذا ما يسهّل مهمّة الوالدين التربوية، في التواصل مع الأطفال وقيادتهم، مقابل تقبّل الأطفال لتوجيهات الآباء ومواقفهم، التي تكون قدوة لهم.

   2- اختلاف معاملة الوالدين للأبناء :

     ســؤال:

   " يحدث أحياناً أن يختلف الزوجان في طريقة التعامل مع الأطفال، كأن يكون الأب صارماً وقاسياً والأم ليّنة ومتساهلة.. وهذا ما يسبّب للأم صعوبة في ضبط الأبناء في حال غياب الأب.. فكيّف يمكنها أن تتصرّف؟ "

   جــواب:

   يشدّد علماء التربية على ضرورة التوافق في المعاملة الوالدية للأبناء، في إطار التربية الأسرية السليمة.. وذلك لأنّ الاختلاف بين الأب والأم حول أسلوب التعامل مع الأطفال / الأبناء، يسبّب لهما المتاعب التي تعوّق مهمتهما التربوية من جهة، وبضرّ بنفسيّات الأبناء وتكوينهم الشخصي العام من جهة أخرى..ولا سيّما إذا اختلفت المعاملة إلى حدّ التناقض المتطرّف بين والوالدين، وأدخلت الأطفال في صراعات ذاتيّة.

    وممّا يؤسف له، أنّ الكثيرين من الآباء والأمّهات، ما زالوا يعتقدون أنّ الأب في الأسرة، يمثّل السلطة التي تتمتّع – بل يجب لأن تتمتّع – بالقسوة الصرامة والقمع.. بينما تمثّل الأم – في المقابل- مصدر الحنان والعطف واللين.. وشتّان بين الموقفين من حيث التأثيرات التربوية، وإن كانا كليهما يؤدّيان إلى منعكسات سلبية في تربية الأبناء.

    إنّ الأم التي تتّصف بالتساهل واللين في معاملة الأبناء، وتشعر بأنّ زوجها يتصّرف معهم بطريقة مغايرة تماماً تسبّب لها متاعب مع الأبناء، لا يجوز أن تسكت على ذلك، بل ينبغي عليها أن تصارح زوجها في الأمر وتناقشه في طريقة تعامله مع الأطفال، وتطلعه على ما يحدث لها معهم في أثناء غيابه جرّاء معاملته هذه، وتحاول أن تقنعه بضرورة تعديل أسلوبه والتخلّي عن قساوته التي نتتج ضغوطات عند الأبناء يعمدون إلى التعبير عنها في غيابه.

   ولكن على الأم –في المقابل- أن تتخلّى إلى حدّ ما، عن عواطفها المفرطة والليونة الزائدة، وتتّخذ موقفاً حازماً يساعدها في ضبط الأبناء، ولو لفترات قصيرة، بحيث يشعر الأطفال / الأبناء بهيبتها، وبأنّ دورها التربوي / الأسري  لا يقلّ أهميّة عن دور الأب، بل يوازيه ويكمله، في حال حضور الأب وفي حال غيابه.

    ولا بدّ من التذكير بأنّ الشراكة الزوجيّة، شراكة متكافئة في كلّ شأن من شؤون الأسرة.. ولعلّ التوافق بين الزوجين على تربية الأبناء، يأتي في مقدّمة أولويات هذه الشراكة، باعتبار أنّ إكساب الأبناء السلوكات الجيّد’ة، يتوقفّ على حسن المعاملة الوالدية (القدوة).

3- الطفل والفوضى:

       ســؤال:

   " فتى في السابعة عشرة من عمره، يبدو فوضوياً في أمور حياته كلّها.. يترك ملابسه حيث يخلعها.. يبعثر كتبه.. يغادر غرفته من دون ترتيب.. وغير ذلك على الرغم من جهود الأم وتحذيراتها له.. ما هو الحلّ المناسب للتعامل مع هذا الفتى..؟ "

      جــواب:

   لا بدّ من التأكيد بداية، أنّ النظام بأشكاله المختلفة، والترتيب بمظاهره المتعدّدة، من السلوكات المكتسبة بفعل التربية.. والأسرة، ممثّلة بالوالدين، هي المسؤول الأول عن غرس هذه الصفات السلوكيّة عند الأبناء، منذ سنوات الطفولة الأولى، بحيث تنمو وتترسّخ وتصبح من المكوّنات الفاعلة في شخصيّة الفرد.

    أمّا وقد أصبح الفتى في سنّ السابعة عشرة، فهو يعيش في خضمّ مرحلة المراهقة، حيث يتميّز المراهقون بالتحرّر من قيود النظام الأسري الصارم، والتمرّد على الحياة الروتينيّة، ولا سيّما تلك الأمور التي تتعارض مع مشاعرهم ورغباتهم.. ولذلك يتّسمون – غالباً- بالفوضى وقلّة الترتيب، والأمثلة على ذلك كثيرة..ممّا يجعل الأمّهات تضقن ذرعاً  من تصرّفات الأبناء، فينفذ صبرهنّ وتلجّأن إلى الترتيب بأنفسهنّ، مرّات.. ومرّات..!

    إنّ ردّات الفعل العصبيّة التي تتّسم بالتشنّج والصرامة، لا تجدي نفعاً في تعامل الوالدين مع الأبناء، لمعالجة وضع كهذا. ولذلك، ينصح التربويون بأن تكون المعالجة بمنع الأبناء من مغادرة البيت قبل ترتيب غرفهم، أو أن تترك غرف المراهقين بما فيها من أغراض وملابس، كما هي ومن دون ترتيب. فإذا ارتدى أحدهم ثياباً غير نظيفة أو مكويّة، يسخر من رفاقه، فيشعر بالخجل والإحراج، ويبادر من تلقاء ذاته إلى تحسين أوضاعه. وكذلك الحال بالنسبة للغرف التي تبقى من دون ترتيب، والتي تسبّب الإحراج للمراهق عندما يأتي رفاقه لزيارته.

