لا شكّ أنّ مثل هذه الانحرافات الانفعالية، تلفت انتباه المحيطين بالطفل، ولا سيّما أفراد أسرته ومعلميه إذا كان في سنّ المدرسة، فيشعرون بالقلق تجاهه، ويشاطرونه معاناته، ويقومون باتخاذ مواقف سليمة تساعده في الخروج من المأزق والعودة إلى الحالة الطبيعية.. وربّما يظهرون الانزعاج من تصرّفاته، الأمر الذي يثير مشاعره ويسيء إلى حالته الوجدانية ويزيدها اضطراباً..وهنا تكبر المعاناة ويصبح الوضع الانفعالي / الوجداني عند الطفل، أكثر تعقيداً وصعوبة.
وسنحاول في هذا المقال التعرّف على احد عناصر الاضطراب الانفعالي (الغضب )عند الاطفال ، ودور الأسرة في التعامل معها ومعالجتها.
أقراء ايضأ : أحدى عناصر الاضطراب الانفعالي (الغضب)
الغضـب :
يعدّ الغضب من الحالات الانفعالية الشائعة عند الأطفال، وما نوبات الغضب التي تصيب بعض الأطفال، إلاّ حالة طبيعيّة وعامة بصرف النظر عن الثقافة التي يعيشون فيها. فلا ينظر إلى هذه النوبات على أنّها ذات صبغة مَرَضية، ولا ترتبط بسوء السلوك العام، كما أنّها لا ترتبط باضطراب المزاج إلاّ بعلاقة ضعيفة جدّاً.. فالغضب عند الطفل ما هو إلاّ انجار عاطفي ينتج عن خيبة أمل عارمة يشعر بها الطفل؛ ولذلك يخرج الغضب بهذه الصورة عن نطاق تحكّم الطفل في ذاته..
وبناء على طبيعة هذا الغضب، فقد قسّم بعض الدارسين مظاهر الغضب عند الأطفال إلى ثلاثة أقسام، تتدرّج في حدوثها على النحو التالي:
1- تفريغ الشحنة الانفعالية للغضب بطريقة عشوائية، وذلك في مرحلة المهد.. ويتمثّل ذلك في صراخ الطفل وإلقاء نفسه على الأرض.
2-المقاومة الحركية او اللغوية، وتتمثّل في رفض الطفل تلبية ما يراد منه، بالكلام أو بالحركة وهذا تعبير عن غثبات الوجود.
3- الانتقال إلى التصرّف الهجومي، ويتمثّل في توجيه السباب والشتم، أو العض أو الضرب والاعتداء.
ولكّن عدد مرّات الغضب تأخذ في التناقص مع تقدّم الطفل في العمر، ممّا يجعله أكثر واقعية وتفهّماً للمواقف الاجتماعية، فيلجأ إلى التعبير عن ألمه وضيقه بمظاهر أخرى غير الغضب. ومهما كان شكل التعبير عن الغضب، فعلى الوالدين أن يدركا أنّه ظاهرة طبيعية، وأن يتعاملا مع الطفل بمودّة وتعاطف لكي لا تطول مدّة غضبه.
1- أسباب نوبات الغضب عند الأطفال:
بما أنّ الغضب ليس حالة دائمة يعيشها الشخص، وليس حالة وراثية خاصة في تكوينه الجسدي والنفسي، وإنّما هو حالة طارئة تحدث بفعل مثيرات خاصة، وتتكرّر مع تكرّر هذه المثيرات، فثمّة أسباب إذن لحدوث الانفعال، ومن أبرز هذه الأسباب:
1/1- السلطة الوالدية:
يقوم الوالدون في أحيان كثيرة، بتثبيط عزائم أبنائهم وهم يحاولون ممارسة نوع من التحكّم يتيح لهم بسط سلطتهم الكاملة على الأبناء. وهذا أمر يتعارض،إلى حدذ بعيد، مع إحساس الأطفال بضرورة نيلهم الاستقلال الذاتي، حيث تبدأ تلك النزعة بعد سنّ الثالثة؛ فيقع الطفل في تناقض حادّ أحياناً، بين النزعة إلى الاستقلال وحاجته إلى المساعدة من والديه.. وتصبح أية محاولة من أحد الوالدين للتحكّم – بصورة مباشرة -في تصرّفات الطفل، تؤدّي إلى نوبات الغضب.
فنجد الطفل على سبيل المثال، يقاوم أية محاولة من الأم لمساعدته في ارتداء ملابسه، أو إلزامه بطعام معيّن، وإذا ما شعر بأنّ أمّه تستخدم قوّتها أو ذكاءها لتهزمه، فإنّه سيثور وتنتابه نوبة من الغضب، تتناسب في شدّتها مع الموقف الحاصل.
