بحث عن بعض الاضطرابات الانفعالية (الغضب - الاكتئــاب _ الخجــل _ العــدوان - الغيرة والأنانية )ودور الأسرة في التعامل معها ومعالجتها
يتعرّض النمو
الانفعالي / الوجداني، عند بعض الأطفال، كما هي الحال في جوانب النموّ الأخرى، إلى
اضطرابات تسبّب بعض الحالات التي تخرج هذا النمو عن الحدود الطبيعيّة، حيث تظهر
هذه الحالات في تعبيرات جسدية وحركية وسلوكية، تختلف بصورتها وشدّتها عمّا هو
مالوف في الاستجابات العادية، والتي تظهر
في الحالات الوجدانية السوية، كما تنطوي على خبرات شعورية تختلف بطبيعتها عن
المشاعر الطبيعيّة.
لا شكّ أنّ
مثل هذه الانحرافات الانفعالية، تلفت انتباه المحيطين بالطفل، ولا سيّما أفراد
أسرته ومعلميه إذا كان في سنّ المدرسة، فيشعرون بالقلق تجاهه، ويشاطرونه معاناته،
ويقومون باتخاذ مواقف سليمة تساعده في الخروج من المأزق والعودة إلى الحالة
الطبيعية.. وربّما يظهرون الانزعاج من تصرّفاته، الأمر الذي يثير مشاعره ويسيء إلى
حالته الوجدانية ويزيدها اضطراباً..وهنا تكبر المعاناة ويصبح الوضع الانفعالي /
الوجداني عند الطفل، أكثر تعقيداً وصعوبة.
وسنحاول في هذا المقال التعرّف إلى بعض هذه الاضطرابات الانفعالية، ودور الأسرة في التعامل معها ومعالجتها.
أقراء ايضأ :التربية الانفعالية / الوجدانية في الأسرة
أولاً- الغضـب :
يعدّ
الغضب من الحالات الانفعالية الشائعة عند الأطفال، وما نوبات الغضب التي تصيب بعض
الأطفال، إلاّ حالة طبيعيّة وعامة بصرف النظر عن الثقافة التي يعيشون فيها. فلا
ينظر إلى هذه النوبات على أنّها ذات صبغة مَرَضية، ولا ترتبط بسوء السلوك العام،
كما أنّها لا ترتبط باضطراب المزاج إلاّ بعلاقة ضعيفة جدّاً.. فالغضب عند الطفل ما
هو إلاّ انجار عاطفي ينتج عن خيبة أمل عارمة يشعر بها الطفل؛ ولذلك يخرج الغضب
بهذه الصورة عن نطاق تحكّم الطفل في ذاته..
وبناء على طبيعة هذا الغضب، فقد قسّم بعض الدارسين مظاهر الغضب عند الأطفال إلى ثلاثة أقسام، تتدرّج في حدوثها على النحو التالي:
1- تفريغ الشحنة الانفعالية
للغضب بطريقة عشوائية، وذلك في مرحلة المهد.. ويتمثّل ذلك في صراخ الطفل وإلقاء
نفسه على الأرض.
2-المقاومة الحركية او
اللغوية، وتتمثّل في رفض الطفل تلبية ما يراد منه، بالكلام أو بالحركة وهذا تعبير عن غثبات الوجود.
3- الانتقال إلى التصرّف
الهجومي، ويتمثّل في توجيه السباب والشتم، أو العض أو الضرب والاعتداء.
ولكّن عدد مرّات الغضب
تأخذ في التناقص مع تقدّم الطفل في العمر، ممّا يجعله أكثر واقعية وتفهّماً
للمواقف الاجتماعية، فيلجأ إلى التعبير عن ألمه وضيقه بمظاهر أخرى غير الغضب.
ومهما كان شكل التعبير عن الغضب، فعلى الوالدين أن يدركا أنّه ظاهرة طبيعية، وأن
يتعاملا مع الطفل بمودّة وتعاطف لكي لا تطول مدّة غضبه.
1-
أسباب نوبات الغضب عند الأطفال:
بما أنّ الغضب
ليس حالة دائمة يعيشها الشخص، وليس حالة وراثية خاصة في تكوينه الجسدي والنفسي،
وإنّما هو حالة طارئة تحدث بفعل مثيرات خاصة، وتتكرّر مع تكرّر هذه المثيرات،
فثمّة أسباب إذن لحدوث الانفعال، ومن أبرز
هذه الأسباب:
1/1- السلطة الوالدية:
يقوم الوالدون في
أحيان كثيرة، بتثبيط عزائم أبنائهم وهم يحاولون ممارسة نوع من التحكّم يتيح لهم
بسط سلطتهم الكاملة على الأبناء. وهذا أمر يتعارض،إلى حدذ بعيد، مع إحساس الأطفال
بضرورة نيلهم الاستقلال الذاتي، حيث تبدأ تلك النزعة بعد سنّ الثالثة؛ فيقع الطفل
في تناقض حادّ أحياناً، بين النزعة إلى الاستقلال وحاجته إلى المساعدة من والديه..
وتصبح أية محاولة من أحد الوالدين للتحكّم – بصورة مباشرة -في تصرّفات الطفل،
تؤدّي إلى نوبات الغضب.
فنجد الطفل على سبيل المثال، يقاوم أية محاولة من الأم لمساعدته في ارتداء ملابسه، أو إلزامه بطعام معيّن، وإذا ما شعر بأنّ أمّه تستخدم قوّتها أو ذكاءها لتهزمه، فإنّه سيثور وتنتابه نوبة من الغضب، تتناسب في شدّتها مع الموقف الحاصل.
1/2- العلاقات الأسرية العامة:
ترتبط العلاقات
الأسرية بنوع السلطة الوالدية، ولكنها أوسع منها من حيث الأبعاد والتأثيرات
الفردية والجماعية. فالعائلات التي تسودها التوتّرات الانفعالية بسبب العلاقات
الأسرية غير السليمة، تعاني من مشكلات السيطرة أو الخضوع بين الزوجين، أو عدم قدرة
الزوجين على التغلّب على الخلافات بينهما وعدم التعاون والاتفاق حول تربية الطفل،
وهذه عوامل تؤثّر تأثيراً سلبياً في الصحة النفسيّة للطفل، وتوصله إلى التوتّر
والانفعال الشديدين اللذين قد يظهران في صور متعدّدة، كالغضب أو العناد أو
التشاجر، وعندها يصعب التعامل معه.
