التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2


أقراء ايضأ:بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2

1- الطفل والتكيّف الاجتماعي:

   يقال في علم التربية وعلم الاجتماع: " إنّ الإنسان ابن البيئة التي ينشأ فيها ويعيش.."  أي أنّ شخصيّة الإنسان هي حصيلة تفاعله مع البيئة المحيطة به، منذ ولادته وحتى بلوغه، وقد تستمرّ إلى ما بعد ذلك، ما دام يتأثّر بهذه البيئة ويتفاعل معها.

    ولذلك، فإنّ مكتسبات الفرد السلوكية وخبراته الحياتيّة، ترجع إلى مكوّناته الفيزيولوجيّة (الجسميّة) من جهة،وإلى المؤثّرات الاجتماعية التي يتعرّض لها من البيئة المحيطة / من جهة أخرى. ولا سيّما بمواقف الأشخاص المحيطين به في الأسرة، حيث يتعلّم من خلالهم ومنهم، المبادىء الأساسيّة للسلوك الاجتماعي / الأخلاقي، عن طريق التعامل مع أفراد أسرته وتقاسم الأشياء مع أخوته بصورة عادلة ومتكافئة، إضافة إلى ما يكتسبه الطفل من الخبرات الاجتماعية الأخرى، من خلال اللعب مع أترابه وما يسهم في تنظيم سلوكاته الفردية والجماعيّة.

    إنّ الأسرة، بحسب بنيتها ووظيفتها، تقدّم للطفل بيئة اجتماعيّة يمكنه أن يكتسب في كنفها، مفهوم الاحترام المتبادل، والمساواة والمصلحة الجماعيّة المشتركة. وكلّما اتّسعت دائرة الطفل الاجتماعية واغتنت تجربته، أصبح من السهل عليه الاتّصال بمجموعات أخرى، ولا سيّما بالأطفال الذين في مثل سنّه، إلى أن يكتشف – فيما بعد – جماعات مختلفة في روضة الأطفال والمدرسة الابتدائية.

   فالأسرة التي تسودها علاقات اجتماعية سليمة، وتوفّر للطفل فرصاً مناسبة للتواصل مع أطفال آخرين، تسهم في تهيئة المجال الحيوي / الإيجابي لإكساب الطفل سلوكات اجتماعية، في إطار التنشئة العامة، ترافقه مدى حياته.

   وفي أثناء هذا التعلّم المتدرّج المرتكز على الخبرة الاجتماعية الأولى، التي يكتسبها الطفل من والديه وأخوته، يتوجّه أكثر فأكثر نحو غيره، ويضع الأسس لتصوّر علاقات جديدة تربطه بالمجتمع الكبير. فيضبط انفعالاته ويحدّد مواقفه، بحيث يتمكّن من الوصول إلى اتفاق مُرضٍ مع أخوته وأقرانه، ومن ثمّ مع الكبار خارج النطاق الأسري.

    وعندها يتعلّم الطفل احترام الآخرين، والقبول ببعض الواجبات التي تتعارض مع ميوله ورغباته، ويعتاد تدريجيّاً على معرفة الأوضاع التي يجب أن يتخلّى عنها، والمواقف التي يجب أن يتنازل عنها أو يعدّل فيه، وذلك وفقاً لنمط العيش السائد في المجموعة التي ينتمي إليها.. ويتعلّم – في المقابل – الأوضاع والمواقف التي تتطلّب أن يتمسّك بها ويدافع عنها، كحقّ من حقوقه الخاصة.

     وتأسيساً على ما تقدّم، لا بدّ من التأكيد أنّ اكتساب الطفل مثل هذه المواقف والسلوكات الاجتماعية التي تؤهّله للتكيّف الإيجابي مع مجتمع الصغار أولاً، ومع مجتمع الكبار ثانياً، يتوقّف بالدرجة الأولى، على العلاقات الاجتماعيّة السائدة في الأسرة، والتي يتعايش معها من طفولته وحتى شبابه، وتبقى تعيش معه مدى حياته.

