1- حكم الكبار على تصرّفات الصغار:
يوجّه الوالدون الملاحظات والانتقادات اللاذعة
على تصرّفات أولادهم، أمام الزوّار أو أمام الرفاق.. وسواء كان ذلك بقصد أو من دون
قصد، فإنّه لا يعطي الآثار التربوية الإيجابية المطلوبة، بل يعطي الآثار السلبية
تماماً، الآنية منها والمستقبلية. ولذلك، يحذّر الآباء والأمهات، من توجيه أية
ملاحظة للأبناء، جارحة أو مسيئة، في هكذا مواقف.
فأساليب التعبير عن عدم الرضا من قبل الأهل،
كثيرة ومتنوّعة، والأطفال يقبلون الأساليب التي يظهر فيها الوالدون لباقة
واحتراماً، وفي الوقت والمكان المناسبين. فسلوك الوالدين غير اللائق مع الأطفال،
وأمام الآخرين، وبصرف النظر عن هدفه وكيفيّته، يسبّب لدى الأطفال ردود فعل سلبية
وحادة، وقد تكون ردوداً مباشرة في أقوالهم وأفعالهم. والأمثلة على ذلك كثيرة، كما
في المثال التالي.
دخل باسم إلى غرفة الضيوف، فوجد عمّه الذي
يحبّ.. وباسم هذا له من العمر سبع سنوات. أسرع إلى عمّه وارتمى في حضنه، بينما راح
العمّ يقبّله ويداعبه.. لكنّ الأم قالت للعمّ بلهجة حادة: " لا تحبّ باسم..
لا تحبّه لأنّه رزيل.." وردّ العمّ بابتسامة: " لا.. لا.. باسم طيّب
وظريف.. هكذا أعرفه..". لكنّ الأم عادت وأكّدت: " أنت لا تعرفه جيّداً..
إنّه رزيل فعلاً.."
فما كان من الطفل (باسم) إلاّ أن انتفض من حضن
عمّه، وهجم على أمّه بنبرة عنيفة: " لا..لا.. أنا لست رزيلاً.. أنت تكذبين..
الرزيل هو ابنك المدلّل – عصام _ " ثمّ انسحب من الغرفة بعدما انفجر بالبكاء.
إنّ موقفاً كهذا من جانب الأم، يخالف كلّ
المبادىء التربوية السليمة التي يتوجّب على الآباء والأمهات أن يأخذوا بها في
التعامل مع أبنائهم. فلا يجوز الحديث عن الأطفال أمام الآخرين، والكشف عن عيوبهم –
وبحضورهم –، أو وصفهم بصفات لا يحبّونها، أو مقارنتهم بغيرهم وإن كانت مع أخوتهم،
إذا كان ذلك يمسّ مشاعرهم بسوء. فالأطفال كالكبار، يعتزّ كلّ منهم بأنّ له شخصيّة
مميّزة، ويريد من الآخرين أن يقدّروه ويتعاملوا معه على أساسها.
ولتساءل الآن عن معنى كلمة " رزيل
" التي استخدمتها الأم في الموقف الذي نعالجه، ويستخدمها الكثير من الآباء
والأمهات، في وصف أحد أطفالهم.؟
إنّ هذه الكلمة، غالباً ما تطلق على الطفل
الذي يتّصف بالحركة الزائدة، والأسئلة الكثيرة، والعناد الشديد في بعض تصرّفاته..
وهو في ذلك كلّه، يعمد إلى أن يثبت ذاته ويحقّق وجوده بين أخوته أو أترابه.. أو
يرغب في امتلاك أشياء كثيرة، أو يلفت أنظار الكبار إليه، ولا سيّما إذا شعر بالظلم
وعدم الاحترام.
وليست هذه الصفات إلاّ من ميزات الطفولة
السليمة، وهي من الأمور الطبيعيّة التي يقوم بها الطفل، لكي ينمو ويتعلّم ويكوّن
شخصيّته المستقلّة.. وعلى الوالدين أن يدركوا هذه الصفات ويوظفوها لمصلحة الطفل من
خلال توجيهاتهم التربوية المناسبة، لبلورة سلوك الطفل وتنميته في الاتجاه الصحيح.
إنّ الأم في موقفها هذا، جعلت الطفل يشعر أمام
عمّه بالخجل والإحباط، ودفعته إلى القيام بردّة فعل سلبية / سيئة تجاهها، كان
بإمكانها – ومن الأفضل لها – أن تتحاشاها. والأهمّ من ذلك، أنّها حرمت الطفل من
لحظات السعادة، وفوّتت عليه فرصة التكيّف الاجتماعي بصحبة عمّه.وقد يتّخذ الطفل
مواقف سلبية أخرى معادية تجاه أفراد أسرته، ولا سيّما تجاه أخوته الصغار، كردّ فعل
انتقامي يسقط فيه كلّ ما يحمل من إحباطات وصراعات نفسيّة، تراكمت بفعل تكرار مواقف
الوالدين السلبية.
يقول / جان جاك روسو / رائد الثورة التربوية
الحديثة، موجّهاً كلامه إلى الآباء والأمهات: " تعرّفوا إلى أولادكم،
لأنّكم يقيناً تجهلونهم كلّ الجهل.." ويقول أيضاً: " احترموا الطفولة
ولا تتسرّعوا في الحكم عليها، خيراً كان أم شرّاً.."
ولكن ممّا يؤسف له، أنّ غالبية الآباء والأمهات – إن لم نقل كلّهم – يتعاملون مع الطفل على أنّه مادة صمّاء وبلا إحساس، لا يعرف شيئاً ولا يدرك أمراً.. وفي ذلك نكران لوجود الطفل وحقوقه. صحيح أنّ الطفل خامة أو مادة أولية قابلة للتشكيل والتطوير، ولكن لهذه الخامة / المادة، صفات وميزات توجب على الوالدين والمربين، أن يتعاملوا معها على هذا الأساس، مع الأخذ في الحسبان ظاهرة الفروق الفردية، حتى بين الأخوة في الأسرة الواحدة؛ إذ لا يجوز التعامل مع الأبناء جميعهم بأسلوب تربوي واحد، وإن كان الهدف التربوي واحداً.
أقراء ايضأ:بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2
2- أسئلة الأطفال وموقف الكبار:
كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها الأطفال على والديهم..فلا يتركون كبيرة أو صغيرة، عن الكون والحياة وطبيعة الأشياء، إلاّ ويسألون عنها، حتى ينفذ صبر الوالدين في أحيان كثيرة، ويتذمّران ويطردان الطفل بعيداً.
يقال:
" لولا السائل لذهب العلم.." وقال / ارسطو /: " نشأت
الفلسفة، كما لا تزال تنشأ، من الدهشة والاستغراب والتساؤل..".
وإذا كان الإنسان يبدأ رحلته التعليمية /
المعرفية، منذ إطلالته الأولى على الحياة، فإنّ الكبار، غالباً ما ينكرون أو
يتجاهلون حقوق الصغار في الحصول على المعرفة، وتعلّم طرائق التفكير، عندما يهمل
الكبار هذه الأسئلة ويتبرّمون منها، ولا يدركون أنّها نوافذ أساسيّة للأطفال، لكي
يطلّوا من خلالها على تعرّف المحيط الذي يعيشون فيه، لا بل على العالم الواسع
ومعرفة أسراره. وهذه الأسئلة بالتالي، هي وسيلتهم للاطلاع والوصول إلى الحقائق
التي يجهلونها، بالإضافة إلى دورها النفسي والتربوي.
