التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مستويات الأنفعال

      يميّز الباحثون في مجال السلوك الإنساني، بين أنواع الانفعال ومستوياته، من خلال المظاهر التي يتجلّى فيها كلّ مستوى منها؛ فهناك الهيجان والعاطفة والحبّ والكره والهوى، والتوتّر النفسي والمزاج... ولكلّ منها  خصائصه وتأثيراته التي تنعكس في تفكير الشخص وتصرّفاته.  وقد يحدث أن تنحرف هذه الانفعالات عن مسار النضج السليم، الأمر الذي يؤكّد ضرورة التربية الانفعالية الملائمة للتقليل من حدّةهذه الانحرافات، وعدم حدوثها.

    وسنتاول هنا مستويين أساسيين من مستويات الانفعال وهما: الهيجان والعاطفة، حيث ينطوي كلّ منهما  على عدد من المستويات الفرعية، التي تتجلّى بأشكال متنوّعة.

أقراء ايضأ :التربية الانفعالية / الوجدانية في الأسرة

 أولاً – الهيجـان :

 1- معنى الهيجان وطبيعته:

  الهيجان حالة من الانفعال العنيف، يفاجىء صاحبه بصورة شديدة  تجعله يثور بوتيرة عالية للوهلة الأولى.. ولكنّه ما أن يصل إلى أوج عنفه بعد فترة قد لا تكون طويلة، حتى يعود الشخص إلى الهدوء بالسرعة التي انفعل فيها.

    يعرّف الهيجان بأنّه: حالة من الاضطراب النفسي والجسدي تحدث فوراً وإثر مواجهة المرء مثير مهيّج، ولكنّها لا تدوم طويلاً مثل: الخوف والفرح والغضب.

     ويستدّل من ذلك أنّ الهيجان هو الصورة القصوى من الحياة الانفعالية، وهو بالغ الأهميّة في السلوك والتكيّف.  وهو بالتالي اضطراب عام وتغيّر مفاجىء، يشمل الفرد نفساً وجسماً، ويحدث نتيجة لمثير خارجي أو منبّه داخلي.

    ولذلك يعرّف الهيجان من الوجهة الشمولية بأنّه: ردّ فعل انفعالي عارم جدّاً وشديد، يؤثّر لفترة مؤقّتة.. فالغضب والغيظ والرعب أشكال مختلفة لحالة الهيجان، كما أنّ الغيرة الجامحة والسعادة المفرطة والكره المقيت، هي حالات هيجان نفسي.. فالهيجان إذن هو ومضة برق وعاصفة مجنونة، وإعصار محتدم، حيث يفقد الإنسان عادة السيطرة على إرادته وتصرّفاته ورباطة جأشه. ومن هذه الرؤية، ينظر إلى الولع  على أنّه انفعال عاصف قويّ يلفّ الإنسان بالكامل ويخضعه لسيطرته.. لكنّ الولع يختلف عن الهيجان بديمومته وثباته، ويظهر دوماً في تركّز طاقات الإنسان وتوجيهها لبلوغ الغاية التي تجتذبه. وهذا يعني أنّ الولع يحمل شحنة انفعالية إيجابية تقوّي دافعية الإنسان  نحو تحقيق  الهدف الذي يسعى إليه، بينما يحمل الهيجان شحنة انفعالية سلبية، تعطلّ فاعلية الإنسان وتمنعها من اتخاذ الموقف المناسب..

أقراء ايضأ : العـاطفـة فى الأسرة

  2- مظاهر الهيجان:

     ثمّة مظاهر يتجلّى فيها الهيجان، بحسب شدّته أو اعتداله وتأثيراته الشخصيّة والمحيطيّة.. ولعلّ من أبرز هذه المظاهر، الغضب والخوف والمزاج..!

2/1-الغضـب:

    يعدّ الغضب أقوى شعور في قائمة الأحاسيس البشرية؛ فالطفل منذ أيامه الأولى في المجيء إلى الحياة، يشرع في التعبير عن غضبه بصورة عامة، فإذا كبر صارت طريقته في التعبير عن الغضب تأخذ إحد مظهرين: فإمّا أن يطفو غضبه على السطح، أي يعبّر عنه صراحة، إذا شعر بإحباط، فيتجسّد ذلك رفضاً أو أذىً أو استغلالاً، وإمّا أن يكبت غضبه إلى إن يظهر فيما بعد، بصورة ضعف جسدي أو ذهني أو اضطراب في العلاقات مع أفراد أسرته وأهله ومعارفه، وربّما أدّى ذلك إلى إخفاق في الحياة العملية.

    عندما يبلغ الطفل السنة الثالثة من العمر، تظهر لديه أشكال جديدة من السلوك، يصعب على الوالدين على فهمها والتعامل معه بمودّة. الأمر الذي يجعل الأهل ينظرون إلى الطفل بنظرات أشدّ صرامة وعنفاً، لكبح جماح تصرّفاته المنفلتة.

    فقبل هذه الفترة كان الطفل مطيعاً، سلس المعاشرة، رقيقاً وأنيساً، فإذا حدث وأخذ في البكاء أو الصراخ لسبب ما، يكفي أن تقدّم له قطعة من الحلوى أو لعبة جميلة، لكي يكفّ عن صراخه، ومسح الدموع التي كانت تنهمر من عينيه. أمّا الآن، فإذا أبدى رغبة في الحصول على شيء، فإنّه يصرّ على تحقيقه للتوّ، ولا يمكن إسكاته إلاّ بتحقيق ما يريد، وإلاّ راح يضرب الأرض بقدميه صارخاً، ترتسم على وجهه علامات الحنق والهياج الشديدين.

    ويظهر شعور الغضب لدى الأطفال في هذه المرحلة من العمر، وبهذه الدرجة الانفعالية ذاتها، في أثناء معاشرتهم للبالغين، لكنّه يظهر هنا على صور عناد ومشاكسة؛ وإذا كان الطفل يدرك أنّ باستطاعته استعمال قبضتيه في التعامل مع أقرانه، لانتزاع الأشياء والاستيلاء عليها يالقوّة، فإنّه يدرك في الوقت ذاته، أنّ هذا السلاح لا يجدي مع الكبار، وأنّه من الأفضل اللجوء إلى وسيلة أخرى، كالدموع أو الصراخ، أو العناد والتشبّث بما يبتغي، إلى أن يستسلموا له. وإذا ما استسلموا له في المرّة الأولى، فإنّ الصراخ في المرّة القادمة سيكون أشدّ قوّة وأطول فترة، لأنّ ذلك سيساعد الطفل – بالتأكيد – في الوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه.  