   إنّ تكرار هذه المواقف، مع توجيه الوالدين ومساعدتهما، كفيلة بتعويد الطفل / الفتى على الاهتمام بأغراضه الخاصة، وإدراكه أنّ النظام والترتيب عنصران أساسيان في تقويم شخصيّة الفرد، يؤمّنان له الجمال والارتياح، وتقبّل الآخرين.

                                              4- الطفل وغياب الأب :

     ســؤال:

   " طفل في العاشرة من عمره، يشتاق إلى والده الذي يغيب عن البيت فترات طويلة بسب العمل..إنّ الطفل بحاجة إلى أب يجلس معه، يضمّه.. يحادثه ويشعر بوجوده.. وعلى الرغم من وجود الأم، فالطفل بحاجة إلى أبيه الذي لا يستجيب.. فما العمل..؟ "

      جــواب:

   إنّ الاعتقاد السائد بأنّ مسؤولية الأب الأساسيّة تنحصر في تأمين متطلّبات الأسرة الماديّة فحسب، هو اعتقاد خاطىء، ولا سيّما في العصر الحاضر حيث أصبحت الزوجة / الأم تشارك-في معظم الأحيان- مشاركة فاعلة في الحياة الاقتصادية للأسرة، من خلال عملها الوظيفي أو المهني.

    ولكن، حتى وإن كان الأب هو المعيل الوحيد للأسرة، فهذا لا يعفيه البتّة من مسؤوليته التربوية تجاه أبنائه باعتباره (ربّ المنزل) إلى جانب الأم (ربّة المنزل)، مهما كانت ظروف عمله ومتطلّبات هذا العمل، داخل المنزل وخارجه.

    يقول التربويون: " إنّ غياب الأب عن الأسرة –ولفترات طويلة- يشكّل عند الأبناء عامة وعند الصغار منهم خاصة، جرحاً روحيّاً بليغاً.." وذلك بسبب حرمان الأطفال من الاستمتاع بوجود الأب ومحبّته، وتحادثه معهم والإجابة عن تساؤلاتهم، وبالتالي مشاركتهم في حلّ المشكلات التي يعانون منها، والتي قد لا تستطيع الأم التعامل معها، وما يتبع ذلك من تأمين متطلّبات الأطفال النفسيّة والاجتماعيّة التي تؤهّلهم للتكيّف والتفاعل داخل الأسرة وخارجها، والتي قد تفوق في أهميّتها المتطلّبات الجسدية والترفيهيّة.

    ويضيف التربويون: إنّ سلطة الأب، أي هيبته، وليس (تسلّطه) بالتوافق مع سلطة الأم، تشكّل قوّة عظيمة وأصيلة في تربية الأبناء على أسس سليمة، نفسيّة أخلاقية واجتماعيّة. ولكنّ المشكلة هي أنّ كثيراً من الآباء لا يدركون هذا التأثير الأبوي القوي، في نفوس الأبناء، فيهملونه بقصد أو من دون قصد، ويحصرون جلّ اهتماماتهم – في زحمة الأعمال – في تأمين متطلّبات الحياة المادية، وقد لا يتذكّرون المسؤولية العاطفية / الوجدانيّة إلاّ قليلاً، وربّما بعد فوات الأوان.

                                             5- العقـاب الجسدي :

       ســؤال:

   " يقول التربويون: إنّ العقاب الجسدي لا يجدب نفعاً في التربية.. ولكّن الواقع يثبت إنّ بعض الأطفال لا يستجيبون إلاّ من خلال العقوبة / الضرب.. فإلى أي مدى يُقبل ذلك..؟"

      جــواب:

   إنّ أي عقاب للأطفال،من أنواع العقاب الجسدي، مرفوض–من حيث المبدأ-كأسلوب تربوي رفضاً قاطعاً، مهما كانت الدواعي لاستخدامه أو ضروراته، كما يتذرّع بعض الوالدين والمربّين.. لأنّ هذا النوع من العقاب قد أثبت فشله تماماً، في معالجة الكثير من المواقف السلوكيّة غير السوية، عند الأطفال، الصغار منهم والكبار.

    يقول علماء التربية في معالجة سلوكات الأطفال المنحرفة وأعمالهم غير المقبولة، إنّ الثناء أفضل من التأنيب، والتأنيب أفضل من العقاب.. والعقاب أفضل من التجاهل.. وهذا يعني أنّ العقاب يأتي في المرتبة الأخيرة في معالجة تصرّفات الطفل غير السويّة. ولكن إذا كان العقاب الجسدي مرفوضاً، شكلاً وممارسة، فأي عقاب إذن يمكن أن يكون فاعلاً ومجدياً في التعامل من أجل ضبط سلوكات بعض الأطفال؟

   يتّفق الباحثون التربويّون والنفسيّون معاً،  على أنّ العقاب المعنوي هو أفضل من العقاب الجسدي، وأكثر نجاعة في معالجة سلوكات الطفل غير المقبولة، كحرمان الطفل مثلاً-وإن كان بصورة مؤقّتة- من لعبة يحبّها، أو من حاجة يريد الحصول عليها، أو من طلب يرغب في تلبينه، أو من مكان يريد الذهاب إليه، كالحديقة أو الملعب أو النادي.. وغيرها من الأمور التي يقدّرها الوالدان بدقّة وموضوعية، على أن يترافق هذا الحرمان بالتوجيه والإرشاد من قبلهما، لكي يقتنع الطفل به دون أن يترك أي أثر سلبي في نفسه، وبحيث يدرك الطفل أنّ ما الحرمان الذي فرضه الوالدان بحقّه، بقدر الفعل غير اللائق الذي قام به.  ولا ينسى الآباء والأمهات، أن تعويد الطفل على الأسلوب المناسب للتعامل معه وتقويم سلوكاته وتصويبها، أو تعزيزها، أو ممكن ومنذ المراحل المبكرة، حيث يتمّ ذلك من خلال المناقشة والتبرير، والإقناع والحزم، والتوافق بين الوالدين.                                                                                                                                                                                                                   6- تمييز الوالدين في محبّة الأبناء :              

    ســؤال:

   " ثمّة أب لثلاثة أبناء.. يشعر بين الحين والآخر أنّه يحبّ أحدهم أكثر من الآخرين.. يلوم نفسه ويحاول أن لا يظهر هذا الشعور أمامهم، ولكن دون جدوى.. ماذا يعمل..؟ "

 

      جــواب:

   ليس ثمّة شكّ في أنّ الآباء والأمّهات جميعهم –وبلا استثناء-يحبّون أبناءهم ويعملون ما في وسعهم لتوزيع حبّهم على الأبناء بالعدل والتساوي، وإن كانت ثمّة حالات استثنائية نادرة جدّاً. ولكن يلاحظ –أحياناً- أنّه على الرغم من الجهود التي يبذلها الوالدان في هذا المجال، فإنّه يستحيل أن يشعر أحدهما بشعور واحد تجاه الأبناء جميعهم، سواء تعمّدوا ذلك أم لا. وهذا أمر طبيعي إذا ما أخذت في الحسبان الفروقات بين الأبناء، ولا سيّما الفروقات الجسدية والنفسيّة.