فالطفل عندما يطلق سؤاله البسيط، رغبة في
المعرفة أو اكتشاف أمر ما، فإنّه يكون قد تعرّض لموقف جديد أو لخبرة يجهل التعامل
معها؛ فيعيش في حالة من عدم الاستقرار النفسي، يدفعه إلى البحث عمّا يلبّي حاجته..
ولكن ما إن يصل إلى الجواب الصحيح والمقنع، حتى يشعر بالراحة والهدوء، فيعود إلى
توازنه النفسي، ويكتسب نتيجة ذلك مجموعة من المعارف والقيم الوجدانية والإنسانية،
التي تقع في الإطار الثقافي للمجتمع الذي ينشأ فيه ويعيش.
من المعروف تربوياً ونفسياً، أنّ أسئلة
الأطفال الصغار تكون على نوعين:
- النوع الأول (عقلي –لغوي): يحاول الطفل من خلاله أن يستخبر عن
شيء أو أمر معيّن، ويبدأ بكلمات استفهامية، مثل: لماذا؟ كيف؟ ما؟ وغيرها من نماذج
الأسئلة.
-النوع الثاني (ذاتي-نفسي): ويكون على شكل خبر يلقيه الطفل على السامع، بقص تعرّف الإجابة الصحيحة أو التثبّت منها، كما في قوله لأمّه: بابا سيأخذني إلى الحديقة.. وقصده هنا أن يقول: هل سيأخذني بابا إلى الحديقة؟
ومن الملاحظ أنّ النوع الأول من الأسئلة، هو
الأساس في الحصول على المعرفة، بأشكالها المتنوّعة.. وهذا يتطلّب من الوالدين
والمربين، تنميته لدى الأطفال وتشجيعه، وإيلاؤه الاهتمام الذي يستحقّ. ولذلك يقول / تورانس / في هذا الصدد: "
إنّ الإنسان يفضّل أن يتعلّم بطريقة إبداعية، عن طريق الارتياد والممارسة الفعلية
والتساؤل، ووضع الأفكار موضع التجربة واختبارها وتعديلها.."
لقد أكّدت معظم الدراسات والبحوث التي تناولت
ميزات الطفل، ووسائله في الحصول على المعارف التي تلبّي حاجاته، أنّ هذه الأسئلة
لم تُعطَ القيمة التعليمية/ التربوية التي تكمن وراءها، والتي توجب على الكبار
عامة، وعلى الوالدين خاصة، أن يشجّعوا الأطفال على الاستمرار في طرحها، والتساؤل
من خلالها عن كلّ ما يجول في خواطرهم، وسط أجواء تسودها الحرية والحبّ والاحترام،
بحيث لا يحرم الأطفال من حقّهم في التفكير بالطريقة التي تروق لهم، للحصول على
المعارف والخبرات اللازمة للحياة، مع توجيه الكبار وإرشاداتهم البنّاءة.
إنّ الأطفال في مراحلهم الأولى، يعتمدون
اعتماداً تاماً على الوالدين في الحصول على المعارف والمعلومات المختلفة، من أجل
تعرّف ماهية الأشياء وحقائق الأمور، التي يرونها أو يتعاملون معها. وهذا يقتضي من
الآباء والأمهات أن يصغوا بعناية إلى أسئلة أطفالهم، مهما كانت طبيعة هذه الأسئلة،
لأنّ في ذلك مشاركة للأطفال في مشاعرهم ومشكلاتهم، وبالتالي احتراماً لآرائهم، بما
يعيد لهم الاطمئنان والتوازن الانفعالي.
كما يتطلّب ذلك، الصدق في الإجابة ومن دون
مماطلة، وتبسيط المعلومات بما يتناسب مع قاموس الطفل اللغوي، وقدرته على الفهم
والاستيعاب.. فتتعزّز ثقته بنفسه ويصبح أكثر قدرة على طرح الأسئلة الدقيقة،
واستخدام الأسلوب المنطقي في الحوار والمناقشة، والاكتفاء بالمقدار اللازم من
الإجابة، بعيداً عن الصدمات الانفعالية القاسية.
أقراء ايضأ:بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2
3- غضب الأبناء وردود أفعال الآباء:
يستغرب الكثيرون من الآباء والأمهات، لا بل
كلّهم قد يستغربون، إذا سمعوا أنّ ولداً يجاهر بغضبه أمام والديه، أو يقول لهما أو
لأحدهما صراحة: " أنا غاضب منك.. أنا أكره طريقة تعاملك معي.." وقد
يكون تعبيره أكثر من ذلك دلالة على الكراهية وعدم الرضا.
لا شكّ أنّ الولد (الذكر أو الأنثى)، لم
يتصرّف هكذا ويتفوّه بهذه العبارات، لولا شعوره بالاضطهاد أو التعامل من قبل
الوالدين على خلاف ما يجب، أو على خلاف ما يتعامل به أخوته. فيعيش حالة من القلق
والتوتّر الدائم، وهو يعاني من عقدة الذنب نتيجة لشعوره بالكراهية تجاه أفراد أسرته،
وخوفه من الكشف عنها؛ فيستبدّ به القلق إلى درجة يكون فيها سبباً مباشراً لتصرّفه
العصبي، والذي يكون لمعاملة الوالدين دور
كبير فيه.
إنّ لكلّ إنسان – كبيراً كان أو صغيراً –
الحقّ في أن يحبّ من يشاء، ويكره من يشاء، حتى أنّه أحياناً، يكره من يحبّ.. ولكنّ
ذلك قد يكون مؤقّتاً، ولا ينطوي على نتائج / نفسية أو اجتماعية / سلبية ومؤذية،
ولا سيّما إذا ما استطاع الآخرون تفهّم
حقيقة هذا الكره، وتلافي أسبابه.
والطفل هو إنسان، ومن حقّه أن يحبّ ويكره
ويغضب؛ وهذا أمر طبيعي ينبغي على الآباء والأمهات أن يدركوه، باعتباره جزءاً من
الطبيعة الإنسانية. وعليهم في هذه الحال، أن يتقبّلوه بموضوعيّة وهدوء، بلا تذمّر
أو عدم مبالاة. ولكنّ هذا لا يعني أن يسمحوا للأبناء بالتعبير عن غضبهم متى يشاؤون
وبغير حدود، وإنّما يكون السماح لهم بذلك في حالات نادرة جدّاً، كتلك التي تتطلّب
امتصاص شحنة من التوتّر الشديد، الذي يعاني منه الطفل – أحياناً- نتيجة تعرّضه
لموقف صعب بالنسبة له.. شريطة ألاّ يصل به الغضب إلى سلوك مباشر مع الوالدين،
يتّسم بعدم التهذيب وقلّة الاحترام؛ فيفقد الوالدان السلطة على الولد، ويحسّ هو من
جانبه، بأنهما سيرضخان له ويستجيبان لمطالبه.
