التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تضمّن (16) سؤالاً لكلّ منها جواب. وتدور كلّها حول الأساليب التربوية الوالدية، ولا سيّما الأساليب الخاطئة وما ينجم عنها من ردود فعل سلبية عند الأبناء، وكيفية التعامل معها. 3

   

                    *أســـئلـةوأجــوبـه

                                  

1- حـالة الأم الحـامل                                                                                               

 يقولون في التربية الحديثة: إنّ التربية تبدأ من تشكّل الجنين.. فما مدى تأثير حالة الأم الحامل الانفعالية على المولود من الناحيّة الجسديّة؟ "

   جـواب "

 لقد أجريت دراسات كثيرة وبحوث متنوّعة، عن أوضاع الأمّهات الحوامل، وبيّنت في معظمها أنّ الضغوطات النفسيّة التي تعاني منها الأم الحامل، مثل: فقدان الوظيفة أو العمل الذي ترغب فيه، أو الطلاق أو الحزن على موت إنسان عزيز عليها، تؤدّي إلى تشوّهات في بنية الجنين / الوليد، ولا سيّما تلك التشوّهات الخَلقيّة (الشرليه) كشرم الشفّة أو تقوّس الظهر، أو ميلان في النف أو الفمّ...ك

   كما يعدّ التعب والإرهاق العصبي والتوتّر النفسي، الذي تعاني منها الأم الحامل، من العوامل التي تجعل الطفل / الفرد، سريع الانفعال، عصبي المزاج، يصعب التعامل معه في كثير من الأحيان.

    وبيّنت إحدى الدراسات التي أجريت على عينة  من أمّهات عانين من اضطرابات نفسيّة / انفعالية، في أثناء فترة الحمل، وعينة أخرى من أمّهات لم يعانين من هذه اضطرابات، أنّ نسبة الإصابة بالتشوّهات الخَلقيّة عند مواليد أمّهات العينة الأولى، بلغت ضعف النسبة عند مواليد أمّهات العينة الثانية.

    ومن جهة أخرى، أثبتت بعض الدراسات النفسيّة والتربوية، أنّ قسطاً من النجاح الباهر الذي يحزه بعض العظماء فغي العالم، يعود إلى طبيعة الظروف الانفعالية التي عاشوها في المرحلة الجنينيّة. فالطفل يكون خلال فترة الحمل (الفترة الجنينيّة) أشبه بعضو من أعضاء أمّه، فيتأثّر بالعوامل والظروف التي تعيشها الأم على الصعيدين: الداخلي والخارجي، والتي تؤثّر في صحّتها الجسدية والنفسيّة العاطفيّة، سواء كان هذا التأثير إيجابياً أو سلبيّاً.

    ولذلك، تنصح الأم الحامل بأن تعتني ليس بصحّتها الجسدية فحسب، وإنّما تعتني أيضاً بصحّتها النفسيّة / الانفعاليّة.. وذلك بالابتعاد عن كلّ العوامل المزعجة، وتوفير ما أمكن من أجواء الهدوء والسعادة، حرصاً على سلامة الأم وضماناً لوقاية الطفل ممّا قد يصيبه من التشوّهات الجسديّة والنفسيّة، والتي قد تعوّق تفاعله في المستقبل-وتعكّر سعادته.

 2- الأم وتكوين مشاعر الطفل :

     ســـؤال:

   " إذا كانت للأم أهميّة كبيرة في تكوين مشاعر الطفل...فما هو السرّ الذي يكمن بين الطفل والأم؟ ولماذا يشعر الطفل بالهدوء والأمن في أحضانها..؟ "

    جــواب:

يُذَكّر هذا السؤال، بجواب أحد التربويين الكبار عندما سئل عن أي مكان يراه أكثر دفئاً في العالم، فقال: "  إنّ أدفأ مكان في العالم، هو حضن أمّي.."

   والمقصود هنا – بلا شكّ- ليس دفء الحرارة الماديّة التي يمكن قياسها بالدرجة المعروفة، وإنّما هو دفء ذلك الحبّ الأمومي الذي لا يمكن قياسة إلاّ من خلال الحنان والطمأنية اللذين يشعر بهما الطفل، وهو في حضن أمّه.

     ويؤكّد الباحثون في التربية وعلم النفس، أنّ السبب الأساسي في هذا الشعور، يعود بالدرجة الأولى، إلى محبّة الأم الصادقة لطفلها والصافية. هذه المحبّة التي تتجلّى في جوانب متعدّدة يعيشها الطفل وينعم بها، وتشمل: الرعاية والاهتمام، والحماية من الكدر والقلق والحزن، وغير ذلك ممّا قد يصيب الطفل بمكروه. والطفل –في المقابل- يحسّ بذلك ويشعر، ويعبّر عنه بطريقته، وإن كان لا يستطيع التعبير عن هذا الشعور كما يفعل الكبار.

    ولذلك، يصعب في كثير من الأحيان، فهم المحاولات التي يقوم بها الطفل للمواءمة بين سلوكه والأهداف اللاشعورية للأم بغية بناء علاقة واضحة معها.. حيث يستنفد الطفل نصيباً لا يستهان به من طاقاته، التي يبذلها للحفاظ على محبّة الأم والخوف من هجرانها.

     إنّ هذه العلاقة الحميمة، تجعل الأم قريبة جدّاً من طفلها، إلى درجة تجعلها تخاف عليه وإن كان في حضن أقرّب المقرّبين إليها، لأنّها تدرك أنّ سعادته لا تكتمل إلاّ إذا كان في حضنها، هذه السعادة التي تبدو على وجهه وفي نظرات عينيّه. وفي ذلك يكمن سرّ الأمومة السحري.

أقراء أيضا :

3- خوف الطفل من الحيوانات :

    ســؤال:

  " فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، تخاف كثيراً من الحيوانات.. هل هذا الخوف حالة غريزية مستمرّة؟  أم نتجت عن مواقف تربوية سلبية تعرّضت لها الفتاة في طفولتها؟؟ "

    جــواب:

    من المعروف، من الوجهة البيولوجيّة والنفسيّة، أنّ الإنسان لا يولد وهو مزوّد بأي نوع من أنواع الخوف الغريزي الدائم، سواء كان هذا الخوف من الحيوانات أو من الظلام أو من بعض الأماكن.. وإن كان ثمّة شعور بالخوف والحذر من الأِشياء التي يجهلها الإنسان.

