يتعرّض النمو الانفعالي / الوجداني، عند بعد الأطفال كما هي الحال في جوانب النموّ الأخرى، إلى اضطرابات تسبّب بعض الحالات التي تخرج هذا النمو عن الحدود الطبيعيّة، حيث تظهر هذه الحالات في تعبيرات جسدية وحركية وسلوكية، تختلف بصورتها وشدّتها عمّا هو مالوف في الاستجابات العادية، والتي تظهر في الحالات الوجدانية السوية، كما تنطوي على خبرات شعورية تختلف بطبيعتها عن المشاعر الطبيعيّة.
لا شكّ أنّ مثل هذه الانحرافات الانفعالية، تلفت انتباه المحيطين بالطفل، ولا سيّما أفراد أسرته ومعلميه إذا كان في سنّ المدرسة، فيشعرون بالقلق تجاهه، ويشاطرونه معاناته، ويقومون باتخاذ مواقف سليمة تساعده في الخروج من المأزق والعودة إلى الحالة الطبيعية.. وربّما يظهرون الانزعاج من تصرّفاته، الأمر الذي يثير مشاعره ويسيء إلى حالته الوجدانية ويزيدها اضطراباً..وهنا تكبر المعاناة ويصبح الوضع الانفعالي / الوجداني عند الطفل، أكثر تعقيداً وصعوبة.
وسنحاول في هذا المقال التعرّف على أحدى عناصر الاضطرابات الانفعالي عند الأطفال(العدوان -الغيرة الانانية)، ودور الأسرة في التعامل معها ومعالجتها.
العـدوان
العدوان هو ذلك السلوك الذي يقوم به الفرد، ويؤدّي إلى إيقاع الأذى بالآخرين، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وقد قدّم علماء النفس تفسيرات عديدة للسلوك العدواني، وكان الإحباط الأسري في مقدّمة أسباب العدوان؛ ومن مظاهر العدوانية أن يقوم الطفل بإلقاء الأشياء وتحطيمها، أو يدفع برجله ويضرب الآخرين، أو يقذفهم بأدوات يحملها في يده، أو يظهر البكاء والصراخ وعدم الرضا، بصفة دائمة.
ولذلك تجمع أغلب الدراسات على أنّ الميل إلى العدوان، يرتبط ارتباطاً موجباً ببعض عوامل التطبيع الاجتماعي السلبية، مثل: نبذ الوالدين للطفل أو إثارة الألم النفسي لديه، أو القسوة في تقويم سلوكه. ولكن من المهمّ الإشارة إلى أنّ الإحباط لا يؤدّي إلى العدوان – في كثير من الحالات – إلاّ إذا وجد العدوان تدعيماً من قِبَل الوالدين أو غيرهم من المحيطين بالطفل.
فكلّما كانت التنشئة الأسرية / الاجتماعية أكثر إحباطاً للطفل / الناشىء، ازداد عنده الدافع للعدوان. ولذلك يمكن القول: إنّ هناك صلة بين العدوان وبين ما يلقاه الطفل في مرحلة التنشئة الاجتماعية، سواء من والديه أو من المحيط الخارجي، من أساليب معاملة تتّسم بالتسلّط والقسوة، والإهمال والرفض..
إنّ النظرة إلى الأبناء، ولا سيّما الكبار منهم، على أنّهم أطفال قاصرون، وهم بحاجة دائمة لحماية الكبار ووصايتهم، يجعلهم في حيرة مع الذات قد ترافقهم حتى مرحلة الشباب، وتخلق لديهم أزمة من القلق والتوتّر من شأنها إيجاد صراع بين الواقع والمفروض، فيكون من نتائج ذلك التمرّد والعصيان والعدوان.
فالقسوة التي تولّد العدوان، تنمو على تربة الاغتراب والابتعاد النفسي بين أفراد الأسرة الواحدة واللامبالاة تجاه الآخرين، وغياب أية رغبة في مساندة الإنسان الآخر أو مدّ يد المساعدة إليه من دون مقابل. لكن يجب أن يتذكّر الآباء والأمهات، أنّهم مهما بذلوا من جهود لتنمية المشاعر الطيّبة في نفس الطفل، وقطع دابرأية إمكانية لنمو القسوة والعدوان، فإنّ ثمّة عوامل أخرى خارجة عن إرادتهم، مثل: الاختلاط بأطفال عدوانيين أو مشاهدة أفلام العنف والعدوان على شاشات السينما والتلفزيون..
قد يلجأ بعض الوالدين إلى استخدام العقاب لتقويم سلوك الطفل العدواني، وقديؤدّي هذا العقاب إلى استجابة مؤقّتة من قبل الطفل، إمّا بسبب الخوف من زيادة العقاب، أو من الأذى الذي الحقه به، ولكنّه لا يحدث تغييرات جذرية في سلوكه..بل على العكس من ذلك، قد يزرع في نفس الطفل السلوك العقابي/ العدواني في التعامل مع الآخرين.