    قد تختلف معاملة الوالدين للأبناء، في حال عدم توزيع المحبّة فيما بينهم، وهذا أمر مألوف ولا يمكن تجاهله، شريطة ألاّ تأخذ هذه المعاملة شكلاً تمييزيّاً ظاهرياً يلحظه الأبناء في تصرّفات الوالدين، بحيث يؤدّي هذا التمييز إلى خلق نوع من الحساسيّة بينهم، تنقلب بالتالي إلى نوع من الغيرة أو الكراهيّة.. ممّا يعكّر أجواء العلاقات العامة في الأسرة، ويخلق عند الأبناء حالة من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي، قد يصعب التخلّص منها.

    إنّ من واجب الآباء والأمهات –وهذا بمقدورهم-أن يعملوا كلّ ما في وسعهم لكي يمنحوا أبناءهم أصدق ما لديهم من مشاعر الحبّ والعطف والاحترام.. وأن يكونوا عادلين قدر المستطاع  في توزيع هذه المشاعر، حتى وأن وجد أحد الأبناء (ابن أو ابنة) بحاجة إلى مراعاة خاصة أكثر من الآخرين، بسبب وضع معيّن له، جسديّاً كان أو نفسيّاً..ويمكن للوالدين –في هذه الحال- أن يوجّهوا عطف أخوته ومحبتهم له، بدلاً من أن يتكوّن  لديهم أي نوع من المشاعر السلبية تجاهه.

    وكلّما استطاع الوالدان ترجمة مشاعرهما تجاه الأبناء، بموضوعيّة ومصداقيّة، كان دورهما التربوي أكثر فاعليّة في تأمين عوامل النموّ السليم للأبناء جميعهم.. ويكسبا بالتالي ثقة الأبناء في إطار الحفاظ على تماسك الأسرة وتآلفها.

                  7 - تعلّق الطفل بأمّه :

     ســؤال:

   " يلاحظ أنّ بعض الأطفال يبقون متعلّقين بأمهاتهم حتى السنة الرابعة، وربّما أكثر.. ما طبيعة هذه العلاقة؟ وما تأثيراتها الإيجابية والسلبية في نموّ الطفل..؟

 

     جــواب:

   من المعروف أنّ للطفل –في سنوات عمره الأولى – حاجات جسميّة ونفسيّة هامة، لا يستطيع أحد تلبيتها إلاّ الأم، وإن كان للأب دور محدود في ذلك، وغير مباشر. فقد أكّدت بحوث عديدة (تربوية ونفسيّة واجتماعيّة) أهميّة العلاقة بين الطفل وأمّه، في هذه المرحلة من أجل ضمان نموّه السليم، ولا سيّما من الجوانب الجسديّة والعقلية والنفسيّة، حيث يرتبط الطفل مع أمّه بعلاقة عضوية/ نفسيّة، مبنيّة على العطف والحبّ والأمان.

    لكنّ هذه العلاقة، فيما لو استمرّت لسنوات أخرى- فإنّها ستصبح مشكلة نفسية واجتماعية معاً، حيث يكون فطام (إبعاد) الطفل عن أمّه من الوجهة النفسيّة، أصعب من الفطام عن الحليب من الوجهة الفيزيولوجيّة.. وقد ينتج عن هذا الفطام النفسي، تأثيرات سلبية تنعكس في تصرّفات الطفل، قد لا يتخلّص منها إلاّ بعد حين.

    وفي المقابل، قد تكون العلاقة الحميمة بين الطفل وأمّه، مفقودة لسبب من الأسباب أدّى إلى ابتعادها عنه. فإذا لم يتوافر للطفل في هذه الحال- بناء علاقة بديلة مع شخص آخر يمكن أن يحلّ محلّ أمّه، فقد ينتج عن هذا الفقدان أيضاً، تأثيرات سلبية في نموّه العام، ولا سيّما النموّ العاطفي / الانفعالي، والذي يؤثّر يدوره في النموّ العقلي، حيث يحصل (قصور عقلي) في بعض الحالات الشديدة.

    واستناداً إلى ما سبق، يبدو أنّ دور العلاقة الإيجابية / المتوازنة بين الطفل وأمّه، في السنوات الأولى من العمر، يكتسب أهميّة خاصة بالنظر لضرورة هذه العلاقة بالنسبة لنموّ الطفل واستقراره العاطفي. وقد أثبتت الدراسات النفسيّة أنّ إشباع حاجات الطفل بالقدر المطلوب أفضل من حرمانه، وأنّ التساهل في معاملته –أحياناً- أفضل من ممارسة الضغط عليه وقهره.

    وهذا كلّه يؤكّد ضرورة وضع الطفل في أجواء أسرية هادئة وآمنة، تهيئها الأم من خلال تعاملها معه بأسلوب عاطفي معقلن، يسهم في تحديد الأسس لشخصيّته المستقبليّة.