     وهذا من طبيعة الإنسان ريثما يكتشف ويَعرِف، فقد يجد نفسه –في بعض الأحيان- يخاف من أمر ما، ويعجز عن تفسير هذا الخوف. وفي المقابل، يكون الأهل –أحياناً-عاجزين عن معرفة الأشياء التي تثير شعور الخوف عند الطفل، ولا سيّما تلك التي لا يستطيع الإفصاح عنها.

   ولذلك،يتولّد الخوف عند الإنسان، كردّ فعل تجاه الحيوانات، ا, كمنعكس شرطي لدى رؤيتها للمرّة الأولى، ولا سيّما إذا ما كانت في حالات وشروط معيّنة تؤدّي إلى إثارة الخوف في حال رؤيتها. فالطفل –من حيث المبدأ-لا يخاف إلاّ إذا ما تعرّض لعامل الخوف.وفي حالات كثيرة، يكون الأهل العامل الأساسي المسبّب للخوف في نفس الطفل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وقد يستمر هذا الخوف مع الطفل إلى المراحل المتقدّمة من حياته. إنّ تنبيه الطفل من الكلب بصوت مخيف، على سبيل المثال، أو التحذير من الاقتراب منه، أو ركض أحد الوالدين بحالة من الذعر لدى رؤيته أو رؤية الفأر أو الصرصار.. أو القول أمام الفل: إنّ الضفادع والأفاعي هي مخلوقات لعينة ومخيفة.. كلّ هذه الأمور تعزّز من شعور الخوف عند الطفل واستثارته كلّما رأى أيّاً من هذه الحيوانات.

     وقد تكون خبرة الطفل الشخصيّة، عاملاً من عوامل الخوف لديه. فالكلاب والهررة (القطط) مثلاً، من الحيوانات الأليفة، ولكنّها قد تصبح شرسة ومؤذية إذا ما تعرّضت للمضايقة والإزعاج الشديد.. والطفل الصغير لا يقدّر هذه الأمور، فيبلغ في تحريضه لأحد هذه الحيوانات، وهو يداعبه، إن يسبّب الأذى لهذا الحيوان، الذي يردّ الأذى للطفل بأكبر منه، انطلاقاً من غريزة الدفاع عن النفس.

   وهكذا يتولّد خوف الطفل من الحيوانات إذا لم يعمد الأهل إلى تغيير نظرتها تجاهها، من خلال التعامل معها بأساليب مناسبة، والتأكّد من أنّها ليست مخيفة إلاّ إذا جعلناها هكذا....!

                      4ـ مزاج الطفـل المتقلّب :

      ســؤال:

   " طفل في سنّ الثالثة والنصف، مزاجه متقلّب، مضطّرب وعصبي.. يبدو في معظم الأحيان وكأنّه خائف وغير مطمئنّ...ما أسباب هذه الحالة؟ وكيف يتصرّف الوالدان لتخليص الطفل من معاناته..؟ "

    جــواب:

    تظهر في هذه السنّ، أمور كثيرة  في انفعالات الطفل وتصرّفات، لا يتوقّعها الوالدان وإنّما يبديان الدهشة منها والاستغراب، ولا سيّما إذا  ما كانت هذه التصرّفات  - أحياناً- متخلّفة عن تصرّفات الطفل السابقة..

    ومن مظاهر هذه التصرّفات المرتدّة –إذا صحّ التعبير – التي يبديها الطفل مثلاً، " التأتأة في الكلام، والحركة السريعة في العينين..الادّعاء بأنّه لا يرى أو لا يسمع.. " وغير ذلك من الأمور التي تسبّب القلق للوالدين، مقابل معاناة الطفل ضغوطات حقيقيّة أو مفتعلة.

    وقد يبالغ الطفل في بعض المواقف للتعبير عن هذه الضغوطات والتنفيس عن المعاناة، من خلال قضم أظافره أو إدخال إصبعه في أنفه، أو بمصّ إبهامه أو تقليص عضلات وجهه..وغيرها من المظاهر التي تعبّر عن انفعالاته الداخليّة، لتصل به إلى حدّ الشعور بالضيق إذا ما نظر أحد إليه أو ضحك أمامه. إضافة إلى ما يتبع ذلك من ضعف علاقة الطفل مع الآخرين، وعدم شعوره بالأمان الذي يعبّر عنه بالبكاء، وتوجيه السؤال لوالديه أو أحدهما: " هل تحبّونني..؟"

    إنّ هذه التصرّفات التي يقوم بها الطفل – مجتمعة – ليست ناجمة عن حالة مَرَضيّة معيّنة، وإنّما هي من الأمور الطبيعيّة التي تميّز هذه المرحلة الطفولية.. وإنّ إدراك الوالدين لطبيعة هذه التصرّفات ومعرفة الأسباب التي أدّت إلى قيام الطفل بها، تساعدهما في التعامل معه (ومعها) بصورة إيجابية، وتسويتها وتجاوزها بيسر وسهولة، مع التحلّي بالصبر وإظهار التعاطف مع الطفل، وتفهّم معاناته ودعمه للتخلّص منها، من دون أن يترك ذلك أيّة آثار سلبيّة على حالته النفسيّة / الانفعالية، الآنيّة والمستقبليّة.

                                                    5- الطفـل وإتلاف الألعاب :

     ســؤال:

    " طفل في الخامسة من عمره، ما إن يستلم الألعاب الجديدة، حتى يبدأ في تفكيكها وإتلافها، ولا سيّما إذا كان بعيداً عن المراقبة.. ولكنّه في الوقت ذاته، يتجهّم ويدّعي بالغضب والانزعاج عندما يفتقدها.. كيف يمكن أن يضبط هذا السلوك المتناقض.؟"

   جــواب:

   لا شكّ أن الخسارة، مهما كان نوعها، هي من الأمور الصعبة التي يواجهها الفرد، كبيراً كان أو صغيراً.. ولكنّ قد تكون الخسارة أكثر أهميّة وأشدّ وطأة بالنسبة للأطفال الذين هم في سنّ الخامسة، وهم يعيشون في مرحلة (التمركز حول الذات) التي تتميّز بحبّ التملّك والأخذ من دون عطاء.. ولكنّهم – أي الأطفال – عندما يكبرون ويجتازون هذه المرحلة الخاصّة جدّاً في طفولتهم، سيصبحون أكثر براعة في معالجة الخسارة، أو الهزيمة، ولو تطلّب الأمر قيامهم بالحيلة والخداع لكي يربحوا أو يعوّضوا ما خسروه.

