مقدمة: إنّ الطفل – في حقيقة الأمر – يترعرع وينشأ على خطّ أهله وطريقتهم في الحياة، حيث يحمل في داخله الروح الحقيقية لأسرته.. فإذا كانت هذه الروح العائلية صادقة وأصيلة، فإنّها تساعده في أن يعيش مع الآخرين باطمئنان، أمّا إذا كانت هذه الروح ضعيفة ومشوّشة، فإنّها تعيق حياته في جوانبها المختلفة.
1- ابتسـامة الوالدين وآثـارها التربـوية :
قد يكون من المناسب أن نبدأ هذا الموضوع
بالسؤال التالي: " ما حاجة الوالدين للابتسام أو الضحك أمام الأطفال؟ "
الجواب بلا تردّد هو: أنّ الضحك يعدّ الظاهرة الأكثر بروزاً
وانتشاراً، نصنعها بأنفسنا – نحن البشر- ويشعر بها الآخرون من حولنا، ويستجيبون
لها بشكل أفضل من الاستجابة لغيرها. ولذلك يقول المثل الدارج: " ابتسم أينما
كنت، وحاول أيضاً أن توجد موقفاً مضحكاً.. وحتى عندما لا يكون لديك مزاج للابتسام،
حاول أن تظهر علاماته، لأنّ فعلاً كهذا سيفيدك في إنعاش نفسك وروحك.."
لقد أثبتت البحوث النفسيّة، أنّ الأطفال
الصغار هم مرآة لتعبيرات وجوه الوالدين الظاهرية. فكلّما أكثر أحد الوالدين (الأب
أو الأم) من الابتسام أمام الطفل، فإنّ الطفل سيبتسم أكثر وبمزاج سعيد. وعندما
يشعر الأطفال أنفسهم أيضاً، أنّهم الأناس الذين يجلبون السعادة لوالديهم، سيشعرون
بذواتهم بصورة أفضل. ولذلك يواجه الوالدون في أي عمل مع الأطفال، بكيفيّة هزّ
المشاعر التي تكوّن لدى الطفل عندما يبتسم أحد الوالدين أو يضحك وكأنّه يمازحه.
وقد يتساءل الوالدون: كيف يمكننا أن نفعل
ذلك؟ والجواب هو، في التساؤل التالي، والذي يتوجّب على كلّ أب أو أم أن يسأله
لنفسه كلّ يوم: هل أبتسم أو أضحك في هذا اليوم، لأي شيء يفعله الأطفال أو يقولونه؟
هل سأجد أسلوب المسايرة / المجاملة، في الأمور العادية التي تدور بيننا؟ وغير ذلك.
فهناك العديد مكن المحطّات التي يحاول الوالدون أن يركّزوا أنفسهم حولها، كالأمور
التي تتغيّر أو الأمور التي تحصل خارج البيت، أو داخل البيت في الصباح أو في
المساء بعد العشاء، أو في الليل وأثناء النوم.
إنّ ابتسامة بسيطة ولطيفة، تستطيع أن تزيل
التوتّر في الحال، وتحسّن المزاج العكر. وإذا كان لدى أحد الآباء شعور بأنّ
التجهّم على وجهه، يفوق الابتسام بمرّات عدّة، فإنّه من الضروري
أن يعمل لتغيير تلك الصورة وفي الحال، ويسأل طفله البالغ من العمر سبع سنوات، إن
كان سمع بنكتة جديدة، أو يخبره عنها بنفسه.
أمّا بالنسبة للأم، فمن الواجب عليها عندما
تجري حمّماً لطفلها الصغير، والبالغ من العمر ثلاث سنوات، أن توقف اهتماماتها
بالأمور الأخرى التي ستقوم بها، وتحصر هذه الاهتمام في كيفيّة إظهار الابتسامة
للطفل، وردّة فعله عليها بالابتسام أو بالضحك. وبذلك تكون الابتسامة عامل تعزيز
عند الطفل، حيث يتمّ التواصل الجيّد معه، فيستمتع
بالحمام ويقبل عليه مرّة أخرى بصورة تلقائية. ويمكن أن يطبّق هذا الأسلوب
عند إيقاظ الطفل، أو الطلب إليه أن يقوم بأي عمل ممكن بالنسبة إليه.. وهذا كلّه
يوفّر له الأمن والاطمئنان، والثقة بنفسه وبمن حوله.
وأخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ
الابتسامة من الميزات الأساسيّة للسلوك الاجتماعي، وإن كانت ذات منشأ نفسي / ذاتي.
