التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الاثار التربوية ومستقبل الابناء 2


1ـ الشخصيّة الوالدية القويّة:

 لا أحد ينكر أنّ الشخصيّة القوية هي الشخصيّة التي تتمتّع بخصائص اجتماعية رفيعة وقيم أخلاقية ممتازة، وتنال بالتالي احترام الآخرين وتقديرهم، وذلك نقيض الشخصيّة التي تتّسم بالخشونة والقسوة، وتلجأ إلى الشدّة في التعامل مع الآخرين، من أجل الوصول إلى مآربها. فالوالدون الذين يتمتّعون بهكذا صفات، لا يمكن أن يكونوا من ذوي الشخصيّات القويّة، لأنّهم يعوّضون عجزهم الشخصي بوسائل مرفوضة من الوجهتين: الاجتماعية والتربوية، لأنّها تنعكس بصورة سلبية على أساليب تعاملهم وأدوارهم الأسرية والاجتماعية.

  ولذلك، تحظى شخصيّة الوالدين القوية، بأهميّة خاصة في تربية الأبناء، الصغار منهم والكبار. تلك الشخصيّة التي تمثّل القدوة الحسنة التي يجب أن يجسّدها الوالدان أمام الأبناء، والتي تتمتّع بالإرادة القوية والاعتماد على الذات، والحزم والجديّة، وتتّسم بالهيبة والوقار.. وهذه الصفات كلّها من العوامل التي تثير تقدير الأبناء لهذه الشخصيّة، وتعطيها القدرة على أداء أدوارها التربوية بنجاح.

   فشعور الأبناء بهيبة الوالدين ومنزلتهما الخاصة في نفوسهم، ضرورة أبوية وتربوية إلى حدّ بعيد، تربط الأبناء بوالديهم بأسلوب ودّي يعتمد التقدير والاحترام، وليس بأسلوب قمعي يعتمد التخويف والتهديد. وإذا لم يَحُز الوالدان مثل هذه المنزلة (المقام)، فإنّهما يعتبران فاقدي الشخصيّة التربوية (القدوة)، ويصبح الأبناء عندها متحلّلين ومتحرّرين من المعايير القيميّة والنظم الأسروية.. وهذا ما ينعكس سلبياً على تكوين شخصيّاتهم الآنية والمستقبلية. وفي ذلك ضرر لهم وأسرهم وأيضاً لمجتمعهم.

   واستناداً إلى ما تقدّم، تعتبر شخصيّة كلّ من الوالدين، عاملاً أساسيّا في التربية الأسرية الناجحة. فإذا تمتّع كلّ من الأب والأم بشخصيّة متكاملة، فكرياً واجتماعياً وأخلاقياً، فإنهما سيكونان – بلا شك – موثوقين ومحترمين من قبل الأبناء، ويستطيعان من خلال ذلك تفعيل دورهما التربوي كما يريدان. ومن الطبيعي، أنّ الأبناء في هذه الحال، وفي مراحلهم العمرية المختلفة، سيستجيبون لطلبات والديهم برضى وقناعة، وسيطيعون أوامرهما من دون إحباط أو تذمّر.

   ولا بدّ من التذكير، بل التأكيد، بأنّ العلاقة الصادقة في التعامل بين الوالدين، يجب أن تبنى على الثقة المتبادلة والاحترام المتكافىء، حيث يحافظ كلّ منهما على مكانة شخصيّة الآخر، سواء في أثناء حضوره أو في حال غيابه، لأنّهما يمثلان القدوة في نظر الأبناء والتي توجّههم إلى السلوك القويم، ومن واجبهما الحفاظ على هذه القدوة قويّة ومؤثّرة.

 أقراء ايضأ : التـربية الأسريّة ودور الوالـدين


2- الحبّ الوالدي بين العقلنة والإفراط:

   

أصبح من المسلّم به،  نفسيّاً وتربوياً، أنّ للإنسان منذ ولادته، حاجات أساسيّة وحاجات ثانوية، لكي ينمو ويتطوّر بصورة طبيعية وتدريجية، ويصل إلى الشخصيّة الاجتماعية المتكاملة. ويعدّ الحبّ من الحاجات الأساسية التي توفّر للأطفال، الأمن والاطمئنان والاستقرار النفسي والاجتماعي، في مراحلهم النمائية المختلفة. ولذلك، يعدّ إشباع حاجة الأطفال للحبّ الوالدي من أهمّ العوامل التربوية في تنشئتهم.

   وإذا كان النبات يحتاج إلى الغذاء والنور والحرارة، مخلكي ينمو نموّاً سليماً، فإنّ تربية الإنسان تحتاج إلى المحبّة الوالدية التي تمدّ الأبناء، بنور الأبوة وحرارة الأمومة في مناخ من الحنان والعطف، يؤمّن لهم نموّاً طبيعيّاً خالياً من الصدمات النفسيّة والاجتماعية. وكلّما كانت حرارة المحبّة الوالدية بالكميّة الكافية، ووصلت إلى الأبناء في الوقت المناسب، أمكنها أن تسهم بفاعلية في نموّهم من الجوانب: الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية.

   إنّ محبّة الوالدين للأبناء، تشغل بال الكثيرين من الآباء والأمهات، فلا يجدون لها حدوداً أو تفسيرات كافية. فالوالدون – بالإجماع – يحبّون أبناءهم، ويعملون كلّ ما في وسعهم لكي يكونوا عادلين في توزيع المحبّة عليهم. ومن النادر جدّاً أن نجد والدين (أب وأم) لا يحبّان أطفالهما، إلاّ في حالات استثنائية جدّاً، كما هي الحال في الطفل المتبنّى أو الطفل المنبوذ.. وما يتبع ذلك من مشكلات زوجية / أسرية، تمنع إعطاء الطفل أو الأطفال، الإحساس  الصادق بحبّ الوالدين وعدالته.

   فالأطفال أو الناشئة الذين لا ينالون المحبّة الكافية من والديهم، والمعقلنة، يكونون أكثر استعداداً وتعرّضاً للاضطرابات السلوكيّة، والانحرافات الأخلاقية؛ وذلك عل عكس الأطفال الذين ينعمون بالاستقرار النفسي في ظلّ المحبّة الوالدية. وقد دلّت دراسات متعدّدة / نفسيّة وتربوية واجتماعية / على أنّ كثيراً من الانحرافات السلوكية لدى الأطفال والناشئة، تنجم عن حرمان هؤلاء من الأجواء العاطفية السليمة في الأسرة، وفي مقدّمتها ذلك الحبّ الوالدي الذي يجعل الابن أو الابنة، أكثر تعلّقاً بالأسرة باعتبارها الأكثر دفئاً وأمناً.

   ولكن عل الرغم من الجهود التي يبذلها الوالدان في توزيع حبّهما على الأبناء بالتساوي، فإنّه يستحيل – في كثير من الأحيان – أن يكون شعور أحدهما واحداً تجاه الأبناء جميعهم. وهذا أمر طبيعي لا يدعو إلى القلق أو الشعور بالذنب، لأنّه يخضع إلى عوامل متعدّدة، من أهمّها: البنية التركيبيّة لكلّ طفل، وما تحمله من ميزات تبعث الرضى والسعادة عند الوالدين، أو تقلّل من ذلك، فتكون مصدراً للتألّم والعطف والشفقة.

    وهناك الظروف التي تعيشها الأسرة، والتي تتسبّب أحياناً في عدم قدرة الوالدين على إظهار المحبّة الكافية للأبناء، أو حتى توزيعها بصورة عادلة. ويدخل في ذلك، الحالة المزاجية للوالدين، والتي تكون قابلة للتغيير والتبديل بين فترة وأخرى. وهذا ما يدعو الوالدين حذرين جدّاً في إظهار محبّتهما للأبناء، بحيث لا يشعر أيّ منهم بهذه الفروقات. وإذا ما شعر بها، فلا يتورّع عن تقديم اللوم لوالديه، وإبداء عدم الرضى، وفي الوقت المناسب، ممّ يخلق نوعاً من التنافس السلبي بين الأبناء.