1/2- العلاقات الأسرية العامة:
ترتبط العلاقات الأسرية بنوع السلطة الوالدية، ولكنها أوسع منها من حيث الأبعاد والتأثيرات الفردية والجماعية. فالعائلات التي تسودها التوتّرات الانفعالية بسبب العلاقات الأسرية غير السليمة، تعاني من مشكلات السيطرة أو الخضوع بين الزوجين، أو عدم قدرة الزوجين على التغلّب على الخلافات بينهما وعدم التعاون والاتفاق حول تربية الطفل، وهذه عوامل تؤثّر تأثيراً سلبياً في الصحة النفسيّة للطفل، وتوصله إلى التوتّر والانفعال الشديدين اللذين قد يظهران في صور متعدّدة، كالغضب أو العناد أو التشاجر، وعندها يصعب التعامل معه.
1/3-الحالة الصحيّة للطفل:
لا شكّ في أنّ ضعف الحالة الصحيّة للطفل قد تكون سبباً في إحداث نوبات من الغضب، ولا سيّما إذا تكرّرت إصابته ببعض الأمراض التي تسببّ الضيق والانزعاج، كالزكام أو التهاب اللوزتين أو عسر الهضم... كما تؤثّر التشوّهات الخَلقيّة على نفسيّة الطفل وموقفه تجاه العالم المحيط به، فيشعر بالنقص والعجز وضعف الثقة بالنفس، وصعوبة الحياة، لعدم قدرته على عمل ما هو مطلوب منه. وقد يصل به الأمر إلى حدّ الشعور بأنه مكروه من الناس، فيزداد توتّره الداخلي الذي يعبّر عنه بنوبات غضب تثار لأبسط الأسباب.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الطفل الذي يصاب بنوبات الغضب، قد يعتريه الفزع (الهلع) ويفقد– في معظم الأحيان- الوعي وعدم التركيز والإدراك، ولذلك فإنّ محاولة زجره واستجدام الشدّة في ثنيه عمّا يفعله، والكّف عن تصرّفاته، هي من الأساليب عديمة الجدوى. والأهم من ذلك كلّه أن يتمتّع الوالدان بالهدوء والتأكّد من أنّ الطفل لا يؤذي نفسه وهو في نوبة الغضب.
أقراء ايضأ : أحدى عناصرالاضطراب الانفعالي عند الاطفال(الخجل)
2- دور الوالدين في مواجهة غضب الأطفال:
يلاحظ أنّ معظم أسباب الغضب التي ذكرت آنفاً، هي أسباب خارجة عن طبيعة الطفل، وتحتلّ الأسرة الدور البارز في إحداثها، وهذا يتطلّب من الوالدين بالدرجة الأولى أن يدركا المسؤولية التربوية الملقاة على عاتقهما، في التعامل مع الأبناء وتأمين حاجاتهم النمائية، بما في ذلك الرعاية الصحيّة والنفسيّة، لوقاية الأطفال من كلّ ما سبب لهم نوبات الغضب، ويؤثّر سلباً في حالتهم الانفعالية / الوجدانية.
ونبيّن فيما يلي أهم الإجراءات التي تقوم بها الاسرة للتغلّب على غضب الأطفال:
1- عدم ترك المجال الطفل في أثناء غضبه، لكي يؤذي نفسه أو يؤذي غيره؛ ومن الأفضل في هذه الحال أن يقوم أحد الوالدين بإمساك الطفل ومنعه من الحركة في أثناء الهيجان. لأنّ الطفل إذا فعل ذلك واكتشف نتائجه فيما بعد، سيشعر بأنّه فقد السيطرة على نفسه، وربّما أخذ إجراءات عقابية ذاتية.
2-عدم مقابلة الغضب بالغضب، وإن كانت المسألة صعبة في بعض الأحيان. فالكثير من الآباء والأمهات يفقدون السيطرة على أعصابهم، ويصرخون بغضب في وجه الأبناء الذين يعانون من نوبات الغضب.. لأنّ العقاب في أثناء فترة الغضب لن يكون له أي تأثير يذكر في تخفيف الحالة، بل على العكس من ذلك، فقد يزيد من غضب الأبناء في الشدّة والتأثير.
3- ألاّ يسمح الوالدان لغضب الطفل -بحال من الأحوال – أن يؤثّر على سلوكهما نحوه، فيرضخا للأمر الواقع من أجل معالجة غضبه. لأنّ الطفل في هذه الحال، سيشعر بأنّه استطاع أن يستغلّ نوبة غضبه لتحقيق أغراضه الخاصة..
والأمر الأكثر أهمية بالنسبة للوالدين، هو التركيز على الرسالة التي يرغبان في إيصالها إلى الطفل، وهي أنّ صراخه لا يثير اهتمامهما أو غضبهما، وبالتالي فهو لن يحصل على طلبه بهذا الصراخ والانفعال.وفي المقابل، عليهما إذا توقّف عن الصراخ والغضب، أن يبيّنا له أنّ سعادتهما في هدوئه، وأن يشرحا له كيف يجب أن يتصرّف لكي يحصل على ما يريد، فيكون ذلك مريحاً له ولهما، على حدّ سوء
أقراء ايضأ :بعض الاضطرابات الانفعالية ( العــدوان - الغيرة والأنانية ) عند الاطفال
سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر والاحول والاقوة الا بالله
ردحذف