فثمّة أمهات كثيرات يصفن أطفالهن بأنّهم
اجتماعيون، نتيجة لردود أفعالهم الإيجابية على ابتساماتهنّ، حيث تعدّ الابتسامة
مؤشّراً حقيقيّاً على أهميّة التطوّر الاجتماعي عند الطفل.
أقراء ايضأ:بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2
2- التربيـة الأسرية ومستقبل الأبنـاء:
كثيرون هم الشباب الذين يلقون باللوم على
والديهم عندما يفشلون في عمل ما، أو عندما
يعجزون عن التصرّف السليم في موقف ما.. وحجّتهم في ذلك، أنّهم لم يتعوّدوا هكذا
منذ الصغر، أو أنّ والديهم رسموا لهم نموذجاً خاصّاً في الحياة وربّوهم عليه، وهو
يختلف في كثير من جوانبه، أو بالأحرى يتعارض، مع رغباتهم وميولهم وقدراتهم الجسدية
والعقلية والنفسيّة.
فالأبناء يعيشون طفولتهم، وجزءاً كبيراً من
شبابهم، أو مرحلة الشباب كلّها، في كنف أسرتهم وفي رعاية والديهم، اللهمّ إلاّ إذا
تفكّكت الأسرة، أو فقد أحد الوالدين، ريثما يستقلّون بحياتهم الخاصة ويصبحون
قادرين على إدارة شؤونهم بأنفسهم.
وخلال هذه الفترة الطويلة التي يعيشها
الأبناء مع والديهم، يتقمّصون كثيراً من اتجاهاتهم وقيمهم، ويكتسبون معظم عاداتهم
وأساليب سلوكاتهم ومواقفهم الحياتية.. فتصبح من مكوّنات شخصيّاتهم، ويصبح من
العسير جدّاً تعديلها أو تغييرها في المستقبل. وعلى الرغم من تأثيرات العناصر
البيئية الأخرى، كرفاق المدرسة أو الحي، والبرامج الإعلامية / التثقيفية، في تشكيل
جوانب شخصيّة الفرد، فإنّ تأثيرها لا يعادل في قوّته تأثر الوالدين، ولا سيّما في
المراحل الطفولية الأولى.
ومن المسلّم به، أنّ الإنسان هو ابن البيئة
التي ينشأ فيها ويعيش.. وأنّ النموذج الذي ينشأ عليه من الطفولة، يحدّده نوع
التربية التي يتلقّاها، ولا سيّما من الأسرة. وهنا تكون للثقافة الأسرية والتقاليد
التربوية المعتمدة، دور كبير وفاعل.. وتتحكّم في ذلك العلاقة التفاعلية المتبادلة
بين الأسرة والطفل، سواء كانت علاقة إيجابية أو سلبية.
إنّ الأسرة التي يتمتّع فيها الوالدون
بالرأي الحكيم والتفكير العقلاني، وإخضاع كلّ أمر للمناقشة البنّاءة، فمن المؤكّد
أنّ أبناءها يمتازون بالقدرة على المواجهة والمناقشة وإبداء الرأي، والتصرّف
المناسب تجاه القواعد والمواقف الاجتماعية المختلفة. وذل، على النقيض ممّا هو سائد
في الأسر المحافظة التي تخضع أولادها للأعراف والتقاليد من دون حوار أو مناقشة..
فيكون الأبناء صوراً تامة أو شبه تامة، عن والديهم الذين دخلوا الحياة بقوالب
محدّدة ويعملون على تربية أبنائهم وفق هذه القوالب وبمنتهى السهولة، من دون مراعاة للتغيّرات
الاجتماعية / الثقافية التي حصلت من مرحلة إلى مرحلة أخرى.
فالطفل منذ نعومة أظفاره، يسمع الكثير من
مناقشات الوالدين حول آراء مختلفة، قد يكون هو نفسه طرفاً فيها، أو المعنى بها..
فتتكوّن لديه فكرة خاصة عن نفسه وعن مكانته في الأسرة. وفي كلا الحالين، يكون
التأثير عميقاً وكبيراً يترك بصماته واضحة على سلوكاته في المستقبل، وعلى تعامله
مع أبناء مجتمعه.
إنّ التربية فعل مستمرّ يبدأ ع ولادة
الإنسان، ويبذل الوالدون جهوداً كبيرة ومضنية من أجل تربية أبنائهم تربية صالحة.