    فمحبّة الوالدين للأبناء إذاً، يجب أن تكون في إطار الحدود المعقلنة، وإن كانت طبيعتها تختلف بحسب أعمار الأبناء ومستويات نضجهم النفسي والعقلي، مع مراعاة الحالات الصحيّة التي يعاني منها بعضهم، إن وجدت. فالإكثار من المحبّة في غير مكانها وضرورتها، تجعل الأبناء ينشأون على الغرور والأنانية، أو على التواكل والتملّق، وهذا كلّه يؤدّي – فيما بعد-إلى فشلهم في تحقيق التكيّف مع المحيط الاجتماعي الكبير.

   ولذلك، ينصح الوالدون أمام هذا الواقع، أن يفعلوا ما في وسعهم لكي يمنحوا أطفالهم أسمى مشاعر الحبّ الصادق والعادل، منطلقين في ذلك من القول التربوي: " لا ضرر ولا ضرار " بحيث يكون الحبّ الذي يقدّمونه إلى أطفالهم، حافزاً ومعزّزاً لما يحرزه الأبناء من نجاحات، وما يتمتّعون به من ميزات  حميدة.. وبما يوفّر لهم مناخ النموّ السليم، ويدفعهم إلى الطريق  القويم.

 أقراء ايضأ : علاقة الأم بالطفل خلال مراحل الطفولة الأساسية 

3- القلق والتشاؤم الوالدي:

   يعدّ القلق من الحالات النفسيّة التي يعيشها الإنسان، والتي ترتبط بشؤون الحياة وكيفيّة تأمين مستلزماتها الآنية والمستقبلية. ولذلك فإنّ القلق في حدوده الطبيعيّة، هو حالة صحيّة بالنسبة للفرد، لأنّه يشكّل عاملاً محرّكاً يدفعه إلى العمل الجاد، والسعي باستمرار نحو الأحسن والأفضل.

   ولكنّ القلق كحالة نفسيّة محرّكة، إذا زاد عن الحدود المعقولة والمقبولة، واستمرّ متصاعداً في شدّته وعدم توازنه، فإنّه يصبح حالة (صفة) سلبية تتحكّم في شخصيّة الفرد، ولا سيّما إذا ما سيطرت على تفكيره ومواقفه، بحيث تنعكس هذه السلبية على الفرد ذاته بصورة خاصة، وعلى من يتعامل معهم في محيطه بصورة عامة. وتخلق بالتالي أجواء مشحونة بالتوتّر الانفعالي والتشاؤم، ولا سيّما بالنسبة للوالدين في الأسرة، حيث يكون التأثير في اتجاهين: أولهما، على الوالد(الوالدة) بذاته، والثاني، على الأسرة بصورة عامة، وعلى الأطفال بصورة خاصة.. ولا شكّ أن تأثير الاتجاه الثاني هو نتيجة لتأثير الاتجاه الأول.

    إنّ أحد الوالدين (الأب أو الأم) الذي يعيش حالة من القلق الدائم والمشحون بالتشاؤم، لا يستطيع أن يقوم بواجباته الأسرية على الوجه الأكمل، إذ لا يمكنه أن يخلق الأجواء الصافية والمريحة لعلاقات أسرية سليمة، الأمر الذي يؤثّر بالتالي على مجمل الحياة الأسرية داخل البيت وخارجه. وقد يؤدّي ذلك إلى وقوع خلافات ونزاعات زوجيّة حادة ومتكرّرة، لا تكون عواقبها في صالح الأسرة التي تعدّ المؤسّسة (النواة) لتكوين المؤسّسة الاجتماعية الأوسع.

   فالأطفال الذين يعيشون ف] أسرة يرون فيها أباهم أو أمّهم، في حالة دائمة من القلق الدائم والقنوط، لا ينعمون بالهدوء والاطمئنان، ولا يشعرون يتذوّقون طعم الراحة والسعادة الأبوية، فيعمدون إلى الهروب من هذه الأجواء إلى أجواء أخرى، قد تكون داخل البيت، حيث يلجأون إلى الانطواء والانزواء، فتلحق بهم عدوى القلق والتشاؤم، وقد تكون هذه الأجواء خارج البيت بحثاً عن البديل المناسب.

    وربّما لا يتوافر للأبناء ما يريدون، فيصابون بخيبة أمل أو ينحرفون.. وفي كلا الخالين، تكون النتائج غير مُرضِية بالنسبة للأطفال، فتؤثّر سلباً في مراحل حياتهم النمائية وتكوين شخصياتهم، وأيضاً في تحصيلهم الدراسي إذا كانوا في المراحل الدراسيّة، وهذا ما يفقدهم الثقة بأنفسهم وبمن حولهم، بعد انهيار الصورة العائلية الجميلة أمامهم.

   ولكي يتحاشى الوالدون الوصول إلى هكذا حالة، وتلافياً لنتائجها الضارة على حاضر الأسرة ومستقبلها، فإنّ على الآباء والأمّهات الذين يعانون من مشكلة القلق أو التشاؤم، أن يجهدوا في البحث عن الأسباب التي نشأت عنها هذه المشكلة، سواء كان المنشأ ذاتياً نتيجة مرض ما أو صدمة نجمت عن موقف معيّن، أو كان المنشأ خارجياً نتيجة خلافات عائلية أو غير عائلية، أو نتيجة ضغوطات عملية / مهنية.

    ولا شّك، تبقى الإرادة الواعية عند الوالدين، والتصميم على تجاوز هذه الحالة، كفيلين بإزالة الأسباب أو التخفيف من حدّتها وآثارها. ولا ضير هنا من الاستعانة بالآخرين (الأقارب والأصدقاء) أو المختصيّن، للخروج من حالة القلق والتشاؤم تدريجياً وقبل فوات الأوان.

   وبما أنّ لكلّ مشكلة أسباب، فإنّ لها أيضاً حلول.. كلّ صعب يهون إذا ما وعى الوالدون مسؤولياتهم، ونظروا إلى الأمور بثقة وتفاؤل، وبما يزرع الأمل في نفوسهم ونفوس أبنائهم، ويدفعهم بالتالي إلى الإقبال على الحياة وتحسينها، لكي يؤدّوا أدوارهم الأسرية والتربوية على خير وجه.                                          أقراء ايضأ :الاثار التربوية ومستقبل الابناء4                         

  4ـ قسوة الأب وعصبيّته:

   إنّ لمن المؤّكد والمسلّم به، أنّ التربية الأسرية التي يجسّدها الوالدان، ولا سيّما الأب الذي ما زال يمثّل السلطة (القيادة) في هذه المؤسّسة، تحتلّ الدور الأساسي والحاسم في تنشئة الأبناء وتكوين شخصيّاتهم، وغرس القيم والمبادىء السليمة التي تنعكس في مجمل حياتهم الفردية والاجتماعية. ولذلك، فإنّ أكثر الأفراد سعادة هم الذين نشأوا على التربية السليمة الفاضلة، والأخلاق الحميدة، منذ نعومة أظفارهم، وأصبحت جزءاً من كيانهم الذاتي (النفسي والاجتماعي) تحرّك وجداناتهم وتوجّه سلوكاتهم الخاصة والعامة.

    والأسرة بحسب تكوينها وطبيعته، تشكّل مؤسّسة اجتماعية، لا بل (دولة صغيرة) لها نظامها الخاص وقوانينها الخاصة، في إطار النظام العام لبنية المجتمع الذي تنتمي إليه.. ولذلك، فإنّه كلّما أمكن للوالدين إدارة هذه المؤسسّة (الدولة) بالحق والفضيلة والعدالة، بقيت هذه الدولة (الأسرة) قويّة ونشيطة ومتماسكة، يحترم أفرادها (الوالدان والأبناء) بعضهم بعضاً، ويتعاونون من أجل ضمان استمرارية هذه الأسرة ورفعة شأنها.