1/3-الحالة
الصحيّة للطفل:
لا شكّ في أنّ
ضعف الحالة الصحيّة للطفل قد تكون سبباً في إحداث نوبات من الغضب، ولا سيّما إذا
تكرّرت إصابته ببعض الأمراض التي تسببّ الضيق والانزعاج، كالزكام أو التهاب
اللوزتين أو عسر الهضم... كما تؤثّر التشوّهات الخَلقيّة على نفسيّة الطفل وموقفه
تجاه العالم المحيط به، فيشعر بالنقص والعجز وضعف الثقة بالنفس، وصعوبة الحياة،
لعدم قدرته على عمل ما هو مطلوب منه. وقد يصل به الأمر إلى حدّ الشعور بأنه مكروه
من الناس، فيزداد توتّره الداخلي الذي يعبّر عنه بنوبات غضب تثار لأبسط
الأسباب.
ولا بدّ من
الإشارة إلى أنّ الطفل الذي يصاب بنوبات الغضب، قد يعتريه الفزع (الهلع) ويفقد– في
معظم الأحيان- الوعي وعدم التركيز
والإدراك، ولذلك فإنّ محاولة زجره واستجدام الشدّة في ثنيه عمّا يفعله، والكّف عن
تصرّفاته، هي من الأساليب عديمة الجدوى. والأهم من ذلك كلّه أن يتمتّع الوالدان
بالهدوء والتأكّد من أنّ الطفل لا يؤذي نفسه وهو في نوبة الغضب.
أقراء ايضأ : العـاطفـة فى الأسرة
2- دور
الوالدين في مواجهة غضب الأطفال:
يلاحظ أنّ
معظم أسباب الغضب التي ذكرت آنفاً، هي أسباب خارجة عن طبيعة الطفل، وتحتلّ الأسرة
الدور البارز في إحداثها، وهذا يتطلّب من
الوالدين بالدرجة الأولى أن يدركا المسؤولية التربوية الملقاة على عاتقهما، في
التعامل مع الأبناء وتأمين حاجاتهم النمائية، بما في ذلك الرعاية الصحيّة
والنفسيّة، لوقاية الأطفال من كلّ ما سبب لهم نوبات الغضب، ويؤثّر سلباً في حالتهم
الانفعالية / الوجدانية.
ونبيّن فيما يلي أهم الإجراءات التي تقوم بها الاسرة للتغلّب على غضب الأطفال:
1- عدم ترك المجال الطفل في
أثناء غضبه، لكي يؤذي نفسه أو يؤذي غيره؛ ومن الأفضل في هذه الحال أن يقوم أحد
الوالدين بإمساك الطفل ومنعه من الحركة في أثناء الهيجان. لأنّ الطفل إذا فعل ذلك
واكتشف نتائجه فيما بعد، سيشعر بأنّه فقد السيطرة على نفسه، وربّما أخذ إجراءات
عقابية ذاتية.
2-عدم مقابلة الغضب بالغضب،
وإن كانت المسألة صعبة في بعض الأحيان. فالكثير من الآباء والأمهات يفقدون السيطرة
على أعصابهم، ويصرخون بغضب في وجه الأبناء الذين يعانون من نوبات الغضب.. لأنّ
العقاب في أثناء فترة الغضب لن يكون له أي تأثير يذكر في تخفيف الحالة، بل على
العكس من ذلك، فقد يزيد من غضب الأبناء في الشدّة والتأثير.
3- ألاّ
يسمح الوالدان لغضب الطفل -بحال من الأحوال – أن يؤثّر على سلوكهما نحوه، فيرضخا
للأمر الواقع من أجل معالجة غضبه. لأنّ الطفل في هذه الحال، سيشعر بأنّه استطاع أن
يستغلّ نوبة غضبه لتحقيق أغراضه الخاصة..
والأمر الأكثر أهمية بالنسبة للوالدين، هو التركيز على الرسالة التي يرغبان في إيصالها إلى الطفل، وهي أنّ صراخه لا يثير اهتمامهما أو غضبهما، وبالتالي فهو لن يحصل على طلبه بهذا الصراخ والانفعال.وفي المقابل، عليهما إذا توقّف عن الصراخ والغضب، أن يبيّنا له أنّ سعادتهما في هدوئه، وأن يشرحا له كيف يجب أن يتصرّف لكي يحصل على ما يريد، فيكون ذلك مريحاً له ولهما، على حدّ سوء
ثانياً- القلـق
يعرّف
القلق بوجه عام، بأنّه الشعور بالتوتّر أو الاضطراب، الذي يترافق بالاكتئاب والحزن
أو بالضيق وعدم الارتياح، تجاه مشكلات متوّقعة؛ فالطفل قبل سنّ الثالثة- على سبيل
المثال- قد يشعر بالقلق حول أذىً جسدي قد يلمّ به، أو حبّ يفتقده، أو شكّ بعدم القدرة على التعامل
مع الأحداث التي يواجهها..
ويؤّكد
علماء النفس، وفي مقدّمتهم / سيجموند فرويد / أنّ القلق يصدر عن الطاقة المكبوتة
لدى الطفل، حيث يتحوّل من الموضوع الأصلي إلى موضوعات أخرى بديلة ذات صلة بحياة
الطفل اليوميّة؛ فينشأ هيّاباً متردّداً، ضعيف القدرة على اتخاذ القرار تجاه
المواقف الحياتية، ويكون بالتالي اتكالياً، منزوياً، منسحباً من الحياة
الاجتماعية...ولذلك يعدّ القلق بحدّ ذاته، مدخلاً لكلّ الأمراض النفسية، حتى قيل
عنه إنّه المادة الخام لكلّ الأمراض النفسيّة التي تظهر عند الأطفال
والقلق عند
الطفل، يأخذ أشكالاً متنوّعة قد تؤدّي مستقبلاً- فيما لو استمرّت – إلى أن تكون
شخصيّة الطفل / الفرد، شخصية عصابية مضطربة، بدلاّ من أن تكون سوية هادئة، قادرة
على التعامل مع المواقف المختلفة بوعي وتروٍّ، وبردود أفعال طبيعية.
1- أسباب
القلـق عند الأطفال:
إذا كان القلق
شعوراً بالتوتّر والاضطراب، ناجماً عن طاقة مكبوتة لا يستطيع الطفل أن يظهرها،
سواء كان ذلك ضعفاً في شخصيته أوخوفاً من عقاب
متوقّع، فإنّ للقلق أسباب كثيرة من أهمّها:
1/1- فقدان
الشعور بالأمن: وينجم ذلك عن الممارسات الوالدية التالية:
2/1عدم الثبات في معاملة
الوالدين للطفل، وتقلّب آرائهما حول تصرّفاته وسلوكاته.
2/1- التسيّب والإهمال، ممّا
يؤدّي إلى شعور الطفل بعدم الأمن، فتضعف ثقته بنفسه ويزداد قلقه.
3/1- النقد الدائم للطفل،
ومقارنته مع الأخوة أو أبناء الأقارب والجيران، الأمر الذي يؤدّي إلى القلق نتيجة
الشعور بالنقص والدونية.
4/1-الكمال الزائد الذي يطلبه الوالدان من الطفل، حيث تكون توقّعات الآباء أكبر من قدرة الأبناء على تحقيقها؛ وهذا يطوّر حالة من الاضطراب والتوتّر، نتيجة لعدم قدرة الطفل للوصول إلى مستوى التوقّعات.