ولكنّ الوالدين – في بعض الأحيان – يضلّون الطريق بسبب اهتمامهم المفرط، وقلقهم
الشديد على مستقبل الأبناء، فيدفعون بهم إلى من حيث لا يدرون، ومن دون قصد، إلى
طريق الفشل والإحباط نتيجة للممارسات التربوية الخاطئة، وفي ظنّ الوالدين أنّهم
يحسنون صنعاً لمصلحة الأبناء، وينسون حقيقة أكيدة، وهي أنّ كلّ شيء يزيد عن حدّه
المطلوب، يحرف الهدف المنشود عن سواء السبيل.
فكثيرون هم الآباء والأمّهات الذين يتّخذون
قراراتهم الخاصة بالأبناء، من دون مراعاة لمشاعر هؤلاء الأبناء، مهما كانت مراحلهم
العمرية، ويفرضون عليهم أسلوب الجلوس والحديث والمناقشة، ويحدّدون لهم نوع الدراسة
أو العمل، كما يختارون لهم – فيما بعد – من يتزوجون ومتى يتزوّجون.. ولا شكّ أنّ
أمثال هؤلاء الوالدين يسهمون من حيث لا يدرون، في إضعاف شخصيّات أبنائهم وعدم
قدرتهم على التكيّف النفسي والاجتماعي، فيكون الوالدون بالتالي، سبب فشل الأبناء
في معظم الأمور الحياتية التي يعانون منها، ولا سيّما الفشل الدراسي الذي ينتج عن
إلزام الأبناء بأنواع من الدراسة لا تتناسب مع ميولهم، وتتّفق مع استعداداتهم
وقدراتهم الذاتية.
وهذا يحمل في طيّاته آثاراً سلبية على
الأبناء وخطيرة، تظهر في أشكال مختلفة وصور متعدّدة، كخروج الأبناء عن طاعة
والديهم، وتمرّدهم نتيجة للأوامر والنواهي غير المعقولة، والقرارات غير المنطقية..
وقد يلجأ الأبناء إلى الانطواء والانعزال، كأسلوب للتعبير عن السخط وعدم الرضى عن
الممارسات الوالدية القسرية.
ولكي يُجنّب الأبناء الوقوع في مثل هذه
السلوكات والمواقف الشّاذة، ينبغي على الوالدين في الأسرة، أن يقوما بمراجعة ذاتية
ودورية لعلاقاتهما الأسرية، وممارساتهما التربوية، وتحرّي علاقة ذلك كلّه بمستقبل
الأبناء. ولا ضير أن يكونا قدوة أمام الأبناء في الاعتراف بالخطأ، وأن يكونا
واقعيين في مطالبة الأبناء بما يتّفق مع
إمكانات كلّ منهم، وقدراتهم على الإنجاز، حتى لا تخبو عندهم جذوة المبادرة الطموح.
فالأبناء يعيشون في عصر يختلف عن عصر
والديهم، بكلّ ما في هذا العصر من أساليب ومعطيات.. ولدى الأبناء خبرات وآراء قد
تكون ذات قيمة وفائدة، ومن واجب الوالدين سماعها ومناقشتها معهم برويّة واهتمام،
وعدم التقليل من تأثيرها أو الحطّ من شأنها.
والجانب الأهمّ في هذه المسألة، هو أن تبقى
قنوات الاتصال بين الوالدين والأبناء، مبنيّة على الثقة والصراحة، والإقناع
الذكي.. لأنّ البذور السليمة التي نضعها في نفوس الأبناء، ومنذ السنوات المبكرة،
ونتعهدها بالرعاية والعناية اللازمتين، تنتج الضرورة شخصيّة متوازنة قادرة على
التفاعل البنّاء، الذي يحقّق لهم السعادة والاستقرار في الحياة الخاصة والعامة.
3- الوضع الاقتصادي للأسرة ومتطلّبات الأطفال:
إنّ مسألة التوازن بين دخل الأسرة ونفقاتها،
أصبحت من القضايا الهامة التي تسترعي اهتمام الباحثين التربويين وعلماء الاجتماع،
على حدّ سواء، بالنظر إلى تأثيرات هذا العلاقة في مناحي الحياة الأسرية، ومواجهة
متطلّبات الحياة المتزايدة، وضغوطاتها الاجتماعية والاقتصادية.
فمن المعروف أنّ للصغار كما هي الحال عند
الكبار، متطلبات وحاجات يعملون لتلبيتها. ولكنّ الصغار هم أشدّ حاجة من الكبار في
طلباتهم، وأكثر إلحاحاً في تلبيتها، وذلك بحكم طبيعة الطفولة وحاجاتها النفسيّة
والنمائية، ورغبتها في امتلاك كلّ شيء من
دون تقدير للأمور المحيطة بالأسرة وبظروفها الاقتصادية.