يقول التربوي الشهير، الدكتور / سبوك / في
هذا الصدد: " إنّ الطفل هنا، يشعر بأنّه مهان في شخص أحد والديه، فيلجأ إلى
الدفاع عنه بمزيد من القسوة عليه، أي على أحد الوالدين،لأنّ الطفل يريد أباً
قوياً، وأمّا قوية، ولا يرضى لكبريائه بأن يكون والداه، أو أحدهما، من النوع
الخنوع، ويتمنّى أن يضعا حدّاً لسلوكه الخاطىء..".
ولا شكّ أنّ ذلك يتوقّف على قدرة الوالدين على
تعرّف مواقفهما الخاطئة في التعامل مع الطفل، والتي كانت سبباً في قلقه أو غضبه،
وولّدت لديه مظاهر متعدّدة من الكبت والإحباط، تتعارض مع رغباته وحاجاته، حيث
يؤدّي تجاهلها من قبل الوالدين، إلى حدوث الكثير من المشكلات التربوية للوالدين
والأبناء، على حدّ سواء. ولا سيّما إذا نفذ صبر الوالدين وانعدمت قدرتهما على
التواصل البنّاء، والمناقشة الهادئة مع الأبناء، وحلّت محلّها الأوامر والنواهي
القسرية، والممنوعات التي تُفرض دون مراعاة لرغبات الأبناء ومشاعرهم.
يقول / برتراند رسل / الفيلسوف التربوي:
" إنّ للطفل حاجتين متعاكستين هما:
الأمن والحرية.. والثانية تنمو تدريجياً على حساب الأولى. فالعواطف التي تمنح إلى
الطفل من قبل الوالدين، يجب أن تكون في إطار علاقة اللعب والراحة الطبيعيّة،
لتعطيه الشعور بالأمن ضمن الحريّة المنظّمة التي تبعث شعور التجاوب العميق عند
الطفل.."
وهذا يعني أن تكون علاقة الوالدين بالأبناء،
علاقة متوازنة تمنحهم الأمن والحرية، في إطار منظّم بينهما، من دون إفراط أو تفريط
في أي منهما.وإذا ما شعر أحد الوالدين بأنّه أخطأ،أو تصرّف بطريقة خشنة أو ظالمة
مع الولد، وسبّب له الغضب أو الاضطراب، فمن المستحسن – تربوياً- أن يعترف موضّحاً السبب الذي دعاه لذلك، ويعتذر بصراحة،
ولكن مع المحافظة على هيبته وكرامته، باعتباره يمثّل القدوة أمام الأبناء.
فالإنسان الذي يعيش طفولة سجينة القوانين السلوكية القسرية، وشباباً محاطاً
باستقامة صارمة،سوف يشعر بالحقد ضدّ البيئة المحيطة، التي ولّدت لديه – منذ
الطفولة -صفة الغضب وسرعة الانفعال. فكانت سبباً في قلقه الدائم وعدم تكيّفه..
وليتذكّر الآباء والأمهات، أنّ الطريقة
الفضلى في تربية الأبناء والتعامل معهم، هي الطريقة التي تعتمد الصراحة والصدق
والوضوح.. الطريقة التي تخلو من مظاهر
القلق والخوف والصدمات النفسية.. الطريقة التي تعزّز ثقة الأبناء بأنفسهم، وتمنحهم
المقدرة على مواجهة المواقف الحياتية، الخاصة والعامة.
4- آداب السلوك والقدوة الحسنة:
يقصد بآداب السلوك، جملة من القيم
والمعايير الاجتماعية / الأخلاقيّة، التي يتحلّى بها الفرد.. وتبرز من خلالها
قدرته على التعامل مع الآخرين بأسلوب مهذّب ولطيف، يحفظ كرامته وكرامة الآخرين
الذين يتعامل معهم. وتدخل في ذلك قدرة الفرد على التصرّف السليم في المواقف التي
يتعرّض لها، ولا سيّما في الأماكن العامة، دون أن يسبّب هذا التصرّف أية إساءة أو
إحراج، له أو للآخرين.
والسؤال
هنا: كيف نربّي أفراداً يمتلكون إرادة التصرّف السليم والسلوك السوي؟!
إذا بحثنا في الواقع، فإنّنا سنواجه بكثير من
الآباء والأمهات الذين يشكون من ضعف الحسّ الاجتماعي / الأخلاقي عند أبنائهم، وعدم
قدرة هؤلاء الأبناء على التصرّف الحسن أمام الآخرين، ومعاناتهم من الخجل والارتباك
جرّاء ذلك..!!
لنأخذ المثال التالي: إذا جاء أحد زوّار
العائلة وحاول أن يداعب طفلاً، ويقدّم له بعض الهدايا، فإنّ الطفل يلوي بعنقه
خجلاً، ولا يحسن التصرّف وتقديم الشكر للزائر الكريم. وفي المقابل، هناك بعض
الأطفال الذين لا يكترثون بالضيوف والزوّار، فيدخلون غرفة الاستقبال ويأخذون ما
يريدون منها بلا استئذان.. وإذا ما أتيح لهم وجلسوا يستمعون إلى ما يدور من أحاديث،
فإنّهم يقاطعون الكبار – أحياناً- ويبدون رأيهم بفظاظة ودون احترام.
وإذا طلب
إلى الأطفال الكفّ عن الحديث أو
نبّهوا إلى خطئهم، فإنّهم ينظرون شزراً تعبيراً عن عدم الرضا، على الرغم من
توجيهات الوالدين، وتقديم النصائح والإرشادات حول كيفيّة التصرّف السليم والسلوك الحسن أمام الآخرين، والتعامل معهم..
وقد يصل الأمر عند بعض الآباء والأمهات إلى حدّ اليأس – أحياناً – ويتساءلون: كيف
نعلّم أطفالنا حسن التصرّف؟ لقد حاولنا مراراً وتكراراً، ولم يفلح أي أسلوب معهم،
سواء بالترغيب أو بالترهيب، أو بكلا الأسلوبين معاً؟!
لقد أثبتت البحوث والدراسات التربوية، أنّه
يستحيل – وبشكل قاطع – إكساب الطفل عادة ما، وترسيخها لديه عن طريق التذكّر
الكلامي، إذا لم يكن امتلكها فعلاّ من خلال الممارسات العملية، وفي مواقف مختلفة.
وأنّ الكلام وحده لا يمكن أن يخلق عادة لدى الطفل، مهما كانت أشكال الكلام
ومضموناته، ما لم يقترن بتطبيقات عملية تثبّته وتعزّزه.
وكلمة (تطبيقيّة) هنا، تعني التدريب المستمرّ
في مواقف حياتية متنوّعة، وبشكل منظّم ومضبوط، إلى أن يستطيع الطفل تلقائياً ممارسة هذا السلوك أو ذاك، وبقناعة تامّة؛
فتصبح العادة متأصّلة لديه. وهذا يتطلّب إتاحة الفرصة، بل الفرص، المناسبة أمام
الطفل- وفي وقت مبكر- كلّما أمكن ذلك، ليدرك أهميّة التصرّف اللطيف والسلوك
المهذّب، وضرورة ممارستهما سواء في البيت أو خارجه، مع أترابه أو مع الكبار في
المجتمع الذي سيصبح عضواً فيه.