5/1- وهناك الثقة الزائدة بالأبناء، والتي ترتبط بالكمال الذي يطلبه الآباء؛ فالنظرة إلى الصغار وكأنّهم أصبحوا كباراً، وطرح المشكلات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية أمامهم، يجعلهم يشعرون – في سنّ مبكرة- بالعبء الكبير وبالمسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقهم،. الأمر الذي يثير قلقهم على وضع لا طاقة لهم به.
2- الشعور بالإحباط والذنب:
إنّ عدم احترام شخصيات الأبناء وتقدير أعمالهم وتعزيزهم ومكافأتهم على سلوكاتهم السوية، يولّد أنواعاً مختلفة من الإحباط قد يصل بعضها إلى حدّ اليأس والفشل.. وفي المقابل، قد يصاب الأطفال بالقلق عندما يشعرون بأنّهم لا يستطيعون تأدية الواجب المطلوب منهم، وأنّهم تصرّفوا بطريقة غير سليمة، ويتوقّعون العقاب عليها.
3- تقليد الوالدين:
إنّ القلق
كغيره من الحالات الانفعالية، هو شعور مكتسب، ولذلك يكون لتصرّفات الوالدين تجاه
القضايا الاسرية والحياتية من الأمور الأساسية التي تولّد القلق عند الأبناء..وبما
أنّ الوالدين يمثّلان القدوة في نظر الأبناء، فإنّ الأب الذي يعاني من القلق
الدائم، لا شكّ أنّ أبناءه أو بعضهم، سيكونوا قلقين أيضاً، بحكم الحياة المشتركة
والتقليد والممارسة.
أمّا علماء
النفس فقد حصروا هذه الأسباب في سببين
أساسيين، هما:
1- الأخطار الموجودة في الحياة
الواقعية التي يعيشها الطفل.
2- توقّع العقاب نتيجة التعبير عن رغبات ممنوعة، كالرغبة الجنسية أو العدوانية.
ويميل علماء السلوك إلى
تأييد السببين السابقين، فهم يرجعون القلق إلى عملية الفهم، ويركّزون على الصراعات
بين التوقّعات والاعتقادات، والمواقف والمدركات، والمعلومات والمفاهيم التي تقود
إلى التنافر المعرفي في تفكير الطفل وفهمه للأمور والمواقف. ومع ذلك يؤكّد العلماء
أنّ السبب الرئيسي للقلق عند الأطفال، ولا سيّما الصغار منهم، هو ولادة طفل جديد
يهددّ مركز الطفل الموجود عند أبويه، وخوفه من رفضهما له لإحلال الطفل الجديد
مكانه.
2/2-
دور الوالدين في تجنيب الأبناء الإصابة بالقلق:
يلاحظ من
الأسباب المؤديّة للقلق، أنّ معظمها يرتبط بالأسرة والعلاقات الأسرية، ولا سيّما
توفير أجواء الأمن والاستقرار وتعزيز الثقة عن الأبناء..فكثير من الشباب يعانون من
نظرة الآباء لهم على أنّهم ما زالوا صغاراً، فيحيطونهم بالرعاية الزائدة ويوجّهون
سلوكاتهم كما يريدون لهم وكما يرغبون أنفسهم، ويكون الإحباط والألم والقلق نتيجة لمصادرة
حرية التصرّف، وإعاقة الشعور بتقدير الذات..
إنّ
السيطرة الوالدية، والتدخّل المباشر في حياة الأبناء (الأطفال والشباب) يعوّقان
النموّ النفسي والاجتماعي عند الأبناء، كما يقلّلان فرص احتكاكهم مع الخبرة
المباشرة في الواقع. وهذا يحمّل الوالدين المسؤولية بالدرجة الأولى، والتي تتطلّب
منهم القيام بنما يلي:
1- توفير متطلبات الأطفال من
الرعاية والاهتمام، والمحبة والتقدير، لكي يشعروا بالأمن والاطمئنان، باعتبارهما
حجر الزاوية في إبعاد الخوف والقلق عن الأطفال.
2-مساعدة الأطفال على فهم ما
يحيط بهم من المشكلات، الخاصة والعامة، والتي تتطلّب منهم حلولاً، وعدم تركهم في
حالة من الحيرة والارتباك والإحباط.
3-تشجيع الأطفال على أن يثقوا
بأنفسهم، وعلى أن يواجهوا بعض المواقف الحياتية
بشجاعة وواقعية، وعدم الشعور بالضعف وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب.
ولا بدّ من الإشارة
أيضاً، إلى أنّه في حال ملاحظة الوالدين أنّ أحد الأبناء يعاني من حالة ما من
القلق، وتبدو عليه ملامح التوتّر أو الاكتئاب.. فإنّه من الضروري طلب استشارة نفسيّة
من طبيب أو خبير مختصّ لتحديد الحالة وأسبابها، وكيفيّة التعامل معها وعلاجها، قبل
أن يستفحل ويزداد القلق حدّة وتعقيداً، ويتحوّل إلى مشكلة يصعب علاجها، وقد ترافق
الطفل في حياته المستقبلية.
أقراء ايضأ: طبيعة الانفعال ونموّه وأنواعه
يعرّف الاكتئاب بوجه عام، بأنّه حالة انفعالية
سلبية، تتضمّن تغيّراً محدوداً في المزاج مثل مشاعر الحزن والوحدة واللامبالاة،
بحيث تكّون هذه المشاعر مفهوماً سالباً عن الذات يصل إلى حدّ توبيخ الذات وتحقيرها
ولومها، مع الرغبة في الهروب والاختفاء إلى درجة الموت.. ويترافق ذلك بتغبيرات في
مستوى النشاط كصعوبة النوم وصعوبة الأكل..
واستناداً إلى طبيعة الاكتئاب ومصادره، فقد صنّف إلى نوعين أساسيين، هما:
1- الاكتئاب ذو المنشأ الداخلي:
وهو
الاضطراب الذي ينشأ عن عوامل ذاتي خاصة بطبيعة الإنسان، وبتكوينه الشخصي، ويكون
للعوامل الورائية / البيولوجية دور كبير في إحداث هذا الاضطراب.
2- الاكتئاب ذو المنشأ الخارجي: وهو الاضطراب
الذي يحدث جرّاء المواقف التي يتعرّض لها الشخص من البيئة المحيطة، ولا طاقة له
للتعامل الإيجابي معها.. أي أنّه ناتج عن الضغوطات الحياتية، الخارجة عن قدرة
الإنسان وإمكاناته في مواجهتها.