فالطفل ينظر إلى والديه بثقة وقناعة على أنّهما
قادران على تلبية مطالبه من دون حساب أو تردّد.. وهذا صحيح من حيث المبدأ،
باعتبارهما المسؤولان بصورة مباشرة وأساسية عن تربيته، وتأمين المستلزمات الضرورية
لنموّه، وبالتالي أداء مهمّتهما التربوية وإنجاحها على الوجه الأكمل.
وقد يكون السؤال الملحّ هنا، هو: هل يستطيع
الوالدون – دائماً – أن يؤمّنوا بسهولة كلّ ما يريد أطفالهم ويطلبون، ومد دون
عوائق أو صعوبات؟ إنّ الجواب جدير بالاهتمام.
لا شكّ أنّ للطفل حاجات أساسيّة وحاجات
ثانوية / تكميلية، ومن الضروري والهام جدّاً، أن يدرك الوالدان هذه الحاجات،
ويعوّدا أطفالهما – وفي وقت مبكر -على التمييز بين هذه الحاجات ومتطلّبات تلبيتها.
فيتمّ التركيز على ما هو ضروري منها، والأكثر ضرورة بالنسبة للأطفال، وذلك من خلال
المناقشة الهادئة والواعية التي تتناسب من سنّ الأطفال، مع المقارنة الذكية
والواضحة بين أولويات متطلبات الأطفال، والوصول بهم إلى الاقتناع الإيجابي.
وتقع مسؤولية ذلك على الوالدين معاً، وإن
كانت مسؤولية الأم أكبر من مسؤولية الأب، بالنظر إلى غريزة الأمومة التي تحرّكها،
وتزيد من حبّها لطفلها إلى درجة الرضوخ التام – أحياناً- أمام رغباته وطلباته.
فتراها دائماً تسأل طفلها (المحبوب): ماذا تريد؟ أتريد هذا أم ذاك؟ ماذا تأكل؟ هل
أحضر لك شيئاً؟.
إنّ هذه الأسئلة وما يرافقها من استعداد
لتلبية أية حاجة يريدها الطفل، كفيلة بأن توقظ لديه الكثير من الرغبات والطلبات،
التي تتحوّل إلى استهلاك لا مبرّر له، لأنّه يخرج عن نطاق الحاجات الضرورية
واللازمة لحياة الطفل النمائية، (الجسدية والنفسيّ’)، ولا سيّما إذا كان الاستهلاك
من مواد البذخ والتباهي، التي تكلّف أثماناً باهظة على حساب الوضع الاقتصادي
للأسرة. وعند ذلك ينطبق القول الدارج: " كلّ طفل لا يعرف قيمة النقود، لا
يعرف قيمة الجهد المبذول للحصول عليها..".
يرى الطفل أقرانه في الحي أو رفاقه في
المدرسة، ومن بيئات اجتماعية واقتصادية مختلفة، فيعجب بما يلبس بعضهم أو يملكون أو
يشترون ويأكلون، ويرغب في تقليدهم.. وهنا تكمن المشكلة، حيث يجد الوالدان أنّهما
في وضع حرج أمام الطفل، ولا سيّما إذا لم يستطيعا تأمين ما يطلب أسوة بالأطفال
الآخرين. ويتساءل الوالدان: ما هو الحلّ المناسب؟
لا شكّ أن الرفض المطلق في هذه الحال، لا
يجوز، كما أنّ الاستجابة المطلقة غير مجدية بالنسبة للوالدين. ولذلك، فمن المفيد
أن يعمد الوالدان إلى تأمين بعض الحاجات للطفل، وبعد إعطائه مجموعة من البدائل
للأشياء التي يطلبها وتبيان الإمكانات المادية المتاحة للأسرة، ليقارن فيما بينها
ويختار منها بحريّة، بحيث لا يترك ذلك أي انطباع سلبي لديه، ويحافظ بالتالي، على
مكانة الأسرة في نظره وتقديرها.
وكما يقول المربّي الكبير / أنطون مكارينكو
/: " يجب على الطفل أن يفهم جيّداً، وفي سنّ مبكرة إن أمكن، أنّ النقود التي
يجلبها الأهل إلى البيت، لا تشكّل فقط شيئاً مريحاً يمكن إنفاقه، ولكنّها أيضاً
أجر مقابل عمل اجتماعي كبير ومفيد.. وعلى الإنسان منذ سنواته الأولى، أن يعرف قيمة
الجهد المبذول لإنتاج الخيرات المادية
".