   ولكن، وفي الاتجاه المقابل / المناقض، فإنّ الأسرة التي تقوم إدارتها على قوّة الضغط والتهديد، تعذّب الأبناء وتبذر فيما بينهم روح الفرقة والعداوة والكراهية، كردّات فعل تأتي نتائج حتمية على ما تلقّوا أو يتلقون من أساليب تربوية خاطئة (سيّئة) مورست عليه من قبل الوالدين، ويتجنّبون مواجهتها ويتحيّنون الفرص المناسبة لتفجير ما لديهم من الإحباطات والعقد النفسيّة المتراكمة، والتي قد تؤدّي في حال استفحاله، إلى زعزعة كيان الأسرة وتفكّك روابطها المقدّسة.

    فعندما يكون الأب الذي يمثّل رأس السلطة في الأسرة (ربّ الأسرة كما يقال) قاسياً وعصبياً، يهدّد أطفاله ويخيفهم، يفحش في الكلام معهم.. يغضب ويعاقب على أصغر الأمور مسقطاً على أـبنائه الأبرياء، فشله العلمي أو العملي أو الاجتماعي، فإنّه في تصرّفاته هذه يجعل حياة الأسرة جحيماً لا يطاق.

    فالأسرة التي يديرها أب كهذا، لا تسودها أجواء الهدوء والاستقرار، والصراحة والثقة، ولا تحترم فيها المسؤولية، ولا الاستقامة في الرأي والسلوك، وإنّما يصبح الأمر السائد في الأسرة والمهمّ، كما يبدو للأبناء، هو إرضاء الوالدين، أو على الأقلّ إرضاء هذا الوالد العصبي المزاج، المستبدّ، واتّقاء شرّ عقابة.. وهذا ما يقتل في نفوس الأبناء روح الطموح والإبداع، والسمو العقلي والوجداني.

    وإذا كانت العقوبة القاسية (الجسديّة أو المعنوية) التي يستخدمها الوالدان أو أحدهما لتخويف الأطفال وتأديبهم، تعبّر عن قوّة إدارة الأسرة، فإنّها مرفوضة تماماً من الوجهة التربية مهما كانت الأسباب، ولا تعبّر إلاّ عن فشل الوالدين في العمل التربوي، ولا سيّما أنّ احترام شخصيّة الطفل والحفاظ على كرامته الإنسانية، والاجتماعية، هي من أساسيات التربية السليمة والبّاءة. وأنّ الكلام اللطيف والودّي الذي ينطوي على معزّات إيجابية، هو بلا شكّ، أفضل من كلام التهديد والوعيد والتسفيه، الذي يهدر قدرات الأبناء، ويحطّم نفسياتهم، ويدفعهم إلى التمرّد والعصيان، أو التشرّد والانحراف.

    وتأسيساً على ما تقدّم، فإنّه لمن الضروري جدّاً والهام، أن يدرك الآباء قبل أن يقوموا بأي تصرّف في تربية الأبناء، نتيجة أقواله وأفعالهم، بحيث تكون إدارة المؤسّسة الأسرية قائمة على أسس موضوعية وثابتة، تستند إلى ثنائية التفكير العقلاني والتصرّف السليم، بما يكفل لهذه الإدارة تحقيق المهمّة المناطة بها.

 

5- ترتيب الأبناء وتفاوت تربيتهم:

   ثمّة أمور أصبحت متعارف عليها أو مسلّم بها، إلى درجة القناعة التامّة بواقعيتها، والتي تكوّنت نتيجة لخبرات تراكمية معاشة، إيجابية كانت أم سلبية.. ومنها ذلك الوضع التربوي للأبناء داخل الأسرة، بحسب ترتيبهم الولادي / البكر، الثاني أو الأوسط، الصغير وغيره../ بصرف النظر عن جنس كلّ منهم، ذكراً كان أو أنثى.. حيث يعتقد أنّ علاقات الوالدين التربوية تتفاوت تبعاً لترتيب هؤلاء الأبناء، وما يتبعها من أساليب التعامل المختلفة، تصل إلى حدّ التمييز والتفضيل.

   ولكنّ هذا الأمر وإن كان موجوداً بشكل ما، فإنّه ليس بالإمكان تعميمه، وإنّما يتفاوت وجوده بحسب درجة وعي الوالدين،  الاجتماعي والثقافي والتربوي.. وعم ذلك، فهناك تصوّرات خاطئة حول هذا الموضوع، سنحاول تصحيحها وتوضيحها في إطار الأسلوب التربوي السليم.

   يعيش الطفل البكر سنواته الأولى – كما هو معروف – كالولد الوحيد، حيث يسخّر الوالدان جهودهما وعنايتهما كلّها من أجله. فهو مدلّل متواكل، طلباته مستجابة، وكلّ شيء مؤمّن أو يجب أن يؤمّن له. ولكنّ مهما كانت هذه السنوات الذهبية، قليلة أو كثيرة، فإنّ الطفل البكر يجد نفسه فجأة، وقد ألقيت عليه مسؤوليات كبيرة لم يكن مستعدّاً لها، مع مجيء مولود جديد بعده، فيشعر أنّه بدأ يُحرَم من امتيازات كثيرة كان يتمتّع بها؛ فيطلب إليه أن يقلّل حركته الزائدة، أو يخفض صوته أو صوت التلفاز.. أو يكلّف أحياناً بعناية الطفل الصغير، أو بإنجاز بعض الأعمال المنزلية كمساعدة لأمّه. وذلك كلّه يتمّ بحجة أنّه الابن الأكبر، والواجب يقتضي منه أن يقوم بهذه الأعمال، ولمن دون مراعاة لسنّه أو لقدراته.. وهذا ما يسبّب له كثيراً من الإحباطات والمتاعب النفسيّة والجسدية.

   وقد يقال عن الولد الثاني، في الجانب المقابل، أنّه مرتاح كونه أتى في ظروف أسرية مستقرّة إلى حدّ ما، وأنّ الوالدين اكتسبا خبرة أسرية (زوجية وتربوية) قد تكون في صالحه أكثر ممّا توافر لأخيه الكبير (البكر). ولكنّ هذا القول ينطوي على خطأ واضح، بشكل أو بآخر، إذ لا توجد قاعدة ثابتة في هذا المجال.

    فقد نجد أحياناً أنّ تركيز الوالدين يبقى مستمرّاً على البن البكر، فيكون – على سبيل المثال -مجلّياً ومتفوّقاً في تحصيله الدراسي، مقابل الضعف الذي يبدبه الابن الثاني. وقد يحدث العكس تماماً، حيث يكون الابن الثاني مجلّياً ولامعاً، فيشعر بالذنب لتجاوز أخيه الأكبر.. وهذا الأمر ينطبق في معظم الأحيان، على الأبناء الواقعين بين الأول (البكر) والأخير (الصغير).

   أمّا الطفل الأخير، فهو الذي يقال عنه بأنّه المدلّل وحبيب والديه، أو كما يسمّونه (آخر النقود) فينال حظوة عند والديه يحسده عليها أخوته الكبار. وإذا ما حصلت مشاجرة فيما بينهم، يحاول كلّ منهم أن يستميله إلى جانبه ويأخذه حليفاً، وإن كانت هذه الحالة ليست دائمة. ولكنّ هذا الطفل المدلّل، قد تظهر لديه أعراض سلبية /تعليميّة وسلوكيّة، مثل التأخّر في النطق السليم وصعوبة القراءة، أو الإخفاق تماماً في أداء أي عمل يوكل إليه، لأنّه لم يعتد على بذل الجهد والاعتماد على الذات.

   فمسألة اختلاف المعاملة الوالدية للأبناء بحسب ترتيبهم الولادي، بمجملها، مسألة نسبيّة في انتشارها ودرجة اختلافها.. ويمكن للوالدين تلافي هذه الفروقات التعاملية – إن وجدت – باتباع سياسة تربوية متوازنة فيما بينهما، وتتّفق مع طبيعة كلّ طفل، بحيث تتّسم بالعدالة في التعامل والاحترام، وتزرع بين الأخوة المحبّة والمودّة، بما يعزّز لديهم روح الاجتهاد والتعاون والتآلف، وليس الفردانية والأنانية..