أمّا الاكتئاب عند
الأطفال، فهو ما ينتاب الطفل من مشاعر الكآبة والحزن والسأم والعزلة وعدم السعادة،
واضطراب العلاقة مع الذات ومع الآخر، إضافة إلى انخفاض مستوى الحيوية والحركة
والنشاط. وهذا كلّه يؤدّي إلى عدم التكيّف النفسي والاجتماعي، وفقدان الأمل بالحياة.
وقد
أكّدت الدراسات النفسية أنّ الاكتئاب عند
الأطفال يسبّب الكثير من المشكلات الصحيّة والسلوكية، مثل آلام البطن والصداع،
والتبوّل اللاإرادي.. ونوبات الغضب والتعب وضعف القدرة على التركيز.. حيث تظهر هذه
المشكلات كوسائل للتغطية على الشعور بالاكتئاب، على الرغم من أنّها ناجمة عنه،
وهنا تكمن أهمية الكشف عن أسبابها
ومعالجتها.
1-
أسباب الاكتئاب عند الأطفال:
على الرغم من أنّ
الاكتئاب هو حالة خاصة من المعاناة الذاتية، فإنّ أسبابه متنوّعة تبعاً لطبيعة
الشخص والبيئة النفسيّة / الاجتماعية التي ينشأ فيها ويعيش.. ويمكن إجمال هذه
الأسباب بالأمور التالية:
1/1- تدنّي مفهوم الذات: ثمّة دراسات
عديدة أكّدت وجود علاقة ارتباط إيجابية بين الاكتئاب ومفهوم الذات، ولا سيّما
الاكتئاب الناتج عن بعض الأمراض الجسدية المزمنة؛ فقد تبيّن أن الأطفال الذين
يعانون من مرض الربو، لديهم تقدير متدنٍ لذواتهم، مقارنة مع غيرهم من الأطفال
العاديين / الأصحاء، وهذا ما يدفعهم إلى الشعور بالاكتئاب، ولا سيّما عند الإناث.
2/1- الضغوط النفسيّة: إنّ النظام الأسري أو المدرسي، الذي يقوم على المعاملة القاسية التي تعتمد العقاب والضرب والتوبيخ، يؤدّي إلى شعور الطفل بالخوف وفقدان الثقة بالراشدين من حوله، وهذا ما يؤدّي بالتالي إلى فقدان الأمن وحدوث الاكتئاب.
3/1- الإحبـاط: فالأطفال الذين لا يسمح لهم بالتعبير عن انفعالاتهم نحو الآخرين، بشكل مباشر، يميلون إلى توجيه غضبهم نحو ذواتهم، وقد يلجأون إلى الاعتداء على أنفسهم بطريقة ما، نتيجة للإحباطات المتراكمة.
4/1- فقدان الوالدين أو أحدهما: يمثّل الوالدان بالنسبة للطفل مصدر الحبّ والأمان، ولذلك فإنّ اختفاء هذا المصدر من الوجود، بفقدان الطفل أحد والديه أو لكليهما، يودي به إلى حالة من الحزن الشديد الذي يتطوّر فيما إذا لم يعوّض الطفل من أحد الأقارب، إلى الاكتئاب المرضي الذي يؤثّر في حالة الطفل الآنية والمستقبلية.
5/1- الميل إلى جذب انتباه الأخرين: يعبّر الأطفال هنا، عن شعورهم بالاكتئاب من خلال جذب انتباه الآخرين وكسب حبّهم. أي أنّ الأطفال يلجأون إلى الاستجابة الاكتئابية كوسيلة للانتقام من الكبار، بعد أن يصبحوا شديدي الغضب لشعورهم بأنّهم لا يحصلون من الكبار، على الحبّ الكافي والاهتمام اللازم.
6/1 ـ التخلّص من التوتّر: وهنا يكون الاكتئاب أيضاً وسيلة دفاعية للتخلّص من التوتّر الذي يعاني منه الطفل، وقد يكون اللجوء إلى إيذاء الجسد إلى حدّ الانتحار، وسيلة لإنهاء التوتّر عند بعض الأطفال، ولا سيّما عندما يكون التخلّص منه أمراً غير ممكن.
وأخيراً لا بدّ من
الإشارة إلى أنّ ثمّة أسباب أخرى كثيرة تؤدّي إلى الاكتئاب، منها التفكّك الأسري،
التنشئة الأسرية الخاطئة، ممارسة الوالدين لسلوكات غير سوية واقتداء الأبناء بهما،
والحالة الاقتصادية، الاجتماعية للأسرة... وغيرها ممّا يسبّب التوتّر والاضطراب
والقلق والاكتئاب.
2- دور الوالدين في معالجة اكتئاب الأطفال:
بما أنّ المحيط
الأسري بما فيه من علاقات متداخلة، هو العامل الأساسي في تكوين معظم انفعالات
الأبناء، فمن الضروري أن تكون الأسرة،
ممثّلة بالوالدين، حذرة جدّاً في التعامل مع الطفل لتجنيبه الوقوع بالأزمات
الانفعالية المختلفة وذات التأثيرات السلبية، ولا سيّما الاكتئاب لما له من تأثيرات
نفسيّة خطيرة على حياة الطفل الحاضرة والمستقبلية..
ويمكن للأسرة في إطار دورها التربوي العام، أن تقوم بإجراءات كثيرة للحدّ من إصابة الأطفال بالاكتئاب والتغلّب عليه..ومن أهم هذه الإجراءات:
2/1- تقوية الثقة بالنفس عند الطفل، من خلال السماح له بالاتصال بالآخرين، ومدحه وتشجيعه على القيام ببعض الأعمال التي يمكنه إنجازها، والقيام بمهارات متنوّعة (فردية وجماعية) تعزّز ثقة الطفل بنفسه، وتدفعه إلى الخروج من ذاتيته الضيّقة، والانطلاق إلى مزيد من التواصل مع الآخرين والتفاعل معهم.
2/2-مناقشة الطفل في بعض
المشكلات التي تهمّه، وتقبّل آرائه وانفعالاته، والاستجابة لها بهدوء
واهتمام.والسماح له بالتعبير عن مشاعر القبول والرفض، والرضا والغضب.
2/3-ابتعاد الوالدين عن إظهار أي
نوع من الانفعالات التي تعبّر عن الاكتئاب، كالحزن والقلق والانكفاء، حتى لا تنعكس
آثارهذه المشاعر على الحالة النفسيّة للطفل، وتتعزّز لديه بطريق المحاكاة
والتقليد، الذي يعدّ وسيلة تربوية ناجحة للتعلّم والاكتساب.
ولا شك أنّ هذه الإجراءات لا يمكن تحقيقها أو
تفعيلها، ما لم يعمل الوالدان على خلق أجواء يسودها الانسجام والوئام داخل الأسرة،
سواء من حيث الاعتدال في المعاملة، بين الحزم واللين، أو من حيث العدالة في
المعاملة بين الأبناء، فلا تمييز بينهم ولا تفضيل أحد على الآخر، سواء من حيث
الجنس أو من حيث الترتيب.