أخيراً، لا بدّ من القول: إنّ على الأهل
ممثّلين بالوالدين، توضيح الحقيقة البسيطة لأولادهم، وهي أنّه من غير الممكن
اقتناء أي شيء لمجرّد الرغبة فيه، وإنّما هناك أوضاع اقتصادية / أسرية يجب أخذها
في الحسبان. وهنا تبرز قدرة الوالدين على التصرّف
بحكمة ودراية، بحيث يتعوّد الطفل منذ صغره، على تقويم الأمور بنفسه ليصل
إلى اختيار ما هو ضروري منها، بعد أن يوضع في إطار المعطيات والإمكانات المتوافرة في الأسرة، بصدق وصراحة..
أقراء ايضأ : الاثار التربوية ومستقبل الابناء
4- احترام الكبار للصغار:
نسمع كثيراً ونردّد أيضاً، المقولة
الاجتماعية المشهورة: " على الصغار احترام الكبار " وهذا واجب
ملزم وقيمة اجتماعية سامبة. وكنّنا نادراً ما نسمع: " على الكبار احترام
الصغار وتقدير مشاعرهم.." مع أنّ في ذلك واجباً إنسانياً ومسؤولية تربوية
لبناء الشخصيّة الإنسانية.
يقول العالم التربوي / جان جاك روسو /: "
احترموا الطفولة ولا تتسّرعوا أبداً في الحكم عليها، خيراً كان أم شرّاً.. إنّنا
نرعى النبات بالحراثة، ونبني الإنسان بالتربية.." وهذا يعني أنّ لكل طفل – في
كلّ مرحلة – خصائص وميزات تحتم على الوالدين والمربين معرفتها، وأخذها في الحسبان
من أجل التعامل مع الطفل، بحيث يندفع إلى النشاط والعمل في حدود قدراته ودوافعه،
مع التوجيه الواعي دون إهانة أو تحقير، أو اتخاذ أي موقف يقلّل من شأنه، ويضعف من
بناء شخصيّته.
ولذلك، لا بدّ من القول: إنّ تربية لا تقوم
على احترام عالم الطفولة، وفهم هذا العالم الخاص، وكيفيّة التعامل معه بصورة
إيجابية، تكون تربية خاطئة أو مشوّهة، لا تعطي نتائج مثمرة، ولا تحقّق الأهداف
المتوخاة.
إنّ المواقف التي تنّم عن عدم احترام الأطفال،
وتؤدّي إلى شعورهم بالإهانة، وإلى أنّهم أقلّ شأناً من الكبار، كثيرة ومتعدّدة
الأشكال، نمارسها – نحن الكبار – في حياتنا اليوميّة، داخل الأسرة وخارجها، من دون
أن نقدّر نتائجها ومنعكساتها السلبية على نفسيّات الأطفال ومشاعرهم، تجاه ذواتهم
وتجاه الآخرين.. ونذكر من هذه المواقف فيما يلي،على سبيل المثال.
1- في المجالس والحفلات العامة، يهتمّ الكبار
بالكبار ويهملون الصغار، وكأنّ هؤلاء غير موجودين، فيشعرون بالدونيّة وعدم احترام
الآخرين لهم.
3ـ في حالات السفر، يحجز الكبار مقاعد لهم ولا
يحجزون لأطفالهم، بقصد التوفير أو لعدم المبالاة.. فيقف الطفل لمدة طويلة، أو يجلس
في حضن أبيه أو أمّه، وقد يكون الجلوس غير مريح، فيحسّ الطفل بأنّه مهمل وأدنى
منزلة من الآخرين.
4- قد يتدخّل الطفل في بعض المناقشات الوالدية
حول أمور أسرية، ويكون رأيه صائباً إلى حدّ ما، لكنّه يسفّه من قبل الوالدين ويمنع
من المشاركة، بحجّة أنّ الأمر لا يخصّه.. فيتولّد لديه الإحباط وعدم الثقة بالنفس.
إنّ هذه المواقف السلبية،
وما شاكلها، من قبل الكبار، تولّد لدى الطفل ردود فعل مضادة، قد تكون فورية في
معظم الأحيان، فيغضب أو يتأفّف، أو يبكي ويتألّم.. وقد يكبت تلك المشاعر إلى حين
الفرصة المناسبة للتعبير عنها.. وفي كلا الحالين، تتشكّل عند الطفل نواة لعقدة
نفسيّة تؤدّي في حال استمرّت، إلى اضطراب في شخصيّته، فيعيش في أزمات وصراعات قد
تلازمه مدى الحياة.