 2- الأطفال والتلفاز:

   إنّ موضوع علاقة الأطفال بالتلفاز، أصبح من الأمور الهامّة التي تشغل بال الوالدين والمربين، وأيضاً الباحثين التربويين والنفسييّن / وذلك نظراً لتأثر التلفاز المتزايد في أفكار الأطفال وسلوكاتهم، ولا سيّما أنّ ثمّة حقيقة لا جدال فيها، وهي أنّ التلفاز أصبح واسع الانتشار، وما زال يحتلّ المقام الأول بين وسائل الإعلام المختلف، على الرغم من دخول الحاسب (الكمبيوتر) كمنافس له.

    فالتلفاز يتمتّع بقوّة التأثير في الكبار والصغار، من خلال ما يوفّره من عناصر متعدّدة للتشويق والإثارة والجذب، إضافة إلى قدرته على تجسيم الأحداث الاجتماعية والمواقف الفكرية والتربوية، بأسلوب ممتع ومقنع لا يمكن لأيّة وسيلة إعلاميّة أخرى أن تقوم مقامه في هذا المجال.

     إنّ الأطفال، وفي مراحلهم المختلفة، ينجذبون إلى التلفاز ويتسمّرون أمامه فترة طويلة، لأنّه يحقّق لهم المتعة والاستمتاع في أثناء المشاهدة، وبلا عناء.. فكثراً ما نرى الطفل وهو مندمج تماماً مع البرنامج المعروض أمامه على شاشة التلفاز، والذي يثير اهتمامه سواء كان البرنامج للكبار أو للصغار، بحيث يصل به هذا الاندماج إلى درجة يبنى معها واجباته المنزلية والمدرسيّة.

    وهنا تكمن مشكلة العلاقة بين الطفل والتلفاز، ولا سيّما أنّ ما يعرض على هذه الشاشة الصغيرة، وعبر قنوات متنوّعة، ليس بسويّة واحدة من النواحي التربوية (المعرفية والأخلاقية والسلوكية)، الأمر الذي يحتاج إلى ضبط دقيق ومراقبة مستمرّة من قبل الوالدين.

    فالأطفال يشاهدون ما يعرض أمامهم ولهم على شاشة التلفاز، ويقلّدون كلّ ما يعجبهم  ويتأثّرون به من الشخصيّات والمواقف.. وقد يصل بهم الأمر إلى حدّ الممارسات الخاطئة والخطيرة على بناء شخصياتهم، ولا سيّما تقليد الأبطال الخارقين في قوّتهم، والأشخاص  الغارقين في المغامرات، والأقوياء المعتدين الذين يصلون إلى ما يريدون بأي ثمن، وعل حساب الآخرين..

    ولذلك، وتحاشياً للتأثيرات السلبية التي يمكن أن تحدثها مثل هذه الممارسات الخاطئة عند الأطفال، ينصح الآباء والأمّهات باتّخاذ بعض الإجراءات التي تنظّم مشاهدات الأطفال، وتضبطها في الاتّجاه المرغوب.. وفيما يلي أهمّ هذه الإجراءات:

1-   معرفة الأهل (الوالدين) برامج الأطفال ومواعيدها، وإن كانت في قنوات تلفازية متعدّدة، واختيار المناسب منها وتوجيه الأطفال لمشاهدتها، وبإشراف الوالدين إن أمكن ذلك أو دعت الضرورة.

2- تنظيم أوقات الطفل للدراسة واللعب، وممارسات الهوايات والراحة ومشاهدة برامج الأطفال في التلفاز، بحيث تكون مشاهد التلفاز مريحة للطفل ومفيدة، أي تؤمّن له الإمتاع والفائدة والراحة الجسدية.

3-  السماح للطفل بمشاهدة البرامج (التعليميّة والتثقيفيّة) التي تعرض للكبار على التلفاز، والتي تتناسب من مستوى تطوّره العقلي والمعرفي، بالإضافة إلى برامجه الخاصة، بحيث تكون رديفاً إلى معارفه وخبراته المدرسيّة.