رابعاً- الخجــل
يعدّ الخجل من
الانفعالات ذات الأبعاد (الاجتماعية – النفسيّة – الاجتماعية)، أي أنّ الخجل كحالة
انفعالية هي ردّ فعل نفسي لمثير اجتماعي، ينعكس في تصرّف الفرد الاجتماعي..ولذلك
فالخجل شعور على درجة كبيرة من التعقيد، وهو لا يظهر عند الطفل مباشرة، بل يكتسبه
من خلال التعلّم.
ومع ذلك،
لا يوجد تعريف محدّد للخجل كبعض الانفعالات الأخرى، كما لا يوجد معيار مطلق
لقياسه. فقد وصف / كارل ماركس / الخجل بأنّه "شيء شبيه بالغضب، لكنّه غضب
معكوس نحو الداخل.." وربط / ليون تولتستوي / بين الخجل والأخلاق، فيقول:
" ليس هناك أصدق من الشيء الذي يجعل الإنسان خجلاً، أو يجعله غير خجل، في
تحديد درجة الكمال الأخلاقي التي يقف عليها.."
فالإنسان
إذن يشعر بالخجل في الحالات التي يقترف
فيها عملاً لا أخلاقياً، لأنّه يعرف أنّه سيدان من الآخرين، ولذلك يرغب في
الانكفاء على ذاته والتواري عن الأنظار.
وانطلاقاً
من ذلك، يشير تعبير الخجل إلى أولئك الذين يجدون صعوبة في التفاعل الاجتماعي.
ويكون الخجل عند بعض الأطفال، ناجماً عن عدم الكفاية في المهارات الاجتماعية،
بينما ينجم عند بعضهم الآخر عن افتقاد الثقة بالنفس، وهذا ما يجعلهم يبالغون في
الاهتمام بنظرة الآخرين لهم، فيخجلون وينسحبون.
فالخجل في حقيقة الأمر، هو شعور اجتماعي عميق يعبّر عن حساسية الطفل الزائدة تجاه رأي من حوله وتقديرهم له. ومع تقدّم الطفل في السنّ، يأخذ هذا الشعور بالتجلّي بصورة أوضح، من خلال تعامل الطفل مع أترابه والناس البالغين. ويعيش الأطفال الكبار هذا الشعور بصورة حادة ومميّزة، ولا سيّما مع أترابهم حيث تزداد لديهم أهمية رأي الجماعة وتقديرها لتصرّفاتهم. وبقدر ما يتقدّم الطفل في العمر، يصبح من السهل ظهور شعور الخجل لديه تحت تأثير الرأي العام، حتى لتصل قوّة هذا التأثير إلى درجة أقوى من تأثير هيبة الوالدين.
وإذا كان المظهر الاجتماعي للخجل، هو الأكثر تعبيراً عن طبيعته وشدّته، فلا بدّ من الإشارة إلى ميزة أساسية في الشعور، وهي أنّ إثارة الشعور أكثر سهولة عند بعض الأطفال شديدي الحساسية، حيث يبدي الطفل خجله لا بسبب القيام بتصرّف مشين أو غير مقبول اجتماعياً، وإنّما بمجرّد التفكير بإمكانية حدوث هذا التصرّف أو القيام بهذا العمل أو ذاك.
فالطفل
يشعر بالخجل والحرج عندما يتصوّر أنّ الآخرين سيكفّون عن محبّته واحترامه، حالما
يعلمون بتصرّفه السيّء، وهذا سيسبّب له خسارة شيء ما ذو قيمة كبيرة.. أمّا إذا
استطاع أن يخفي تصرّفه الشائن، فلن يشعر بالخجل، وسيكون موقفه قوياً أمام الآخرين.
1- أسباب الخجـل عند الأطفال:
يوصف شعور الخجل
بأنّه ذو طبيعة جدلية، فهو يرغم الشخص على الاعتراف بسوء تصرّفاته، ويخنق تلك
النزعات السلبية التي تقوده للقيام بتصرّفات غير لا ئقة، وفي الوقت ذاته، يمكن
لشعور الخجل أن يمنع الإنسان من الاعتراف بالخطأ.
إنّ شعور الخجل، بتحوّله إلى حالة انفعالية في شخصيّة الطفل، قد يمنعه من البوح عن أفكاره وإظهار الرغبات والبواعث المستنكرة من قبل الآخرين، لأنّ شعور الخجل لا يظهر فقط في لحظة القيام بالتصرّف غير اللائق، بل وتحت التصوّر الذي ينبىء بأنّ مثل هذا التصرّف سيكون مستنكراً من قبل الآخرين. ولهذا يحاول الطفل السيطرة على نفسه، ويقاوم في داخله تلك الرغبات والنوازع، التي يمكن أن تثير مثل هذا الاستنكار.
وإذا كان الخجل يتحكّم في كثير من تصرّفات الطفل (الشخص)، شأنه في ذلك شأن المشاعر الانفعالية الأخرى، التي تتّخذ منحى سلبياً، فإنّ ثمّة أسباب عديدة لشعور الأطفال بالخجل، نجملها فيما يلي:
1/1-
الحماية الزائدة من الوالدين:
إنّ الأبناء الذين يبالغ الآباء والأمهات في حمايتهم وتدليلهم، يصبحون متواكلين، معتمدين على الآخرين، وعديمي الثقة بأنفسهم، وسلبيين في العلاقات الاجتماعية. فثمّة آباء يعتقدون اعتقاداً خاطئاً، أنّ أطفالهم صغار (حتى وإن كبروا) عاجزين لا يستطيعون الاعتماد على ذواتهم، لذلك يلبّون لهم كلّ احتياجاتهم..
2/1- افتقاد المهارات الاجتماعية:
وهذا يتعلّق بنوع
التنشئة الاجتماعية الأسرية؛ فالطفل الذي يتلقّى تنشئة اجتماعية مغلقة، أي بشكل
منعزل بحيث لا يرى أشخاصاً جدداً، ولا يحتكّ بهم بشكل كافٍ، فإنّه لا يتمكّن (بل
يحرم) من اكتساب المهارات الاجتماعية الضرورية للتواصل مع الآخرين، ولا تكون لديه
بالتالي الخبرة والممارسة اللازمة للشعور بالثقة الذاتية، في المواقف الاجتماعية
المختلفة.
3/1- النقد
والسخرية:
إنّ النقد
اللاذع الذي يوجّهه الآباء والأمهات للأبناء، بصورة مستمرّة، هو الذي يولّد لديهم
الشعور بالخجل، لأنّ المواقف السلبية التي يقابل بها الأطفال، تهزّ شخصياتهم
وتشعرهم بالخوف والتردّد. كما أنّ الاستهزاء بالطفل والسخرية من بعض تصرّفاته التي
قد تكون عفوية، تجعله يشعر بالخجل ويعمل على تحاشي الاتصال الاجتماعي، ويميل
بالتالي إلى الشعور بالخوف والارتباك.