إنّ تربية السلوك الحسن، أو بمعنى أوسع،
تربية آداب السلوك، ليست بالأمر السهل، وإنّما تحتاج إلى القدوة الحسنة، إلى
الدقّة والحذر في التوجيه، وصبر وأناة في التعليم والتدريب. فمفهوم (آداب
السلوك) مفهوم واسع تنطوي تحته مجموعة من الممارسات والمواقف السلوكية، التي
يتّخذها الفرد تجاه ذاته أو تجاه الآخرين، في المحيط الذي يعيش فيه، مهما كانت
أشكال هذا المحيط ومستوياته الثقافية والاجتماعية.
فالطفل بحاجة إلى أن نعلّمه: كيف يرحّب
بالضيوف، يستقبلهم ويودّعهم.. كيف يحترم الكبار ويعطف على الصغار.. كيف يعتذر إذا
أساء للآخرين، ويشكرهم إذا قدّموا له المساعدة.
نعلّمه كيف يصغي ويستمع عندما يتحدّث الآخرون، وكيف يتحدّث ويبدي رأيه في
الوقت المناسب..إلى غير ذلك من السلوكات التي تشكّل معياراً لتقويم الفرد والحكم
عليه، تربوياً وأخلاقياً واجتماعياً.. والمسؤولية الأولى في ذلك كلّه، تقع على
عاتق الوالدين اللذين يمثّلان القدوة بالنسبة للأبناء.
ولتوضيح هذه المسؤولية، نأخذ المثال التالي:
في أحد مواقف (الباصات) المكتظّة بالمنتظرين،
تقدّمت فتاة صغيرة مسرعة، بصحبة أمّها، مع إطلالة حافلة الركوب (الباص)، فاصطدمت
بسيّدة عجوز أوشكت أن تقع على الأرض، لولا مساعدة بعض الركّاب.. لم تكترث الفتاة
بالأمر، غير أنّ السيدّة العجوز قبل أن تصعد إلى الحافلة، وقالت لها بلهجة كلّها
لطف وهدوء: " لماذا السرعة يا ابنتي؟ أم تري هذا الازدحام الشديد؟ إنّ فتاة
شابة وأنيقة مثلك، لا يجوز أن تتصرّف هكذا..؟!
وبدلاّ من أن تعتذر الفتاة، راحت تنظر
باستخفاف إلى السيّدة العجوز، بينما شرعت أمّها في توبيخ هذه السيّدة، وعلى مسامع
ابنتها، وتتهمها بإلقاء محاضرة في الأخلاق، وقالت لها بتهكّم: " إذا لم يعجبك
هذا الوضع، خذي سيّارة خاصة وارتاحي وأريحي.. "
وهنا شعرت الفتاة بنشوة فارغة، لا أساس لها
ولا معنى. أمّا الأم، فلم يدر في خلدها أنّ ابنتها تلك الفتاة الحسنة المظهر والترتيب الخارجي، ستنشأ فارغة من المضمون
الاجتماعي / الأخلاقي، وبعيدة كلّ البعد عمّا يعرف (بآداب السلوك).
ولو فعلت الأم ما يقتضيه الواجب من حسن
التصرّف، لكانت طيّبت خاطر السيّدة العجوز بكلمات لطيفة، وأنّبت ابنتها وطلبت
إليها أن تعتذر لتلك السيدّة، وتبدي أسفها الشديد على ما بدر منها. وبهكذا موقف
مهذب، تضع الأم حجراً كبيراً وصلباً في بناء التربية الصحيحة لآداب السلوك عند
ابنتها، لم تستطع أن تحيد عنه في حياتها.. هذا البناء الذي يحتم على الآباء
والأمهات، أن يستفيدوا من كلّ إمكانية متاحة لتشييده وترسيخه لدى الأبناء، ومنذ الصغر.
فإذا ما أدرك الطفل معنى التصرّفات المهذّبة
مع الآخرين، فإنّ عملية تكوين آداب السلوك ستجري بسهولة ويسر، وتكون أكثر فاعلية،
ولا سيّما إذا ما قدّم الوالدان، من خلال تصرّفاتهما، المثل تلو الآخر داخل النطاق
الأسري وخارجه، من دون تزييف أو ممالأة.. فالسلوك الحقيقي المهذّب، هو السلوك الذي
يمارس بقناعة وبلا تصنّع.. إنّه السلوك الذي يعبّر عن الاحترام الواعي للذات
وللآخرين، وعن الاعتراف بكرامة الإنسان،
أي إنسان.
أقراء ايضأ : الاثار التربوية ومستقبل الابناء 2
5- الصدق والكذب عن الأطفال:
يعدّ الصدق أحد المكوّنات الأساسيّة في التربية الاجتماعية /: الخلقية، التي يكتسبها الفرد من بيئته، ويتمثّلها بحيث تصبح محرّكاً لسلوكه وموجهاً لعواطفه وانفعالاته. وتتحمّل الأسرة ممثّلة بالوالدين، الدور الأكبر في هذه التربية، على اعتبار أنّ الأسرة هي المؤسّسة التربوية / الاجتماعية الأولى، التي يبدأ الطفل من خلالها بتعرّف المحيط الاجتماعي، واكتشاف ما في هذا المحيط من قيم خبرات وتجارب، ليحقّق ذاته ويحدّد طريقه في معترك الحياة التي تنتظره.
وبما أنّ الصفات الخُلُقيّة هي من الصفات
المكتسبة عند الإنسان، وليست من الصفات الوراثية التي تنتقل فيزيولوجيّاً من
الآباء إلى الأبناء، كما في الطول ولون البشرة ولون العينين.. فالأطفال في أي
مجتمع من المجتمعات، يولدون وهم مزوّدون
بخصائص وقدرات عضوية ونفسيّة، تؤهّلهم لتلقّي الصفات الخلّقيّة بما فيها من: (القيم والعادات
والتقاليد، وأساليب التعامل والمعايير الاجتماعية المختلفة..) وذلك من خلال
التربية التي ينشأون في ظلّها.
ولذلك، إنّ الأطفال ليسوا صادقيم ولا
كاذبين..كما أنّهم ليسوا غيريين ولا أنانيين.. وفي النهاية، ليسوا صالحين وليسوا
طالحين.. وإنّما التربية المجتمعية عامة، والتربية الأسرية خاصة، هي التي تحدّد
هذه الصفات وترسم عند الطفل / الفرد ملامحها المستقبلية.
لا شك أنّ ظاهرة الكذب منتشرة بين صفوف
الأطفال، ليس لأنّ الأطفال يحبوّن الكذب، وإنّما يكونون قد وضعوا في ظروف ومعزّزات
أسرية أدّت إلى تكوين هذه الظاهرة (السلوك). ولكن، لا بدّ من التفريق بين الكذب
المتعمّد الذي يصبح عادة سيّئة ترافق الفرد في حياته، إذا لم يتمّ استئصالها في
وقت مبكر، وبين الكذب الذي يبتدعه خيال الطفل ويعرف (بالفانتازيا) ولا سيّما في مراحل
الطفولة الأولى، حيث يجري الطفل وراء خيالاته وتصوّراته، ليبرز شخصيّته ويثبت
وجوده أمام الآخرين من خلال ما يجود به خياله النشط.
قد ينسب الطفل أموراً له وهي ليست عنده، أو
يدّعي بأعمال ليست من صنعه، أو ينسج أحداثاً لا أساس لها من الصحة في الواقع.. ويقوم
بذلك ليرفع من قدر ذاته، أو ليعوّض نقصاً يعاني منه، ولا سيّما إذا كان يعاني من
الشعور بالحسد أو الغيرة تجاه الآخرين، سواء داخل الأسرة أو خارجها..