4- إبعاد الطفل عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات الضارة تربوياً والمؤذين نفسيّاً، والتي تعتمد الإجرام والعنف والاعتداء، وعصابات السلب والنهب والتسلّط.. وغيرها ممّا يكرّس القيم السلبية في جوانب الحياة الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية. ولا بدّ من التأكيد أيضاً، أنّ مشاهدات الأطفال للتلفاز، يجب ألاّ تتجاوز الساعتين في اليوم الواحد، ولكن ليست متواصلة وإنّما على فترات، وتبعاً لأعمار الأطفال وأوضاعهم الجسدية، وهذا ما أشارت إليه دراسات عديدة / تروية ونفسيّة، بحيث لا تؤثّر مدّ المشاهدة على صحّة الأطفال بصورة عامة، وعلى جهازهم البصري وعمودهم الفقري بصورة خاصة، نتيجة للجلوس الطويل بوضعيّة واحدة، والتحديق المتواصل في نقطة واحدة..

أقراء ايضأ:بحث مشكلات الأبناء ومواقف الوالدين 2

 

3- الطفل ذو العاهـة:

    قد يولد طفل ومعه عاهة ما، وقد يصاب طفل بعد الولادة بمرض ما ويسبّب له عاهة في بعض  حواسه، وقد يتعرّض في سنّ متقدّمة لحادث ما يؤدّي إلى إصابة أحد أطرافه أو تعطيله.. وهذا يخلق لدى الطفل عاهة من نوع ما، يكون التعامل معه عندها، مشكلة أمام الوالدين.

    لا شكّ أن الطفل الذي يعاني من عاهة ما، يحتاج – على أية حال – إلى علاج من نوع خاص للتخفيف من المعاناة من هذه العاهة. ولكنّه، في الوقت ذاته، أشدّ حاجة إلى معاملة طبيعيّة من قبل والديه خاصة، ومن المحيطين به عامة. لأنّ هذه المعاملة لا تقلّ أهميّة وتأثيراً عن العلاج الجسدي، ولا سيّما أنّ العاهة – بحدّ ذاتها – لا تجعل الطفل يائساً وبالغ الحساسيّة تجاه ذاته وتجاه الآخرين، وإلى درجة الشعور بالانطواء والعزلة، إلاّ إذا  أشعره المحيطون به بوضعه هذا، وأبعدوه عن الاحتكاك بالآخرين، فيشعر عندها بأنّه إنسان غير عادي / طبيعي.

   ولكن ثمّة أشخاص كثيرون ممّن لديهم عاهات مختلفة، سواء كانوا كباراً أو صغاراً، يدركون واقعهم ويتكيّفون مع حالتهم بسهولة، وبمساعدة أسرهم، فيعيشون سعداء منسجمين مع ذواتهم ومع الناس من حولهم، ويمارسون حياتهم بصورة طبيعيّة كالأشخاص الأصحّاء  تماماً. وربّما تفوّقوا عليهم في بعض الأمور، بفضل الثقة بالنفس وقوّة الإرادة، وعلى مبدأ المثل القائل:" كلّ ذي عاهة جبّار.."

    إنّ الأمر الأكثر أهميّة بالنسبة للطفل ذي العاهة (المعوّق) هو أن ينشأ منسجماً مع ذاته أولاً ومع حياته الاجتماعيّة ثانياً.. وهذا يتطلّب من الوالدين – قبل غيرهما- أن يكونا راضيين بالطفل، ومدركين وضعه ومتكيّفين معه، بعيداً عن القلق الزائد عليه أو الإحساس المفرط تجاه حالته، وبالتالي تمييزه بصور واضحة ومباشرة، عن أخوته من باب الشفقة والعطف، أو أبعاده عن الأطفال الآخرين حفاظاً على مشاعره.

    ولذلك، يتوجّب على الوالدين أن يؤمّنا للطفل ذي العاهة، الفرص المناسبة، الاجتماعية منها والدراسيّة، كأي طفل عادي في الأسرة. فيذهب إلى المدرسة بمفرده إن أمكنه ذلك، أو بمساعدة أحد من والديه أو أخوته.. ويخرج إلى رفاقه يلتقي بهم  ويلعب معهم إذا كانت العاهة لا تمنعه من اللعب.. ويمارس نشاطاته وهوايته المفضّلة. فيحسّ أنّ إنسان طبيعي قادر على الفعل كأترابه، ولا يفكّر، إلاّ قليلاً، بما هو فيه أو بما يعاني منه.