وبدلاً من اللجوء إلى العقاب، يجب على الآباء والمربين إفهام الطفل أن الإنسان يجب أن يكون شجاعاً وقوياً، ولكنّ الرجولة بلا شفقة ورحمة، تتحوّل إلى قوّة بطش عدواني عمياء تنال من الآخرين وتؤذيهم، وهنا تظهر التربية الانفعالية / الوجدانية بمظهرها الأخلاقي، التي تبدأ في تنمية المشاعر الإنسانية عند الطفل.
واستناداً إلى ما تقدّم فإنّ ثمّة أساليب يمكن أن يعتمدها الوالدان في منع حدوث العدوان عند الأطفال أو معالجته، ومن هذه الأساليب:
-مراقبة اهتمام الطفل بالألعاب مع رفاقه، وعدم السماح له بأن يقوم بسلوك عدواني يسبّب الأذى أو الضرر، وتوبيخه إذا ما تصرّف بسلوك سيّء، كما يوبّخ رفاقه أيضاً.
- تصرّف الوالدين بالأشياء أمام الأبناء، كما يراد لهم أن يتصرّفوا مع أشيائهم؛ فرمي أحد الوالدين لشيء ما وهو غاضب، يوحي للطفل كيف يكون عدائياً حين يشعر بالغضب.
-تقديم لائحة للطفل بالأشياء التي يمكن أن يفعلها، عندما يشعر بالانزعاج، مثل: طلب المساعدة لحلّ أمر ما، أو إبداء عدم الرغبة في متابعة العمل أو اللعب مع الآخرين (لا أريد الاستمرار في اللعب)، وبالتدريب والتكرار يعتاد الطفل على استخدام هذه العبارات، قبل أن يصل إلى العدوان.
-مدح الطفل على مشاركته الإيجابية مع أصدقائه، وطلب المساعدة منهم بدلاً من الغضب والاعتداء على بعضهم، وكلّما تلقّى الطفل المديح، تحسّن سلوكه الفردي والجماعي.
-عدم اللجوء إلى العدوانية لوقف العدوان، فاللجوء إلى الضرب يمنح الطفل الإذن باستخدام الضرب في ظروف معيّنة؛ كما أنّ شعور الوالدين بالغضب حين يلجأ الطفل إلى الضرب، يوحي للطفل بأنّه يستطيع اللجوء إلى العدوانية لفرض قوّته عليهما، أو على أحدهما.
يضاف إلى تلك الأساليب، توجيه التوبيخ على فعل العدوان، مع إعطاء البديل المناسب للتصرف؛ مثال ذلك: إعطاء الأمر بالتوقف (توقّف عن الضرب) والبديل: (حين تغضب، اترك المجموعة) أوتوفير سبب للمنع: (الضرب يؤذي) والبديل: (قمّ بحركات رياضية لليدين)، ولا مانع من تكرار التوبيخ لإعطاء المزيد من فاعليته. كما أنّ عدم تذكير الطفل بعدوانيته، أمر ضروري لنسيان العدوان وعدم تكراراه
وبذلك تكون تنمية مشاعر المودّة في نفوس الأطفال، هي من العوامل الأكثر نجاعة في مكافحة الجفاء والقسوة والعدوان، التي يظهرها الطفل في تعامله مع الآخرين.. ولا تظهر هذه المشاعر في الكلام فحسب، وإنّما في المشاركة الوجدانية الفعّالة، وتجسيدها في تصرّفات عملية تعلّم وتهذّب وتربّي.
أقراء ايضأ : أحدى عناصرالاضطراب الانفعاليه عندالاطفال(الخجل)
الغيـرة والأنانيّة
تعرّف الغيرة بأنّها ذلك الشعور المؤلم الذي ينتاب الشخص نتيجة خيبة أمل في الحصول على أمر مرغوب كان يريده، بينما نجح شخص آخر في الحصول عليه.. ممّا يجرح مشاعر الشخص الأول ويحط من عزّة نفسه، فينظر إلى الشخص الآخر على أنّه سرق حقّه وأساء إليه، وعليه أن يردّ له ذلك بمشاعر الغيرة والحقد.
والغيرة شأن طبيعي تنشأ الغيرة أول ما تنشأ، بين الأخوة في الأسرة، وليس هناك طفل يخلو من أعراضها، ولا سيّما الطفل البكر الذي يظهر غيرته بوضوح حيال الأخ الأصغر، الذي يعتقد أنّ مجيئه سلبه نصف محبّة والديه، وربّما معظم حنان أمّه الذي كان له وحده حتى جاء هذا الشريك.
وإذا لم تكن الغيرة مفرطة، فإنّها تساعد الأولاد على أن يصبحوا أكثر استقلالية وتسامحاً وكرماً، فيما بينهم. وكلّما كان الوالدان متفّقين على نوع المعاملة مع الأبناء، ومتواصلين معهم بشكل إيجابي، كانت الغيرة بين الأبناء أقلّ حدّة وتأثيراً. وممّا يجعل الطفل مطمئنّاً في أسرته، هو الشعور بأنّ والديه يحبّانه كأخوته، ويتقبّلانه كما هو؛ أمّا إذا كان الوالدان يقارنانه باستمرار، بأحد أخوته أو بغيره، أكان ذلك سرّاً أو علناً، فإنّه سيفهم ذلك ويحزن ويحقد بالتالي على والديه وأخوته، وتتكوّن لديه مشاعر الغيرة العمياء تجاههم. وهذا ما يسبّب له انتكاسات انفعالعية، ويعوّق تفاعله الاجتماعي مع أفراد أسرته.