 ولا بدّ أن يتذكّر الأهل أن عملية الكبح والسيطرة على الانفعالات عند الأطفال، من خلال لجم نشاطهم الحركي ستكون ضعيفة جدّاً، ولا سيّما الأطفال في سنّ الثالثة.. وذلك لأنّ الكثير من أفعال الأطفال التي يمكن أن تسبّب الإزعاج لمن حولهم، ليست بدافع الغضب، وإنّما بدافع الخصائص المميّزة لنفسيّة الطفل في هذه المرحلة، ولا سيّما الحاجة الماسة إلى الحركة الزائدة.

 لقد اهتمّ علماء النفس عامة، وعلماء نفس الطفل خاصة، بانفعال العضب عند الإنسان، وتعمّقوا في كيفيّة التعبير عنه وتأثيراته على شخصيّة الفرد.. وتوصّلول إلى عدد من الاستنتاجات، لا بدّ للطفل أن يتعلّمها للتجكّم بانفعال الغضب. 

1- إنّ الغضب لا يعبّر دوماً عن سوء تربية،  وإنّما هو ممارسة طبيعيّة عادية. فكثير من الأطفال ينشأون وهم يعتقدون اعتقاداً خاطئاً بأنّهم لا يستطيعون الوقوف على أرض صلبة في نطاق الأسرة، إلاّ إذا كانت تصرّفاتهم لطيفة " ناعمة " أي أن لا تبدو عليهم سوى تعبيرات الحبّ والسعادة، وأنّ الانفعالات " السيئة " يجب أن تكبت وتخفى عن الأنظار.

     لكن إذا قوبل غضب الطفل بتفهّم وعطف من جانب الوالدين، فإنّه يدرك تماماً أنّ الغضب عاطفة طبيعيّة، وأنّه عنصر مقبول من عناصر حياة الناس جميعاً، فيما إذا لم تكن له تأثيرات سلبية. وفي المقابل، فقد يقابل غضب الطفل بالضرب من قبل الوالدين، وعندها يحسّ كأنّ شيئاً يصرخ من الألم في داخله، إلى جانب الألم الجسماني الذي لحق به جرّاء الضرب.

  2- إنّ هناك وسائل مقبولة للإعراب عن مشاعر الغضب، وأخرى غير مقبولة.. ففي مراحل عمره الأولى لا يكون الطفل قد أتقن وسيلة التعبير عن غضبه، ويتسامح الكبار معه في الأمور الخارجة عن قدراته. فلا يعاقب الطفل الجائع إذا ما صرخ صراخاً شديداً..! ولا يلام الطفل الصغير الذي يغضب لأنّه لم يستطع الحصول على لعبة يحبّها..

   لكن على الأطفال في نهاية المطاف، أن يتفهّموا الفرق بين اتباع الطرق المشروعة للتعبير عن مشاعر الغضب، واللجوء إلى العنف والأعمال العدائية. وأن يتعلّم الطفل  أن الناس من حوله لا يتقبّلون أسلوب الشتم واللطم والإيذاء، لأنّ هناك مقاييس تحدّد العلاقات بين الأفراد، والخروج على هذه المقاييس والتعبيرعن الغضب بالوسائل العنيفة، أمر يرفضه المجتمع.

  3- إنّ الهدف من التعبير عن الغضب هو مواجهة موقف صعب، وليس المقصود منه حلّ المشكلات كلّها. فثمّة أشخاص في حالة دائمة من الغضب، حيث أصبح الغضب عندهم طريقة يواجهون بها ما يلاقونه في حياتهم اليومية من إحباط وصراع، يعتقدون متوهّمين أنّه يمنحهم حقّ التعبير عن غضبهم حسبما يشاؤون.

    ولذلك فإنّ ما يحتاجه الطفل منذ الصغر، أن يتحاشى مثل هذا السلوك القاهر للنفس؛ فالغضب الذي يصبح عادة لا يؤدّي فقط إلى إبعاد الأصدقاء والأحباب، وإنّما يضعف الصحّة الجسدية والنفسيّة، ويذهب أيضاً بالقدرة على العمل والانتاج. وهذا يحتاج إلى تدريب الأطفال على إتقان فنّ مواجهة المواقف الاستفزازية بتبريد مشاعرهم، والهدف من ذلك هو مساعدة الطفل على أن يستعمل غضبه استعمالاً مسؤولاً، أي أن يبحث عن طريقة لتهدئة غضبه وحلّ المشكلة، بدلاً من زيادته.

   وهذا لا يتمّ إلاّ من خلال تعليم الطفل المهارات اللازمة للتحكّم بمشاعر الغضب، والتحكّم لا يعني كبت الغضب أو وضع غطاء عليه، بل يعني تغيير مساره والمحافظة على هدوء الذات وضبطها.

أقراء ايضأ: طبيعة الانفعال ونموّه وأنواعه 

   2/2- الخـوف:

   يعرّف الخوف بوجه عام، بأنّه انفعال قوي مخزّن داخل الفرد، ينتج عن إدراك حدوث خطر ما، أو توقّع حدوث هذا الخطر.. ولذلك فهوحالة (مشكلة) انفعالية مكتسبة؛ ولا يوجد انفعال يؤثّر كالخوف، في حياة الإنسان. فلولا الخوف لتعرّضت هذه الحياة  لمخاطر كثيرة تعوّق استمرارها، وتجعلها أكثر صعوبة على الصعيدين: الفردي والجماعي.. فالخوف يؤثّر في النفس الإنسانية، فيجعلها تستعدّ جسدياً وذهنياً، ومن ثمّ سلوكياً، لمواجهة هذه المخاطر وتجاوزها.

   وإذا كانت ثمةّ أنواع من الخوف الفطري، كردود الأفعال عند الأطفال الصغار، على الأصوات العالية، أو حدوث حركة مفاجئة مثيرة للانتباه..فإنّ هذه الأنواع تنتهي مع نمو الطفل وقدرته على التعامل مع المحيط.