أقراء ايضأ :الاثار التربوية ومستقبل الابناء 3

6- موقف الوالدين من اعتداءات الأطفال:

   كلّنا يعرف أنّ ظاهرة الاعتداء على الآخرين، منتشرة بين الأطفال وعلى نطاق واسع، ولا سيّما في أثناء ممارسة الألعاب الفردية أو الجماعية. وقد يكون الاعتداء بدافع حبّ السيطرة أو الظهور أمام الآخرين، أو التكتّل مع جماعة دون أخرى، أو بدافع حبّ التملّك لأشياء معيّنة.. وغير ذلك ممّا يشعر الطفل المعتدي أنّه بحاجة إليه.

    وتختلف ظاهرة الاعتداء عند الأطفال، تبعاً لتكوينهم الجسدي والنفسي والتربوي، وقدرتهم على الصدام والمجابهة. وقد يقول قائل: إنّ مسألة الاعتداء عند الأطفال ترتبط بالقوّة الجسدية أو بالمهارة في الدفاع عن النفس، أو ربّما بتعلّم بعض الأطفال، وبتحريض أو تعزيز من أسرهم، كيف يردّون على الإهانة من الآخرين بأشدّ منها.

   فالطفل الذي يشعر وهو في سنّ مبكرة، أنّه هدف للإهانة والسخرية من المحيطين به، سواء في داخل الأسرة أو في خارجها، سيظلّ يعمل لكي يتعلّم كيف يمكنه أن يردّ على ما يتعرّض له بهجوم مناسب، وفي وقت مناسب. وقد يكون هناك بعض الأطفال الذين يتعمّدون استفزاز الأطفال الآخرين ومضايقتهم، ويغرونهم بالاعتداء عليهم. ولكن ثمّة بعض الأطفال – في المقابل – يتّصفون بالهيبة واللطافة معاً، فيتكيّفون بسهولة مع رفاقهم وأترابهم، ويتعاملون معهم بمودّة واحترام.

   إنّ السنوات الأولى من عمر الطفل، تكتسب أهميّة خاصة في تكوين انفعالاته (طباعه ومزاجه).، ويكون الدور الأساسي في ذلك للأم بحكم علاقتها المميّزة مع الطفل، وحتى نهاية السنة الخامسة أو السادسة حيث يبدأ الفطام النفسي. فإذا أشعرت الأم طفلها بالحماية الزائدة، فإنّها تكوّن لديه إحساساً بعدم الأمن والاطمئنان، إلاّ إذا كان معها وإلى جانبها. وعلى العكس من ذلك، فإنّ الطفل الذي يتلقّى حناناً معقولاً من والديه اللذين يأخذان الأمور معه بجدّية، فإنّ بإمكان هذا الطفل أن يعتمد، بالتدريج، على ذاته من دون حماية الوالدين أو أحدهما، ودون خوف من مواجهة الآخرين، صغاراً كانوا أم كباراً.

 ويمكن للأم اللطيفة المعشر أن تعلّم طفلها، من خلال تعاملها معه، بأن يكون طيّباً رقيق النفس، ولطيفاً في التعامل مع رفاقه. كما يمكنها أن تقنع أي طفل آخر بأن يكون لطيفاً في تعامله مع طفلها، حتى وإن كان الآخر عدوانيّاً، شريطة أن تبتعد هذه الأم عن أسلوب الغضب ولهجة التهديد والوعيد، لأنّ هذا الأسلوب ينعكس سلبياً على استجابة أي طفل، ويزيد من انفعالاته العدوانية. وإليكم الصورة في المثال التالي                                                   دخل / سامر ذو السنوات الست من العم، وهو يبكي ويشهق: " ماما.. ماما.. ضربني / عماد، وأوقعني  على الأرض عمداً.. وعماد هذا هو ابن الجيران وله من العمر ستّ سنوات أيضاً.. قالت الأم بهدوء: " لا بأس ـ إنّه عماد مرّة أخرى.. ولكن قل لي: لماذا اعتدى عليك؟ "

 تلعثم سامر وأجاب: " لأنّني لم أحقّق هدفاً ونحن بلعب بكرة القدم.."

 ردّت الأم: " هكذا إذن.. الأمر بسيط.. تعال معي.."                                                                                   

  نشّفت الأم دموع ابنها / سامر، وغسلت وجهه، وذهبت به إلى بيت الجيران، وبيدها علة من الحلوى.

 استقبلتها جارتها، أم عماد، وهي تعتذر لأنّها علمت بالأمر وعمدت إلى معاقبة ابنها عماد. لكنّ أم سامر منعتها، وجمعت سامراً وعماداً معا، وأعطت كلاً منهما قطعاً من الحلوى، وهي تتحدّث إليهما بهدوء عن الجيران والأصدقاء، ثمّ طلبت إليهما أن يتصالحا ويتصافحا، ويطعم كلّ منهما الآخر من قطع الحلوى.. ثمّ قالت بلهجة وديّة: " الرفاق والأصدقاء لا يتخاصمون، بل يحبّون بعضهم بعضاً ويلعبون معاً، أليس كذلك..؟!"

    ابتسم الطفلان وتعانقا، وكأنّ شيئاً لم يكن.. ثمّ خرجا إلى اللعب من جديد، ترافقهما نظرات أم سامر الدافئة، بينما راحت أم عماد تقدّم لها الشكر والامتنان على ما فعلت.

    أجل..! هكذا يجب أن تكون تصرّفات الوالدين تجاه اعتداءات الأطفال ورفاقهم وأترابهم، لكي نكسبهم  السلوك الاجتماعي / الأخلاقي السليم، والذي يكفل لهم تكيّفاً إيجابياً، يستطيعون من خلاله أن يحقّقوا ذواتهم، ويتعاونوا مع الآخرين بثقة واحترام متبادل، مبني على المحبّة والتسامح والعمل الخيّر..!!

  أقراء ايضأ : الاثار التربوية ومستقبل الابناء 2 


7- الآباء... وطاعة الأبناء:

   يطالب معظم الآباء والأمّهات أبناءهم بالطاعة وتنفيذ الأوامر، من دون مناقشة، ومن دون مراعاة لطبيعة الأوامر ومدى مناسبتها للأبناء، سواء بالنسبة لأعمارهم أو بالنسبة لقدراتهم العقلية والجسدية والنفسيّة.. ويعتبر الوالدون أنّ ذلك حقّ لهم وواجب ملزم على الأبناء.. ويتناسى هؤلاء الوالدين أنّ هذه الطاعة مهما تكن طبيعتها، يجب ألاّ تأتي بصورة قسرية، وإنّما تتمّ بقناعة من قبل الأبناء ورضاهم ورغبتهم. وهذا يتطلّب من الوالدين خلق أجواء من العلاقات، تسودها الصراحة والاحترام، وتبادل الرأي مع الأبناء بهدوء واطمئنان، إضافة إلى معرفة استعداد الأبناء على الاستجابة للأوامر وقدرتهم على وتنفيذها.

    ثمّة حاجة ماسّة لكي  يتباحث الوالدان مع الأبناء في مجالات مختلفة،  أسرية واجتماعية، واحترام آرائهم ووجهات نظرهم، سواء كانت المناقشة داخل البيت أو خارجه كما في النزهات، مثلاً، أو حتى في اللعب معهم وتبادل المزاح، دون أن يترك لهم المجال لتجاوز حدود الآداب العامة والخاصة. وهذا كلّه يمنح الأبناء الثقة والاطمئنان، ويخلق بالتالي علاقات حميميّة فيما بينهم، وضمن أجواء طبيعية من التكيّف الأسري، ويوفّر العوامل  الرئيسة لبناء شخصيّات الأبناء، حيث يشعرون من خلال التباحث  مع الوالدين، بأنّ لهم شأناً مهمّاً في الأسرة، وعليهم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم، ويكونوا صريحين مع الوالدين في عرض ما لديهم من أمور.