                              8- مصّ الأصابع عند الأطفال :

    ســؤال:

   " نسمع كثيراً، أنّ ظاهرة مصّ الأصابع عند الأطفال، عادة غير مستحبّة ولها تأثيرات سلبية. لماذا يمصّ بعض الأطفال أصابعهم حتى سنّ متأخرة؟ وما هي مضار هذه العادة..؟ "

   جــواب:

   إنّ ظاهرة (مصّ الأصابع) منتشرة على نطاق واسع، عند الكثيرين من الأطفال الذين لم يبلغوا السنّ الخامسة بعد، وربّما السادسة. وقد أثبتت دراسات نفسيّة على عينات مختلفة من الأطفال الذين يمارسن هذه العمليّة، أنّ عمليّة المصّ هذه، تعطي الطفل شعوراً داخليّاً وهميّاً (مزيّفاً) بالراحة والشبع والاسترخاء، حتى  تصل عند بعض  الأطفال إلى حدّ غادة الإدمان.. حيث يقومون بممارستها عند شعورهم بالخوف أو الجوع أو النعاس.. أو طلباً للمتعة والتسلية والاستمتاع.. وهنا تصبح عملية مصّ الأصابع مشكلّة بالنسبة للطفل والأسرة، تستوجب إيجاد الحلّ السريع لتخليص الطفل منها، وتلافي تأثيراتها السلبية، الصحيّة والنفسيّة.

   ومهما يكن الدافع عند الطفل لمصّ أصابعه، فإنّ ممارسة هذه العملية بصورة مستمرّة –ولسنوات عدّة- تؤدّي إلى صعوبات في عمليّات المضغ والتنفّس، كما تؤدّي إلى تشوّه الأسنان وبروزها إلى الخارج أو التوائها إلى الداخل، ممّا ينتج عنه أيضاً تشوّه في إطباق الفمّ والفكّين..يضاف إلى ذلك جملة من الآثار النفسيّة التي تتجلّى في انقطاع الطفل الذي يمارس هذه العادة، عن العالم الاجتماعي / الخارجي المحيط به، وشروده وانهماكه بذاته، فيسخر منه رفاقه إذا ما استمرّ في ممارسة هذه العادة لسنوات متقدّمة.

   ولذلك تنصح الأم التي تلاحظ هذه الظاهرة عند طفلها، في وقت مبكر، بأن تعمد إلى تعويد الطفل على استخدام المصّاصة الكاذبة (اللهّاية)، وحتى السنة الثالثة كحدّ أقصى، مع إشعاره بالحب والأمن من خلال التقرّب إليه ومداعبته، ومكافأته على كلّ سلوك مرغوب يقوم به، بدلاً من مصّ الأصابع أو اللهاية.. وهكذا إلى أن يتخلّص من العمليتين معاً، ومن تلقاء ذاته.

                                    9- صعوبة إيقاظ الطفل صباحاً :

      ســؤال:

   " طفل في السادسة من عمره، تجد أمّه صعوبة في إيقاظه كلّ صباح لكي يذهب إلى المدرسة، سواء بالترغيب أو بالترهيب.. ما أسباب هذه المشكلة، وما هي الطريقة المناسبة لإيقاظ الطفل دون تأثير سلبي عليه.؟ "

      جــواب:

   إنّ هذه الطاهرة ليست غريبة، وهي منتشرة بين الأطفال، ولا سيّما أولئك الذين لم يتعوّدوا بعد على الاستيقاظ التلقائي، أو المرتبط بالنظام المدرسي المحدّد.. وثمّة أسباب متعدّدة لهذه الظاهرة، تختلف بين طفل وآخر، والتي من أبرزها:

-  محبّة الطفل للنوم بحسب طبيعة تكوينه الجسمي، أو بسبب مرض يعاني منه.

- ترك الطفل ينام إلى متى يشاء، وعدم تعويده على الاستيقاظ المبكر أو في ساعة محدّدة.

-  لعب الطفل ونشاطه الزائد في أثناء النهار، ممّا يسبّب له التعب والإنهاك.

- السهر الطويل، ولا سيّما أمام التلفاز، وما ينجم عنه من إرهاق الطفل وحاجته إلى النوم.

- عدم محبّة الطفل المدرسة بسبب مضايقات يعاني منها، وبالتالي عدم رغبته في الذهاب إليها.                           ـ الأحلام المزعجة والكوابيس التي يتعرّض لها الطفل في أثناء النوم، بسبب قسوة المعاملة الوالدية أو الأخوة، ممّا يشعر بالحاجة إلى النوم.

   أمّا الحلّ المناسب في هذه الحالة، فيكمن في تقصّي الوالدين الأسباب الكامنة وراء صعوبة إيقاظ الطفل من قبل أمّه، أو لنقل استيقاظه بشكل تلقائي. ويكون ذلك بعرض الطفل أولاً، على طبيب مختصّ للتأكّد من حالة الطفل الصحيّة، ومن ثمّ الاتصال بالمدرسة لتعرّف واقع الطفل الاجتماعي فيها وتصرّفاته مع رفاقه. إضافة إلى تعرّف الوالدين فيما إذا كان الطفل يعاني من معاملتهما أو معاملة أخوته.

     والخلاصة، لا بدّ من دراسة شاملة لوضع الطفل، الذاتي والاجتماعي، والعمل على تلافي الأسباب، ومن ثمّ تنظيم أوقات النشاط اليومي للطفل، وإبعاده عن كلّ ما يسبّب له الخوف والإزعاج، بحيث ينام باكراً وهو مرتاح، ويتمّ إيقاظه في الوقت المناسب بطريقة ودّية ولطيفة، ريثما يتمكّن من الاستيقاظ من تلقاء ذاته. 