لقد دلّت البحوث
والدراسات النفسيّة والتربوية، إلى أنّ (90%) ممّن يعانون من عقدة الدونيّة، تعود
في أسبابها إلى مراحل الطفولة وما لاقته من معاملة والدية. وهذا يوجب على الكبار
عامة، وعلى الولدين خاصة، أن يسلكوا في تعاملهم مع الأطفال أساليب وطرائق مناسبة،
بحيث يشعر الأطفال من خلالها، بأنّ لكلّ منهم شخصيّة مستقلّة مميّزة، تحترم وتقدّر
كغيرها. فيعطى الطفل حقوقه النفسيّة والاجتماعيّة، بما يسهم في تنمية شخصيّته
وتعزيز ثقته بنفسه، والتزامه المسؤول تجاه الآخرين.
ومن جهة أخرى، أشارت البحوث والتجارب
السلوكية، إلى أنّ عقدة النقص عند الكبار أو الصغار، ليست موروثة، وإنّما هي نتيجة
لممارسات تربوية خاطئة تلقّاها الفرد، من والديه أولاً ومن المربّين ثانياً، ولا
سيّما في مراحل طفولته، ممّا ولّد لديه
الشعور بالنقص. والسبب الرئيس في ذلك، هو عدم تقدير استعداداته وقدراته، والتعامل
معه على أساسها.
إنّ الطفل – أحياناً – لا يستطيع القيام بعمل
يفوق قدراته، فيلقى من والديه اللوم والذمّ والتسفيه، وربّما العقاب أيضاً. وأقلّ
ما في ذلك، تلك العبارات المحبطة والمهينة، مثل: (أنت فاشل.. أنت لا تستطيع القيام
بأي عمل.. ألا تخجل / تخجلين من نفسك؟) وغيرها من العبارات التي تصل بالطفل إلى
حدّ التيئيس: " نحن قطعنا الأمل منك.. فما الفائدة..؟!)
إنّ هذه المواقف السلبية، وما شاكلها، من قبل
الكبار، تولّد لدى الطفل ردود فعل مضادة، قد تكون فورية في معظم الأحيان، فيغضب أو
يتأفّف، أو يبكي ويتألّم.. وقد يكبت تلك المشاعر إلى حين الفرصة المناسبة للتعبير
عنها.. وفي كلا الحالين، تتشكّل عند الطفل نواة لعقدة نفسيّة تؤدّي في حال
استمرّت، إلى اضطراب في شخصيّته، فيعيش في أزمات وصراعات قد تلازمه مدى الحياة.
وقد يترافق التسفيه بالمقارنة مع أطفال آخرين
في الأسرة أو غيرهم، من دون مراعاة لمشاعر الطفل / الطفلة. وقد يحدث الأمر ذاته في
المدرسة، من قبل المربين، وفي ظنّ هؤلاء أنّهم يحسنون صنعاً في خلق روح الدافعية
عند الأطفال، بينما تتراكم الإحباطات عندهم، لتصل بهم إلى انعدام الثقة بالنفس،
والاقتناع بعدم القدرة على إنجاز أي عمل
يطلب منهم.
إنّ مبدأ الفروق الفردية/ الجسدية والعقلية
والنفسيّة / موجود، حتى بين الأخوة والأخوات، وهذا يحتم على الوالدين والمربين
اختيار الأساليب التربوية التي تناسب كلّ طفل على حدة، وإن كان الهدف التربوي
واحداً، بحيث تكون هذه الأساليب، في مجملها، مشجّعة ومعزّزة، ولا سيّما بالنسبة
للأطفال الذين يمتلكون قدرات ضعيفة. وبذلك تقوى ثقة الأطفال بأنفسهم، وتنمو
قدراتهم في الاتّجاه التربوي السليم، بعيداً عن الصدمات النفسيّة والاجتماعية.
5ـ تربية التوائم المتماثلة:
إنّ التماثل أو التطابق بين التوائم، ظاهرة
موجودة وبنسبة كبيرة، وهي من الأمور التي تسرّ الأسرة أحياناً، أو تسبّب لها
الإزعاج أحياناً أخرى. فكثيراً ما نرى بعض الآباء والأمهات، يبدون سعادة لا
متناهية تجاه التوائم، ويودّون أن يروهم متماثلين في كلّ شيء، ويجهدون أنفسهم في
تربيتهم على هذا الأساس، حتى يصل الأمر بالتوائم إلى حالة من التلازم العضوي
والنفسي، بحيث لا يمكن لأحد منهما أن يتخلّى عن الآخر.. وفي ذلك تكمن أخطاء تربوية
كثيرة..