    ولكنّ الأبناء، وفي مراحلهم العمرية كافة، يتّخذون أحياناً مواقف معارضة لمواقف الوالدين، ويرفضون الانصياع لأوامرهم. وتبرز هذه المعارضة بصورة أكثر حدّة ووضوحاً، في مرحلتين نمائيتين أساسيتين:                                المرحلة الأولى: هي مرحلة التمركز حول الذات، وتقع ما بين الثالثة والخامسة أو السادسة من العمر، حيث يغضب الطفل ويتمرّد، ويرفض الأوامر الوالدية..يحاول من جهة أخرى أن يثبت  ذاته ويُشعر كلّ من حوله بوجوده وكيانه، وما على هؤلاء إلاّ أن يضعوه في موضع الاهتمام المناسب.

 المرحلة الثانية: هي مرحلة المراهقة التي تسبق مرحلة النضج وتقع غالباً ما بين (14-18)، حيث يبدأ الطفل بالانتقال إلى مرحلة جديدة، يعمد المراهق فيها إلى إثبات شخصيّته، كرجل مستقلّ له الحق في اتّخاذ قراراته بنفسه؛ فيرفض تدخّل الوالدين في شؤونه الخاصة، ويرفض الطاعة العمياء، ويتمرّد على الأوامر التي يراها غير منطقيّة..

   ولذلك، ينصح الوالدون بعدم اللجوء إلى ردّات فعل سلبية تجاه هذه التصرّفات التي يبديها الأبناء؛ ردّات تتّسم بالغضب والشدّة في فرض الأوامر، ومطالبة الأبناء إطاعتها من دون مناقشة.. بل يجب على الأبناء، بدلاّ من ذلك، التعامل مع الأبناء بمودّة وتقدير، وكما يقال: " إذا أردت أن تطاع، فاطلب المستطاع ". وأن يعمدوا إلى تفهّم ما يعاني منه الأبناء، ويقدّموا لهم المساعدة لكي يتجاوزوا المرحلة التي تمرّون بها، لأنّ الطاعة العمياء، تشكّل على الأبناء في طفولتهم خطراً نفسيّاً واجتماعياً، ومن ثمّ في شبابهم حيث تصبح هذه الطاعة مظهراً من مظاهر التكيّف السلبي الذي يتحكّم في مواقفهم وسلوكاتهم، وقد يؤدّي إلى فشلهم الاجتماعي والعملي.

   ولا بدّ من التأكيد في هذا المجال، أنّ كثيراً من الدراسات النفسيّة والبحوث التربوية، أثبتت أنّ تحدّث الآباء مع الأبناء، والتشاور معهم في قضاياهم الخاصة والعامة، والاهتمام بأدوارهم في إدارة شؤون الأسرة، قبل اتّخاذ القرارات اللازمة، يزيل الحواجز النفسيّة بين الوالدين والأبناء، ويحلّ كثيراً من مشكلات صراع الأجيال الناجمة عن الهوّة بين الآباء والأبناء، ولا سيّما في مرحلة المراهقة والشباب.

 

8- مهنة الوالدين وانعكاساتها التربوية:

   إنّ كل مهنة (عمل) يزاولها الإنسان مدّة طويلة، لا بدّ أن تترك على شخصيّته بصمات واضحة، حيث يتجلّى ذلك في أحاديثه وسلوكاته، ومواقفه الحياتية المختلفة. فالفرد يتعايش مع المهنة التي اختارها، يتفاعل معها وينفعل بها حتى ليشعر، في كثير من الأحيان، أنّها أصبحت جزءاً من تكوينه النفسي والاجتماعي.. ولذلك، فإنّنا كثيراً ما نتعرّف إعمال بعض الأشخاص أو مهنهم، من خلال أحاديثهم أو أساليب تعاملهم.

   وبناء على هذه المعطيات، يمكن إجمال تأثيرات المهنة على صاحبها بالجوانب التالية:

 أولاً- الجانب المهني ذاته:

   وهذا يتعلّق بالعمل الذي يزاوله الشخص بصورة مباشرة، ولا سيّما إذا ما أحبّه وأخلص له، وشعر أنّه يلبي حاجة لديه أو رغبة. فيصل إلى حدّ التوحّد مع هذا العمل، جسدياً ونفسياً ومن ثمّ سلوكيّاً، يعيش معه ويتحرّك في أجوائه.. فيطوّره ويرفع مكانته في نفسه، إلى حدّ الاعتزاز به والتباهي بحيث لا يرضى عنه بديلا.

 ثانياً- الجانب النفسي:

   وهو نتيجة حتمية للجانب الأول، حيث يتكيّف الشخص مع عمله، ويُقدِم عليه برضىً تام، ويشعر بالسعادة في إنجازه والإبداع فيه. فيتطبّع معه، والطبّع هنا سلوك مقبول، لا بل مفضّل، لدى صاحبه، لأنّ الشخص يمارس عمله بتلقائية معزّزَة بدوافع داخلية / ذاتية، تؤدّي الإتقان والتجويد.

 ثالثاً- الجانب الاجتماعي / التربوي:

   وهو الجانب الأهمّ في هذا المجال، وينتج بالضرورة عن الجانبين السابقين، ولا سيّما الجانب الثاني. وهنا برى الشخص، كثيراً ما ينقل مشكلات عمله إلى بيته، فيتحدّث عنها ويشغل الآخرين من أفراد أسرته بها، اعتقاداً منه بأن حديثه هذا يخفّف بعضاً من معاناته، أو يظهر تعلّقه بعمله وإخلاصه له، حتى يصل الأمر به – أحياناً – إلى أن يتصرّف في بيته، ومع أفراد أسرته، وكأنّه في مكان عمله، ممّا ينعكس بصورة سلبية على مجمل العلاقات الأسرية.

    وأمام هذه التأثيرت العامة للمهنة، نجد أنّ المعلّم يفرض نظاماً في البيت، أشبه بالنظام المدرسي. والحدّ!د يتعامل مع أفراد أسرته، بأسلوب يتّسم بالحدّة والقسوة إلى حدّ ما.. والعسكري يقد يفرض نظاماً بيتياً، يكون هو فيه الأمر الناهي، وما على الآخرين إلاّ أن ينفّذوا.. بينما يفرض الطبيب في البيت، جوّاً من الهدوء اللامتناهي.. وكذا الأمر في المهن الأخرى.

   وتبرز هنا قدرة الشخص / الأب أو الأم / في التوفيق بين واجباته تجاه عمله، وواجباته تجاه أسرنه. فلا يجوز بأية حال من الأحوال، أن تُحمَل متطلّبات العمل ومشكلاته إلى البيت، وتُسقِط تأثيراتها السلبية عليه بحيث تعكّر أجواءه أو تهدّد العلاقات الأسرية، ولا سيّما بالنسبة للأطفال الذين لا يجوز إهمالهم أو التقصير في توفير العوامل النفسية والاجتماعية الضرورية لنموّهم وتربيتهم، تحت أية ذريعة من طبيعة العمل وأعبائه.

    ومن المفيد أن يتذكّر الوالدون العاملون، أنّه مهما كانت طبيعة عملهم، فإنّ له ظروف وأجواء خاصة، كما أنّ للبيت والأسرة ظروف وأجواء خاصة،.. والمطلوب منهم، مهنياً وتربوياً، أن يوفّقوا بين هذه الظروف والأجواء، بحيث تبقى الأجواء الأسرية / التربوية هادئة، بعيدة عن القلق والاضطراب، لكي تستمرّ الأسرة في تأدية مهامها، من دون صدمات سلبية للكبار والصغار، على حدّ سواء.

أقراء ايضأ:بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2

9- الوالدان والوفاء بالوعد:

   يعدّ الوفاء بالوعد قيمة تعبّر عن الصدق والمصداقيّة في التعامل، ضمن إطار القيم الاجتماعية / الأخلاقيّة. فالوفاء بالوعد، هو التزام من الشخص تجاه الآخرين، يعزّز مكانته ويبرهن عن مدى صدقه وثقته بنفسه، وبالتالي قدرته على تنفيذ ما يقول، وتطبيقه عل الصعيد الفعلي / الواقعي.