                                                 10- الطفل ونقاش الوالدين :

      ســؤال:

   " ينزعج الطفل كثيراً وينفعل، عندما يرى والديه يتناقشان بأسلوب حادّ، ويعتقد أنّهما على خلاف مستمرّ..يسأل أمّه بين الحين والآخر: تقولين إنّك وأبي متحابّان..فلماذا تتشاجران؟  كيف يمكن إقناع الطفل بأنّ هذا النقاش ليس شجاراً..؟

   جــواب:

    إنّ من الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها الوالدان، من دون أن ينتبها إلى تأثيراها السلبية المباشرة في نفوس الأطفال، هي تلك المناقشة الحادة التي تجري بينهما، وأمام الأطفال ولا سيّما الصغار منهم،  إذا ما اختلفا على أمر من الأمور. ويعتقد الوالدان أنّ هؤلاء الصغار لا يدركون أبعاد ما يحدث أمامهم، وبالتالي لا يتأثرون به.. ولكنّ الواقع يثبت غير ذلك.
   لا شكّ أن الطفل الذي يشهد –وهو في سنيّه الأولى – نقاشات حادّة أو خلافات كثيرة بين والديه حول أمر من الأمور المختلفة، سيختزن صور هذه المشاهد في ذهنه، وستبقى معه إلى سنوات متقدّمة في حياته، ولا سيّما إذا ما تعزّزت بممارسات في فترات متقاربة. ولذلك، فإنّه ليس من المستغرب أن يشعر الطفل بالقلق والحيرة، ويذهب إلى أمّه متسائلاً لكي يحصل على الجواب الذي يخرجه من معاناته.
   فكثيرون هم الأطفال الصغار الذين يملؤهم شعور الخوف  والقلق، من مجرّد سماع الأب والأم وهما يتجادلان أو يتناقشان بصوت عالٍ.. وتنتابهم حالة من فقدان الأمن والاطمئنان في الأسرة، تصل بهم إلى حدّ الشرود الذهني وعدم التكيّف الاجتماعي، والفشل الدراسي.
    ولذلك ينصح الوالدان بالابتعاد عن اللهجة العنيفة في أثناء مناقشتهما أمام الأطفال،لأي أمر من الأمور الخاصة أو العامة، وأن يظهرا قدراً كبيراً من الاحترام فيما بينهما، لتلافي التأثيرات السلبية التي قد تحدث للأطفال. وإذا كان لا بدّ من هذه المناقشة، فلتكن بعيدة عن الأطفال. وإذا كان من حقّ الطفل أن يسأل أمّه: لماذا تعيشان معاً؟ وهو يتصوّر المعاملة متناقضة بين والديه.. فيجب أن يكون الجواب دائماً: " لأنّ كلّ منّا يحبّ الآخر.. وأنّ أي نقاش بيننا وإن اختلفنا- لا يقلّل من أهميّة هذا الحبّ أو يضعف من قوّته.." 

                                      11- استجابة الوالدين لمطالب الأطفال :

      ســؤال:

   " يختلف الزوجان في أحيان كثيرة، حول الاستجابة لمطالب الأطفال، حيث يصل الرفض إلى حدّ الحرمان.. ما هي الوسائل التربوية المجدية في هذه الاستجابة..؟ "

   جــواب:

   إنّ أطفال اليوم هم رجال المستقبل، ومن مسؤوليات التربية عامة والتربية الأسرية خاصّة، أن تعدّهم لكي يكونوا أعضاء فاعلين في حياتهم المستقبلية، الخاصة والعامة. وإذا كانت جوانب هذا الإعداد كثيرة ومتنوّعة، فإنّ من أولوياتها تعريف الطفل / الفرد بواجباته وحقوقه في إطار المسموح والمحظور، وبما يتوافق مع المتطلّبات الذاتية ومقتضيات الظروف الاجتماعية / الاقتصادية في الأسرة. وهذا يتجلّى في قدرة الوالدين على التعامل مع متطلّبات الطفل، بحيث تقال له كلمة (نعم) أو كلمة (لا) في الوقت المناسب، وبلا تردّد أو تهاون.

 إنّ طلبات الطفل كثيرة، وقد تصل إلى درجة إرهاق الولدين وعجزهما عن تأمينها بالشكل المطلوب.. ولذلك، فإن الطفل ومنذ سنواته الأولى– ومن الوجهة التربوية – بحاجة إلى أن يسمع كلمة ((نعم) في الاستجابة لمطالبه الضرورية، وحاجاته الأساسيّة. كما أنّه – في الوقت ذاته – بحاجة أيضاً إلى أن يسمع كلمة (لا)، في الاستجابة للمتطلّبات التي لا ضرورة لها، كما في السلوكات غير المقبولة التي يبديها، حيث يدفعه (القبول والرفض) إلى اكتشاف المحيط الذي يعيش فيه، بشكل أفضل، من خلال معرفة جوانبه الإيجابية والسلبية، والعلاقات التي تنظّم أفراده، فيسهل عليه التكيّف مع هذا المحيط بصورة تدريجيّة.

    وإذا كانت كلمة (لا) ضرورية للتعبير عن الرفض الحاسم في الوقت اللازم، فمن المناسب أن تأتي هذه الكلمة بلهجة هادئه وحازمة في الوقت ذاته، وبالاتفاق بين الوالدين معاً، بحيث تكون مقنعة للطفل، ومساعد له في إدراك نتائج متطلّباته والمواقف التي يتّخذها حيالها. فيعتاد الطفل على تقبّل الرفض الموضوعي، من دون أن يترك لديه أية صدمات نفسيّة أو اجتماعية، قد تعوّق نموّه وتطوّره كشخصيّة متفرّدة بذاتها.

                                  12- الأطفال ومقاطعة كلام الوالدين

      ســؤال:

   " طفلة في السابعة من عمرها، تقاطع أمّها في الكلام وهي تتحدّث إلى صديقتها، ممّا يسبّب للأم الحرج والانزعاج.. ماذا يمكن للأمّ أن تفعل مع طفلتها..؟

   جــواب:

   يبدو أنّ هذه الطفلة وصلت إلى هذا السلوك واعتادت عليه، دون أن تلقى رادعاً من والديها، يوقفها عند حدّ معيّن. ولذلك لم تكتسب ما يسمّى (بآداب الحديث)، الذي يؤهّلها لكيفيّة الاستماع لحديث الآخرين، والمشاركة فيه عندما تكون الفرصة مناسبة.

    أمّا كيفيّة الحلّ وقد وصلت الطفلة إلى هذه المرحلة، فتتركّز حول إقناع الطفلة بأسلوب ودّي ومهذب، أنّ عليها التقيّد بأصول الاستماع إلى حديث الآخرين ريثما ينتهي، وتتحدّث عندما يسمح لها بذلك.. وإذا لم تستطع أن تستمرّ في الاستماع لأي متحدّث، وتريد أن تقاطعه بقصد الاستفسار أو التوضيح، فمن الواجب أن تستأذن منه بقولها: (اعذرني أو معذرة المقاطعة) ثمّ تسأله السؤال الذي تريد أن تطرحه.