    ولذلك، فإنّ الطريقة المجديّة في معالجة الحالة التي نحن بصددها، ليست في سحب الألعاب من الطفل كعقوبة له على تصرّفاته، بل عكس ذلك هو الصحيح.. أي أن يقوم أحد الوالدين – ويفضّل أن تكون الأم – باللعب مع الطفل بعد إخباره بطبيعة اللعبة، وكيفيّة اللعب، والأدوار التي ستون صعبة فيها، وتحذيره  وفي المقابل، أنّ أحداً ما لن يلعب معه ما لم يتقيّد بهذه الشروط، ومن ثمّ المحافظة على اللعبة في مكان خاص، وإلاّ لن يشترى بدلاً منها في حال إتلافها.

    وإذا اكتشفت الأم أنّ الطفل يحتال في إثناء اللعب – وهو سيفعلها أحياناً- يجب أن تتّخذ على الفور موقفاً عقابياً زاجراً، وذلك بأن توقف اللعب وتضع اللعبة جانباً، فترة من الوقت، مع تنبيه الطفل بأنّ اللعب معه لن يستأنف إذا لم يكن أميناً وصادقاً.

     وهكذا، ومن خلال التدريب، يتعلّم الطفل كيف  يتعامل مع اللعبة ويحافظ عليها، لكي يستمتع بها ويستفيد منها، حيث تتطوّر لديه مهارات التوظيف الجيّد للألعاب، الفرديّة والجماعية.. وهو يتقبّل الخسارة ويعمل على تلافيها، كما يتذوّق نشوة الربح والانتصار.

 

 

 

                    6ـ  مرحلة الطفولـة المتأزّمـة :

     ســؤال:

    " يطلق علماء النفس والتربية، على المرحلة التي تقع بين السنتين (الثانية والثالثة) من عمر الطفل، الفترة الحرجة أو مرحلة (التأزّم).. ما هي ميزات هذه المرحلة؟ وما افضل الأساليب للتعامل معها؟."

      جــواب:

    إنّ تسمية هذه المرحلة بالفترة (المتأزّمة) لم تأتِ من فراغ، بل استندت إلى معطيات نفسيّة وسلوكيّة، تظهر عند الأطفال في هذه السنّ، وأثبتتها دراسات كثيرة. وأبرز ما يتجلّى في هذه المعطيات، تلك التناقضات الحادّة –أحياناً- بين رغبات الطفل وتمسّكه بها، وبين مطالب الكبار من حوله، ولا سيّما مطالب الوالدين، بحيث تصل حدّة هذه التناقضات إلى تشكيل الاستقلال الذاتي المتشدّد عند الطفل، وزيادة نشاطه الخاص، دون مراعاة لردّات أفعال الآخرين..

    ومن هنا تبرز الصعوبات التربوية أمام الوالدين، في إيجاد الأساليب المناسبة للتعامل مع الطفل، ولا سيّما مواجهة سلبيّته وعناده، ممّا يشكّل إحراجات كبيرة للوالدين، حتى في التحادث معه.

    وممّا يلاحظ هنا أيضاً، أنّه كلّما أظهر الكبار(الوالدان) مقاومة شديدة لرغبات الطفل، وعملوا على قمعها أو كبتها بالقوّة، فإنّ الطفل –في المقابل- يمعن في إظهار ردّات فعله المقاومة، والتي من أبرزها: " الاستياء والمعارضة، حيث يغضب الطفل ويصرخ، أو يضرب الأرض بقدميّه، أو يلقي بنفسه على الأرض ويقوم بحركات طائشة.."

    ولذلك، ينصح الوالدان بالتقرّب إلى الطفل، وتفهّم مشاعره وإدراك دلالات تصرّفاته هذه، وألاّ يحدّوا من استقلاليته الإيجابية واعتماده على ذاته، وحريّته في النشاط ضمن حاجاته وإمكاناته.. بل يعملوا على تنمية هذه المظاهر وتوجيه ممارستها في السلوكات المرغوبة.

    فبمقدار ما تستطيع التربية الأسرية أن تتعامل مع سلوكات الطفل السلبيّة وتهذيبها، يمكنها –في المقابل – أن تقوّي لديه المشاعر الانفعالية الطيّبة، التي تمكّنه من التكيّف الذاتي والتفاعل الاجتماعي، في إطار الشخصيّة المتوازنة.

 

                                     7- الطفـل وتحيّة الآخرين :

      ســؤال:

    " طفل في الثالثة من عمره، لا يلقي التحيّة على الآخرين ولا يردّ تحيّتهم.. وإذا نبّهه أحد والديه إلى ذلك، يصبح مشاكساً.. ماذا يمكن للوالدين أن يفعلا مع الطفل..؟ "

     جــواب:

    لا يمكن أن نتوقّع من طفل له من العمر ثلاث سنوات، أن يلقي التحيّة على الزوّار والضيوف، كما يرغبها الكبار، أو يرحّب بهم ويقول على سبيل المثال: " مرحبـاً " وبشكل مناسب، ولا سيّما إذا كان الطفل خجولاً..أو لم يعوّده والديه على ذلك.

    ففي مواقف كثيرة، يحذّر الوالدون الأطفال من التحدّث مع الغرباء، وفي الوقت نفسه يتوقّعون (أو يريدون) منهم أن يحيّوا الناس الذين لم يروهم من قبل..! ولكن هذا لا يعني أنّ الأطفال غير قادرين على أداء هذا الفعل (السلوك) الاجتماعي، إذا ما تعلّموا أصول استقبال الآخرين وآداب إلقاء التحيّة عليهم.

    إنّ تعليم الطفل إلقاء التحيّة على الناس، يتطلّب من الوالدين أن يعملا أولاً، على مساعدته في فهم الاختلاف بين مجموعات الناس، الذين يعرفهم منهم والغرباء، وكيفيّة التعامل مع كلّ منهم. فعندما يصطحب الأب طفله إلى مكان ما، وصادف أحد أصدقائه أو معارفه، عليه أن يعرفّه لطفله بارتياح فيقول: " هذا صديقي الحميم.." وكذلك الحال عندما يأتي أحد هؤلاء الأصدقاء لزيارة الأب في البيت، وبحضور الطفل.