وقد تكون صرامة الوالدين ومعاملتهما القاسيّة
التي تولّد الخوف في نفوس الأبناء، من الأسباب التي تعوّد الأطفال على الكذب اتقاء
العقوبة الجسدية، أو الحرمان من أشياء محبّبة إلى نفوسهم، جزاء قيامهم بأعمال قد
لا يرضى الكبار عنها، كما في المثال التالي:
" طفل في الساسة من عمره، تعثّر في
المطبخ وسقطت كأس الماء من يده.. همّ بجمع قطع الكأس المتناثرة على الأرض، وإذ بأمّه
ترى ما حصل وترخ غاضبة مؤنّبة، ومهدّدة.. أسرع الطفل إلى أمّه ليستجيرها ويصارحها
بما حدث، ويطلب الاعتذار عن طيبة قلب. لكنّ الأم تجاهلت لهفة الطفل واعتذاراته،
وراحت تتأسف على الكأس المكسورة وهي نعاقب الطفل بالضرب المبرح على يديه، وتتوعّده
بالعقوبات الأشدّ إذا ما كرّر ذلك.."
ماذا نستنتج من هذا الموقف؟ لا شكّ أنّ الطفل
تألّم وشعر بالإهانة على عمل غير مقصود، وهو لن يكون صريحاً وصادقاً مع أمّه،
وربّما مع والديه، إذا ما تعرّض – فيما بعد – لموقف مماثل، بل سيلجأ إلى الكذب
والخداع لتبرير فعلته والتخلّص من العقوبة المحتومة. وهنا تكون الأم قد أسهمت، من
حيث تدري أو لا تدري، في غرس عادة الكذب عند الطفل وتعزيزها، من خلال تكرار
مواقفها السلبية تجاه أفعال الطفل العفوية.
ومن جهة أخرى، قد يكون تعامل الوالدين، فيما
بينهما، مبنيّاً على الخداع وعدم المصارحة، وفي ظنّهما أنّ الأمور تسير كما
يرغبان، وأنّ الأطفال لا يكتشفون ذلك.. وهنا تكمن الخطورة، لأنّ الأطفال سيعرفون
هذا الأسلوب، عاجلاً أم آجلاً، وسيتمثّلونه ويمارسونه، اقتداء بوالديهم، حتى يصبح
صفة ملازمة لسلوكهم التعاملي مع الآخرين.
فالطفل لديه القدرة الفائقة على التقاط
المواقف / الإيجابية والسلبية /، وهو مراقب ممتاز لتصرّفات الكبار، فيترك بعضها
ويقتدي ببعضها الآخر، أو بالأحرى ينعدي منها، كما يقول تولستوي، وذلك تبعاً لقوّة
تأثيرها.. لأنّ ذلك يفوق مئات المرّات ما يصدر عن التوجيهات الكلامية.
لنتصوّر أباً يتحدّث باستمرار أمام أبنائه، عن
الصدق وقيمته الاجتماعية والأخلاقية، ويشدّد على التمسّك بهذه الصفة النبيلة، وهو
يعرف أنّه يكذب على نفسه لأنّه يمارس نقيض ما يقول، ويعزّز لدى أبنائه صفة الكذب،
وليس صفة الصدق... وإليكم المثال التالي.
يحدث – أحياناً- أنّ الأب لا يريد أن يتحدّث
على الهاتف مع شخص ما، أو لا يرغب في استقبال زائر ما، فيوصي أفراد أسرته قائلاً
بلهجة حازمة: " إذا طلبني (فلان) على
الهاتف، فأنا غير موجود.. فإذا جاء (فلان) لزيارتي، فأنا غير موجود.. قولوا له
إنّني ذهبت إلى الطبيب، أو لأمر طارىء..قولوا له أي شيء.. المهمّ أنّني غير
موجود.. أتفهمون ما أقول..؟
إنّ مثل هذا التصرّف الصريح أما الطفل أو
الأطفال، والتشديد عليه، لا يعلّم الصدق، بل يعلّم الكذب، سواء رغب الأب أم لم
يرغب.. فالطفل الذي يكذب الآن بناء على طلب والده (والديه)، سوف يكذب في المستقبل
من تلقاء ذاته، وبلا حرج أو تردّد، بعدما تتأصّل هذه العادة لديه بفعل معزّز قوي،
هو القدوة الوالدية.
فالوالدان إذاً، مسؤولان مسؤولية مباشرة
وكاملة، عن إكساب الطفل السلوكات الصحيحة والمرغوبة، أخلاقياً واجتماعياً.. حيث
يتوقّف ذلك على تقديم القدوة الحسنة ومدى تأثيرها وفاعليتها. وفي هذا الصدد، يؤكّد
المربّي الكبير / أنطون مكارينكو / أهميّة
كبيرة للقدوة الوالدية في التربية، فيقول للآباء والأمهات: " لا تظنّوا أنّكم
تربون الطفل عندما تتحدّثون إليه فحسب، أو ترشدونه أو توجّهونه.. بل إنّكم تربونه
في كلّ لحظة من حياتكم، حتى حين لا تكونون في البيت.. فالمشاعر الخيّرة والقيم
النبيلة والأفعال التربوية، لا يكتسبها الطفل من الفراغ الكلامي، بل من العلاقات
والمواقف السليمة فيما بين أفراد الأسرة من جهة، وفيما بينهم وبين الناس الآخرين
من جهة أخرى..."
6- غياب الأب ومسؤولية الأمّ:
إنّ حياة الأسرة العادية والطبيعية، تكون
بوجود الوالدين (الأب والأم) معاً، يشتركان في تحمّل مسؤوليات بناء هذه الأسرة
وتربية الأبناء في كنفها. ولكن قد تفقد الأسرة (ربّ الأسرة) أي الأب، ولسبب من الأسباب، قد يكون الموت أو الطلاق، أو
الغياب والسفر الطويل، وعندها تتحمّل الأم
– بمفردها – هذه المسؤوليات، وهنا تكمن المشكلة، ولا سيّما إذا كان فقدان الأب
بسبب الوفاة، حيث لا أمل للأم في أي مساعدة.
لا شك أنّ الأم في هذه الحال، تبقى قلقة على
مستقبلها ومستقبل ابنها أو أبنائها، ولا سيّما إذا ما قرّرت أن توقف نفسها وحياتها
من اجل تربيتهم التربية الصالحة. فترفق نفسها وهي تتصوّر أنّ في مقدورها أن تقوم
بدور الأم والأب معاً.. وهذا الأمر مستحيل من الناحيتين، النفسيّة والاجتماعية.
فالطفل يحتاج إلى الأب والأم معاً، ولا
يتنازل بسهولة عن هذا الحقّ الطبيعي. وعندما يفقد أحدهما لا يكفّ عن السؤال: أين
هو؟ إلى أين ذهب؟ متى سيعود..؟ وإذا كان الأب هو الذي فُقد (مات) فإنّ الطفل يحاول أن يخلق في خياله صورة
خاصة لأبيه، من خلال الصفات التي يسمعها عنه من أمّه ومن أقاربه.. ويفخر بهذه
الصورة التي غالباً ما تكون صورة مثالية، خالية من العيوب.