وهذا يتطلّب من الوالدين اللذين تضمّ أسرتهما عدداً من الأطفال، أن يكونا حذرين في التعامل معهم، ولا يقوما بأي تصرّف ينتج عنه أي نوع من أنواع التمييز أو التفرقة بين الأخوة، اللهمّ إلاّ إذا كان الوضع يتطلّب ذلك كنوع من دعم التعاطف بينهم، كمرض أحدهم أو غيابه فترة طويلة، أو كان الطفل الصغير في الأسرة.
فالارتباط وثيق بين نوعية المعاملة الوالدية، وحسن التكيّف عند الأبناء أو سوئه، ولا سيّما عند اقترابهم من سنّ النضج واكتمال النموّ. فشعور الطفل بالحرمان أو بعدم الحنان، يولّد لديه القلق وعدم الطمأنينة، كما أنّ التمييز بين الأبناء وعدم المساواة في تأمين متطلّباتهم، قد يولّد الغيرة المَرَضية التي تفسد العلاقات الأسرية برمّتها.
أمّا الأنانية، فهي تلك الصفة التي تدلّ على رغبة الشخص في الحصول على أي شيء، وإن كان على حساب الآخرين، ممّا يولّد لديه التواكل ومحبّة الذات، مقابل عدم الثقة بالنفس. وتتجلّى الأنانية في صور متنوّعة ومختلفة تبعاً للمرحلة العمرية؛ فالطفل الصغير يعلن عن ذاته ويعبّر عن مطالبه بالصراخ أو الزعيق، بينما يعبّر الطفل الأكبر عن رغباته بإظهار نوبات الصلف والعناد، وإذا منع من تلبية الرغبات، فإنّه يجيب بالغيرة والطمع الشره. أمّا في الرحلة المتقدّمة، فتأخذ الأنانية طابعاً إخلاقياً سلبياً، كاللامبالاة والتكبّر على الآخرين وعدم مراعاة مشاعرهم، وتركيز الاهتمام على الرغبات الشخصيّة والمصالح الذاتية، التي تؤدّي في النهاية إلى سوء التكيّف الاجتماعي.
إنّ نبتة الأنانية تتغذّى وتنمو من خلال سعي الأهل الدائب لوهب الطفل كلّ شيء من أجل أن تكون الأوضاع عنده على ما يرام، الأمر الذي يقضي على أي رغبة يبديها لإظهار المبادرة الذاتية أو الاعتماد على النفس، إضافة إلى الإطراء عليه والثناء الزائد على مناقبه..وهو يلاحق الأهل بالمطالب التي لا تنتهي.
وإذا كان الأمر هكذا، فإنّ ثمّة خطيئة شائعة حول تفسير الأسس التي تنشأ عليها الأنانية، وهي أنّ الأنانية تنشأ فقط عن تليبية رغبات الطفل غير المحدودة، وإغداقه بالدلال والملاطفة الزائدة، حيث تنشأ لديه صفة الاتكالية والأنانية وعدم الاكتراث بالآخرين. لكنّ ثمّة دراسات أشارت إلى أنّ الأنانية لا تتولّد عن الحنان الزائد والدلال المفرط فحسب، وإنّما تنشأ أكثر ما تنشأ بسبب النقص الكبير في إظهار الأهل هذه المشاعر تجاه الطفل.
والخلاصة، إنّ الأسباب التي تؤدّي إلى تكوين النزعة الأنانية في تعامل الإنسان مع الناس الآخرين، كثيرة ومتنوّعة وتنشأ بالدرجة الأولى على أساس التربية الخاطئة التي يتلقّاها الطفل / الفرد في الأسرة، ولا سيّما نمط التعامل بين الأهل والطفل.
فالمعاملة الوالدية للأبناء تأخذ أشكالاً متعدّدة، ترتيط إلى حدّ بعيد، بمستوى تأهيل الوالدين من الناحية التربوية، ودور كلّ منهما (الأب والأم) في العملية التربوية المشتركة، حيث يكون للعلاقة السائدة بين الوالدين (الزوجين) أيضاً، أثر كبير في بناء سلوك الأبناء , وهذا يتطلّب أن تعيش الأسرة في جوّ عائلي مفعم يالسعادة والاستقرار، والاحترام التبادل على أساس الحقوق الزوجية والمسؤولية المشتركة في تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة.
أقراء ايضأ : الأضطراب الانفعالي (القلـق)أحدى عناصر الاضطراب الانفعالى
تعليقات
إرسال تعليق
مرحبا بتعليقك عبر عن رائيك شاركنا....