لا شكّ أنّ مثل هذه الانحرافات الانفعالية، تلفت انتباه المحيطين بالطفل، ولا سيّما أفراد أسرته ومعلميه إذا كان في سنّ المدرسة، فيشعرون بالقلق تجاهه، ويشاطرونه معاناته، ويقومون باتخاذ مواقف سليمة تساعده في الخروج من المأزق والعودة إلى الحالة الطبيعية.. وربّما يظهرون الانزعاج من تصرّفاته، الأمر الذي يثير مشاعره ويسيء إلى حالته الوجدانية ويزيدها اضطراباً..وهنا تكبر المعاناة ويصبح الوضع الانفعالي / الوجداني عند الطفل، أكثر تعقيداً وصعوبة.
وسنحاول في هذا المقال التعرّف على أحدى عناصرالاضطراب الانفعالي (الخجل)،عند الاطفال ودور الأسرة في التعامل معها ومعالجتها
أقراءايضأ :بعض الاضطرابات الانفعالية ( العــدوان - الغيرة والأنانية ) عند الاطفال
الخجــل
يعدّ الخجل من الانفعالات ذات الأبعاد (الاجتماعية – النفسيّة – الاجتماعية)، أي أنّ الخجل كحالة انفعالية هي ردّ فعل نفسي لمثير اجتماعي، ينعكس في تصرّف الفرد الاجتماعي..ولذلك فالخجل شعور على درجة كبيرة من التعقيد، وهو لا يظهر عند الطفل مباشرة، بل يكتسبه من خلال التعلّم.
ومع ذلك، لا يوجد تعريف محدّد للخجل كبعض الانفعالات الأخرى، كما لا يوجد معيار مطلق لقياسه. فقد وصف / كارل ماركس / الخجل بأنّه "شيء شبيه بالغضب، لكنّه غضب معكوس نحو الداخل.." وربط / ليون تولتستوي / بين الخجل والأخلاق، فيقول: " ليس هناك أصدق من الشيء الذي يجعل الإنسان خجلاً، أو يجعله غير خجل، في تحديد درجة الكمال الأخلاقي التي يقف عليها.."
فالإنسان إذن يشعر بالخجل في الحالات التي يقترف فيها عملاً لا أخلاقياً، لأنّه يعرف أنّه سيدان من الآخرين، ولذلك يرغب في الانكفاء على ذاته والتواري عن الأنظار.
وانطلاقاً من ذلك، يشير تعبير الخجل إلى أولئك الذين يجدون صعوبة في التفاعل الاجتماعي. ويكون الخجل عند بعض الأطفال، ناجماً عن عدم الكفاية في المهارات الاجتماعية، بينما ينجم عند بعضهم الآخر عن افتقاد الثقة بالنفس، وهذا ما يجعلهم يبالغون في الاهتمام بنظرة الآخرين لهم، فيخجلون وينسحبون.
فالخجل في حقيقة الأمر، هو شعور اجتماعي عميق يعبّر عن حساسية الطفل الزائدة تجاه رأي من حوله وتقديرهم له. ومع تقدّم الطفل في السنّ، يأخذ هذا الشعور بالتجلّي بصورة أوضح، من خلال تعامل الطفل مع أترابه والناس البالغين. ويعيش الأطفال الكبار هذا الشعور بصورة حادة ومميّزة، ولا سيّما مع أترابهم حيث تزداد لديهم أهمية رأي الجماعة وتقديرها لتصرّفاتهم. وبقدر ما يتقدّم الطفل في العمر، يصبح من السهل ظهور شعور الخجل لديه تحت تأثير الرأي العام، حتى لتصل قوّة هذا التأثير إلى درجة أقوى من تأثير هيبة الوالدين.
وإذا كان المظهر الاجتماعي للخجل، هو الأكثر تعبيراً عن طبيعته وشدّته، فلا بدّ من الإشارة إلى ميزة أساسية في الشعور، وهي أنّ إثارة الشعور أكثر سهولة عند بعض الأطفال شديدي الحساسية، حيث يبدي الطفل خجله لا بسبب القيام بتصرّف مشين أو غير مقبول اجتماعياً، وإنّما بمجرّد التفكير بإمكانية حدوث هذا التصرّف أو القيام بهذا العمل أو ذاك.
فالطفل يشعر بالخجل والحرج عندما يتصوّر أنّ الآخرين سيكفّون عن محبّته واحترامه، حالما يعلمون بتصرّفه السيّء، وهذا سيسبّب له خسارة شيء ما ذو قيمة كبيرة.. أمّا إذا استطاع أن يخفي تصرّفه الشائن، فلن يشعر بالخجل، وسيكون موقفه قوياً أمام الآخرين.
1- أسباب الخجـل عند الأطفال:
يوصف شعور الخجل بأنّه ذو طبيعة جدلية، فهو يرغم الشخص على الاعتراف بسوء تصرّفاته، ويخنق تلك النزعات السلبية التي تقوده للقيام بتصرّفات غير لا ئقة، وفي الوقت ذاته، يمكن لشعور الخجل أن يمنع الإنسان من الاعتراف بالخطأ.