    أمّا على الصعيد الأسري، فلا ضير في أن يكلّف هذا الطفل القيان ببعض الأعمال المنزلية، وعلى قدر استطاعته، سواء بمفرده أو مع أخوته. كما أنّ على الوالدين ألاّ يبالغا في الإشفاق عليه، أو التساهل معه إذا رفض أو أبدى بعض التصرّفات الخشنة تجاه أخوته بحجّة معاناته. فالعاهة – مهما كان حجمها، لا تمنع الإنسان من أن يكون مهذّباً في تعامله مع الآخرين، وإسهامه مع أفراد أسرته في أداء الواجبات التي يستطيع القيام بها، وأن سعادته تزداد كلّما تبادل الحقوق والمشاعر الصادقة مع الآخرين.

    ولا بدّ من الإشارة، أخيراً، إلى أنّ الوالدين قد يشعران –أحياناًً- بذنب لا مبرّر له تجاه الطفل ذي العاهة، ويحسّان باللوم لما يعاني نته ـ وكأنّهما السبب في هذه المعاناة، على الرغم ممّا يبذلانه لتحسين وضع هذا الطفل. ولكن يجدر بهما، أو من الأفضل لهما، أن يتفهّما الوضع القائم ويتعاملا معه بوعي وعقلانية، حفاظاً على مستقبل الطفل وأيضاً على تماسك الأسرة ومستقبلها.

     فقدرة الوالدين إذاً، ليست في الشعور غير المنطقي بالذنب تجاه الطفل الذي يعاني من العاهة، وإنّما قدرتهما في التكيّف الإيجابي مع حالة الطفل، واختيار الأسلوب التربوي المناسب للتعامل معه، بحيث تسير الأمور معه ومع الأسرة بصورة طبيعيّة، وعندها ينقذان نفسيهما وأفراد أسرتهما من قلق وحرمان لا مبرّر لهما..!!

 4- صراخ الطفل أثناء النوم :

   إنّ للأحلام بحسب طبيعتها ودلالاتها، جانبين أساسيين متناقضين: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي.. وبما أنّ لكلّ منهما ميزاته ومظاهره، فإنّ التركيز دائماً يكون على الجانب السلبي، بالنظر لتأثيراته النفسيّة والتربوية، الآنية والمستقبليّة على شخصيّة الإنسان، ولا سيّما بالنسبة للأطفال.

   فالأحلام خاصّة بالإنسان، كبيراً كان أو صغيراً، ولا سيّما إذا كانت سعيدة وممتعة. ولذلك، فإنّ أحلام الأطفال على غاية من الأهميّة والخطورة معاً، لأنّها ترتبط في معظم الأحيان بطموحاتهم المستقبلية.. فثمّة طفل يحلم بأنّه طبيب أو مهندس أو قبطان طائرة، أو قائد كبير أو رجل عظيم.. وغير ذلك.. وهذه الأحلام كلّها مشروعة بالنسبة للطفل ومفيدة، باعتبارها مجالاً للتحفيز والتشجيع على المثابرة والنجاح.

   ولكنّ المشكلة تحدث عندما تنقلب الأحلام إلى معاناة سلبية قاسية، تقلق الطفل وتشلّ قدرته على الهدوء والتركيز، ولا سيّما إذا ما كانت على شكل كوابيس وترافقت بالذعر والصراخ.

    إنّ صراخ الطفل في إثناء النوم، وبين وقت وآخر، ولا سيّما في الليل،  هو أمر طبيعي بالنظر إلى أنّ الطفل يحلم كثيراً في نومه، بما يحدث له ويتعايش معه في حال اليقظة، سواء مع أفراد أسرته أو مع رفاقه وأترابه. ولكن عندما يتكرّر الصراخ في الأحلام، مترافقاً بالخوف والذعر، فإنّه يصبح مشكلة نفسيةّ / عصبية وتربوية في آن معاً. فهي مشكلة نفسيّة / عصبيّة، لأنّها تنعكس بشكل سلبيّ على الجانب الانفعالي عند الطفل، حيث يبقى في حالة من القلق والتوتّر التي تؤثّر في مجمل تصرّفاته وسلوكاته..