4/1-
التناقض في المعاملة:
إنّ
تناقض معاملة الآباء للأبناء، وعدم انسجام
تصرّفاتهم مع أقوالهم، تجعل الأطفال عرضة للشعور بعدم الأمن والاطمئنان. فالأب
الذي يعامل طفله تارة بشدّة وعنف، وتارة
بلين ورحمة، يجعل الطفل عاجزاً عن توقّع تصرّفات أبيه، وهذا ما يجعله فريسة
للخوف والعجز والخجل.
يلاحظ أنّ
الأسباب السابقة مجتمعة، ترتبط إلى حدّ بعيد في تكوين الثقة بالنفس عند الطفل،
وثقته بمن حوله، ولا سيّما الثقة بالوالدين، وإحساسه بهذه الثقة. ذلك لأنّ هذه
الثقة من العوامل الأساسية لشخصيّة قادرة على التواصل الاجتماعي البنّاء. قالأطفال
الذين يفتقرون هذه الثقة يكونون خجولين، وفي حالة دائمة من التساؤل فيما إذا كان
الآخرون يقبلونهم أم لا؟ وهل بإمكانهم التخلّص من هذا الشعور المقلق؟!
2- دور
الوالدين في معالجة خجل الأطفال:
تؤكّد الدراسات
النفسية والتربوية أنّ الخجل ينمو على تربة من الارتباك والوجل، وفي ظلّ أجواء
أسرية / اجتماعية مغلقة تفرض على الطفل.. فالطفل الصغير يشعر بالخجل عندما يطلب
إليه أن يقوم بعمل ما (كالرقص أو الغناء أو سرد حكاية..) أمام الناس الغرباء،
لأنّه لم يدرّب على ذلك من قبل. وكثيراً ما يصاب الطفل بالارتباك والحيرة، ويأخذه
الخجل عندما يلتفت إليه شخص ما لم يعرفه، أو عندما يشعر أنّه أصبح مثاراً لاهتمام
الآخرين الذين لم يألفهم.
وهنا تكمن مشكلة الخجل التي يكون للأسرة دور كبير في إحداثها، ويكون للوالدين أيضاً دور في التغلّب عليها، من خلال الجراءات التالية:
1/2-
تكليف الطفل بنشاط يجيده:
وهذا يتطلّب من
الوالدين اكتشاف النشاطات التي يمكن للطفل أن يقوم بها بشكل يشعره بالنجاح، ويمنحه
كثيراً من المديح الذي يحفزه على مزيد من المشاركة. وهنا يكون للتفاعل الاجتماعي
دور إيجابي عندما يقوم الطفل بالنشاط الجماعي الذي يحبّه؛ ويعدّ النشاط الرياضي
خير دليل على هذه المشاركة، حيث يحقّق للطفل ثقته بنفسه وبالآخرين.
2/2-
السماح للطفل بالتعامل مع أطفال مختلفين:
يجب على
الأهل تشجيع الطفل على المشاركة الجماعية في مجال الأنشطة المتنوّعة، مع مجموعات
مختلفة من البشر (الأقران في الحي والرفاق في المدرسة والنوادي)، وتعدّ الألعاب
الجماعية والكشّافة والمعسكرات الصيفيّة، من المجالات الجيّدة التي تتيح للطفل
التعامل مع الآخرين، وتطوير مهاراته الاجتماعية في إطار التفاعل الاجتماعي
الإيجابي.
3/2 -عدم
ترك الطفل بمفرده أوقاتاً طويلة:
إنّ بقاء
الطفل بمفرده، ولمدّة طويلة، يجعله يعيش مع ذاته وفي عالمه الخاص بعيداً عن
عقد أية صلات اجتماعية، حتى مع أفراد أسرته. فتنمية روح الاستقلال والاعتماد على
الذات أمر تربوي جيّد، ولكنّ قضاء الطفل ساعات طويلة بمفرده، ولا سيّما في مشاهدة
التلفزيون، أو في ألعاب الحاسوب (الكمبيوتر) لن يساعده في بناء العلاقات
الاجتماعية؛ فقد أوضحت دراسات كثيرة أنّ التلفزيون يحدّ من النشاط الاجتماعي
للأطفال، وينمّي لديهم الروح الفردية، وهذا مرتبط بالخجل إلى حدّ بعيد، وبعلاقة
متبادلة، حيث يغذّي كلّ منهما الآخر.
4/1 -تشجيع الطفل على بناء علاقات مع الراشدين:
إذا كان من
الضروري أن يبني الطفل علاقات ارتباط قوية مع من يعتني به في الأسرة (الأب والأم
والأخوة)، فإنّه من المهمّ أيضاً أن يبني علاقات اجتماعية مع راشدين آخرين، ولا
سيّما الأقارب منهم. فالطفل الصغير الذي لا يتعامل إلاّ مع والديه، يتصوّر أنّ
العالم لا يكون آمناً إلاّ بوجودهما، أمّا الأطفال الذين يقضون أوقاتاً مع شخصيات
أخرى مقرّبة، مثل الأجداد أو الأقارب
الآخرين، فيكونون أكثر تحرّراً وقدرة على التفاعل الاجتماعي.
نستنتج ممّا سبق، أنّ تنمية الشعور بالخجل تأتي من نمط الحياة الأسرية المنغلقة التي يعيشها الطفل. فثمّة بعض الأهل ينزعون إلى محاولة عدم تعويد الطفل على ممارسة أي عمل، من خلال سعيهم الدؤوب للقيام بكلّ ما يلزم نيابة عنه؛ وبما أنّ الطفل لا يصطدم بأية صعوبات ولا يقوم باجتياز أية عقبات جديّة، فإنّه يصبح خاملاً، لا مبالياً، وبالتالي يغدو خجولاً.. وفي حالات أخرى، يعتقد الأهل أنّه كلّما قلّ اختلاط الطفل مع أترابه، نشأ سليماً من الناحية الأخلاقية، وهذا ما يجعله أيضاً خجولاً منزوياً، متجاهلين بذلك الطبيعة الاجتماعية للطفل، وتأمين مستلزمات النمو الاجتماعي.
وإذا كان الخجل يبدأ عند الطفل منذ سنيّه الأولى، فإنّ تعرّف الخجل في مرحلة مبكرة من عمر الطفل أمر في غاية الأهمية من أجل التعامل معه باسلوب تربوي صحيح وبنّاء..وذلك لأنّ صفة الخجل تأخذ بالازدياد والنمو مع تقدّم الطفل في العمر، إذا ما توافرت لها البيئة المناسبة، لتصل إلى ذروتها في سنّ الشباب. وكم من الشباب الذ يعانون من ضعف القدرة على التكيّف والتفاعل الاجتماعي، بسبب شعورهم بالخجل أمام الآخرين، وهذا ناتج بالدرجة الأولى عن نشأتهم في بيئة أسرية مغلقة حرمتهم من أهم الحاجات الضرورية للتنشئة الاجتماعية السليمة.