إنّ شعور الخجل، بتحوّله إلى حالة انفعالية في شخصيّة الطفل، قد يمنعه من البوح عن أفكاره وإظهار الرغبات والبواعث المستنكرة من قبل الآخرين، لأنّ شعور الخجل لا يظهر فقط في لحظة القيام بالتصرّف غير اللائق، بل وتحت التصوّر الذي ينبىء بأنّ مثل هذا التصرّف سيكون مستنكراً من قبل الآخرين. ولهذا يحاول الطفل السيطرة على نفسه، ويقاوم في داخله تلك الرغبات والنوازع، التي يمكن أن تثير مثل هذا الاستنكار.
وإذا كان الخجل يتحكّم في كثير من تصرّفات الطفل (الشخص)، شأنه في ذلك شأن المشاعر الانفعالية الأخرى، التي تتّخذ منحى سلبياً، فإنّ ثمّة أسباب عديدة لشعور الأطفال بالخجل، نجملها فيما يلي:
1/1- الحماية الزائدة من الوالدين:
إنّ الأبناء الذين يبالغ الآباء والأمهات في حمايتهم وتدليلهم، يصبحون متواكلين، معتمدين على الآخرين، وعديمي الثقة بأنفسهم، وسلبيين في العلاقات الاجتماعية. فثمّة آباء يعتقدون اعتقاداً خاطئاً، أنّ أطفالهم صغار (حتى وإن كبروا) عاجزين لا يستطيعون الاعتماد على ذواتهم، لذلك يلبّون لهم كلّ احتياجاتهم..
2/1- افتقاد المهارات الاجتماعية:
وهذا يتعلّق بنوع التنشئة الاجتماعية الأسرية؛ فالطفل الذي يتلقّى تنشئة اجتماعية مغلقة، أي بشكل منعزل بحيث لا يرى أشخاصاً جدداً، ولا يحتكّ بهم بشكل كافٍ، فإنّه لا يتمكّن (بل يحرم) من اكتساب المهارات الاجتماعية الضرورية للتواصل مع الآخرين، ولا تكون لديه بالتالي الخبرة والممارسة اللازمة للشعور بالثقة الذاتية، في المواقف الاجتماعية المختلفة.
3/1- النقد والسخرية:
إنّ النقد اللاذع الذي يوجّهه الآباء والأمهات للأبناء، بصورة مستمرّة، هو الذي يولّد لديهم الشعور بالخجل، لأنّ المواقف السلبية التي يقابل بها الأطفال، تهزّ شخصياتهم وتشعرهم بالخوف والتردّد. كما أنّ الاستهزاء بالطفل والسخرية من بعض تصرّفاته التي قد تكون عفوية، تجعله يشعر بالخجل ويعمل على تحاشي الاتصال الاجتماعي، ويميل بالتالي إلى الشعور بالخوف والارتباك.
4/1- التناقض في المعاملة:
إنّ تناقض معاملة الآباء للأبناء، وعدم انسجام تصرّفاتهم مع أقوالهم، تجعل الأطفال عرضة للشعور بعدم الأمن والاطمئنان. فالأب الذي يعامل طفله تارة بشدّة وعنف، وتارة بلين ورحمة، يجعل الطفل عاجزاً عن توقّع تصرّفات أبيه، وهذا ما يجعله فريسة للخوف والعجز والخجل.
يلاحظ أنّ الأسباب السابقة مجتمعة، ترتبط إلى حدّ بعيد في تكوين الثقة بالنفس عند الطفل، وثقته بمن حوله، ولا سيّما الثقة بالوالدين، وإحساسه بهذه الثقة. ذلك لأنّ هذه الثقة من العوامل الأساسية لشخصيّة قادرة على التواصل الاجتماعي البنّاء. قالأطفال الذين يفتقرون هذه الثقة يكونون خجولين، وفي حالة دائمة من التساؤل فيما إذا كان الآخرون يقبلونهم أم لا؟ وهل بإمكانهم التخلّص من هذا الشعور المقلق؟!
أقراء ايضأ :الأضطراب الانفعالي (القلـق)أحدى عناصر الاضطراب الانفعالى
2- دور الوالدين في معالجة خجل الأطفال:
تؤكّد الدراسات النفسية والتربوية أنّ الخجل ينمو على تربة من الارتباك والوجل، وفي ظلّ أجواء أسرية / اجتماعية مغلقة تفرض على الطفل.. فالطفل الصغير يشعر بالخجل عندما يطلب إليه أن يقوم بعمل ما (كالرقص أو الغناء أو سرد حكاية..) أمام الناس الغرباء، لأنّه لم يدرّب على ذلك من قبل. وكثيراً ما يصاب الطفل بالارتباك والحيرة، ويأخذه الخجل عندما يلتفت إليه شخص ما لم يعرفه، أو عندما يشعر أنّه أصبح مثاراً لاهتمام الآخرين الذين لم يألفهم.