    فالطفل عندما يعاشر أقاربه وأترابه وغيرهم من الناس الذين لا يعرفهم، تنتابه مشاعر مختلفة من الفرح والحزن، والغضب والخوف، والشفقة والخجل.. وغيرها؛ ويكون بعض هذه المشاعر عابراً وطارئاً، أمّا بعضها الآخر فيترك أثراً عميقاً في نفسيته، بينما يظلّ قسم منها راسخاً في نفسه وتظهر تأثيراته في سلوكاته فيما بعد، ولا سيّما ما يحدث منها مع شعور الخوف.

    أمّا أنواع الخوف الرئيسة فيمكن حصرها بالنوعين التاليين:

    النوع الأول: وهو الخوف البسيط الذي يتعلّق بدافع المحافظة على البقاء، ويشمل مخاوف الأطفال العادية التي تظهر في الحياة اليومية وتسهل ملاحظتها، كالخوف من الظلام والحيوانات واللصوص؛ فالظلام مثلاً هو ما يعدّه الطفل نوعاً من الوحدة حيث يترك وحيداً بلا رقابة أو طمأنينة، وهو المكان الذي يتوقّع  مجيء الأخطار منه، وهذا ما يسمّى الخوف من المجهول. والخوف من الحيوانات والأطباء والأماكن العالية، كلّها من المخاوف الموضوعية البسيطة والأكثر شيوعاً.. وعلى الوالدين أن يعرفوا ذلك ليسهل على الأطفال التغلّب على الخوف، ويصبح أمراً ممكناً .

 وإذا كانت بعض هذه المخاوف يمكن أن تزول عندما يصبح الأطفال في سنّ متقدّمة، فإنّ هناك أشكال من الخوف تبقى عند الطفل أمداً طويلاً، وقد ترافقه في حياته المستقبلية كلّها. فمن خلال الاطلاع على ذكريات المخاوف عند البالغين، يمكن أن نتفهّم خوف الأطفال بشكل أفضل، ونستخلص منه بعض الدروس والعبر، وفي مقدّمتها أنّ الخوف ليس مجرّد شعور عابر عديم الأثر على نفسيّة الطفل / الفرد. يقول أحد البالغين: " كنت في طفولتي أعاني أشدّ المعاناة من الخوف والرهبة من العتمة والظلام، ولا سيّما عندما أكون خارج البيت. والسبب في ذلك أنّني عندما كنت أبقى وحيداً في البيت، كنت أشعر بمنتهى الجزع والهول، إذ يكفي أن أسمع صوتاً حاداً في الخارج، لكي أشعر بقشعريرة تنتاب كياني كلّه، والعرق البارد يتصبّب منّي.. وما زلت حتى الآن، لا أستطيع الخروج من البيت وحيداً في الظلام.."

    نستنتج من ذلك أنّه لا يجوز أن يُترك الطفل الصغير وحيداً في البيت، مهما كانت الأسباب، ولا سيّما إذا كان البيت مظلماً يسبّب الخوف للطفل، كما لا يجوز تهديد الطفل بالطبيب أو بالشرطي، مثلما يفعل بعض الوالدين، لردع الطفل عن القيام بعمل ما، لأنّ الحقيقة التي لايمكن تجاهلها، هي أنّ كثيراً من حالات الخوف يكون الأهل سبباً أساسياً في إحداثها.

   النوع الثاني: وهو أشدّ تأثيراً من النوع الأول لأنّه يرتبط بشعور الطفل / الفرد، بالإثم نتيجة تعامل غير مرضٍ مع القائمين على توجيه سلوكه.. فقد يلجأ الآباء والأمهات لعلاج خوف الطفل بالسخرية منه، وقد يتّخذ الأخوة من هذه المخاوف وسيلة للتسلية على حساب مشاعر الطفل، وربّما يستغلّون ضعفه ويلجأون إلى تخويفه بما يخاف منه، سواء بقصد أو من دون قصد، وفي كلا الحالين يسهمون في تعقيد شخصيته، وخلق علاقة سيبئة بينه وبين أفراد أسرته، تبقيه في حالة من القلق والتوتّر ومجابهة مخاوفه بمرارة وضيق. 

   وهذا يؤكّد أنّ الخوف وغيره من الحالات الانفعالية، تعود أسبابها إلى الأخطاء  التربوية التي ترتكب في التعامل مع الأطفال.

   فالطفل يكوّن فكرته عن نفسه، أي عن ذاته، في بادىء الأمر من علاقته بالأسرة، فقد يرى نفسه محبوباً مرغوباً فيه، أو منبوذاً، أو كفوءاً أو غير كفوء..وغير ذلك من الصفات. ومن ثمّ ينشأ راضياً عن نفسه، أو نافراً منها، أو ساخطاً عليها، وغير واثق منها، فتسود حياته النفسية التوتّرات والصراعات التي تتّسم بمشاعر الضيق والعصبية، والقلق والحوف والاضطراب.

 وهذا ما ينتج عنه عدم الاستقرار، وأحلام اليقظة المخيفة، والكوابيس، والثورة والغضب لأسباب بسيطة، والتشاجر مع الأخوة أو مع الأقران، للتنفيس عن هذه المشاعر الانفعالية.

    إنّ الوقائع التي تثير الفزع (الخوف) في نفس الطفل، كثيرة ومتنوّعة، ولكن  الحادثة الواحدة قد لا تثير –بالضرورة- عند كلّ طفل المقدار ذاته من الشعور بالخوف، وذلك لأنّ الشيء المخيف لا يكون غالباً، الحادثة بحدّ ذاتها، ولإنّما تلك الصورة المخيفة التي يكوّنها الأهل في ذهن الطفل عن تلك الحادثة أو مثيرها. وهذا ما يتطلّب من الأهل المحافظة على هدوء تصرّفاتهم، حتى في تلك الحالات التي تثير الخوف عند الطفل، وأن يكونوا أكثر شجاعة منه، والاّ يستخفّوا بمشاعره تجاه ما يحدث له من مظاهر الفزع والخوف.