قد تكون للتوأمين، مثلاً، الملامح الخارجية
العامة ذاتها.. وقد تكون لهما أيضاً القدرات والإمكانات ذاتها، والتي تدخل في تركيب شخصيّة كلّ منهما.
ولكن هذا لا يعني، بالمطلق، أن لا يكون لكلّ منهما سمات شخصيّة تميّزه من الآخر،
وتقع مسؤولية ذلك على عاتق الأسرة عامة، وعلى عاتق الأم خاصة، بالنظر إلى علاقتها
المباشرة بالتوأمين، ومهامها التربوية تجاههما، ولا سيّما في السنوات الخمس
الأولى، بعد الولادة.
فالأم التي تشتري الملابس للتوأمين، عليها أن
تضع في حسابها بأن تكون ثياب كلّ توأم مختلفة عن ثياب التوأم الآخر، سواء في النوع
ا, في اللون، لكي يتعوّد كلّ منهما على تمييز ملابسه والتكيّف معها، واختيارها من
غيرها. وهذا الأمر ينطبق على الألعاب والأدوات الأخرى التي يحتاجها الأطفال.ولا
تخشى الأم أو تقلق، إذا ما حدث نزاع بين التوأمين، في البداية وعند اختيار الملابس
أو الألعاب، لأنّ ذلك من الأمور التي تحصل بصورة طبيعيّة، حتى عند الأطفال الآخرين
الذين ليسوا من التوائم.
وسيعتاد التوأمان، من خلال ذلك، على الاختيار
الصحيح والمقنع بصورة تدريجية، إلى أن يصلا إلى القناعة التامة بضرورة التعاون
والتبادل فيما بينهما، في الألعاب والملابس، مع الاحتفاظ بعائدية كلّ منها إلى
صاحبه. وما على أم هنا، إلاّ أن تعزّز هذه السلوكات، بحيث تخصّص لكلّ طفل (توأم)
ركناً أو درجاً في خزانة الملابس، لكي يتعوّد الأطفال الحفاظ على ممتلكاتهم
وممتلكات غيرهم.
وينصح الوالدان أيضاً، بضرورة تسمية كلّ توأم
باسم يختلف عن اسم التوأم الآخر، في اللفظ والمعنى، بحيث لا يحصل لبس بينهما، ومخاطبة كلّ منهما باسمه الخاص والتأكيد على
ذلك، مع الإقلال من الإشارة إليهما (بالتوائم) أو نعتهما بذلك. إضافة إلى تكليف
كلّ توأم بعمل مختلف إلى حدّ ما عن عمل التوأم الآخر، وإجراء التبادل في الأعمال
بين حين وآخر.
إنّ
هذه الإجراءات التربوية، وما يماثلها، تعمل على تنمية الذات الشخصيّة لدى التوائم
بصورة عامة، والتوائم المتماثلة بصورة خاصة، ولا سيّما إذا ما بدىء بهذه الإجراءات
في وقت مبكر – كما ذكرنا سابقاً- فيتولّد شعور لدى التوأمين بأنّ مصدر جاذبيتهما
وتقديرهما، هو السمات الخاصة التي شكّلت شخصيّة كلّ منهما، وليس فقط تماثلهما في
المظهر والحركة واللباس.
وعندها، ستكون تصرّفات كلّ منهما مستقلّة عن
تصرّفات الآخر، وإن كانت هناك بعض التصرّفات المتشابهة، سواء في المواقف أو
السلوكيّة، بحكم العامل الوراثي الواحد عند التوأمين، ولكنّها لا تصل إلى درجة
التلازم والتوحّد، كما يحصل أحياناً بين التوائم المتماثلة، وكنتيجة لأسلوب خاطىء
في التربية الأسرية، لا ذنب للتوأمين فيه سوى أنّهما نشأا عليه منذ الصغر، ويصعب
عليهما التخلّص منه، بحي لا يستطيع أحدهما التخلّص من الآخر، أو الابتعاد عنه..
الأمر الذي يؤدّي إلى صعوبات في التكيّف مع متطلّبات الحياة، الخاصة والعامة.
أقراء ايضأ : الاثار التربوية ومستقبل الابناء 2
6-
تربية الولد الوحيـد:
لا شك أنّ تربية الولد الوحيد، مسألة حسّاسة
وعلى غاية من الدقّة والأهمية، وإن اختلفت النظرة إليها من مجتمع إلى آخر، وذلك
تبعاً لتأثيرها على مستقبل الولد الوحيد ذاته، وربّما على مستقبل الأسرة عامة.