    ومن جهة أخرى، يمكن للأب أن يستغلّ وجوده مع طفله، بين الحين والآخر، ويخبره بأنّ يريد منه أن يقول: " مرحباً " للناس الذين يعرفهم كلّما التقى بهم.. ومن ثمّ يقوم معه بتدريبات تمهيديّة خلال الجلسة. فيمثّل الأب مع ابنه الأدوار المتبادلة في إلقاء التحيّة، ويترك الطفل بعدها ليأخذ دوره كالكبار. وكذلك تفعل الأم مع طفلتها..

      وهكذا، ومن خلال التدريب المترافق بتفاؤل الوالدين وتشجيعهما، سيتأكّد الطفل / الطفلة، أنّه من المناسب عند الترحيب بأحد ما من الناس، بل من الواجب أيضاً، أن تردّ التحيّة بتهذيب واحترام.. أو كما يقال: " على المرء أن يردّ التحيّة بأحسن منها.."

                                                              8- قلـق المـراهـق :

      ســؤال:

    " فتى في السادسة عشرة من العمر، يبدو في معظم الأحيان، قلقاً وحائراً.. يحاول والداه التفاهم معه، فيغضب وينسحب، دون جدوى... فما العمل في وضع كهذا..؟

      جــواب:

   إنّ الفتى يعيش مرحلة المراهقة، ويستعدّ للدخول في سنّ البلوغ.. والتعامل معه يجب أن يتمّ على هذا الأساس، ومن هذه الرؤية.

   فمن المعروف أنّ مرحلة المراهقة، تتميّز بالحساسيّة الزائدة عند الفتى (الفتاة) والمزاج المتقلّب، حيث يعيش المراهق حالة من القلق والضياع، بسبب فقدان الكثير من الأشياء والأمور التي كانت ترافقه في إثناء طفولته، يحنّ إليها ويجد صعوبة في التخلّي عها، مقابل تخوّفه من الأمور التي بدأ ينظر إليها بجدّية، في مرحلته الحالية والمستقبلية.. وهذا ما يسبّب له صراعاً داخليّاً في نفسه، قد لا يجد القدرة على مواجهته. ولذلك، يرى في إثارة أي مسألة بسيطة أو خلاف عَرَضيّ معه، فرصة لتفريغ الشحنات الانفعالية التي يعاني منها، جرّاء الضغوطات النفسيّة والاجتماعي، في نطاق الأسرة وخارجها.

     قد تحدث بعض النزاعات بين المراهق ووالديه، ولكنّها ليست محتومة.. وقد لا تظهر البتّة إذا كان المناخ السائد في الأسرة مفعماً بالمحبّة والمودّة والتفاهم والاحترام. فشعور المراهق باقترابه من سنّ النضج والبلوغ، يترافق مع تطوّر كمّي ونوعي في شعوره بالاستقلاليّة أو (الهوية الشخصيّة) المتمثّلة في عزّة النفس وتقدير الذات. ولذلك نجده  جاهزاً للدفاع عن كرامته بوسائل مختلفة وسبل شتى ـ إذا ما حاول أحد ما – وإن كان من والديه- المساس بهذه الكرامة أو الحطّ من شأنها، مهما كانت الأسباب وبأي شكل من الأشكال.

    والأمر المطلوب من الآباء والأمّهات، في هذه الحال، هو التقرّب إلى المراهق، وإشعاره بالأمن والاطمئنان، وتعرّف ما يجول في عالمه الداخلي (النفسي والعقلي)، ومن ثمّ تقديم المساعدة المناسبة له بما يمكّنه من تجاوز هذه الضغوطات والشعور بالهدوء والاستقرار، العاطفي والاجتماعي. والأهمّ من ذلك كلّه، يكمن في تقوية شعور المراهق (المراهقة) بأنّ الأسرة هي الملجأ الأمين الذي يحميه من عوامل القلق والاضطراب والانحراف.

                                                   9- أنانيّة الأطفـال :

     ســؤال:

   " يلاحظ أنّ بعض الأطفال يبدون –حتى مرحلة متأخرة – أنانيّة كبيرة في تصرّفاتهم.. فهل يعود ذلك إلى استعدادهم لهذا السلوك؟ أم أنّ البيئة الأسرية هي المسؤولة عن كوينه؟"

     جــواب:

   لا بدّ من التأكيد –بداية- أن صفة الأنانية هي صفة مكتسبة، شأنها في ذلك شأن التسامح والاحترام،  والعدوان والتسلّط...وغيرها  من الصفات التي يكتسبها الإنسان بفعل التربية، والتنشئة الاجتماعيّة. أي أنّ الطفل / الإنسان، لا يولد وهو أناني بطبعه. ولذلك، فإذا كانت  التربية بوجه عام والتربية الأسرية بوجه خاص، هي العامل الأساس في غرس الصفات المكتسبة، فإنّها أيضاً مسؤولة عن تعزيز صفة الأنانية عند الطفل، وتنميتها فيما بعد إذا ما استمرّت المثيرات والمعزّزات الداعمة لها.

   ويتجلّى دور الأسرة، ولا سيّما دور الوالدين، في غرس نبتة الأنانيّة في نفس الطفل وتغذيتها، من خلال سعي الوالدين- المقصود وغير المقصود- لتقديم كلّ ما يطلبه الطفل أو يرغب في الحصول عليه، وفي اعتقادهما أنّ الأمور جميعها ستكون على أتّم ما يرغبون.

    وبذلك تنشأ الأنانية عند الطفل وتنمو على التواكل وحبّ التملّك وتفضيل الذات.. وتقتل في المقابل، أدنى رغبة يبديها الطفل في إظهار المبادرة الذاتيّة أو الاعتماد على الذات في أي عمل يرغب القيام به.. إضافة إلى المبالغة في مديح الطفل، ولا سيّما إذا كان لا يستحقّ ذلك.

   إنّ هذه الممارسات التربوية / الأسرية الخاطئة وغير المتوازنة، تقود كلّها إلى تبدّلات جوهرية في نفس الطفل، بل في شخصيّة الطفل، يصعب التغلّب عليها فيما إذا استمرّت إلى مراحل متأخّرة.. وقد تنتقل مع الطفل إلى التعامل مع الرفاق في الدراسة أو العمل؛ فيظهر نكران الجميل ولا يعترف بفضل الآخرين، ولا يبادلهم الإحسان بالإحسان، إذ لا يهمّه إلاّ تلبية مصالحه الخاصة، حيث أصبحت الأنانيّة تحرّك سلوكه الوجداني والأخلاقي.