   ولذلك ينصح الأهل بالتصرّف الهادىء  في المواقف أو الأحداث الطارئة، التي تثير الرعب والخوف عند الأطفال، والعمل على إقناعهم بأنّ لا شيء مخيف فيها، ومساعدتهم بالتالي على التعبير عن غضبهم بصورة هادئة، وبعيدة عن التصرّفات العصبية التي قد تسيء إلى الطفل وإلى من حوله.

   فالخوف بحدّ ذاته ليس ضاراً بالشخصيّة الإنسانية، إذا ما عُرِف مصدره  وتهيأت النفس لمواجهته والتعامل معه بعقلانية؛ فثمّة خوف مرضي قد تكون له تأثيرات مطلقة عند بعض الناس، أي أنّه خوف من أي شيء ولا يربتبط بشيء محدّد، فيشعر الشخص بأنه يعيش حالة من الخوف الدائم، وليس ثمّة ما يثير الخوف الحقيقي. ولكن في المقابل، هناك خوف طبيعي، وهذا خوف ضروري ومشروع في الحدود التي تفرض على الشخص اتخاذ مواقف مناسبة، تجاه موضوعات يشعر بأنّها تنطوي على مخاطر تهدّد حقاً بعض جوانب من حياته. وهذا يحتاج إلى يقظة عقلية تدرك الصعوبات والأخطار، وتستعدّ لملاقاتها وفق ما يتطلّبه كلّ موقف من القرار والسلوك.


2/3 - المـزاج:

    يعرّف المزاج بأنّه حالة انفعالية تلوّن النشاط النفسي / السلوكي للإنسان، بألوان إيجابية أو سلبية. وينشأ المزاج – غالباً- نتيجة لتأثير انفعال معيّن  يتعرّض له الإنسان في ظروف الحياة اليوميّة؛ فعندما نتلقّى خبراً ساراً يسيطر علينا مزاج رائق  على مدى أيام، تقلّ أو تكثر بحسب طبيعة الخبر وشدّة تأثير ووقعه في نفوسنا، فنحتفظ بالابتسامة حتى وإن تلقينا صدمة إزعاج عفوية، وننجز أعمالنا بشكل أفضل وأسرع من المعتاد.. وفي المقابل، فإنّنا نضيق ذرعا بكلّ ما حولنا، إذا ما  تعكّر مزاجنا وحلّت بنا الكآبة، أو سيطر علينا الغضب، فقد نتشاجر مع الآخرين لأسباب واهية  أو ندخل في صراعات معهم لأمور صغيرة، ولا نستطيع بالتالي أن ننجز أعمالنا إلاّ بصعوبة بالغة.

   فثمّة أطفال يميلون إلى الهدوء والعزلة وعدم الاختلاط، وتحاشي العلاقات الاجتماعية.. ومنهم من يتميّز بالنشاط والميل إلى مشاركة الأقران في الأنشطة والأعمال.. وفي المقابل، ثمّة أطفال يتّسمون بالانفعال المتغيّر والشعور الرقيق (المرهف) والمهارة والحركة، بينما هناك أطفال يتّصفون بالعصبية وسهولة الاستثارة والغضب وعدم الاستقرار.. وقد تجتمع هذه السمات كلّها في طفل واحد، فنجده يتقلّب بينها، وهذا ما يعبّر عنه بالمزاج المتقلّب.

    فالأطفال الذين يعانون من عدم الاستقرار بصورة بارزة، تظهر عليهم بعض الأعراض العصبية (المزاجية) على هيئة حركات لا شعورية (تلقائية) غير إرادية، ومنها قضم الأظافر، أو حكّ الرأس  أو الرقبة إلى درجة إحداث الجروح، أو تخريب بعض الأدوات، وغير ذلك من الحركات المستهجنة وغير المقبولة اجتماعياً.. وترجع هذه الحركات إلى التوتّر الشديد الذي يعاني منه الطفل، فيحاول التخلّص منه بهذه الحركات، وبطريقة تسلّطية / قهرية، لا إرادية.. ويرى بعض علماء النفس أنّ أهمّ أسباب  عصبية الأطفال وقلقهم النفسي، يرجع إلى الشعور بالعجز أو بالعزلة، نتيجة حرمانهم من الدفء العاطفي في الأسرة، وعدم إشباع حاجاتهم إلى الشعور بالحبّ والقبول..وإلى سيطرة الآباء التسلّطية، وعدم إشعار الطفل بالتقدير..

    وقد تكون هناك أسباب أخرى لعصبية الطفل ومزاجه المتقلّب، كالأمراض  الجسدية / العصبية، ولا سيّما اضطرابات الغدد الدرقية، والتهاب الزوائد الأنفية، ومرض الصرع.. وهذا يقتضي المعالجة الطبيّة أولاً، فإذا ثبت عدم وجود هذه العوامل عن الطفل، فإنّ الأسباب ستكون ناتجة عن البيئة الاجتماعية (الأسرية) التي يعيش فيها الطفل، وقد تجتمع العوامل الجسدية / النفسيّة معاً، فيكون الانفعال أشدّ وأقوى في التأثير الفردي والاجتماعي.

   وبناء على  ذلك، فثمّة سمتان لطبيعة المزاج هما: 

    الأولى- المزاج والمواقف الحياتية:

     إنّ المزاج يتحدّد من خلال المواقف الحياتية التي يواجهها الإنسان؛ فالنجاح في هذا الجانب من النشاط أو ذاك، يثير لدى الإنسان الذي يحقّقه، مزاجاً طيّباً وتدفّقاً من الطاقات تدفعه إلى تحقيق المزيد من هذه النشاطات (الأعمال). كما أنّ رضى الإنسان الشامل عن مجريات الامور الحياتية، وارتياحه للجماعة التي يعمل ضمنها، واستقرار الحياة اليومية، والعلاقات المتبادلة / السليمة داخل الأسرة، تشكّل لديه مزاجاً طيّباً، ثابتاً ومستقرّاً..

     لكنّ تحطّم حلقة أو أكثر من سلسلة حياتنا اليومية، يكفي لتعكير مزاجنا بصورة كاملة؛ فالنزاعات داخل الأسرة، والخلافات في العمل، وعدم الاستقرار النفسي، تجعل المزاج مضطرباً على الدوام، مزاجاً يتّسم بالاكتئاب والحزن والتشويش، وذلك لأنّ المزاج السيّء باستمرار، هو علامة الحياة المليئة بالمنغصات، ولا سيّما نمط الحياة الاجتماعية التي يعيشها الإنسان.