إنّ الإنسان بوجه عام، والطفل بوجه خاص، يحتاج
إلى أب وأم لرعايته وتأمين حاجاته الجسدية والنفسية، ولا سيّما الحب والأمن
والاطمئنان.. وهذه هي الحقيقة الطبيعية في الأسرة. ولكن إذا فقد الأب من الأسرة،
فليس من السهول على الأم أن تقوم بمهام الوالدين معاً، مهما حاولت، إلاّ في حالات
نادرة جدّاً.. وكلّ ما يمكن أن تفعله، هو أن تجعل الجو الذي يعيش فيه طفلها أو
أطفالها، جوّاً صحيّاً يساعد في تأمين عوامل النموّ السليم، وفي خلق صورة طيّبة عن
الأب، ولا سيّما الأب المتوفّى.
إنّه لمن الصعوبة بمكان، أن تبقى علاقة الأم
بأبنائها، عندما تفقد زجها، علاقة عاديّة / طبيعيّة، ولا سيّما مع الابن الكبير.
فهي تشعر بالوحدة، وتميل إلى لاتخاذه صديقاً ورفيقاً في رحلة الحياة؛ فتزيد من
صلتها به وتعطيه الكثير من حبّها وعطفها.. ولكن عليها – في المقابل – أن تكون
متحفّظة كي لا يندفع ابنها هذا إلى تمثيل دور رجل البيت الحقيقي، ويختار لنفسه
الأسلوب الذي يمكّنه من هذا الدور، فتفقد الأم صلاحياتها وتنهار أحلامها.
ولذلك، تنصح الأم في هذه الحال، بأن تبقي
علاقاتها مع ابنها متوازنة من دون إفراط أو تفريط، سواء في ممارسة صلاحياتها أو في
حبّها لابنها. فتتحدّث عن الأب الراحل بصورة مليئة بالتقدير، ليكون قدوة نموذجية
للابن ينبغي عليه أن يتمثّلها في المستقبل. كما تعقد مع ابنها صداقة ناضجة وتشجّعه
على تنمية هواياته واختيار أصدقائه. وتفسح له المجال لكي يذهب إلى بعض الأماكن
العامة دون أن ترافقه.
وعندما يصل إلى مرحلة المراهقة والنضح، تمنحه
الثقة بنفسه وتعامله باحترام متبادل، في إطار من الحريّة المنظّمة. فلا تمانع –
مثلاً – من أن يعقد صداقة مع فتاة يختارها، قد تكون شريكته في حياته المستقبلية،
شريطة أن تعلّمه حدود تصرّفاته ومسؤولياته، من دون أن تشعر بالغيرة حيال ذلك، بل
تمنحه الاعتراف بأنّه إنسان مستقلّ وله سيادته على سلوكه، وهو المسؤول بالتالي عن
تصحيحه وتقويمه. وهي في الوقت ذاته، تراقبه وتوجّهه بصورة غير مباشرة، وتعمل على
تذليل كلّ ما يعوّق ممارسته السلوك السوي، الذي يحقّق له الشخصيّة المتوازنة على الصعيدين:
الفردي والاجتماعي.
وخلاصة القول، إنّ الأم التي تعترف بأنّها
امرأة – وإن حاولت القيام بدور الأب الغائب – تخلق لدى أبنائها الإحساس بضرورة
احترامها، وحمايتها وإسعادها. وهذا ما يساعدها في أن تصل معهم إلى تربية طبيعيّة،
تمكّنهم من اجتياز مراحل الطفولة والمراهقة، وتنقلهم إلى المستقبل بالاعتماد على
قدراتهم وإمكاناتهم، حيث ينعكس نجاهم في البيت على نجاحهم في ميادين الحياة
المختلفة. وطريق الأم إلى ذلك كلّه، المودّة والمناقشة الصريح، والإقناع والتشجيع،
والابتعاد ما أمكن عن اللهجة العنيفة والتهديد، أو التسخيف والإهانة، لكي لا تعطي
أيّاً من أبنائها فرصة الشك أو التمرّد، أو فقدان الثقة وما يؤدّي إلى ضعف التكيّف
النفسي والاجتماعي.
7-
دور الأسرة في اختيار الأقران:
يعرّف الإنسان بأنّه كائن اجتماعي بطبعه.. أي
لا يستطيع، بل لا يرغب، أن يعيش منعزلاً عن الآخرين من أبناء جنسه، مهما امتلك من
الإمكانات والمستلزمات الضرورية لحياته. وإذا كان هذا الأمر ينطبق على الإنسان /
الفرد بوجه عام، فإنّه ينطبق على الطفل بمراحله المختلفة بوجه خاص، بالنظر لحاجاته
النمائية والتطوّرية، الذاتية والاجتماعية.
فالطفل بحاجة إلى أن يلعب، ويعرف، ويتعلّم
ويكتشف محبطه، بما في هذا المحيط من علاقات ومظاهر. وهذا لا يتمّ إلاّ إذا تعامل
الطفل مع الآخرين، ولا سيّما من هم في عمره، وتفاعل معهم بصورة إيجابية. ومع تقدير
دور الأسرة المبكر في توفير مستلزمات بعض هذه الجوانب، فإنّ ثمّة مجتمعاً آخر للطفل
يؤدّي دوراً بارزاً وهامّاً في هذا المجال؛ هذا المجتمع هو أقران الطفل أو رفاقه،
الذين يماثلونه في العمر الزمني والعقلي، ويشاركونه في الرغبات والمشاعر والحاجات،
التي تمتاز بها مرحلة الطفولة التي تجمع فيما بينهم.
وإذا كانت التربي النظاميّة تزوّد الطفل بالمستلزمات
/ العلمية والمعرفية / الضرورية لإعداده للحياة والتكيّف مع المجتمع، فإنّ التربية
اللانظاميّة / العَرَضيّة، لا تقلّ أهميّة وخطورة في مجال هذا الإعداد، ولا سيّما
أنّها متعدّدة المصادر والاتجاهات.. والأقران أحد المصادر الأساسيّة في هذه
التربية، سواء كان تأثيرها إيجابياً أو سلبياً.
فمن المعروف أنّ الطفل يتلقّى التربية الأولى
من أسرته، ثمّ تشاركها في ذلك، المدرسة بمستوياتها المختلفة، وكذلك البيئة
المحيطة، بما فيها من الأقران / الرفاق. وقد دلّت الدراسات الاجتماعية والتربوية،
على أنّ الطفل يتعلّم ويكتسب من أقرانه – أحياناً- أكثر ممّا يتعلّم في البيت أو
في المدرسة، لأنّ تعلّمه بين أقرانه يكون بحريّة ومن دون رقابة أو إكراه، حتّى أنّ
أثر هذا التعلّم يدوم مع الإنسان طيلة حياته، وذلك نتيجة لمعايشته أقرانه وتفاعله
معهم فترة طويلة.
ونحن نسمع كثيراً من بعض الأفراد – حتى في
مراحل عمرهم المتقدّمة – أنّ من أعزّ أصدقائهم، هم رفاق الطفولة، ويتذكّرون أموراً
كثيرة تعلّموها منهم خلال معاشرتهم لهم. وهذا دليل واضح على أهميّة الأقران في
حياة الأطفال، حيث تكمن هذه الأهميّة في نواحٍ متعدّدة، من أهمّها:
- تفجير طاقات الطفل، وتلبية حاجاته إلى اللعب
والاطلاع والاكتشاف وإثبات الذات.