                                10- حركة الطفل الزائدة :

       ســؤال:

   " ثمّة أهميّة كبيرة للنشاط الحركي عند الطفل، ولا سيّما في  مراحله الأولى.. ولكنّ الحركات الطائشة تسبّب –أحياناً- أحداثاً مأساويّة مؤذية.. ما هو التصرّف السليم من قبل الأهل تجاه فرط الحركة عند الطفل..؟"

      جــواب:

   إنّ هذه الظاهرة (المشكلة) إن صحّ التعبير، موجودة لدى معظم الأطفال ولا سيّما قبل السنة السادسة.. وكثيراً ما يجد الأهل أنّهم محرجون أمامها، ويتساءلون: كيف ينبغي أن نتصرّف لضبط حركات الطفل من دون أن نحرمه متعة النشاط؟ هل ندع الأمور تجري كما هي، أم نلجأ إلى العقاب أو المنع؟ هل نصبر ونعتمد على إقناع الطفل حركاتها الطائشة وآثارها المؤذية له ولمن حوله..؟ "

    ولكن إذا ما نظرنا في الواقع، نجد أنّ غالبية الآباء والأمهات، يلجأون إلى أسهل السبل في مواجهة المشكلة  وأسرعها حلاًّ، وهو طريقة (المنع) والتي تتمثّل في النواهي الصارمة والتحذيرات الشديدة: " لا تلمس هذا.. لا تلعب ذاك.. دع هذا الغرض من يدك.. لا تضع هذا في فمك.. إيّاك أن تقترب من كذا.. وغيرها كثير " وقد تستمرّ طريقة المنع هذه إلى مرحلة متقدّمة من نمو الطفل. وإذا ما قام بأي فعل من هذه الموانع –جتى وإن كان قادراً على إنجازه بصورة سليمة – فإنّه يقابل بعبارات استنكاريّة / تأنيبيّة قاسيّة: " أنت ولد عنيد لا تفهم..كم مرّة قلنا لك لا تأخذ هذا.. أو لا تفعل هكذا... يا لك من ولد عاق.. "

    وإذا ما حاول الوالدون الدخول إلى جوهر النشاطات (الحركات) التي يقوم بها الأطفال، ودقّقوا في دوافعها وأهدافها، فإنّ هؤلاء الوالدين سيجدون عكس ما يعتقدون أو يتصوّرون. فتوق الطفل بصورة عامة، والصغير بصورة خاصة، إلى تفحّص الأشياء أو القيام ببعض الأعمال التي لا يرضى الأهل عنها –أحياناً- ليس إلاّ من قبيل الميل الطبيعي إلى الاطلاع والاكتشاف، والمعرفة.. وهذا كلّه مغاير تماماً لرغبة الطفل في إثارة غضب الوالدين، أو إظهار العناد وعدم الطاعة، كما يتصوّر الكثير من الآباء والأمهات، ويتّخذون تجاهها مواقف متشدّدة.

    والخلاصة، إنّ مظاهر سلوك الطفل من خلال نشاطه الحركي الزائد، ليست حالة مقلقة، بل هي حالة طبيعيّة تميّز الأطفال جميعهم في سنّ ما قبل المدرسة. وهذا يقتضي من الوالدين التعامل مع الأطفال بوعي ودراية، وعدم حرمان الأطفال من النشاط الحركي الضروري لنموّهم الجسدي والعقلي وأيضاً النفسي، وذلك من خلال تنظيم لعب الأطفال ونشاطاتهم، ومراقبتهم وتوجيههم إلى أفضل وسائل التعامل مع الأشياء والألعاب المختلفة، بما يضمن متعنهم وسلامتهم.

 11- مبادىء العلاقة الزوجيّة :

    ســؤال:

   " لا شكّ أن للعلاقة الزوجيّة أهميّة كبيرة وأساسيّة في بناء الأسرة السعيدة.. فما هي المبادىء العامة التي تستند إليها هذه العلاقة، في إطار التكامل بين الزوجين.؟"

          جــواب:

   تكتسب العلاقة الزوجيّة أهميتها من المبادىء التي تنطلق منها، والأهداف التي يجب أن تصل إليها، والمتمثّل في بناء المؤسسّة الأسرية على أسس سليمة تضمن نموّها وتماسكها واستمراريتها، في إطار البنية الاجتماعية العامة. وهذه من المسؤوليات الأساسيّة للزوجين.

    ولكي تكون العلاقة الزوجيّة إيجابيّة / قوية، تضمن نجاح الزوجين في أداء المهمّة الملقاة على كاهلهما، لا بدّ أن تستند إلى الأمور التالية:

1- تفهمّ كلّ من الزوجين طبيعة الآخر واحتوائها، لأنّ في ذلك التفاهم، البلسم الشافي لكثير من المشكلات التي تحدث بينهما.. وهو بالتالي التربة الخصبة لتنامي المشاعر الصادقة، فيكون الاحترام بين الزوجين متبادلاً ومن رؤية متكافئة، بحيث لا ينظر إلى احترام الزوجة زوجها وتقديره الزائد على أنّ خضوع له.. كما لا ينظر إلى احترام الزوج زوجته وتقديره لها، على أنّه ضعف في الرجولة، وإنّما هو تعبير عن إرادة الرجولة بعينها.

2-عدم نقل متاعب عمل الزوجين، أو أحدهما، ومشكلاته إلى أجواء الأسرة، وتغريغ الضغوطات الناجمة عن ذلك على الزوج أو الزوجة، أو على الأبناء.. بل يجبّ تجنّب هذه الأمور ما أمكن، بحيث يقوم كلّ من الزوجين بمساعد الآخر في التخفيف من هذه الضغوطات، واستيعاب آثارها ومعالجتها بهدوء ومودّة، في إطار الشراكة الأسرية.

3- تجنّب نظر أحد الزوجين إلى عيوب الآخر والتشهير بها،  في حالات الغضب أو الاختلاف، ولا سيّما أمام الأبناء، بل النظر دائماً إلى الجوانب الإيجابية والإشادة بها. وبذلك تبقى العلاقة الزوجيّة سليمة، يسهل معها حلّ الخلافات التي قد تحدث، مهما كان نوعها وشدّتها.

  ومن الجدير تأكيده، أنّ على الزوجيّن أن يتذكّرا دائماً، أنّ الصدق والصراحة والمودّة، هي من الأسس التي تبنى عليها الثقة المتبادلة فيما بينهما.. وأنّ المهمّات الأسرية التي يقومان بها، أمانة مقدّسة يتوجّب عليهما العمل المخلص والدؤوب، من أجل تأديتها وصيانتها.