 الثانية-المزاج والسلوك:

   المزاج حالة انفعالية ليست بالأمر البسيط، كما يبدو أحياناً؛ فهو يغيّر في طريقة تفكيرنا وفي سلوكنا، كما يساعد في تقوية نشاطنا أو إحباطه، ويعمل بالتالي على تحسين علاقاتنا بالآخرين أو إفسادها. فحالة الإحباط ظاهرة معقّدة  تسببّها المعاناة الانفعالية السلبية، والسأم المتأزّم نتيجة لاصطدام الشخص، في اثناء سعيه إلى غايات محدّدة، بعقبات كثيرة وصعوبات تفوق طاقته على تجاوزها.

   وإذا كانت حالة الإحباط تغيّر في السلوك بصورة ملموسة، فإنّها تبرز بشكل واضح عند بعض الأشخاص من خلال حقدهم الشديد على الآخرين وفظاظتهم في التعامل معهم، حيث يبقى مزاجهم متوتّراً وتهديداتهم بالانتقام مستمرّة. أمّا عند أشخاص آخرين، فيتحوّل هذا الشعور العدائي إلى خطّة وهمية ينظّمها المصاب بالإحباط بيته وبين نفسه، فيقوم وهو محتدم غيظاً، برسم خطّة خيالية للانتقام من الآخر ويتصوّر كيف سيحطّم ذاك الذي أغاظه. والأمر المثير للدهشة هنا، أنّ هذا النزوع إلى الخيال يساعد الإنسان في حالات كثيرة على الهدوء النفسي، وكأنّه قد حقّق كلّ شيء خطّط للقيام به.

    أمّا بالنسبة للأشخاص العاطفيين وشديدي التأثر بما يجري حولهم من أحداث، أو بنتائج الأفعال التي يقومون بها، والذين يميلون إلى نقد الذات وتحليل تصرّفاتها، فإنّ الإحباط عندهم يتحوّل إلى نوبات من تعذيب النفس والشعور بالكآبة، فترى بعضهم يوجه اللوم إلى ذاته بعبارات مختلفة مثل: " أنا المذنب في كلّ شيء... أنا السبب في كلّ ما حدث... يجب أن أتحمّل المسؤولية عمّا حدث " على الرغم من أنّه قد لا يكون مذنباً، أو لا علاقة له بما حدث.

   ومهما يكن الأمر، فإنّ أفضل السبل للتخلّص  من حالة الإحباط التي تعبّر عن المزاج المضطرب، هو تغيير النشاط المحاصر بالحواجز، والمهدّد بالإخفاق، إلى نشاط آخر أكثر سهولة وإمكانية للإنجاز وتحقيق النجاح.. ولا شكّ أنّ ذلك مرتبط بطبيعة الإحباط، وقدرة الشخص على التعامل معه وتجاوزه من دون صدمات نفسية / عاطفية، أو سلوكية.


3-تأثيرات الهيجان:

    يؤدّي الهيجان إلى ردود فعل حادة وسريعة، تعمّ آثارها شخصيّة الفرد بكاملها، وتظهر في سلوك الشخص  المنفعل، ولا سيّما من النواحي النفسيّة والفيزيولوجية والعقلية.

3/1- فمن الناحية النفسية: تشلّ الهيجانات حركة الفكر، بحيث يضطرب التفكير ويرتبك الشخص، ويصعب عليه فهم الموقف الراهن، فلا يدرك الأشياء التي تحيط به حيث تبدو وكأنّها غير موجودة، لأنّ انتباه الشخص منصرف عن كلّ شيء ما عدا موضوع الهيجان، ولذلك تهرب الأفكار من ذهنه..ويصبح ضعيف الإرادة وعديم الثقة بالنفس.

      ومن جهة أخرى،  أشارت أبحاث كثيرة إلى أنّ المناخ النفسي السليم الذي يعيشه الفرد ضمن الجماعة، والمشبع بالمحبّة والمشاعر الحميمة والدافئة، والتي يبديها كلّ عضو تجاه أصحابه الآخرين، يعمل على رفع وتيرة العمل ومستوى انتاجيته. أمّا النفور والمشاحنات والخصومات والنزاعات، فإنّها تؤدّي إلى خفض المقدرة على العمل إلى حدّ كبير.. وذلك كلّه نتيجة عدم قدرة الشخص المنفعل على إدراك ما يحيط به، لأنّ انتباهه منصرف عن أي شيء حوله، ومركّز على موضوع الهيجان فحسب.

   3/2- ومن الناحية الفيزيولوجية: ليس الهيجان حالة نفسيّة مختفية، وإنّما يظهر بصورة جلية وواضحة، لأنّ التغيّرات الفيزيولوجية المرافقة له تعمّ أجزاء الجسم كلّها. فقد يؤدّي الهيجان إلى انعدام السيطرة على العضلات والحركات، فتشل الأيدي والأرجل، وتفقد القدرة على العمل..وذلك بحسب نوع الهيجان وشدّته. وقد يضطرب نظام التنفّس أثناء الهيجان، من حيث سيره واتساعه، فيبذل الإنسان جهداً كبيراً في الشهيق والزفير قد يبلغ حدّ الاختناق.

   وقد يتبع ذلك تغيّرات في عمل جهاز الدوران، حيث تتقلّص الأوردة والشرايين أو تتمدّد بحسب الهيجانات المختلفة؛ ففي حالة الحوف تضعف ضربات القلب وتقلّ سرعتها، فتتقلّص الأوعية وينشأ عن ذلك اصفرار لون الوجه، أمّا في حالة الغضب، فتقوى ضربات القلب وتتوسّع الأوعية، وينتج عن ذلك احمرار لون الوجه. وقد يترافق ذلك أيضاً بتغيرات في إفرازات الغدد الصم الداخلية والخارجية، إمّا بزيادة الكمية أو بنقصانها، وذلك تبعاً لنوع الهيجان وشدّته. فالخوف مثلاً: يوقف إفراز الغدّة اللعابية بينما ينشّط الحزن الغدّة الدمعية.