     ولكن إذا حاولت الطفلة أن تقاطع المتحدّث / المتحدّثة، مرّات عدّة، وإن طلبت الاستئذان، فما على الأم إلاّ أن تنبّهها بأنّ هذا السلوك غير مستحبّ لأنّه يزعج المتحدّث، وبالتالي فإنّه لا يسمح للأم أن تواصل حديثها مع صديقتها بالشكل اللائق.. سواء كان التنبيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وإذا لم تكفّ الطفلة عن المقاطعة، فيستحسن عندها أن ترسلها إمّا بمفردها، أو مع ابنة صديقتها إن وجدت، إلى غرفة أخرى. وعندها تستطيع الأم التحادث مع صديقتها بهدوء واحترام.

    وتنصح الأم –إضافة إلى هذه الإجراءات – عندما تكون مع طفلتها، بأن تجري مناقشة معها حول آداب الحديث واحترام الآخرين عندما يتحدّثون، وتوضّح لها الوقت المسموح به لمقاطعة المتحدّث، وعند الضرورة الملحّة التي تتطلّب المقاطعة، من دون إزعاجه. ولكي تدرك الطفلة هذه الأمور وتقتنع بها، ينبغي على الأم أن تقدّم لها بعض الأمثلة، وتناقشها فيما يمكن التدخّل فيه وما لا يمكن.

    وهكذا يمكن أن يسمح للطفلة، وبالتدريج، أن تشترك بجديّة –أحياناً- في مناقشات الكبار وأحاديثهم، وهي مطمئنّة إلى أنّها ستنال اهتمامهم واحترامهم.

                                   13- الطفل واحترام الوالدين :

      ســؤال:

   " طفل عمره أربع سنوات، يستخدم عبارات الاحترام مع الناس الآخرين، مثل: (من فضلك.. شكراً لك..) ولكنّه لا يستخدمها مع والديه.. ما أسباب ذلك؟  وكيف يمكن جعل الطفل يستخدم هذه البارات في البيت؟ "

   جــواب:

   قد يبدو للوهلة الأولى، أنّ ثمّة سرّ ما في موقف الطفل، يكمن في تعامل الوالدين معه ونظرتهما إليه.. ولذلك، فإنّ معالجة وضع الطفل، تقع  على الوالدين، ولا سيّما الأم بالدرجة الأولى.باعتبارها الأكثر قرباً منه، والأشدّ تأثيراً في إكسابه أيّ سلوك.

    فإذا طلب الطفل شيئاً ما يرغب في الحصول عليه، تحاول الأم أن تتجاهله لفترة معيّنة. وإذا ما كرّر الطفل طلبه، تقول له الأم بهدوء وبلهجة تتّسم بالارتياح والإصرار معاً: " إنّني أقدّر طلبك يا بنيّ، وأنا مستعدّة لتلبيته فيما إذا قلت لي: من فضلك أريد... "  وهكذا، ومن خلال إصرار الوالدين على أن يقول الطفل عبارة (من فضلك) قبل أن يلبّى طلبه، ومن ثمّ عبارة (شكراً لك) بعد الاستجابة لطلبه،  فإنّه سيكتسب هذا السلوك المهذّب ويصبح بالتدريج، عادة حسنة وأصيلة عنده.

    ولكن إذا وجدت الأم –في البداية- أن عملية وصول الطفل إلى قول عبارة: " من فضلك.. أو شكراً لك " ستتحوّل بها إلى مواجهة (صراع) معه، فما عليها إلاّ أن تتخلّى عنها بصورة مؤقّتة، وتستخدم كلمات تشجيعيّة مثل: " حَسَن.. هكذا.. بالضبط.." وذلك كلّما قال: (من فضلك.. أو شكراً لك..). ولا ضير من أن تقدّم له، في الوقت ذاته، نوعاً من الكعك أو الحلوى التي يحبّها، كداعم تعزيزي.

    ولكن على الأمّ أن تتذكرّ أيضاً، ومن واجبها في تقديم القدوة للطفل، أن تقول في أثناء حديثها أو تعاملها مع الطفل: " من فضلك.. شكراً لك.." وسيفهم الطفل بدوره ما أهميّة العبارات اللطيفة في مخاطبة الناس، وكم سيكون شعورهم عظيماً عندما يتعاملون باحترام.

                                      14- الفروق الفرديّة بين الأطفال :

      ســؤال:

   " ثلاثة أطفال في أسرة.. يختلف كلّ منهم عن الآخر في الطباع والقدرات الشخصيّة والاجتماعية.. إلى أيّ مدى يمكن التوفيق في التعامل معهم..؟ "

      جــواب:

   الفروقات الفرديّة بين الناس موجودة، حقيقة لا يمكن تجاهلها، حتى بين الأخوة في الأسرة الواحدة. وأكثر ما تتجلّى هذه الفروقات في الاستعدادات التعليمية والقابليات العمليّة، وفي بعض جوانب القدرات الانفعالية. وقد أشارت معظم الدراسات التربوية والنفسيّة إلى أهميّة هذه الفروقات في التكون العام لشخصّية الفرد، وتحديد نمط حياته. وهذا ما يوجب على الوالدين والمربّين أخذه في الحسبان في أثناء العملية التربوية، لكي تعطي التربية نتائجها الفعّالة لدى كلّ طفل / فرد.

    إنّ الاختلاف بين الأطفال / الأبناء في الأسرة الواحدة، أو ما اصطلح على تسميته نفسياً وتربوياً (الفروق الفرديّة)، من حيث الذكاء أو الطبع أو القدرات العقلية والمهارات الحركيّة، يجع في بعض جوانبه الأساسيّة إلى تركيب البنية الوراثيّة لكلّ منهم، والتي تشكّلت من تفاعل المورّثات الوالدية (الأب والأم)، مع ظروف الحياة الجنينيّة التي عاشها كلّ منهم في أثثاء قترة الحمل، بما في ذلك حالة الأم الجسدية والانفعالية..