                                           12- وضع التلفاز في غرفة الطفل :

       ســؤال:

   " طفل في الحادية عشرة من عمره، يطلب أن يوضع تلفاز في غرفته بحجّة أن الكثيرين من رفاقه يفعلون ذلك.. فهل الاستجابة لطلب الطفل سليمة من الوجهة التربوية؟  "

    جــواب:

     تعدّ هذه الظاهرة من المشكلات التي تواجهها بعض الأسر، في العصر الحاض، ولا سيّما عندما يبدأ الأبناء من سنّ المراهقة، حيث يميلون إلى الاستقلال والانفراد بنشاطاتهم الخاصّة. وثمّة نقاشات عديدة وحسّاسة، وآراء كثيرة ومتباينة بشأن هذه المسألة، وإن كان الاتّجاه الأكثر سيادة، هو رفض الفكرة تماماً.

    إنّ وضع تلفاز خاص في غرفة الطفل أو المراهق الصغير، أو جهاز إعلامي آخر، هو فكرة خاطئة من الوجهة التربوية، وإن كانت لها استجابة نفسيّة.. والسؤال: لماذا؟ وأين الخطأ في ذلك؟ والجواب هنا، متعدّد الأبعاد.

    إنّ وضع تلفاز في غرفة الطفل / المراهق الخاصة، يجعل من الصعوبة بمكان مراقبة ما يشاهد، وكميّة الوقت الذي يقضيه في المشاهدة؟ وكم تمنعه هذه المشاهدة من إنجاز واجباته الدراسيّة، أو من الوقت الذي يجب أن يكون فيه مع أفراد أسرته؟ وبالتالي كم يقلّل وجود الطفل / المراهق مع التلفاز من تمتين العلاقات الأسرية / الاجتماعية؟ وما يتبع ذلك من العزلة (الفردانية) التي يعتاد عليها داخل الأسر وخارجها؟!

    وعلى الرغم من المعارف والعلوم المختلفة التي يجنيها الطفل / المراهق، من مشاهدة التلفاز، فإنّ الأسباب السابقة الذكر، بأبعادها الذاتية والاجتماعية، تؤكّد الاعتقاد (المبدأ التربوي) بأنّه ليس من المناسب البتّة، أن يخصّص الوالدان تلفازاً أو حاسوباً، في غرفة الطفل / المراهق (المراهقة) وإن كان بعض الأصدقاء يمتلكون مثل هذه الأجهزة في غرفهم، سواء أدرك والدوهم مخاطرها أو لم يدركوا..

    ويبقى للوالدين –على أية حال –، اتّخاذ القرار الواعي بهذه الشأن، والمستند إلى تقديرهما  الوضع الأسري العام، وما يمكن أن يتعلّمه الابن/ الابنة من المعارف والقيم والسلوكات، التي يرغبون فيها، وليس ما يرغبها الآخرون.

                                13- رفض الطفل تناول الطعام بنفسه :

    ســؤال:

   " طفل في السادسة من عمره، يرفض أن يتناول الطعام بنفسه بحجّة أنّها لا يستطيع ذلك. فهل يعاني الطفل من مشكلة؟ وكيف يتعامل معه الوالدان..؟ "

    جــواب:

   إنّ مسألة تعويد الطفل على القيام ببعض الأعمال الخاصة به، ومنها تناول الطعام، وفي وقت مبكر، تعدّ أمراً بالغ الأهميّة بالنسبة للطفل والأسرة على حدّ سواء. لأنّ في تلك العادة تنمية لسلوك الاعتماد على الذات. وهذا ما يمنح الطفل المتعة والسعادة في إنجاز أي عمل يقوم به.

    ولكن، ممّا يؤسف له، أنّ الكثيرين من الوالدين ولا سيّما الأمهات، يهملون هذه المسؤوليّة بذريعة أنّ الطفل (الطفلة) غير قادر على ذلك، أو حتى لا يؤذي نفسه أو يتلف بعض الأدوات التي يستخدمها.. على الرغم من فضول الطفل ومبادرته –في كثير من الأحيان- لاستخدام أدوات الطعام، كالإمساك بالملعقة أو السكين، أو كأس الماء.. وغرها.

    ولكنّ المشكلة ليست في الطفل، بل في تعامل الوالدين معه.. فإذا ما أخطأ في هذا الاستخدام أو تعثّر، فإنّه يلقى التأنيب العنيف أو العقاب الشديد، كالضرب على يديه أو حرمانه من الطعام.. فلا يعود إلى المبادرة الذاتي مرّة أخرى، وقد يصل إلى سنّ السابعة وهو يخشى أن يتناول الطعام بنفسه، لأنّه اعتاد على أمّه في قضاء هذه الحاجة.

    أمّا وقد أصبح الوضع مشكلة بالنسبة للطفل والأهل، وليس لديه أيّة أسباب عضوية أو نفسيّة تمنعه من القيام بهذه  المهمّة، فإنّ حلّ المشكلة يكمن في إلزام الطفل-تدريجيّاً- على القيام بتناول طعامه بنفسه، وبلا مساعدة من أحد، حتى وإن امتنع عن ذلك في البداية، ليصل إلى درجة الجوع الشديد.

     ولا ضير في وضعه أولاً في مكان خاص يتناول فيه الطعام بعيداً عن المراقبة المباشرة التي تسبّب له الإحراج والإرباك من خلال تناثر بعض الأطعمة.. ومن ثمّ ينقل –بالتدريج-إلى تناول الطعام مع أحد أخوته المقرّبين إليه، وبعد ذلك مع أفراد الأسرة مجتمعين، على أن تترافق كلّ خطوة بالتشجيع والتعزيز، مهما كان حجم تقدّم الطفل فيها.. وبذلك يصل الطفل إلى متعة اعتماده على ذاته، ويكتسب ما يسمّىب(آداب الطعام).

                                           14- الطفل والعبقريّـة :

     ســؤال:

   " طفل في العاشرة من العمر، يتمنّى أن يكون عبقريّاً.. فهل العبقريّ تحتاج إلى ذكاء خارق؟ أم يمكن أن توجد عند الأشخاص العاديين في ذكائهم..؟

    جــواب:

   لا أحد ينكر أو يتجاهل، أنّ الطموح عامل أساسيّ من عومل تحقيق الأهداف التي يسعى إليها الشخص، ولا سيّما إذا كان الطموح موضوعيّاً، معقلناً، بحيث يستطيع الشخص أن يتعامل معه وينجزه بالشكل المطلوب، أو بالشكل الذي يتمنّها.