-تنمية العلاقات الاجتماعية السليمة، بما يعطي قيمة للحياة والاستمتاع بها.
-تنمية ثقة الطفل بنفسه، وشعوره بوجوده كعضو
فاعل في مجتمعه، بما يقوّي شخصيّته ويعوّده على تحمّل المسؤولية الفردية
والجماعية.
-تنمية الاعتماد على الذات في تصريف بعض
الأمور، وحلّ بعض المشكلات الخاصة التي يتعرّض لها الطفل، بما يجعله يتعامل مع
الآخرين بموضوعية وعقلانية.
فحرمان الطفل، إذاً من معاشرة (معايشة)
الأقران، يجعله يعيش حياة محدودة، معزولة عمّا يدور حوله في العالم الرحب، الأمر
الذي يمكن أن ينتهي به إلى شخصيّة منطوية، ضعيفة الإرادة لا تملك مقوّمات التكيّف
الاجتماعي، وبالتالي غير قادرة على التفاعل مع المجتمع الكبير.
وتأسيساً على ما تقدّم، تبدو عمليّة اختيار
الأقران ضرورية للطفل من جهة، وصعبة بالنسبة للطفل والأسرة معاً من جهة أخرى..
وبما أنّ الطفل – في معظم مراحله – غير قادر على تحديد المعايير الصحيحة لاختيار
الأقران، فإنّ الأسرة، ممثّلة بالوالدين، هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن هذا
الاختيار. حيث يبرز دورها كمرشد للطفل، ومساعدة على تذليل العقبات التي تحول بينه
وبين اتصاله بأقرانه، واختيارهم.
ولذلك، ثمّة أمور لا بدّ أن تراعيها الأسرة عند اختيار أقران الطفل، نورد أهمّها فيما يلي:
1-العمر: حيث لكلّ مرحلة من مراحل الطفولة ميزات خاصة، يجب أخذها في الحسبان عند اختيار الأقران، بحيث لا يكون التفاوت بينهم في الأعمار كبيراً، وإن كان الصغير يستفيد من خبرة الكبير في بعض الأحيان. لكنّ هذا الكبير قد لا يعير اهتماماً للصغير الذي يطمح إلى نيل ثقته والانضمام إلى جماعته.
2ـ الجنس: وهذا الأمر على قدر كبير من الأهمية، إذ قد
يكون الأقران من الجنس واحد أو من الجنسين. وعلى الأسرة أن تولي هذا الأمر عناية
فائقة منذ مراحل الطفولة الأولى، ولا سيّما الاختلاط بين الجنسين، لأنّ هذه
العملية تمهّد لتكيّف سليم ومثمر لدى الجنسين في المستقبل، فيما إذا أحسن توجيهها
وتوظيفها حتى مرحلة البلوغ، دون أن تترك آثاراً سلبية، نفسية واجتماعية.
3-المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي: فلكلّ مستوى آثاره الإيجابية
والسلبية. فعلى سبيل المثال:إذا كان التفاوت في المستوى الاقتصادي / الطبقي كبيراً
بين الأقران، فإنّه قد يؤثّر سلباً على الأطفال المنتمين إلى المستويات الدنيا،
ويسبّب لهم الإحباط وعدم التفاعل الإيجابي بينهم وبين أقرانهم من المستويات
العليا.
وكذلك الأمر بالنسبة للتفاوت في المستوى الاجتماعي أو الثقافي، بما في ذلك
من قيم وعادات ومظاهر سلوكية مختلفة، قد لا تجد قبولاً لدى بعض الأقران، فتعوّق
تنمية العلاقات الاجتماعية بينهم، وتؤدّي بالتالي إلى تقصير المدّة التي تعيشها
جماعة الأقران.
وإذا كان الاختلاط العفوي والمستمرّ، والتعامل
البعيد عن المصلحة الذاتية، كفيلين بإلغاء هذه الفروقات بين الكبار أو الإقلال من
شأنها، فإنّها قد لا تظهر البتّة عند الصغار الذين يتعاملون ببراءة وطيبة قلب،
إلاّ إذا عمد الوالدون إلى إبرازها وتنبيه أطفالهم إليها.
8- الفروقات بين الذكور والإناث:
إنّ قضيّة الفروق بين الذكر والأنثى، تعود إلى
الزمن القديم حيث كان الإنسان يعتمد في حياته على الصيد والحرب مع الطبيعة ومع
أبناء جنسه، وكانت قوّة الرجل من الصفات اللازمة لتحقيق الاستقرار الأمني والغذائي
للعائلة، دون أن يكون للمرأة أي دور كبير في ذلك، ولا يحقّ لها المطالبة به.
ولذلك، عانت المرأة عبر تاريخها الطويل،
كثيراً من الظلم والتمييز المهين بينها وبين الرجل؛ فحسدته وحقدت عليه بسبب ما
يتمتّع من مزايا وحقوق، تصل إلى حدّ السيطرة عليها والتحكّم بها، على الرغم من
أنّه مسؤول عن تأمين متطلّبات حياتها الخاصة والأسرية، إلى أن استطاعت أن تدخل
شيئاً فشيئاً إلى ميادين الحياة الفعلية، حيث أثبتت كفاءتها مثل الرجل في كثير من
المجالات، أو تفوّقت عليه في بعض المجالات.
ولكنّ المسألة، على الرغم من هذا التطوّر، ما
زالت مستمرّة والآراء حولها كثيرة ومتضاربة أحياناً بين مؤيّد ومعارض، وإن كانت
معظم هذه الآراء يتجّه إلى أنّ المرأة يمكن أن تماثل الرجل في صفات (فكرية وسلوكية
/ عملية) إذا ما قدّم لها المجتمع أساليب التربية ذاتها التي يقدّمها إلى الرجل،
ومنذ مراحل الطفولة الأولى، مع مراعاة التكوين الجسدي (الفيزيولوجي) لكلّ منهما.
لكنّنا نجد أنّ الأسرة والمجتمع – وفي بعض
البيئات – يعاملان البنت بأسلوب مختلف تماماً عن معاملة الصبي، حتى ليمكن القول
أنّ ثمّة قوالب تربوية يصبّ فيها الرجل، وقوالب أخرى تصبّ فيها المرأة، بدءاً من
اليوم الأول لميلاد كلّ منهما.. وعلى هذا الأساس، فإنّ الصفات التي يتمتّع بها كلّ
من الذكر والأنثى (الرجل والمرأة) لا تعود كلّها – بالدرجة الأولى – إلى الطبيعة
الفيزيولوجية / الفطرية لكلّ منهما، وإنّما تعود إلى التربية التي يتلقياها عبر
مراحل التنشئة الاجتماعية، على النطاق الأسري والمجتمعي.