    وتأتي البيئة الأسرية / التربوية بعد الولادة، لتفعّل هذه المورّثات (الاستعدادات والقدرات)، من خلال المؤثّرات التربوية المختلفة، داخل الأسرة وخارجها.. فإمّا أن تحسّن فيها فتصقلها وتهذّبها وإمّا أن تسيء إليها فتخمدها أو تضعفها. ولكنّ البيئة التربوية –مهما يكن الحال- لا تستطيع أن تلغي هذه المورّثات أو تستبدلها.

    فالتربية الأسرية السليمة، تستطيع بمؤثّراتها وأساليب تعاملها مع الأطفال / الأبناء، أن تضيّق فيما بين هذه الفروقات، وتقرّب ما بين السلوكات العامة عند الأبناء.. وهنا تتجلّى قدرة الوالدين التربوية، حيث يتمّ التعامل مع كلّ طفل بما يتناسب مع تكوينه الجسدي ونسيجه النفسي والعقلي. وبذلك توفّر الأسرة الأجواء التربوية / النفسيّة لضمان نموّ الأطفال جميعهم، بصورة سليمة ومتوازنة.

                                 15 - الطفل والاعتماد على الذات :

      ســؤال:

   " طفل في التاسعة من عمره، قليل الاعتماد على ذاته، سواء في قضاء حاجاته الخاصة أو في دراسته.. يتلكأ ولا يفعل شيئاً إلاّ بمساعدة الوالدين.. ما هو الأسلوب المجدي للتعامل مع هذا الطفل لكي يعتمد على ذاته..؟ "

    جــواب:

    تعدّ صفة الاعتماد على الذات، من القيم النفسيّة / الذاتية المكتسبة، الأساسيّة والضرورية التي تقوم بدور كبير في عمليّة تكيّف الإنسان / الشخص، كبيراً كان أو صغيراً، مع ذاته أولاً ومع الناس الآخرين ثانياً. ولذلك، فإنّ من المسؤوليات التربوية للأسرة، أن تقوم بتعويد الأبناء الاعتماد على ذواتهم منذ الصغر، سواء من خلال إعمالهم الخاصة، أو من خلال أعمال يكلّفون بها داخل البيت أو خارجه، مع تعزيزهم على أي عمل ينجزونه.

    فالطفل(الطفلة) الذي يعتاد على أن لا يقوم بأي عمل إلاّ بمساعدة والديه، ولا سيّما إذا كان له ترتيب خاص بين أخوته – الذكر الوحيد أو الطفل الصغير – أو كان له وضع نفسي أو صحيّ مميّز، سيصل –بلا أدنى شكّ –إلى حالة من التواكل التام، وعدم القدرة على إنجاز أي عمل من دون مساعدة الآخرين. وفي ذلك خطأ تربوي يرتكبه الوالدان بحقّ الطفل، ومن الضروري أن يعملا على إصلاح هذا الخطأ، وبالسرعة الممكنة،  لكي لا يستمرّ مع الطفل إلى مراحل متقدّمة من عمره، ويصبح مشكلة تؤثّر في حياته الخاصة والعامة.

    إنّ أفضل طريقة لتعويد الطفل الاعتماد على ذاته – في هذه الحال – هي أن يمتنع الوالدان عن مساعدة الطفل بين حين وآخر بحسب تقديرهما. وإذا ما قدّما له مساعدة ما، فيجب أن تكون  بصورة غير مباشرة، وعدم إشعاره بها إلاّ في حالات ضرورية جدّاً، حيث يصل إلى مرحلة العجز التام عن تنفيذ عمله، على أن تترافق هذه المساعدة بالضبط والحزم من الوالدين معاً، حتى لا يستغلّ الطفل أحدهما على حساب الآخر.

وبذلك تتعزّز –تدريجيّاً -ثقة الطفل بنفسه، وهو يشعر بالرضى الذاتي عن النجاح الذي يحرزه نتيجة قيامه بواجباته، إضافة إلى ما يناله من رضا المحيطين به وإظهار ثقتهم بقدراته وإمكاناته.. شريطة عدم المبالغة في مدح الطفل لكي لا يحمل أكثر ممّا يحتمل، بحيث لا يصاب بالفشل إذا قام بعمل أكبر من طاقته، وتكون النتائج معاكسة لما هو مطلوب منه. وهذا كلّه يعتمد على وعي الوالدين وقدرتهما على تفعيل قدرات الطفل بصورة إيجابية.                                                                                                16- مناداة الطفل والديه.. بالاسم :

     ســؤال:

   " طفلة في السادسة من عمرها، تنادي والدها باسمه (تدلّعه)، وهو يحبّها كثيراً ولم يستطع أن يمنعها من ذلك، على الرغم من محاولاته المتكرّرة.. أين الخطأ التربوي هنا..؟ وكيف يمكن تصحيح هذا الخطأ؟ "

      جــواب:

   يبدو أنّ الأب الكريم، في هذه الحالة – قد أكثر وما زال يكثر، من تدليل ابنته حتى وصل إلى درجة الإفراط المؤذي، له ولابنته على حدّ سواء. لأنّ الإفراط في تدليل الأطفال، سمة سلبية في المعاملة شأنها في ذلك شأن المعاملة القاسية التي تقوم على المنع والحرمان. فالمعاملة التربوية المتوازنة، التي يجب إن يستخدمها الوالدان، هي المعاملة التي تنتفي منها الليونة والدلال إلى درجة عدم احترام الأبناء للآباء، وتنتفي منها كذلك الشدّة والقسوة إلى درجة التسلّط والنفور، ممّا يبعد المسافة بين الآباء والأبناء.

    وممّا لا شكّ فيه، أن الناس المحيطين بالطفلة، المعنية بالسؤال هنا، سواء من أفراد أسرتها أو من أقربائها، كانوا وما زالوا يطلبون منها أن تنادي والدها باسمه (الدلع) وهم يردّونه قبلها، والأب بدوره، يرضى عن هذه المناداة ويرتاح لها.. وهكذا اعتادت الطفلة منذ الصغر على ذلك، تردّده وتستمتع به، حتى أمام الغرباء، بينما صار الأب –في المقابل-يتضايق من هذه المناداة وينزعج من سماع هذا الاسم.