   وطموح الطفل الذي يتمنّى أن يكون عبقريّاً أو مبدعاً، أو عالماً، يستحقّ التقدير والتشجيع، وينال الرعاية والاهتمام، من داخل الأسرة ومن خارجها في المؤسّسات التربوية، لكي يتمكّن من البحث والمثابرة في التحصيل، ويستطيع بالتالي أن يحقّق رغبته وأمنيته. ولا سيّما أنّ المبادرة والمثابرة، من الصفات الأساسيّة للشخص العبقري الذي يأتي بشيء جديد لم يسبقه إليه أحد.

     يقول / سيمنتون Simenton / في كتابه " العبقريّة العلميّة ": " إنّ العباقرة هم الذين يبدعون توليفاً حديثاً، لم يتوصّل إليه الأذكياء والموهوبون.." وهذا يعني، أنّ العبقريّة لا تحتاج إلى ذكاء خارق، وإن كانت أرقى مستوى من الموهبة. كما أنّها ليست موروثة كالذكاء، وإنّما يمكن اكتسابها وإنتاجها، حتى لدى الأشخاص العاديين، إذا ما توافرت لهم الظروف المحرّضة، والمعطيات المعزّزة للعمل والإنجاز..!

    ومن هذا المنطلق، يقول / مايكل هاو / عالم النفس البريطاني: " إنّ العباقرة يُصنعون ولا يولدون عباقرة.. وإنّ سرّ العبقرية يكمن في العمل الدؤوب، وليس في المواهب الفكرية فحسب.." وبناء على ذلك، فإنّه يمكن لأي طفل / شخص  أن يكون عبقريّاً إذا ما امتلك مقوّمات العبقرية، من قدرات عقلية واستعدادات نفسيّة، في إطار العوامل الخارجيّة التي تتيح له توظيف هذه القدرات والاستعدادات بفاعلية عالية.. وهذه مسؤولية الأسرة بالدرجة الأولى.

                                       15- التنشئة الاجتماعيّـة :

      ســؤال:

   " يتردّد على ألسن المختصّين، مصطلح (التنشئة الاجتماعيّة) ما معنى هذا المصطلح؟ وما علاقته بالتربية العامّة؟

   جــواب:

    يعرّف الإنسان بأنّه: كائن اجتماعي بطبعه.. وهذا يعني أنّ الصفة (الظاهرة) الاجتماعيّة ملازمة للإنسان، ككائن وكنوع، بحيث لا يستطيع أن يعيش حياته بمتطلّباتها وأبعادها، إلاّ ضمن جماعة (مجتمع) من أبناء جنسه. ولذلك نجد أنّ إعداد الكائن البشري ليكون عضواً اجتماعيّاً كاملاً، هو من أهداف التربية العامة، ومهامها الأساسيّة. وهذا ما يعرف بالتنشئة الاجتماعية، أو (التطبيع الاجتماعي).

    فثمّة علاقة عضوية بين التربية والتنشئة الاجتماعيّة؛ فالتربية بمفهومها العام، هي تحويل الكائن البشرى/ الطفل، من الحالة البيولوجيّة إلى الحالة الاجتماعيّة.. أي تحويل هذا الكائن إلى شخصيّة متكاملة، باعتبار أنّ الشخصيّة تعبّر عن الجوهر الاجتماعي للإنسان. وذلك لأنّها تمتلك خبرات واسعة من المعارف والقيم والاتجاهات، والمعايير الاجتماعيّة التي تمكّن صاحبها من التكيّف مع المجتمع الذي ينتمي إليه، ويتفاعل معه بصورة إيجابية.

    أمّا التنشئة الاجتماعية، فتعرّف في إطارها العام، بأنّها عملية تفاعل الكائن البشري، بما لديه من استعدادات وراثية، مع البيئة التي يولد فيها ويعيش.. حيث يتمّ من خلال هذا التفاعل نموّه التدريجي وتكوّن شخصيّته المتفرّدة من جهة، والمندمجة مع الجماعة من جهة أخرى.. ويكون الضبط الاجتماعي محور عمليّة التنشئة (التطبيع) الاجتماعية، حيث يبدأ هذا الضبط منذ مساعدة الطفل الصغير في ضبط عمليات التبّول والتبرّز، وإلى ضبط إشباع حاجاته وانفعالاته بما يتّفق والمعايير الاجتماعية، ومن خلال الأوامر والنواهي، والكفّ والتعزيز.

    وتشتمل عمليّة التنشئة الاجتماعيّة، في إطار التربية العامة، على تعلّم محبّة الآخرين واحترامهم، والتعاون معهم.. والتقيّد بآداب السلوك العامّة، ومراعاة أنظمة المجتمع  وقوانينه، وغير ذلك من أساليب التعامل والصلات الإيجابية / السليمة، مع الآخرين من أبناء المجتمع. وتقع مسؤوليّة هذه التنشئة عللا عاتق المؤسّسات الاجتماعيّة/ التربوية، بدءاً من الأسرة  وانتهاء بأعلى مؤسّسة تعنى بالتربية.

 16- طموح الوالدين والأبناء :

      ســؤال:

   " يقول بعض الوالدين: كان لدينا طموح ما، ولم نستطع أن نحقّقه بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا.. ونريد أن نحقّقه في أبنائنا. فإلى أي مدىً يمكننا ذلك؟! "

   جــواب:

    الطموح أو عظيم جدّاً، وهو متاح ومشروع لكلّ إنسان إذا ما استطاع إليه سبيلا..ويحقّ للآباء أن يوقدوا جذوة الطموح لدى أبنائهم. ولكنّ الطموح –في الوقت ذاته-ينطوي على أمر خطير جدّاً، إذا لم يأخذ الوالدون في الحسبان، ميول الأبناء واستعداداتهم وقدراتهم، التي تتوافق مع هذا الطموح أو ذاك، أو لا تتوافق البتّة.

     فالوالدون-بصورة عامّة – لا يريدون لأحد أن يكون أفضل منهم، وفي كلّ شيء، إلاّ أبناءهم.. ولذلك، تراهم يعملون ما بوسعهم لتحقيق أحلامهم من خلال أبنائهم، وهذا أمر طبيعيّ بالنسبة للوالدية الحقيقيّة، واستمراريتها في الأبناء بصورة يرضى عنها الوالدون ويرونها أكثر تقدّماً لطموحاتهم المشروعة. ويجاهرون ذلك يتباهون، ويقولون في أي أمر من الأمور: "إذا كنّا لم نستطع أن نبلغه، فليبلغه إذن أبناؤنا.."  