    ومن جهة أخرى، أشارت بحوث كثيرة إلى أنّ ضرورة تنمية حبّ الاطلاع والمعرفة لدى الطفل، مرتبطة أيضاً بالعمليات الفيزيولوجيّة المتطوّرة التي تجري في قشرة الدماغ (المخّ)، والتي تظهر على شكل مركبات نفسيّة. وفي هذه الحالة تسهم الانفعالات في تقوية تأثير تلك المركبات التي تتغيّر على امتداد مراحل نمو الطفل المختلفة. ،

   وهنا يظهر دور التربية الانفعالية في تقوية نشاط الجملة العصبية من خلال تدريبها، وتسريع نموّها بتقديم الغذاء المناسب، ولا سيّما توفير المؤثّرات المختلفة التي يتعامل معها الطفل، ويتّخذ المواقف المناسبة لكلّ منها.

   3/3-أمّا من الناحية العقلية: إنّ رغبة الطفل في تفحّص الأشياء ومعرفة كلّ ما يحيط به، تتمتّن لديه بتأثير الانفعالات السارة التي ترافق عملية البحث والاكتشاف، وهذا ما يدفعه إلى تلبية هذه الرغبة باستمرار.. وتنضّم هذه الانفعالات إلى سلوك الطفل وتصبح " مقياساً " لحالته النفسيّة العامة. وهنا تكمن الأهمية النفسيّة للحاجة لتكوين الانطباعات السارة، باعتبارها الأساس لنمو حاجات اجتماعية أخرى. وتتمتّع هذه الحاجة بخصائص مهمّة من أبرزها:

   أولاً- إنّ الحاجة إلى تكوين الانطباعات، هي حاجة لا يمكن إشباعها إلاّ إذا حصل الطفل على الكثير من الانطباعات، وظهرت لديه رغبة أكبر بالحصول على المزيد منها.

   وثانياً- إنّ حاجة الطفل للحصول على الانطباعات، التي تتحوّل فيما بعد إلى حاجة للمعرفة والاطلاع، تضمن نموّه النفسي المتكامل، الذي لا يمكن أن يتمّ من دون التعلّم واستيعاب الخبرات السابقة للآخرين. ولذلك ترتبط الحاجة للانطباعات بالانفعالات الإيجابية، حيث يحصل الطفل على المتعة وبداخله شعور الفرح جرّاء اكتشافه أشياء جديدة، وتعرّفه أموراً كانت مجهولة بالنسبة له

  أمّا إذا لم تشبع هذه الحاجة، فيبرز لدى الطفل ما يسمّى (بالجوع الروحي) أي التعطّش لتلقّي الانطباعات. وعندها قد يصبح مضطرباً أو مشاكساً أو جامحاً، وتسيطر عليه بسهولة، الحالات الانفعالية العنيفة..ويعود ذلك –في معظم الحالات- إلى نقص واضح في التربية عامة، والتربية الانفعالية / الوجدانية خاصة.

    لكنّ مستوى الفاعلية العقلية يهبط في معظم الانفعالات، فيصبح أقلّ تجديداً وأكثر ميلاً إلى إعادة الأفكار السابقة، وتضعف القدرة على المحاكمة والمناقشة السليمة..وتضعف القدرة على العمل بضورة منظّمة، كما تضعف القدرة على الحفظ والتذكّر؛ فالطالب المنفعل- على سبيل المثال- تصعب عليه الدراسة كما ينسى كثيراً من المعلومات التي حفظها، وهذا ما يظهر لدى بعض الطلبة قبل الامتحان. 

 ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الانخفاض في مستوى الوظائف العقلية، وما يرافقها من سلوكات عشوائية، لا يحصل في حالات الهيجان كلّها، وإنمّا ثمّة حالات من الهيجان المعتدل أو الشديد، يكون الانفعال فيها منشّطاً للوظائف العقلية ومثيراً للسلوك الملائم للموقف المثار، فيصبح التفكير دقيقاً وسريعاً يتّسم بالخيال الخصب، حيث تتدفّق  المعاني والصور بسرعة، ممّا يساعد الشخص في مواجهة الموقف الصعب، وإزالة التوتّر والقلق، والعودة الهادئة إلى الوضع الطبيعي.

   وإذا كانت الانفعالات البنّاءة تغني نشاط الإنسان بالحيوية، وتدفعه إلى السعي والاجتهاد، فإنّها في الوقت ذاته تشكّل أحد الأسس التي تسهم في تكوين المعتقدات والاهتمامات والطموحات في حياة الإنسان. فهي تدفعنا إلى التبحّر بشكل أعمق في جوهر الأشياء والظواهر، وتمدّنا بقوّة أكبر عندما نشعر بالعجز عن فعل شيء ما. فلا معنى للاهتمام من دون انفعال، لأنّ الانفعال ينمّي في نفوسنا السعي نحو المعرفة والعلم والأدب والفنّ.. وما الاهتمام الذي نبديه بما حولننا إلاّ حالة نفسيّة موشاة بصورة انفعالية، تقدّم لنا المتعة من أمر نشعر أنّه مهمّ لنا. 

   فالمشاعر الوجدانية مترابطة في شخصيّة الإنسان وسلوكاته وتصرّفاته، التي تتجلّى مظاهرها مشبعة بالانفعالات، في أغلب الأحيان. وهذا ما يجعل السمات الانفعالية ميزات أساسية من ميزات الشخصيّة الإنسانية. فضبط النفس والإقدام والتصميم، والمقدرة على اجتياز الصعاب، أو ضعف الإرادة والغضب والتخاذل والإساءة، كلّها تتحدّد بمقدار قوّة هذه المشاعر عند الفرد ومدى قدرته التي اكتسبها من خلال تربيته، على استخدام هذه المشاعر الانفعالية بصورة سليمة، وتوجيهها الوجهة الصحيحة في الوقت المناسب.

أقراء ايضأ : الأساليب الأسرية في التربية الاجتماعية

   4- مراحل نمو الهيجان:

   يمرّ الهيجان بمراحل نمائية تتوافق مع المراحل النمائية التي يمرّ بها الكائن البشري، من الولادة وحتى مراحلة البلوغ والرشد، ويتّصف الهيجان في كلّ مرحلة بميزات خاصة، جسدية ونفسيّة، تبدأ من العمومية / العفوية إلى الخصوصية المنضبطة في إطار الشخصية الناضجة.