    وهي في المقابل، مشكلة تربوية، لأنّها غالباً ما تنجم عن ممارسات تربوية خاطئة تعرّض لها الطفل أو ما زال يتعرّض، من خلال أساليب التعامل معه داخل الأسرة أو خارجها.وفي هذه الحال، فإنّ الضرورة تقتضي الإسراع في البحث عن الأسباب،وإيجاد الحلول المناسبة قبل استفحال المشكلة وتعقّدها.

    إنّ الأسباب التي تؤدّي إلى حدوث ظاهرة صراخ الطفل في أثناء النوم، كثيرة ومتنوّعة، وقد تتعاون البيئة المحيطة بالطفل كلّها في إحداث هذه الظاهرة.. ولكن يبقى الدور الرئيسي في ذلك للأسرة، بنظامها وعلاقاتها وأساليبها التربوية، باعتبارها المجال الحيوي الأول الذي يتحرّك فيه الطفل ويمارس نشاطاته.. وفيما يلي أبرز هذه الأسباب:

1-   الضغوطات النفسيّة التي يتعرّض لها الطفل، من قبل والديه أو أخوته الكبار، أو من رفاقه في الحيّ والمدرسة، وما ينتج عن ذلك من إحباطات تؤدّي إلى كبت متراكم لا يجد له مجالاً للتنفيس والتفريغ، إلاّ في الأحلام الليلية.

2- تعرّض الطفل، لمشاهدة أحداث مؤلمة أو مواقف مرعبة، سواء في الحياة الواقعية أو في البرامج التلفازية، أو في حكايات سمعها، وغير ذلك  ممّا يترك في نفس الطفل آثاراً مقلقة ومرعبة.

3-  إحساس الطفل بالنقص والحرمان والإهمال، نتيجة لمعاملة أهله أو رفاقه، وعدم قدرته على إثبات وجوده وتأكيد ذاته، حيث لا يستطيع ذلك إلاّ بعيداً عن الواقع المؤلم الذي يعيشه، فتكون الأحلام هي الواقع المناسب.

   شعور الطفل بذنب ارتكبه نتيجة لعمل خاطىء قام به، أو سلوك غير لائق أبداه تجاه الآخرين، ولا يمتلك القدرة والشجاعة للاعتراف بذنبه سوى في الأحلام.

   إنّ هذه الأسباب كلّها، أو بعضها، كفيلة بأن تبقي الطفل في حالة من القلق الدائم والخوف المؤلم، في يقظته وفي نومه. فيتخيّل هذه الممارسات وتلك المواقف، ويسترجع آثارها السلبيّة في نفسه، فلا يجد السبيل إلى التعبير عنها أو التخلّص منها، إلاّ في حالة اللاوعي (إثناء النوم)، ولا سيّما من خلال البكاء أو الصراخ المشحون بالرعب.

    ولكن إذا ما نظرنا إلى تلك الأسباب مجتمعة، فإنّنا نجدها تؤدّي إلى نتائج متقاربة أو واحدة لدى الطفل، وتتمثّل بصورة خاصّة في فقدانه للرعاية الأسرية بما فيها من الأمن والاطمئنان، والحرية والاحترام وتحقيق الذات، وهذه كلّها من الحاجات الأساسيّة والضرورية لنموّ الطفل، الانفعالي والعقلي والاجتماعي.

    ومن هنا، يجب على الوالدين الابتعاد عن إظهار الخلافات الحادّة أمام الأطفال، وتجنّب كلّ ما يسبّب للأطفال القلق والخوف.. والتعامل معهم على قدم المساواة  وبأساليب تشعرهم بالاحترام، وتعزّز ثقتهم بأنفسهم  وتساعدهم بالتالي في حلّ مشكلاتهم، ومن دون تمييز بينهم، أو الحطّ من شأن أحدهم.. وبذلك توفّر الأسرة المناخ التربوي السليم، المناخ الهادىء المفعم بالحبّ والمودّة والمساواة.. المناخ الذي يهيّء للأطفال عوامل النموّ السليم، ويقيهم من التعرّض لأية صدمات انفعالية أو اجتماعية.