    وشتّان بين الالتزام بالوعد والتحلّل منه.. بين الوفاء بالوعد والرجوع عنه.. وكما يقولون في الأمثال: " الحرّ إذا وعد وفى... والإنسان عند كلمته.. والوفاء بالوعد من شيم الكرام" وغير ذلك من الأقوال التي تعطي الوفاء بالوعد والالتزام به، قيمة أخلاقية عظيمة / فردية واجتماعية / تدلّ على اتّزان الشخص الذي يحملها، وقدرته على تحمّل مسؤولية ما يقول بصراحة وصدق.

   وممّا لا شك فيه من الناحية التربوية، أنّ صفة الوفاء بالوعد، كقيمة أخلاقية مكتسبة ودائمة، يصعب على الإنسان / الفرد اكتسابها والتمسّك بها، إذا لم تعتد عليها منذ طفولته، ويمارسها منذ صغره، ومن خلال المواقف الحياتية المختلفة التي يتعرّض لها، ولا سيّما من الكبار الذين يتعامل معهم، داخل الأسرة  داخل الأسرة أولاً، وفي المجتمع المحيط ثانياً. فوحدة القول والفعل، ضرورة أساسيّة للتربية الخلقية، والدور الرئيسي في ذلك، يعود إلى سلوك الوالدين بالدرجة الأولى، ومواقفهما مع الأطفال.

    ولكنّ البحث في الواقع الأسري، يظهر أنّ الكثيرين من الآباء والأمهات، يقطعون لأطفالهم الوعود المتكرّرة، ويغدقون عليهم بها في كلّ مناسبة وفي كلّ اتّجاه، ولكنّ الوالدين – مع الأسف – لا يتقيّدون بها، ولا ينفّذون إلاّ القليل منها وبصعوبة بالغة، وربّما بعد حين، على الرغم من مطالبات الأطفال وإلحاحهم على الإيفاء بها وإنجازها.  وفي ذلك مثال سيّء يقدّمه الوالدان أمام الأبناء، لا يمكن أن يتعلّموا منه معنى الالتزام بالوعد والوفاء به، ومعنى التمسّك بالكلمة والارتباط بها، والعمل بمقتضاها مهما كانت الظروف.

    إنّ المشاعر الخيّر والنبيلة والأفعال النزيهة، لا يكتسبها الطفل من الفراغ الكلامي، وإنّما يتمّ له ذلك من خلال العلاقات السليمة والمواقف الصادقة فيما بين أفراد الأسرة من جهة، وفيما بينهم وبين الناس الآخرين من جهة أخرى. والطفل لديه القدرة الفائقة على مراقبة أفعال الآخرين، والتقاط المواقف / الإيجابية أو السلبية / في تصرّفات الكبار الذين يتعامل معهم، ولا سيّما الوالدان، فيأخذ بعض هذه المواقف ويقتدي بها، ويترك بعضها الآخر.

    وكذا الأمر بالنسبة للوفاء بالوعد، فهو كالصدق والأمانة، قيمة مكتسبة ومكوّن أساسي في بنيان التربية الخلقية السليمة.. وهو يكتسب ويقوى مع نموّ الطفل وتدريبه، وممارسته الفردية والجماعية، وفي مواقف مختلفة مع الكبار يمثّل الوالدان فيها القدوة الحسنة، القدوة التي تعطي المثل الجيّد في الالتزام بما تقول.. القدوة التي تستطيع أن ترسّخ هذه الصفة لدى الطفل في حاضره، وتؤصّلها لديه وهو راشد في مستقبله.. يتصرّف بها ولا يمكنه التخلّي عنها، مهما تعرّض من ظروف مانعة، حيث يكون الصدق دافعه والالتزام هدفه.


10ـ المكافأة والرشوة للأطفال:

  تعدّ المكافأة من الأساليب والأدوات التربوي / الاجتماعية المعزّزة للسلوك السوي والمشجّعة على الفعل السليم، ولا سيّما إذا أعطيت في الوقت المناسب والموقف الضروري. أي إذا ما أحسن اختبارها وتوظيفها بصورة جيّدة. ولكنّ المكافأة قد تتحوّل إلى مجرّد مكسب مادّي أو معنوي يحقّقه صاحبها، دون أن تترك أي أثر إيجابي في تفكيره أو في سلوكه؛ فتنحرف عندئذ عن وظيفتها الأساسيّة وأهدافها، وتتحوّل إلى ما يشبه (الرشوة بمفهومها العام). ففي المكافأة حافز على الإنجاز والإبداع ومعزّز لهما، وفي الرشوة تحقيق مكسب شخصي / آني، مرتبط بمصلحة محدّدة.. وشتّان بين الأمرين والهدفين.!

   فالمكافأة نعطى للطفل بعد إنجاز العمل وتناسب مع معه، ولا سيّما إذا كان عملاّ لا يرغبه الطفل، أو كان يعتقد بعدم قدرته على إنجاز هذا العمل، فتكون المكافأة هنا حافزاً للطفل حتى يقدم على العمل مرّة أخرى ويحقّق إنجازاً أفضل، بينما تكون الرشوة محدّدة بعمل ما، ويمكن أن تقدّم قبل إنجاز العمل أو بعده. ومن جهة أخرى، لا تكون المكافأة مشروطة قبل العمل، ويمكن أن تكون هديّ للطفل أو نزهة، أو حضور مسرحيّة للأطفال، أمّ الرشوة فتحدّد – غالباً- بصورة مسبقة ويُتّفق على طبيعتها وكيفيّة تقديمها.

    ولذلك، فإنّ المكافأة غير المشروطة تولّد المبادرة، أمّا المكافأة المشروطة التي تأخذ صفة (الرشوة) فتقلّل من فرص المبادرة وربّما تقضي عليها. ومن هنا يجب أن تقدّم المكافأة فور إنجازه العمل الذي قام به سواء بمبادرة منه أو بطلب من الوالدين، لأنّ التأخير في تقديمها قد بولّد لديه نوعاً من الإحباط وعدم اهتمام المحيطين به. وهكذا تبرز قيمة المكافأة وجدواها / النفسيّة والتربوية /، أكثر من فاعلية الرشوة، حيث تتعزّز ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على الإنجاز المستمرّ والمتقن.

   ولا بدّ من التأكيد أيضاً، أنّ تأثير المكافأة في سلوك الطفل يرتبط إلى حدّ بعيد بكيفيّة أساليب تقديم المكافآت، ولا سيّما في الأسرة، وهذه مسؤولية الوالدين معاً، لأنّه على الرغم من أهميّة المكافأة، فإنّ الإفراط في تقديم المكافآت لقاء أي عمل، يقلّل من قيمة المكافأة ويفقدها أهميتها التعزيزية.

   كما لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة التخلّص من مكافآت المادية (الدمى، الملابس، النقود..) وبشكل تدريجي كلّما تقدّم سنّ الطفل وارتقى وعيه، للوصول معه إلى المكافآت المعنوية التي تنبع من ذاته وتمنحه الرضى عن الأعمال التي ينجزها، والسلوكات التي يقوم بها، فيصبح عندها قادراً على القيام بالمبادرة الذاتية، وتعزيز نفسه بنفسه.

 أقراء ايضأ:بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2


11-تقديم الغذاء الفكري للطفل:

    يكتسب هذا الموضوع أهميّته من الدور الذي تؤدّه الثقافة في تقديم الزاد الفكري، لتنمية القيم والاتّجاهات الإيجابية عند الإنسان، ولا سيّما في العصر الحاضر حيث تعدّدت المصادر الثقافية / الفكرية، وأساليب الحصول عليها.

   ولو تفحّصنا دور الأسرة في هذا المجال – وبوجه عام – لوجدنا أنّها تهتمّ كثيراً بأنواع الغذاء الجسدي الذي يؤمن النمو الجسمي للأبناء فحسب، وتهمل الغذاء الثقافي الذي يعدّ غذاء ضرورياً للنمو الفكري والعقلي، والذي لا يقلّ أهميّة عن الغذاء الجسدي، بل قد يكون  الغذاء الثقافي أكثر ضرورة وإلحاحاً في بعض المراحل العمرية، ولا سيّما أن الغذاء الجسدي يمكن أن يعوّض ببدائل متعدّدة، بينما الغذاء الفكري لا يمنك تعويضه إذا ما فُقد أو أهمل. وهذه من مسؤوليات الأسرة أولاً، والمؤسّسات التعليمية / التربوية ثانياً.