 4/1- ففي مرحلة الحضانة: التي تمتدّ حتى السنة الثانية من العمر، يظهر الهيجان بتعبيرات متنوّعة، كالبكاء والابتسام.. وهذه التعبيرات وإن بدت مشابهة إلى تعبيرات الراشدين، فإنّها لا تشير إلى التطابق فيما بينها بالنظر لفارق الخبرات بين الطفل والراشد.. وتتصف بالتالي بالعمومية، لأنّ انفعالات الغضب والخوف والحب والكراهية، تقتضي نضجاً في الجهاز العصبي لا يملكه الطفل الوليد.

    وهنا لا بدّ من الإشارة إلى مسألة بالغة الأهمية، وهي تحديد دور الانفعالات الإيجابية في نمو الطفل وتطوّره، ولكّن أكثر ما يلفت انتباه الأهل في هذه الفترة المبكرة من حياة الطفل، هي الانفعالات السلبية؛ فالطفل عندما يبكي ويصرخ، فهذا يعني أنّ ثمّة ما يزعجه أو يثير استياءه.. وبتلبية حاجات الطفل العضوية، تنزع هذه الانفعالات السلبية، ممّا يؤدّي إلى تهدئته وسكونه.

   ومع ذلك فثمّة عامل آخر يمكن أن يكون أكثر أهمية من تلبية هذه الحاجات، يتجلّى في تلك الانفعالات الإيجابية التي تظهر لدى الطفل عند تعامله مع أمّه. فالأم تعلم أنّه إذا ما شعر طفلها بالتوعك الصحي أو تملكه البرد وانتابه البكاء، فإنّه يكفي أن تأخذه بين ذراعيها وتضمّه إلى صدرها، وتقدّم إليه ثديها حتى يركن ويطمئنّ.. وفي مثل هذه الحالة، يستخدم الإرضاع ليس لتلبية الحاجة البيولوجية البحتة، وإنّما يقدّم التماس الانفعالي المباشر مع الأم، وظهور الانفعالات الإيجابية  

    ولكنّ الهيجانات العامة تبدأ بالتمايز بعد الشهر الثالث من الولادة، حيث يبدأ الطفل في تعلّم التعبير الهيجاني عن طريق المواقف والخبرات، أي في تعلّم فهم التعبيرات الهيجانيّة لدى الآخرين، وفي تعلّم الهيجانات التي يختزنها الطفل نفسه.

    وما يمكن ملاحظته في النمو الهيجاني في هذه المرحلة (مرحلة الحضانة) هو أنّ معظم الهيجانات تتمركز – في معظم الأحوال – على الأم أو من يحلّ محلّها، ثمّ تتسع دائرة التمركز تدريجياً في نهاية هذه المرحلة، كلّما اتّسعت دائرة الطفل الاجتماعية. كما يمكن ملاحظة أنّ الطفل في هذه المرحلة، يكون مسرفاً في هيجاناته، فهو يضحك كثيراً  ويبكي كثيراً، كما أنّه سريع  الاستثارة للهيجان مقابل سرعة الهدوء والتخلّص منه

     وتعدّ مداعبة الأم طفلها وملاطفته،  وهزّ السرير وهدهدته بحنان واهتمام، من أهم العوامل التي تزيل الانفعالات السلبية من نفس الطفل، وتسهم بتكوّن الانفعالات الإيجابية في أولى مراحل حياته، والتي يكون لها دور فاعل في بنيته الشخصيّة المستقبلية. فالمجال الانفعالي للطفل في مراحل تطوّره المبكرة، تتعلّق بصورة مباشرة مع قضاء حاجاته؛ حاجاته العضوية أولاً ومن ثمّ حاجاته الروحية التي تأخذ في الظهور. وخلال عملية إشباع هذ الحاجات تتولّد العلاقة الحميمة بين الطفل وأمّه، تلك العلاقة التي تسهم – إلى حدّ كبير- في توجيه النمو النفسي / الانفعالي للطفل، وتحديد طبيعة العلاقات المستقبلية المتبادلة بينه وبين من حوله.

 4/2- وفي مراحل الطفولة التالية: تظهر في مرحلة الطفولة الأولى ما بين (السنتين الثانية والسادسة) هيجانات جديدة  إضافة إلى توضّح الهيجانات التي كانت في المرحلة السابقة؛ ويبدأ التعبير الهيجاني شديداً ومتطرّفاً، وينتهي إلى نوع من الاستقرار.. وتظهر في نهاية هذه المرحلة الهيجانات الناجمة عن تمركز الطفل على ذاته، كالخجل والشعور بالذنب ومشاعر الثقة بالنفس، وما يناقضها كالشعور بالإثم والضعف والتردّد..

   أمّا في مرحلة الطفولة الثانية التي تمتدّ ما بين السنة السادسة والسنة التاسعة، فيتّسع نطاق اتصالات الطفل الاجتماعية، مع دخوله الى المدرسة التي تهتمّ بضبط سلوكه الهيجاني، من خلال النظام والانضباط والعمل التشاركي، فتجد ميوله العدوانية والتنافسية العشوائية مخرجاً لها في المنافسة المدرسيّة المنظّمة، فيتعلّم الطفل بضغط النظام المدرسي ومساعدة الجماعة المدرسية، كيف يضبط انفعالاته الهيجانية، من خلال التعبير عنها ضمن الحدود المقبولة.

4/3- أمّا في مرحلة المراهقة: التي تمتدّ ما بين السنة الثانية عشرة والسنة السابعة عشرة، وربّما إلى ما بعد ذلك، فإنّ النمو الانفعالي / الهيجاني يمرّ بمرحلتين، في هذه المراهقة. ففي المرحلة الأولى التي تقع ما بين الثانية عشرة والرابعة عشرة، يتأثر النمو الانفعالي بالتغيّرات الجسميّة، الداخلية والخارجية، وما يصاحبها من النمو الجنسي ونمو القدرات المختلفة، ونمط التفاعل الاجتماعي.. وتتّصف الهيجانات في هذه المرحلة بالعنف بحيث لا تتناسب مع مثيراتها، إلى حدّ تخرج فيه عن قدرة المراهق على السيطرة عليها وضبطها. 