 أقراء ايضأ : الاثار التربوية ومستقبل الابناء 2 

 5- خوف الطفل من النوم وحيداً :

    إنّ هذا الموضع، وإن كلن ذا طبيعة نفسيّة، فإنّه يحمل مظهراً تربوياً إلى حدّ بعيد. فمن المعروف أنّ الطفل يكون متعلّقاً بأمّه إلى حدّ يصعب معه الانفصال، ولا سيّما في السنوات الخمس الأولى من العمر، وذلك نتيجة لمجموعة من العوامل النفسيّة / الاجتماعية التي تحدّد العلاقة الحميميّة بين الطفل وأمّه.

    وهذه العلاقة هي من الأمور الطبيعية، بل والضرورية، لكي ينمو الطفل نموّا سليماً مكن النواحي الجسدية والعقليّة والنفسيّة.. ولكن كما يتمّ الفطام الفيزيولوجي للطفل (فطام الحليب)  كذلك يجب أن يتمّ الفطام النفسي (التعلّق بالأم) وإن تأخّر إلى السنة الثانية أو الثالثة. لأنّ تعلّق الطفل بأمّه أكثر من ذلك، ولسنوات متقدّمة، يجعله يبقى يعتمد عليها في قضاء حاجاته ومواقفه الخاصة، فينشأ ضعيفاً متواكلاً، لا يستطيع أن يتحمّل أيّة مسؤولية تجاه ذاته أو تجاه الآخرين، طالما أنّ اعتاد على أن يستجاب له كلّ شيء يطلبه، ولا سيّما من قِِبَل أمّه.

    إنّ الطفل الذي يتعلّق بأمّه ويعتمد عليها حتى سنّ متأخّرة، قد يصعب عليه التخلّي حتى عند النوم، وهذا ما يسمّى (المريلة) بعلم النفس، حيث يشعر الطفل أنّه جزء من أمّه، وإذا ابتعدت عنه أو تخلّى عنها، فإنّه يخسر امتيازاّ كبيراً من حقّه أن يتمسّك به، ولا سيّما إذا لم يأتِ بعده مولود خلال هذه الفترة.. ولذلك تراه يرفض النوم بعيداً عنها، إماّ لشعوره بالوحدة التي لم يعتد عليها، وإمّا نتيجة لخوفه من الظلام الذي قد يكون عاملاً آخر، ولا سيّما إذا ما ارتبط الظلام بحادث ما، ترك أثراً سلبيّاً مزعجاً في نفس الطفل، وظلّ في ذاكرته.

    قد تبدو هذه المشكلة وكأنّها تنطوي على بعض الصعوبات الظاهرية، ولكنّ حلّها وتخليص الطفل منها، ليس مستحيلاً إذا ما توافرت له الظروف الأسرية التربوية، التي تولّد لدى الطفل الأمان والثقة بالنفس، والرغبة في الاعتماد على الذات، وبصورة تدريجيّة توصله إلى حدّ الاقتناع التام بضرورة الانفصال عن أمّه، والاستغناء عن النوم معها أو في غرفتها، إذا توفّرت غرفة خاصة بالطفل أو مع أخوته.

   ولكي يتمّ هذا الأمر بصورة طبيعيّة، ودون أن يترك أيّ أثر عاطفي سلبيّ على نفسيّة الطفل تجاه أمّه أو أفراد أسرته، تنصح الأم بأن تعمد إلى الإجراءات التالية:

1 ـ  استغلال حبّ الطفل لها من أجل  إقناعه  أولاً بالنوم في سرير خاص به، وإن كان ذلك في غرفتها، وتستخدم معه أساليب التعزيز المناسبة، كحكاية قصة أو مداعبة، أو ما تراه مناسباً لاطمئنانه.

2- المحاولة مع الطفل، بأسلوب هادىء ومشجّع، لكي تنقل سريره إلى غرفة مع أحد أخوته، والذي يرحّب به ويؤمّن له الأجواء المريحة. أو في غرفة خاصة إذا لم يكن له أخوة.