    ولكنّ هذا الطموح قد يصل عند الوالدين إلى حدّ المغالاة المطلقة، عندما يقولون على سبيل المثال: " سيكون  أبناؤنا أفضل وأهمّ من الناس الآخرين جميعهم.." وعندها يكون الخطأ التربوي / النفسي في اتّجاهين: فإمّا أن تكون قدرات الابن (الابنة) لا تؤهّل لتحقيق هذا الطموح الوالدي الكبير، فيفشل كلّ منهما وينشأ ضعيف الإرادة، وعديم الثقة بنفسه.. وإمّا أن يصل به الغرور إلى حدّ التعالي الأجوف، والقسوة في التعامل مع الآخرين، والأنانية والإغراق في حبّ الذات.

   ولذلك، تحتاج المسألة –في هذه الحال- إلى عقلنة هذه الطموحات، بنقلها من الآباء إلى الأبناء من خلال تعرّف الآباء قدرات الأبناء، واستعداداتهم الجسدية والعقلية والنفسيّة، وبالتالي إدراك مستوى الطموح لديهم أو ما يسمّى (عتبة الطموح الفارقة)، والذي يمكنه أن يحرّك قابلياتهم ويفعّلها في الاتّجاه المطلوب، مع توجيه الوالدين وتقديم المساعدة المطلوبة.

   ولكن، يبقى العامل الأهم في هذا المجال، وهو التوفيق بين ما يريده الآباء وما يريده الأبناء.

 

تعليقات

  1. سبحان الله والحمدالله والاالله الا الله والله اكبر

    ردحذف
  2. سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر

    ردحذف

إرسال تعليق

مرحبا بتعليقك عبر عن رائيك شاركنا....

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مفهوم التربية الأخلاقية وأهدافها واهميتها طرائقه

  أولاً- مفهوم التربية الأخلاقية وأبعادها  يجمع المربون على أنّ تنمية القيم الأخلاقية في نفوس الناشئة، جزء أساس من عناصر التربية العامة، وأنّ كلّ تربية تخلو من العناصر الأخلاقية، ما هي إلاّ تربية عديمة الجدوى.  فتربية الشخصية المتكاملة والمتوازنة، لا تتحقّق إلاّ مع التربية الأخلاقية السليمة، باعتبار أنّ الأخلاق إذا ما تأصّلت في ذات الفرد، تصبح قوّة دافعة للسلوك والعمل والتعامل الإيجابي والفعّال.  وانطلاقاً من هذه الأهميّة للأخلاق والقيم والأخلاقية، فقد جهد الباحثون والدارسون، في إعطاء مفهومات للتربية الأخلاقية، من جوانبها المختلفة.  فعرّفت التربية الأخلاقية من حيث تعليم القيم الأخلاقية، بأنّها: التعليم المباشر وغير المباشر للأخلاق بهدف التعرّف إلى قيمة السلوك الخيّر أو الخُلقي، في ذاته من جهة، وبالنسبة للأفراد والمجتمع من جهة أخرى، وتحليل المبادىء التي تتحدّد في ضوئها هذه القيمة أو تلك..  أي أنّ التربية الأخلاقية هي: تعليم المبادىء الأخلاقية وممارستها، أو هي تكوين بصيرة  أخلاقية عند الطفل / الفرد، يمكنه بها التمييز بين سلوكي الخير والشرّ.  ...

العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية

     تمتاز التربية الأسرية بأنّهما عمليّة نفسيّة – اجتماعية، يخضع لها الفرد (الكائن البشري) من ولادته حتى نضجه، حيث يصبح شخصاً اجتماعيّاً كامل الصفات والموجبات اللازمة لعضويته الاجتماعيّة.وتقوم هذه العملية على التفاعل بين الطفل والأسرة، من خلال مجموعة من الروابط والعلاقات التي تنظّم حياة الأسرة، وتحدّد دور كلّ فرد فيها..وثمّة عوامل مؤثّرة في هذه العلاقات، تتمثّل في أوضاع الأسرة: (العاطفية والأخلاقية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية)، حيث تتفاعل هذه العوامل فيما بينها، لتشكّل طبيعة النظام الأسري الذي ينعكس بدور على تربية الأبناء وتنشئتهم، بصورة إيجابية أو سلبيّة.     فما   الأوضاع الأسرية التي تؤثّر في التربية الاجتماعيّة؟ وكيف تتعامل معها الأسرة؟      أقراء أيضا :العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية أولاً- الوضع العاطفي للأسرة :         يختلف تأثير الأسرة في النمو الاجتماعي للفرد،   تبعاً لنوع الأسرة   والعلاقة العاطفية التي تربط بين أفرادها، إيجاباً أو سلباً. فعلاقة الطفل بالأب في سنو...

مرطب للبشرة

 المكونات خذي بياض بيض   ملعقة حليب  ملعقة عسل طريقة العمل واخلطيها جيدا وضعيها على الوجه لمدة 15 دقيقة ثم اغسلي وجهك  أقراء ايضا للحصول على شعر أسود لامع  وصفه مضمونه ومجربه لعمل رموش كثيفة  مرطب طبيعي للشفاه  طريقة العناية بالقدمين  وصفة لزيادة الوزن الطبيعي من 5 الى 7 كيلو فى الشهر وصفه مجربه لزياده الصدر مرطب طبيعي  لاطاله الشعر في شهر ونصف  اكليل الجبل لعلاج قشرة الشعر الدهني  وصفه لشد الوجه  وصفه لبشره صافيه و نقيه للحصول على اظافر قويه وصلبه وصفة لتكثيف الشعر  لشعر ناعم كأنه مستشور طريقه عمل زيت مساج في المنزل  مرطب طبيعي للوجه لبشرة كالحرير  طريقة تفتيح  وتنعيم الكوع والركبة تنعيم وتفتيح اليدين  طريقة نفخ الشفاه في المنزل  طريقة عمل ماسك لشد الوجه  ماسك للبشره الدهنيه  فوائد بياض البيض للبشره  توجد العديد من الفوائد التجميلية لبياض البيض منها  أنه يحارب حب الشباب  يصغر المسامات الكبيره   يقوم بالتخلص من الرؤوس السوداء يمنع انتفاخ منطقه حو...