ولهذا حظيت ظاهرة الطفل الوحيد باهتمام المربين وعلماء النفس والاجتماع، وإن
انقسموا إلى مؤيّد للولد الوحيد، وبين مطالب بالزيادة إلى ولدين أو أكثر،وبين
مشجّع على وفرة الأولاد.
ومهما يكن الأمر، فإنّ ثمّة ظروفاً قد تفرض
على الأسرة أن تكتفي بولد واحد، من هذه الظروف ما يتعلّق بحالة الزوجين الصحيّة،
أو بحالة أحدهما، ومنها ما يتعلّق بالأوضاع الاجتماعية / الاقتصادية للأسرة. وقد
يكون الولد الوحيد ذكراً أو أنثى، وقد يكون ذكراً بين عدد من الأخوات / الإناث.
ولكنّ الولد الوحيد، وإن كان ذكراً في معظم الحالات، فليس ثمّة مشكلة في
تربيته كما يتصوّر بعض الوالدين، إلاّ إذا
أسيئت (تطرّفت) هذه التربية بحجّة أنّه ولد وحيد، تجب مداراته والحنو الزائد عليه،
والتسامح معه أكثر من المعتاد، دون تقدير لعواقب ذلك على نفسيّة هذا الطفل وحياته
المستقبلية.
لقد أوضحت دراسات كثيرة، تربوية واجتماعية،
أنّ الولد الوحيد يمكن أن يعيش سعيداً في كنف والديه، أكثر ممّا لو كان بين مجموعة من الأبناء
(الأخوة) في الأسرة، لأنّ الوالدين في حال كان وحيداً، سوف يتفرّغان كليّة لتربيته
وتأمين مستلزمات نموّه، وتوفير الحوافز السخيّة والضرورية التي تؤمّن له الاستقرار
النفسي والتكيّف الاجتماعي، وبالتالي الاستمرار في التحصيل الدراسي. إضافة إلى أنّ
وحدته وتفرّغه لذاته، من العوامل التي تساعده في التفوّق والإبداع. وهذا ما يثبته
ويؤكّده رواد سفينة الفضاء الأمريكيّة (أبوللو) الثلاثة، الذين كانوا من الأبناء
الوحيدين لأسرهم.
وعلى العكس من ذلك، فقد يعيش الولد الوحيد
منعزلاً، ضعيفاً، لا يعرف سوى الحماية الأبوية المطلقة، والدلال المفرط، والخوف
الشديد من أن يمسّه سوء.. فينشأ على التواكل وعدم الثقة بالنفس..ويتولّد لديه
الملل والفشل في أي عمل يسعى إليه، لأنّه لم يزوّد بالمؤهّلات اللازمة لخوض غمار
الحياة، وامتلاك سبل النجاح التي طالما افتقدها منذ صغره، ويصعب عليه تعويضها بعد
فوات الأوان.
فالمشكلة إذاً أ ليست في الولد الوحيد،
وإنّما في أسلوب تربيته الأسرية. فليس هناك ما يدعو إلى القلق على مستقبل الولد
الوحيد، إذ يمكنه أن يعيش حياته مع أسرته بهدوء واطمئنان، وينشأ بشخصيّة طبيعيّة
في بعديها، الفردي والاجتماعي، إذا ما وفّر له النظام التربوي الأسري السليم في
علاقاته، والمتوازن في معاملته، فيشعر بوجوده كعضو فاعل ومنتج وفق ما تقتضي واجباته
ومسؤولياته الحاضرة والمستقبلية.
ولذلك، يجب على الآباء والأمهات، ألاّ يفرضوا على الولد الوحيد نظاماً تربوياً صارماً، سواء في الشدّة أو في الليونة، ممّا يسبّب له الإزعاجات والصدمات النفسية والاجتماعية.. بل يجب أن يتّبعوا في تربيته أسلوباً عادياً كما هو عند الأطفال الآخرين، بحيث يمنح ثقته بنفسه، وتنمّى قدرته على تحمّل المسؤوليات المختلفة، داخل الأسرة وخارجها. فيمارس نشاطاته بحرية موجّهة وفق حاجاته ورغباته، ويعيش بالتالي حياته الخاصة والعامة، من جوانبها المختلفة، بلا خوف أو تواكل.
سبحان الله والحمدالله والا الله الا الله والله اكبر
ردحذفسبحان الله والحمدالله والا الله الا الله والله اكبر
ردحذف