ولكن ثمّة فروقات محدودة وفاعلة أحياناً، لا
يمكن تجاهلها، بين الصبي والبنت، وهي تنمو بنسب متفاوتة، قد تكون قليلة أو كبيرة،
تبعاً لأساليب التربية التي يتلقّاها كلّ منهما، وإن كانت في معظمها فروقات
ظاهرية.. ونذكر منها على سبيل المثال:
-يتميّز الصبيان بالعنف والأعمال المجهدة
والخشنة، كركوب الدراجات النارية واللعب بالمسدّسات (عسكر وحرامية)، بينما تفضّل
البنات، ركوب الدراجات الصغيرة، واللعب بالعرائس.. وإن لعبت بعض الفتيات الصغيرات
بالمسدّس، مثلاً، فهذا ليس إلاّ من قبيل التشبّه بالصبيان والوصول إلى مرتبتهم،
ولا سيّما في الأسر التي تُؤثر الذكور على الإناث.
- دلّت اختبارات الذكاء على أنّ الأطفال من
الذكور والإناث، متساوون إلى حدّ التطابق في الذكاء الحاد والمبادرة. وإنّ مقولة
الأنثى أقلّ ذكاء من الذكر، لا صحة لها على الإطلاق، وإن كانت اختبارات القدرات
تقول: إنّ الصبيان يتفوّقون على البنات في علوم الرياضيات، ولذلك يشكو العديد من
الفتيات من مادة الحساب وما يتبعها، ولا سيّما في مراحل التعليم الأولى..
- يميل الصبيان إلى المغامرة وارتياد المخاطر
والاقتراب منها والتعامل معها، بقص إبراز القوّة والجرأة إلى حدّ التهوّر، بينما
تقف البنات موقف الحذر والتعقّل وضبط النفس، ولا يخاطرن إلاّ في حالات نادرة.
- أمّا بالنسبة للكبار، فلا تجد المرأة حرجاً في
طلب المساعدة من الآخرين، إذا ما وجدت نفسها في مشكلة أو في مأزق، بينما يجد الرجل
في ذلك أمراً صعباً، فيعتمد على نفسه مكابراً.. ولا يلجأ إلى طلب المساعد إلاّ
عندما يشعر بالعجز الحقيقي.
واستناداً إلى ما تقدّم، لا بدّ من الأخذ في
الحسبان وجود استثناءات لا يمكن تجاهلها، بين الذكور والإناث، في الفروقات التي
ذكرت آنفاً (النفسيّة والجسدية)، والنظر إليها بعناية واهتمام في أثناء التربية
وعمليات التنشئة الاجتماعية.
وإذا كان من الخطأ تجاهل هذه الفروقات، فإنه
من الخطأ الأكبر أيضاً، المبالغة فيها وتكبيرها بحيث تؤدّي إلى التفريق والتمييز
المرفوض. صحيح أنّها من العوامل التي تميّز الذكر عن الأنثى، ولكنّها في الآن ذاته
عوامل تقريب وتكامل بين الرجل والمرأة؛ فتحقّق الانسجام والتكامل فيما بينهما،
وتجلب لهما المتعة والسعادة في الحياة المشتركة.
أقراء ايضأ :الاثار التربوية ومستقبل الابناء4
9 - تربية العواطف والمشاعر
النبيلة:
تتكوّن شخصيّة الإنسان بشكل أساسي، من عقل
مدبّر ونفس محرّكة في جسد معيّن. فالعقل
يقوم بدور الموجّه / المرشد للإنسان، لكي يحدّد له الطرق التي تؤمّن له السعادة في
الحياة.. والنفس المحرّكة التي تتمثّل في طاقة من العواطف والمشاعر، تمدّ الإنسان
بالحيوية والنشاط لتحقيق هذه السعادة.
وإذا كان غذاء العقل هو العلم والخبرة، فإنّ
غذاء العواطف والمشاعر هو الأخلاق والفضائل النبيلة التي تؤمّن البيئة الاجتماعية
الصالحة، التي يسودها جوّ من الحبّ والتفاني والإخلاص، حيث يعيش الجميع في مودّة
وإخاء، ويعملون لمصلحتهم العليا المشتركة.
ولذلك، يجب أن تنال تربية العواطف والمشاعر
أهميّة كبيرة في بناء شخصيّة الفرد، المتوازنة والمتكاملة. وقد يفوق الاهتمام
بالجوانب الانفعالية، الاهتمام بالنواحي الجسدية، نظراً لما للحالة الانفعالية من
آثار تنعكس، بصورة مباشرة، على تصرّفات الفرد بمجملها.
فكما يعتنى بصحّة الطفل وسلامة جسده، يجب أن
يعتنى أيضاً بسلامة انفعالاته، حيث يتعوّد الطفل على الأدب واللطف والعطف
والتسامح، وحبّ الخير للآخرين، وما إلى ذلك من الصفات الحميدة التي يمكن أن ترسّخ
السلوك الوجداني / الانفعالي السليم. فالأفراد الذين يعتادون منذ الصغر على ضبط
انفعالاتهم والتحكّم بها في إطار القوانين العامة، هم وحدهم الذين يستطيعون أن يسلكوا
طرقاً صحيحة في هذه الحياة، بعدما امتلكوا وسائل مواجهتها وأساليب التعامل معها.
إنّ تربية الجوانب الانفعالية وتنميتها،
وتصعيدها في الاتجاه الإيجابي، يجب أن تبدأ من مرحلة الطفولة الأولى، والتي تعدّ
من أفضل المراحل وأشدّها تأثيراً في تعلّم أسلوب الحياة الصحيح، حيث يتمتّع الطفل
بقدرة فائقة على التقبّل السريع والاقتباس والتقليد.. فيتلقّى حركات المربّي
وتصرّفاته ومواقفه بصورة عجيبة، أشبه ما تكون بعدسة التصوير، فيعجب بها ويقلّدها
ببراعة، وبعمد إلى تعميمها.
وإذا كانت طبيعة الطفل نقيّة وصافية، فإنّ
الآباء والأمهات، بحكم مسؤولياتهم التربوية، قادرون على أن يستغلّوا هذه الطبيعة
إلى أقصى حدّ تربوي ممكن؛ فيزرعوا في قلوب الأطفال ونفوسهم، بذور الملكات الفاضلة
والعواطف النبيلة، من خلال تعاملهم مع الأطفال وتصرّفاتهم أمامهم، ولا سيّما أنّ
مشاعر الطفل وعواطفه، تأخذ في الظهور قبل القدرات العقلية وفاعليتها. ففي الوقت
الذي لا يفهم فيه الطفل المسائل العلمية ومدلولاتها، فإنّه يدرك – إلى حدّ ما –
بعض القضايا العاطفية ويتأثّر بها، كالرفق والعطف والحنان والمحبّة... وغيرها ممّا
يدخل في إطار اهتماماته، ومستوى نضجه الانفعالي.
فالاهتمام بالتربية الوجدانية / العاطفية إذن،
يجب أن تشغل قسطاً كبيراً وهاماً في العملية التربوية للأطفال، بمراحلها
ومؤسّساتها المختلفة، وإن كان العبء الأكبر في هذه المهمّة التربوية، يقع بالدرجة
الأولى، على عاتق الوالدين، داخل نطاق الأسرة التي تشكّل المحيط النفسي /
الاجتماعي الأول في حياة الطفل، حيث يقدّمان له النموذج الصالح للإنسان القادر على
التحكّم بمشاعره وتوظيف عواطفه في الاتجّاه الإيجابي.
سبحان الله والحمدالله والا الله الا الله والله اكبر
ردحذف