    إنّ تكوين الإنسان فكرياً، لا يتأتى مصادفة أو من فراغ، كما أنّه لا يتحدّد بمرحلة معيّنة، وإنّما يمرّ بمراحل طويلة عند الإنسان، تبدأ من الطفولة المبكرة، وتستمرّ معه ما دام على قيد الحياة، وتكون بدايتها من الأسرة ومن ثمّ تتواصل عبر المؤسّسات التربوية والثقافية في المجتمع. ولكن يشدّد هنا على دور الأسرة، تلك المؤسّسة التربوية / الاجتماعية الأولى  التي يكتسب الطفل من خلالها، الخبرات والقيم والاتجاهات التي تشكّل أساسات لما سيكتسبه في المستقبل.

    ولعلّ المكتسبات الفكرية / الثقافية تأتي في الطليعة، باعتبارها تحمل قيماً وخبرات ومعارف حياتية متنوّعة، وتستطيع الأسرة أن تغرس بذورها الأولى في ننفس الطف وعقله، من خلال تعاملها المباشر مع المصادر الثقافية والفكرية، السليمة والمفيدة، وتوجيه الأبناء بحسب مراحل نموّهم، إلى ما يناسبهم من هذه المصادر، والتعامل معها والانتفاع بها.

    إنّ البيئة الأسرية الثقافية، أي البيئة الغنيّة ثقافيّاً، تستطيع أن تنتج أفراداً يحبّون الثقافة،/ ويتعاملون بفاعلية مع المصادر الثقافية المتنوّعة، لتنمية أفكارهم وعقولهم. وإذا كان السائد لدى غالبة الناس والأسر – اليوم – ذلك الفتور الثقافي والإهمال الكبير للغذاء الفكري، بسبب تزايد مشاغل الحياة وتعقيداتها وهمومها، كما يقولون، أو التذرّع بأنّ وسائل الإعلام الحديثة، ولا سيّما المرئية، تقدّم الكثير من الخبرات والمعارف الفكرية والثقافية، فإنّ ذلك كلّه، على الرغم من أهميّته التي لا يستهان بها، لا يعفي الأسرة من ممارسة دورها الريادي في تقديم الوجبات الثقافية الدسمة للأبناء، من خلال مشاركتها الفاعلة في الاختيار الجيّد لهذه الوجبات وكيفيّة تناولها  والاستفادة منها.

    وبذلك، تكون البيئة الأسرية بيئة ثقافية مثلى، توفّر لأبنائها كلّ حوافز القراءة والمطالعة، والبحث عن المصادر الثقافية / الفكرية والعلمية والمعرفية، بحيث تصبح قيماً متأصّلة لديهم.


12- معالجة أخطاء الأبناء:

   إنّ البحث في هذا الموضوع يأخذ طابعاً تربوياً يخصّ الوالدين باعتبارهما يمثّلان السلطة  الأسرية.ونقول السلطة وليس (التسلّط) باعتبار السلطة الوالدية مسؤولية، قياديّة وتوجيهيّة، وهكذا ينبغي أن تكون.. ولذلك، فمن المناسب أن نطرح الأسئلة التالية:

   " ماذا تفعل أيّها الأب إذا ما عاد ابنك البالغ من العمر ثلاث عشرة سنة، إلى البيت في ساعة متأخّرة من الليل، وقد كرّر ذلك مرّات خلال الأسبوع؟ هل تبدي انزعاجك وتؤنّبه، وينتهي الأمر؟ هل تغضب وتعاقبه بالضرب مثلاً..؟ أم تلومه بعتاب بيسط ثمّ تتجاهل الأمر؟؟ " إن هذه الاحتمالات كلّها واردة وممكنة، ولكن قد يكون في أحد منها جانب سلبيّ دون أن تدري، فما العمل إذن؟!

   إنّ أهمّ عمل تقوم به أيّها الأب الكريم، عندما يحضر انك، هو أن تنظر مباشرة إلى عينية، أي ضع عينين في عينيه – كما يقال – ثمّ قل له معبّراً عن استيائك من تصرّفه: " لقد عدت متأخّراً، وقد كرّرت هذا التأخّر أكثر من مرّة في هذا الأسبوع.. أليس كذلك؟ " ثمّ عبّر عن حقيقة مشاعرك الغاضبة من هذا التصرّف قائلاً: " إنّني غاضب جدّاً منك يا بنيّ، وحزين في الوقت ذاته، لأنّك كرّرت التأخر برغم التحذير والتنبيه... فأنا غير راضٍ البتّة عن هذا التصرّف.. "

     لا شكّ أنّ شعوراً من عدم الارتياح، قد يبدو للوهلة الأولى  عند الابن، من الأسلوب الذي اتبعه والده. ولكن بدّ من الإشارة هنا، إلى أنّه ليس المهمّ في الأمر أن يلقي الأب تأنيبه الحاد على الابن، بل الأهمّ من ذلك أن يشعر الابن بهذا التأنيب ويربطه بفعله وسلوكه، ومن ثمّ يبدي عدم الرضا عن تصرّفه الخاطىء، ويدرك بالتالي أنّ كلمات أبيه الموجزة، تعبّر عن الشعور الصادق تجاه تصرّفه.

   ولكن إذا لاحظ الأب أنّ انبه قد تضايق جداّ، وهو يحاول الدفاع عن نفسه بالتبرير أو بالتهرّب من الموقف، فماذا يفعل الأب هنا، لتهدئته وتخفيف حدّة توتّره وضيقه.

    إنّ إبداء غضب الأب والتعبير عن خيبة أمله وحزنه على تصرّف ابنه، الخاطىء والمتكرّر، يجب ألاّ يستمرّ إلاّ لفترة قصيرة، بحيث لا تتجاوز الدقيقة الواحدة، فيعود بعدها بنظره إلى وجه الابن، ولكن بملامح أخرى أكثر هدوء ومودّة، يجعله يشعر من جديد بأنّه إلى جانبه وليس ضدّه، فيسأله: " ماذا تريد منّي أن أفعل في هكذا موقف؟ هل تريدني أن أصفّق لك؟ ومع التأكيد على عدم رضاه من سلوك الابن..

    إنّ مواقف الأب السابقة، كافية لإشعار الابن بخطئه، فيضمّه بعدها إلى صدره، ويشعر البن أنّ التأنيب قد انتهى. ومن ثمّ يشعر بالندم ومحاسبة الذات،والتألّم ممّا حصل أكثر ممّا لو استخدم الأب العنف والضرب.. وهذا ما يسمّى بالمصطلح التربوي (العقاب النفسي) وإن كان مؤقّتاً، فهو يعطي مفعولاً أشدّ أثراً وأطول ديمومة من العقاب الجسدي، حيث يدرك الابن أنّ تصرّفه السيّء لن يمرّ من دون حساب، وأنّ أباه سيحبّه وغار على مصلحته، وإن قسى عليه في السؤال والتأنيب والمحاسبة.


13- تقدير الأطفال وتشجيعهم:                                                                       

إنّه لمن الأمر التربوية الأساسيّة أن يتكيّف الطفل مع ذاته، ويشعر بقيمته الشخصيّة، لكي يتفاعل مع المحيط الأسري والاجتماعي. وتقع مسؤولية ذلك على الوالدين معاً، حيث يُساعَد الطفل في اكتشاف محيطه الخارجي بجرأة ووضوح، ولا سيّما إذا ترافق نشاطه هذا بالتعزيز المستمرّ، من خلال بعض الوقت بين حين وآخر، من الأب أو من الأم، والاهتمام به يوميّاً، كالاشتراك معه في لعبة أو في قراءة كتاب، أو التحادث في موضوع يهمّه أو يهمّ الأسرة.

    ولكي تتوافر للطفل هذه الفرص، ينصح الوالدان، ولا سيّما الأب، أن ينتهز الفرصة كلّما أتيحت له، ويحاول عندما يحضر إلى البيت،  أن يقضي مع الطفل وقتاً بعد آخر، وقبل أن يفعل أي شيء آخر.. كأن يمسك بيد الطفل الصغير ويمشي معه داخل البيت باهتمام، لأنّ ذلك يعزّز عملية التواصل الإيجابي مع الطفل، ويشعره بالحبّ والاطمئنان بين والديه.