خامساً- العـدوان
العدوان هو ذلك
السلوك الذي يقوم به الفرد، ويؤدّي إلى إيقاع الأذى بالآخرين، سواء بطريقة مباشرة
أو غير مباشرة. وقد قدّم علماء النفس تفسيرات عديدة للسلوك العدواني، وكان الإحباط
الأسري في مقدّمة أسباب العدوان؛ ومن مظاهر العدوانية أن يقوم الطفل بإلقاء الأشياء
وتحطيمها، أو يدفع برجله ويضرب الآخرين، أو يقذفهم بأدوات يحملها في يده، أو يظهر
البكاء والصراخ وعدم الرضا، بصفة دائمة.
ولذلك تجمع
أغلب الدراسات على أنّ الميل إلى العدوان، يرتبط ارتباطاً موجباً ببعض عوامل
التطبيع الاجتماعي السلبية، مثل: نبذ الوالدين للطفل أو إثارة الألم النفسي لديه،
أو القسوة في تقويم سلوكه. ولكن من المهمّ
الإشارة إلى أنّ الإحباط لا يؤدّي إلى العدوان – في كثير من الحالات – إلاّ إذا
وجد العدوان تدعيماً من قِبَل الوالدين أو غيرهم من المحيطين بالطفل.
فكلّما
كانت التنشئة الأسرية / الاجتماعية أكثر إحباطاً للطفل / الناشىء، ازداد
عنده الدافع للعدوان. ولذلك يمكن القول: إنّ هناك صلة بين العدوان وبين ما يلقاه
الطفل في مرحلة التنشئة الاجتماعية، سواء من والديه أو من المحيط الخارجي، من
أساليب معاملة تتّسم بالتسلّط والقسوة، والإهمال والرفض..
إنّ النظرة
إلى الأبناء، ولا سيّما الكبار منهم، على أنّهم أطفال قاصرون، وهم بحاجة دائمة
لحماية الكبار ووصايتهم، يجعلهم في حيرة مع الذات قد ترافقهم حتى مرحلة الشباب،
وتخلق لديهم أزمة من القلق والتوتّر من شأنها إيجاد صراع بين الواقع والمفروض،
فيكون من نتائج ذلك التمرّد والعصيان والعدوان.
فالقسوة
التي تولّد العدوان، تنمو على تربة الاغتراب والابتعاد النفسي بين أفراد الأسرة
الواحدة واللامبالاة تجاه الآخرين، وغياب أية رغبة في مساندة الإنسان الآخر أو مدّ
يد المساعدة إليه من دون مقابل. لكن يجب أن يتذكّر الآباء والأمهات، أنّهم مهما
بذلوا من جهود لتنمية المشاعر الطيّبة في نفس الطفل، وقطع دابرأية إمكانية لنمو
القسوة والعدوان، فإنّ ثمّة عوامل أخرى خارجة عن إرادتهم، مثل: الاختلاط بأطفال
عدوانيين أو مشاهدة أفلام العنف والعدوان على شاشات السينما
والتلفزيون..
قد يلجأ
بعض الوالدين إلى استخدام العقاب لتقويم سلوك الطفل العدواني، وقديؤدّي
هذا العقاب إلى استجابة مؤقّتة من قبل الطفل، إمّا بسبب الخوف من زيادة العقاب، أو
من الأذى الذي الحقه به، ولكنّه لا يحدث تغييرات جذرية في سلوكه..بل على العكس من
ذلك، قد يزرع في نفس الطفل السلوك
العقابي/ العدواني في التعامل مع الآخرين.
وبدلاً من
اللجوء إلى العقاب، يجب على الآباء والمربين إفهام الطفل أن الإنسان يجب أن يكون
شجاعاً وقوياً، ولكنّ الرجولة بلا شفقة ورحمة، تتحوّل إلى قوّة بطش عدواني عمياء
تنال من الآخرين وتؤذيهم، وهنا تظهر التربية الانفعالية / الوجدانية بمظهرها
الأخلاقي، التي تبدأ في تنمية المشاعر الإنسانية عند الطفل.
واستناداً إلى ما تقدّم فإنّ ثمّة أساليب يمكن أن يعتمدها الوالدان في منع حدوث العدوان عند الأطفال أو معالجته، ومن هذه الأساليب:
-مراقبة اهتمام الطفل بالألعاب مع رفاقه، وعدم السماح له بأن يقوم بسلوك عدواني يسبّب الأذى أو الضرر، وتوبيخه إذا ما تصرّف بسلوك سيّء، كما يوبّخ رفاقه أيضاً.
- تصرّف الوالدين بالأشياء
أمام الأبناء، كما يراد لهم أن يتصرّفوا مع أشيائهم؛ فرمي أحد الوالدين لشيء ما
وهو غاضب، يوحي للطفل كيف يكون عدائياً حين يشعر بالغضب.
-تقديم لائحة للطفل بالأشياء
التي يمكن أن يفعلها، عندما يشعر بالانزعاج، مثل: طلب المساعدة لحلّ أمر ما، أو
إبداء عدم الرغبة في متابعة العمل أو اللعب مع الآخرين (لا أريد الاستمرار في
اللعب)، وبالتدريب والتكرار يعتاد الطفل على استخدام هذه العبارات، قبل أن يصل إلى
العدوان.
-مدح الطفل على مشاركته
الإيجابية مع أصدقائه، وطلب المساعدة منهم بدلاً من الغضب والاعتداء على بعضهم،
وكلّما تلقّى الطفل المديح، تحسّن سلوكه الفردي والجماعي.
-عدم اللجوء إلى العدوانية
لوقف العدوان، فاللجوء إلى الضرب يمنح الطفل الإذن باستخدام الضرب في ظروف معيّنة؛
كما أنّ شعور الوالدين بالغضب حين يلجأ الطفل إلى الضرب، يوحي للطفل بأنّه يستطيع
اللجوء إلى العدوانية لفرض قوّته عليهما، أو على أحدهما.
يضاف إلى تلك الأساليب،
توجيه التوبيخ على فعل العدوان، مع إعطاء البديل المناسب للتصرف؛ مثال ذلك: إعطاء
الأمر بالتوقف (توقّف عن الضرب) والبديل: (حين تغضب، اترك المجموعة) أوتوفير سبب
للمنع: (الضرب يؤذي) والبديل: (قمّ بحركات رياضية لليدين)، ولا مانع من تكرار
التوبيخ لإعطاء المزيد من فاعليته. كما أنّ عدم تذكير الطفل بعدوانيته، أمر ضروري
لنسيان العدوان وعدم تكراراه
وبذلك تكون تنمية مشاعر المودّة في نفوس الأطفال، هي من العوامل الأكثر نجاعة في مكافحة الجفاء والقسوة والعدوان، التي يظهرها الطفل في تعامله مع الآخرين.. ولا تظهر هذه المشاعر في الكلام فحسب، وإنّما في المشاركة الوجدانية الفعّالة، وتجسيدها في تصرّفات عملية تعلّم وتهذّب وتربّي.