   وتبقى هذه الهيجانات على قوّتها وتناقضها، في المرحلة الثانية من المراهقة والتي تمتدّ ما بين السنة الخامسة عشرة والسابعة عشرة، وقد يصل الأمر بالمراهق إلى الشعور بالتشتّت أو(التمزّق) بين الهيجانات المتناقضة، كالحب والكراهية، والانجذاب والنفور، حيال الشخص ذاته أو الشيء ذاته.. وذلك لعدم قدرته على اتخاذ الموقف المناسب إزاء المثيرات التي يتعرّض لها. وقد يؤدّي هذه التمزّق ببعض المراهقين، إلى حالات من الاكتئاب أو اليأس أو القنوط..  وفي ذلك كلّه فشل في التكيّف. وهذا ناتج عن حساسيّة المراهق وتأثّره السريع بما يؤذي شعوره المرهف.

    ولكن مع نهاية مرحلة المراهقة والاقتراب من النضج والبلوغ، وما بين السنة الثامنة عشرة والحادية والعشرين، يتّجه المراهق بسرعة نحو الثبات الانفعالي، وتتبلور لديه بعض العواطف الشخصيّة، كالاعتداد بالذات والعناية بالمظهر، وطريقة الكلام، وأسلوب التعامل الاجتماعي، وغير ذلك من العناصر الانفعالية التي تعبّر عن طبيعة شخصيته الوجدانية.

 أقراء ايضأ : بحث عن بعض الاضطرابات الانفعالية (الغضب - الاكتئــاب _ الخجــل _ العــدوان - الغيرة والأنانية )ودور الأسرة في التعامل معها ومعالجتها



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مفهوم التربية الأخلاقية وأهدافها واهميتها طرائقه

  أولاً- مفهوم التربية الأخلاقية وأبعادها  يجمع المربون على أنّ تنمية القيم الأخلاقية في نفوس الناشئة، جزء أساس من عناصر التربية العامة، وأنّ كلّ تربية تخلو من العناصر الأخلاقية، ما هي إلاّ تربية عديمة الجدوى.  فتربية الشخصية المتكاملة والمتوازنة، لا تتحقّق إلاّ مع التربية الأخلاقية السليمة، باعتبار أنّ الأخلاق إذا ما تأصّلت في ذات الفرد، تصبح قوّة دافعة للسلوك والعمل والتعامل الإيجابي والفعّال.  وانطلاقاً من هذه الأهميّة للأخلاق والقيم والأخلاقية، فقد جهد الباحثون والدارسون، في إعطاء مفهومات للتربية الأخلاقية، من جوانبها المختلفة.  فعرّفت التربية الأخلاقية من حيث تعليم القيم الأخلاقية، بأنّها: التعليم المباشر وغير المباشر للأخلاق بهدف التعرّف إلى قيمة السلوك الخيّر أو الخُلقي، في ذاته من جهة، وبالنسبة للأفراد والمجتمع من جهة أخرى، وتحليل المبادىء التي تتحدّد في ضوئها هذه القيمة أو تلك..  أي أنّ التربية الأخلاقية هي: تعليم المبادىء الأخلاقية وممارستها، أو هي تكوين بصيرة  أخلاقية عند الطفل / الفرد، يمكنه بها التمييز بين سلوكي الخير والشرّ.  ...

العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية

     تمتاز التربية الأسرية بأنّهما عمليّة نفسيّة – اجتماعية، يخضع لها الفرد (الكائن البشري) من ولادته حتى نضجه، حيث يصبح شخصاً اجتماعيّاً كامل الصفات والموجبات اللازمة لعضويته الاجتماعيّة.وتقوم هذه العملية على التفاعل بين الطفل والأسرة، من خلال مجموعة من الروابط والعلاقات التي تنظّم حياة الأسرة، وتحدّد دور كلّ فرد فيها..وثمّة عوامل مؤثّرة في هذه العلاقات، تتمثّل في أوضاع الأسرة: (العاطفية والأخلاقية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية)، حيث تتفاعل هذه العوامل فيما بينها، لتشكّل طبيعة النظام الأسري الذي ينعكس بدور على تربية الأبناء وتنشئتهم، بصورة إيجابية أو سلبيّة.     فما   الأوضاع الأسرية التي تؤثّر في التربية الاجتماعيّة؟ وكيف تتعامل معها الأسرة؟      أقراء أيضا :العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية أولاً- الوضع العاطفي للأسرة :         يختلف تأثير الأسرة في النمو الاجتماعي للفرد،   تبعاً لنوع الأسرة   والعلاقة العاطفية التي تربط بين أفرادها، إيجاباً أو سلباً. فعلاقة الطفل بالأب في سنو...

مرطب للبشرة

 المكونات خذي بياض بيض   ملعقة حليب  ملعقة عسل طريقة العمل واخلطيها جيدا وضعيها على الوجه لمدة 15 دقيقة ثم اغسلي وجهك  أقراء ايضا للحصول على شعر أسود لامع  وصفه مضمونه ومجربه لعمل رموش كثيفة  مرطب طبيعي للشفاه  طريقة العناية بالقدمين  وصفة لزيادة الوزن الطبيعي من 5 الى 7 كيلو فى الشهر وصفه مجربه لزياده الصدر مرطب طبيعي  لاطاله الشعر في شهر ونصف  اكليل الجبل لعلاج قشرة الشعر الدهني  وصفه لشد الوجه  وصفه لبشره صافيه و نقيه للحصول على اظافر قويه وصلبه وصفة لتكثيف الشعر  لشعر ناعم كأنه مستشور طريقه عمل زيت مساج في المنزل  مرطب طبيعي للوجه لبشرة كالحرير  طريقة تفتيح  وتنعيم الكوع والركبة تنعيم وتفتيح اليدين  طريقة نفخ الشفاه في المنزل  طريقة عمل ماسك لشد الوجه  ماسك للبشره الدهنيه  فوائد بياض البيض للبشره  توجد العديد من الفوائد التجميلية لبياض البيض منها  أنه يحارب حب الشباب  يصغر المسامات الكبيره   يقوم بالتخلص من الرؤوس السوداء يمنع انتفاخ منطقه حو...