    إنّه لمن المألوف والمعروف، أنّ الوالدين يدلّعان أسماء أطفالهم، أمّا أن يدلّع الأبناء أحد الوالدين بالمناداة باسمه، فهذا غير مألوف، وإن وجد فهو قليل جداً ونادر، إلاّ في مناسبات محدودة.

    وأمام الحالة التي نحن بصددها، يتوجّب على الأب أن يجلس مع طفلته بين الحين والآخر، وينبّهها إلى الخطأ في مناداته بهذا الاسم، ولا سيّما أما الآخرين الذي يجدون فيه عدم احترامها ومحبّتها لوالدها، وهي التي تحبّ والدها ولا تريد الإساءة إليها.. ويطلب منها أن تناديه بعبارات بديلة، مثل: (بابا حبيبي.. بابا حياتي..) ويفهمها شيئاً فشيئاً بهدوء ومن دون استفزاز أو تهديد، معنى الآداب العامة في مخاطبة الوالدين، والناس الآخرين.

    وبما أنّ الطفل تحبّ والدها مثلما يحبّها، فإنّها ستستجيب له وستحافظ على اسمه ومحبّته..

تعليقات

  1. سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله واكبر

    ردحذف
  2. سبحن الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر

    ردحذف
  3. سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر

    ردحذف

إرسال تعليق

مرحبا بتعليقك عبر عن رائيك شاركنا....

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مفهوم التربية الأخلاقية وأهدافها واهميتها طرائقه

  أولاً- مفهوم التربية الأخلاقية وأبعادها  يجمع المربون على أنّ تنمية القيم الأخلاقية في نفوس الناشئة، جزء أساس من عناصر التربية العامة، وأنّ كلّ تربية تخلو من العناصر الأخلاقية، ما هي إلاّ تربية عديمة الجدوى.  فتربية الشخصية المتكاملة والمتوازنة، لا تتحقّق إلاّ مع التربية الأخلاقية السليمة، باعتبار أنّ الأخلاق إذا ما تأصّلت في ذات الفرد، تصبح قوّة دافعة للسلوك والعمل والتعامل الإيجابي والفعّال.  وانطلاقاً من هذه الأهميّة للأخلاق والقيم والأخلاقية، فقد جهد الباحثون والدارسون، في إعطاء مفهومات للتربية الأخلاقية، من جوانبها المختلفة.  فعرّفت التربية الأخلاقية من حيث تعليم القيم الأخلاقية، بأنّها: التعليم المباشر وغير المباشر للأخلاق بهدف التعرّف إلى قيمة السلوك الخيّر أو الخُلقي، في ذاته من جهة، وبالنسبة للأفراد والمجتمع من جهة أخرى، وتحليل المبادىء التي تتحدّد في ضوئها هذه القيمة أو تلك..  أي أنّ التربية الأخلاقية هي: تعليم المبادىء الأخلاقية وممارستها، أو هي تكوين بصيرة  أخلاقية عند الطفل / الفرد، يمكنه بها التمييز بين سلوكي الخير والشرّ.  ...

العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية

     تمتاز التربية الأسرية بأنّهما عمليّة نفسيّة – اجتماعية، يخضع لها الفرد (الكائن البشري) من ولادته حتى نضجه، حيث يصبح شخصاً اجتماعيّاً كامل الصفات والموجبات اللازمة لعضويته الاجتماعيّة.وتقوم هذه العملية على التفاعل بين الطفل والأسرة، من خلال مجموعة من الروابط والعلاقات التي تنظّم حياة الأسرة، وتحدّد دور كلّ فرد فيها..وثمّة عوامل مؤثّرة في هذه العلاقات، تتمثّل في أوضاع الأسرة: (العاطفية والأخلاقية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية)، حيث تتفاعل هذه العوامل فيما بينها، لتشكّل طبيعة النظام الأسري الذي ينعكس بدور على تربية الأبناء وتنشئتهم، بصورة إيجابية أو سلبيّة.     فما   الأوضاع الأسرية التي تؤثّر في التربية الاجتماعيّة؟ وكيف تتعامل معها الأسرة؟      أقراء أيضا :العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية أولاً- الوضع العاطفي للأسرة :         يختلف تأثير الأسرة في النمو الاجتماعي للفرد،   تبعاً لنوع الأسرة   والعلاقة العاطفية التي تربط بين أفرادها، إيجاباً أو سلباً. فعلاقة الطفل بالأب في سنو...

مرطب للبشرة

 المكونات خذي بياض بيض   ملعقة حليب  ملعقة عسل طريقة العمل واخلطيها جيدا وضعيها على الوجه لمدة 15 دقيقة ثم اغسلي وجهك  أقراء ايضا للحصول على شعر أسود لامع  وصفه مضمونه ومجربه لعمل رموش كثيفة  مرطب طبيعي للشفاه  طريقة العناية بالقدمين  وصفة لزيادة الوزن الطبيعي من 5 الى 7 كيلو فى الشهر وصفه مجربه لزياده الصدر مرطب طبيعي  لاطاله الشعر في شهر ونصف  اكليل الجبل لعلاج قشرة الشعر الدهني  وصفه لشد الوجه  وصفه لبشره صافيه و نقيه للحصول على اظافر قويه وصلبه وصفة لتكثيف الشعر  لشعر ناعم كأنه مستشور طريقه عمل زيت مساج في المنزل  مرطب طبيعي للوجه لبشرة كالحرير  طريقة تفتيح  وتنعيم الكوع والركبة تنعيم وتفتيح اليدين  طريقة نفخ الشفاه في المنزل  طريقة عمل ماسك لشد الوجه  ماسك للبشره الدهنيه  فوائد بياض البيض للبشره  توجد العديد من الفوائد التجميلية لبياض البيض منها  أنه يحارب حب الشباب  يصغر المسامات الكبيره   يقوم بالتخلص من الرؤوس السوداء يمنع انتفاخ منطقه حو...