    ومن جهة أخرى، يتوجّب على الوالدين أن يظهرا للطفل أنّهما يقدّرانه ويحترمانه، من خلال الاعتراف بمشاعره، والاستماع إليه عندما يتحدّث في أمر ما، أو يناقش موقف يثير اهتمامه. كما أنّه من السهولة بمكان، بل من الضروري، أن يبدي الوالدان إعجابهما بالطفل الصغير  وهو يتدرّج في تعلّم المشي، أو عندما يقوم ببعض (الترثرات) قبل أن يبلغ سنّ الدخول إلى المدرسة. وذلك لأنّ الأطفال بوجه عام، يكونون سعيدين جدّاً عندما نبدي – نحن الكبار- إعجابنا بهم، وبما يقومون به من أعمال وما يظهرون من سلوكات مقبولة.

    وفي المقابل، فإنّ التركيز على المحادثة الجّادة مع الطفل، وباستخدام بعض الكلمات العَرَضيّة ذات الدلالة الإعجابية والتعزيزية في آن واحد، مثل: " أوه! هاه! إيه!.." يسهم إلى حدّ بعيد في تشجيعه على الكلام وبتاء قاموسه اللغوي السليم، في الوقت الذي نساعده فيه على تنمية الثقة بالنفس وتقدير الذات.

    فطريقة التشجيع والتعزيز، لها أهميّة كبيرة في تنمية شخصيّة الطفل، من خلال اتباع الأساليب التي تؤكّد جهوده وتقدّرها، وتثني عليها، كقولنا على سبيل المثال إذا كان يرسم: "أنت فعلاً تظهر عملاً جميلاً في هذه الصورة اللوحة التي رسمتها.." أو كأن نقول معبّرين عن إعجابنا بنتيجة عمل قام به: " أحبّ أن تبقى ضمن هذا الأسلوب المبسّط والواضح.." فنكون بذلك قدّمنا له الدعم المعنوي، وأسهمنا في تربية الرضى الذاتي لديه، فيكون أقلّ اتكالاً على الآخرين، وأكثر اعتماداً على ذاته، الآن وفي المستقبل.

    ولكن ثمّة كلام يتردّد دائماً عن أنّ عمل الأمّهات في البيت، ينحصر إلى حدّ بعيد، في تأمين المستلزمات الأساسيّة للأطفال، والمتعلّقة بالحاجات الجسدية والعاطفية، بينما تعمد المربيات في دور الحضانة ورياض الأطفال، إلى تشجيع المغامرة والاعتماد على الذات، وإلى المبادرة وتوكيد الذات، لأنّهنّ أكثر جدارة في التعامل التربوي مع الأطفال، وإفساح المجال لهم كي يحلّوا بعض مشكلاتهم بأنفسهم.

  وإذا كانت لكلّ استجابة من هذه الاستجابات، خصوصيّة معينة في الواقع، فإنّها في النهاية استجابات مترابطة فيما بينها، وتشكّل رسالة تربوية هامة للطفل، تسهم في تنمية شخصيّته وتمدّه بالقدرة على التعامل مع أمور الحياة 

أقراء ايضأ :بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2

تعليقات

  1. سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر

    ردحذف
  2. سبحان الله والحمدالله والا الله الا الله والله اكبر

    ردحذف

إرسال تعليق

مرحبا بتعليقك عبر عن رائيك شاركنا....

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مفهوم التربية الأخلاقية وأهدافها واهميتها طرائقه

  أولاً- مفهوم التربية الأخلاقية وأبعادها  يجمع المربون على أنّ تنمية القيم الأخلاقية في نفوس الناشئة، جزء أساس من عناصر التربية العامة، وأنّ كلّ تربية تخلو من العناصر الأخلاقية، ما هي إلاّ تربية عديمة الجدوى.  فتربية الشخصية المتكاملة والمتوازنة، لا تتحقّق إلاّ مع التربية الأخلاقية السليمة، باعتبار أنّ الأخلاق إذا ما تأصّلت في ذات الفرد، تصبح قوّة دافعة للسلوك والعمل والتعامل الإيجابي والفعّال.  وانطلاقاً من هذه الأهميّة للأخلاق والقيم والأخلاقية، فقد جهد الباحثون والدارسون، في إعطاء مفهومات للتربية الأخلاقية، من جوانبها المختلفة.  فعرّفت التربية الأخلاقية من حيث تعليم القيم الأخلاقية، بأنّها: التعليم المباشر وغير المباشر للأخلاق بهدف التعرّف إلى قيمة السلوك الخيّر أو الخُلقي، في ذاته من جهة، وبالنسبة للأفراد والمجتمع من جهة أخرى، وتحليل المبادىء التي تتحدّد في ضوئها هذه القيمة أو تلك..  أي أنّ التربية الأخلاقية هي: تعليم المبادىء الأخلاقية وممارستها، أو هي تكوين بصيرة  أخلاقية عند الطفل / الفرد، يمكنه بها التمييز بين سلوكي الخير والشرّ.  ...

العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية

     تمتاز التربية الأسرية بأنّهما عمليّة نفسيّة – اجتماعية، يخضع لها الفرد (الكائن البشري) من ولادته حتى نضجه، حيث يصبح شخصاً اجتماعيّاً كامل الصفات والموجبات اللازمة لعضويته الاجتماعيّة.وتقوم هذه العملية على التفاعل بين الطفل والأسرة، من خلال مجموعة من الروابط والعلاقات التي تنظّم حياة الأسرة، وتحدّد دور كلّ فرد فيها..وثمّة عوامل مؤثّرة في هذه العلاقات، تتمثّل في أوضاع الأسرة: (العاطفية والأخلاقية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية)، حيث تتفاعل هذه العوامل فيما بينها، لتشكّل طبيعة النظام الأسري الذي ينعكس بدور على تربية الأبناء وتنشئتهم، بصورة إيجابية أو سلبيّة.     فما   الأوضاع الأسرية التي تؤثّر في التربية الاجتماعيّة؟ وكيف تتعامل معها الأسرة؟      أقراء أيضا :العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية أولاً- الوضع العاطفي للأسرة :         يختلف تأثير الأسرة في النمو الاجتماعي للفرد،   تبعاً لنوع الأسرة   والعلاقة العاطفية التي تربط بين أفرادها، إيجاباً أو سلباً. فعلاقة الطفل بالأب في سنو...

مرطب للبشرة

 المكونات خذي بياض بيض   ملعقة حليب  ملعقة عسل طريقة العمل واخلطيها جيدا وضعيها على الوجه لمدة 15 دقيقة ثم اغسلي وجهك  أقراء ايضا للحصول على شعر أسود لامع  وصفه مضمونه ومجربه لعمل رموش كثيفة  مرطب طبيعي للشفاه  طريقة العناية بالقدمين  وصفة لزيادة الوزن الطبيعي من 5 الى 7 كيلو فى الشهر وصفه مجربه لزياده الصدر مرطب طبيعي  لاطاله الشعر في شهر ونصف  اكليل الجبل لعلاج قشرة الشعر الدهني  وصفه لشد الوجه  وصفه لبشره صافيه و نقيه للحصول على اظافر قويه وصلبه وصفة لتكثيف الشعر  لشعر ناعم كأنه مستشور طريقه عمل زيت مساج في المنزل  مرطب طبيعي للوجه لبشرة كالحرير  طريقة تفتيح  وتنعيم الكوع والركبة تنعيم وتفتيح اليدين  طريقة نفخ الشفاه في المنزل  طريقة عمل ماسك لشد الوجه  ماسك للبشره الدهنيه  فوائد بياض البيض للبشره  توجد العديد من الفوائد التجميلية لبياض البيض منها  أنه يحارب حب الشباب  يصغر المسامات الكبيره   يقوم بالتخلص من الرؤوس السوداء يمنع انتفاخ منطقه حو...