وهنا تكمن مشكلة الخجل التي يكون للأسرة دور كبير في إحداثها، ويكون للوالدين أيضاً دور في التغلّب عليها، من خلال الجراءات التالية:
1/2- تكليف الطفل بنشاط يجيده:
وهذا يتطلّب من الوالدين اكتشاف النشاطات التي يمكن للطفل أن يقوم بها بشكل يشعره بالنجاح، ويمنحه كثيراً من المديح الذي يحفزه على مزيد من المشاركة. وهنا يكون للتفاعل الاجتماعي دور إيجابي عندما يقوم الطفل بالنشاط الجماعي الذي يحبّه؛ ويعدّ النشاط الرياضي خير دليل على هذه المشاركة، حيث يحقّق للطفل ثقته بنفسه وبالآخرين.
2/2- السماح للطفل بالتعامل مع أطفال مختلفين:
يجب على الأهل تشجيع الطفل على المشاركة الجماعية في مجال الأنشطة المتنوّعة، مع مجموعات مختلفة من البشر (الأقران في الحي والرفاق في المدرسة والنوادي)، وتعدّ الألعاب الجماعية والكشّافة والمعسكرات الصيفيّة، من المجالات الجيّدة التي تتيح للطفل التعامل مع الآخرين، وتطوير مهاراته الاجتماعية في إطار التفاعل الاجتماعي الإيجابي.
3/2 -عدم ترك الطفل بمفرده أوقاتاً طويلة:
إنّ بقاء الطفل بمفرده، ولمدّة طويلة، يجعله يعيش مع ذاته وفي عالمه الخاص بعيداً عن عقد أية صلات اجتماعية، حتى مع أفراد أسرته. فتنمية روح الاستقلال والاعتماد على الذات أمر تربوي جيّد، ولكنّ قضاء الطفل ساعات طويلة بمفرده، ولا سيّما في مشاهدة التلفزيون، أو في ألعاب الحاسوب (الكمبيوتر) لن يساعده في بناء العلاقات الاجتماعية؛ فقد أوضحت دراسات كثيرة أنّ التلفزيون يحدّ من النشاط الاجتماعي للأطفال، وينمّي لديهم الروح الفردية، وهذا مرتبط بالخجل إلى حدّ بعيد، وبعلاقة متبادلة، حيث يغذّي كلّ منهما الآخر.
4/1 -تشجيع الطفل على بناء علاقات مع الراشدين:
إذا كان من الضروري أن يبني الطفل علاقات ارتباط قوية مع من يعتني به في الأسرة (الأب والأم والأخوة)، فإنّه من المهمّ أيضاً أن يبني علاقات اجتماعية مع راشدين آخرين، ولا سيّما الأقارب منهم. فالطفل الصغير الذي لا يتعامل إلاّ مع والديه، يتصوّر أنّ العالم لا يكون آمناً إلاّ بوجودهما، أمّا الأطفال الذين يقضون أوقاتاً مع شخصيات أخرى مقرّبة، مثل الأجداد أو الأقارب الآخرين، فيكونون أكثر تحرّراً وقدرة على التفاعل الاجتماعي.
نستنتج ممّا سبق، أنّ تنمية الشعور بالخجل تأتي من نمط الحياة الأسرية المنغلقة التي يعيشها الطفل. فثمّة بعض الأهل ينزعون إلى محاولة عدم تعويد الطفل على ممارسة أي عمل، من خلال سعيهم الدؤوب للقيام بكلّ ما يلزم نيابة عنه؛ وبما أنّ الطفل لا يصطدم بأية صعوبات ولا يقوم باجتياز أية عقبات جديّة، فإنّه يصبح خاملاً، لا مبالياً، وبالتالي يغدو خجولاً.. وفي حالات أخرى، يعتقد الأهل أنّه كلّما قلّ اختلاط الطفل مع أترابه، نشأ سليماً من الناحية الأخلاقية، وهذا ما يجعله أيضاً خجولاً منزوياً، متجاهلين بذلك الطبيعة الاجتماعية للطفل، وتأمين مستلزمات النمو الاجتماعي.
وإذا كان الخجل يبدأ عند الطفل منذ سنيّه الأولى، فإنّ تعرّف الخجل في مرحلة مبكرة من عمر الطفل أمر في غاية الأهمية من أجل التعامل معه باسلوب تربوي صحيح وبنّاء..وذلك لأنّ صفة الخجل تأخذ بالازدياد والنمو مع تقدّم الطفل في العمر، إذا ما توافرت لها البيئة المناسبة، لتصل إلى ذروتها في سنّ الشباب. وكم من الشباب الذ يعانون من ضعف القدرة على التكيّف والتفاعل الاجتماعي، بسبب شعورهم بالخجل أمام الآخرين، وهذا ناتج بالدرجة الأولى عن نشأتهم في بيئة أسرية مغلقة حرمتهم من أهم الحاجات الضرورية للتنشئة الاجتماعية السليمة.
أقراء ايضأ : أحدى عناصر الاضطراب الانفعالي (الغضب)
سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر والاحول والاقوة الا بالله
ردحذف