أقراء أيضا : مستويات الانفعـال
سادساً- الغيـرة والأنانيّة
تعرّف
الغيرة
بأنّها ذلك الشعور المؤلم الذي ينتاب الشخص نتيجة خيبة أمل في الحصول على أمر
مرغوب كان يريده، بينما نجح شخص آخر في الحصول عليه.. ممّا يجرح مشاعر الشخص الأول
ويحط من عزّة نفسه، فينظر إلى
الشخص الآخر على أنّه سرق حقّه وأساء إليه، وعليه أن يردّ له ذلك بمشاعر الغيرة
والحقد.
والغيرة
شأن طبيعي تنشأ الغيرة أول ما تنشأ، بين الأخوة في الأسرة، وليس هناك طفل يخلو من
أعراضها، ولا سيّما الطفل البكر الذي يظهر غيرته بوضوح حيال الأخ الأصغر، الذي
يعتقد أنّ مجيئه سلبه نصف محبّة والديه، وربّما معظم حنان أمّه الذي كان له
وحده حتى
جاء هذا الشريك.
وإذا لم
تكن الغيرة مفرطة، فإنّها تساعد الأولاد على أن يصبحوا أكثر استقلالية وتسامحاً
وكرماً، فيما بينهم. وكلّما كان الوالدان متفّقين على نوع المعاملة مع الأبناء،
ومتواصلين معهم بشكل إيجابي، كانت الغيرة بين الأبناء أقلّ حدّة وتأثيراً. وممّا
يجعل الطفل مطمئنّاً في أسرته، هو الشعور بأنّ والديه يحبّانه كأخوته، ويتقبّلانه
كما هو؛ أمّا إذا كان الوالدان يقارنانه باستمرار، بأحد أخوته أو بغيره، أكان ذلك
سرّاً أو علناً، فإنّه سيفهم ذلك ويحزن ويحقد بالتالي على والديه وأخوته، وتتكوّن
لديه مشاعر الغيرة العمياء تجاههم. وهذا ما يسبّب له انتكاسات انفعالعية، ويعوّق
تفاعله الاجتماعي مع أفراد أسرته.
وهذا يتطلّب من الوالدين اللذين تضمّ أسرتهما عدداً من الأطفال، أن يكونا حذرين في التعامل معهم، ولا يقوما بأي تصرّف ينتج عنه أي نوع من أنواع التمييز أو التفرقة بين الأخوة، اللهمّ إلاّ إذا كان الوضع يتطلّب ذلك كنوع من دعم التعاطف بينهم، كمرض أحدهم أو غيابه فترة طويلة، أو كان الطفل الصغير في الأسرة.
فالارتباط وثيق بين نوعية المعاملة الوالدية، وحسن التكيّف عند الأبناء أو سوئه، ولا سيّما عند اقترابهم من سنّ النضج واكتمال النموّ. فشعور الطفل بالحرمان أو بعدم الحنان، يولّد لديه القلق وعدم الطمأنينة، كما أنّ التمييز بين الأبناء وعدم المساواة في تأمين متطلّباتهم، قد يولّد الغيرة المَرَضية التي تفسد العلاقات الأسرية برمّتها.
أمّا
الأنانية،
فهي تلك الصفة التي تدلّ على رغبة الشخص
في الحصول على أي شيء، وإن كان على حساب الآخرين، ممّا يولّد لديه التواكل ومحبّة
الذات، مقابل عدم الثقة بالنفس. وتتجلّى الأنانية في صور متنوّعة ومختلفة تبعاً
للمرحلة العمرية؛ فالطفل الصغير يعلن عن ذاته ويعبّر عن مطالبه بالصراخ أو الزعيق،
بينما يعبّر الطفل الأكبر عن رغباته بإظهار نوبات الصلف والعناد، وإذا منع من
تلبية الرغبات، فإنّه يجيب بالغيرة والطمع الشره. أمّا في الرحلة المتقدّمة، فتأخذ
الأنانية طابعاً إخلاقياً سلبياً، كاللامبالاة والتكبّر على الآخرين وعدم مراعاة
مشاعرهم، وتركيز الاهتمام على الرغبات الشخصيّة والمصالح الذاتية، التي تؤدّي في
النهاية إلى سوء التكيّف الاجتماعي.
إنّ نبتة
الأنانية تتغذّى وتنمو من خلال سعي الأهل الدائب لوهب الطفل كلّ شيء من أجل أن
تكون الأوضاع عنده على ما يرام، الأمر الذي يقضي على أي رغبة يبديها لإظهار
المبادرة الذاتية أو الاعتماد على النفس، إضافة إلى الإطراء عليه والثناء الزائد
على مناقبه..وهو يلاحق الأهل بالمطالب التي لا تنتهي.
وإذا كان الأمر هكذا، فإنّ ثمّة خطيئة شائعة حول تفسير الأسس التي تنشأ عليها الأنانية، وهي أنّ الأنانية تنشأ فقط عن تليبية رغبات الطفل غير المحدودة، وإغداقه بالدلال والملاطفة الزائدة، حيث تنشأ لديه صفة الاتكالية والأنانية وعدم الاكتراث بالآخرين. لكنّ ثمّة دراسات أشارت إلى أنّ الأنانية لا تتولّد عن الحنان الزائد والدلال المفرط فحسب، وإنّما تنشأ أكثر ما تنشأ بسبب النقص الكبير في إظهار الأهل هذه المشاعر تجاه الطفل.
والخلاصة، إنّ الأسباب التي تؤدّي إلى تكوين النزعة الأنانية في تعامل الإنسان مع الناس الآخرين، كثيرة ومتنوّعة وتنشأ بالدرجة الأولى على أساس التربية الخاطئة التي يتلقّاها الطفل / الفرد في الأسرة، ولا سيّما نمط التعامل بين الأهل والطفل.
فالمعاملة
الوالدية للأبناء تأخذ أشكالاً متعدّدة، ترتيط إلى حدّ بعيد، بمستوى تأهيل
الوالدين من الناحية التربوية، ودور كلّ منهما (الأب والأم) في العملية التربوية
المشتركة، حيث يكون للعلاقة السائدة بين الوالدين (الزوجين) أيضاً، أثر كبير في بناء سلوك الأبناء , وهذا يتطلّب
أن تعيش الأسرة في جوّ عائلي مفعم يالسعادة والاستقرار، والاحترام التبادل على
أساس الحقوق الزوجية والمسؤولية المشتركة في تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة
الاجتماعية السليمة.
سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر والاحول والاقوة الا بالله
ردحذف