3-  لا ضير من إبقاء نور مصباح خافت في غرفة النوم، ولا سيّما إذا ما شعرت الأم بأنّ الطفل يخاف من الظلام، ولكن دون أن تظهر له ذلك.

4-    القيام بتفقّد الطفل بين الحين والآخر، ريثما يصل به الاطمئنان إلى مرحلة التحرّر النهائي من الأم والاستقلال عنها، بلا خوف أو تردّد.

    ولا ينسى الوالدان، أنّ التعاون بينهما مهمّ جدّاً في هذا الموقف، وإن كانت مسؤولية الأم أكبر من مسؤولية الأب، بحكم  طبيعتها الأموميّة وقربها من الطفل وتعلّقه بها.. كما يجب أن تتمّ الإجراءات التي ذكرت آنفاً، بصبر وحزم معاً ومن كلا الطرفين (الأب والأم)، مع التشجيع لتنمية الاستقلالية الذاتية عند الطفل، وتعزيز ثقته بنفسه، وشعوره بالتالي بأنّه مثل أخوته أو رفاقه الذين ينامون في غرفهم الخاصة، وعندما يستيقظون برتّبون أسرّتهم. وها هو الآن قد أصبح كبيراً ويمكنه القيام بهذه الأعمال، دون أن يعتمد على أحد.

 6- الطفل والرغبة في الانتقام:

   إنّ الرغبة في الانتقام موجودة لدى بعض الناس، الكبار منهم والصغار، وكثيراً ما تسبّبت هذه الرغبة في حدوث سلسلة من المشكلات والمآسي التي تعكّر العلاقات بين الأفراد، إلى درجة يصعب حلّها في بعض الأحيان، حتى بين المقرّبين والأصدقاء.

    أمّا ظاهرة الانتقام عند الأطفال، فهي منتشرة على نطاق واسع وفي مراحل طفلية مختلفة.. وهي في الواقع، ليست في غالبية الأحيان، إلاّ ردّة فعل سلبية يتّخذها الطفل تجاه الآخرين نتيجة لشعوره بالظلم والإهانة والدونيّة. ولذلك، فإنّ من الأسباب الأساسيّة التي تولّد رغبة الطفل في الانتقام، هو ذلك السلوك التعاملي / التسلّطي المتزمّت الذي يتّخذه أحد الوالدين أو كلاهما، تجاه الطفل، كالعقوبات البدنية، والنقد اللاذع المصحوب بالسخرية، ولا سيّما أمام الغرباء من الزوّار والضيوف، إضافة إلى فقدان الأجواء الأسرية من الحبّ والحنان، وحرمان الطفل من أشياء يرغب في اقتنائها.

    فالطفل أو الفتى الذي يعاني من الضغط والظلم والسخرية، من والديه أو من المربّين، لا بدّ أن تتولّد لديه الرغبة في الانتقام نتيجة للإحباطات المتراكمة التي يحملها في نفسه من جهة، ومن ثمّ محاولته تدارك الفشل الذي يعاني منه جرّاء تلك الإحباطات من جهة أخرى.. ليصل به الأمر إلى أن يقدم على بعض الأعمال الخطيرة والمشينة، التي تعبّر عن انتقامه إمّا من ذاته أو من الآخرين،  كالجريمة أو الانحراف الجنسي أوالسرقة أو الانتحار.. وغيرذلك.

    يقول الدكتور / آلاندي / في هذه الصدد: " يجب أن نمتنع –نحن الآباء والمربّين- عن أيّ ظلم تجاه الطفل، حتى لا ينشأ على السرقة.. إنّ كلّ طفل يصبح سارقاً، لا بدّ وأنّ حقّه قد غبن في يوم من الأيام، وقوبل بالتجاوز والظلم.."

    ولكنّنا نرى أيضاً، أنّ الطفل الذي يعاني من الإهمال الوالدي والسخرية الأسرية، يتحيّن الفرصة المواتية، ولا سيّما في  أثناء وجود الغرباء، ليقوم بفعل انتقامي لمعاناته، سواء من والديه أو من أخوته.. فتراه يشاغب ويقوم بحركات غير لائقة.. أو يعتدي على أخيه الصغير، أو يعبث ببعض الأدوات ويحطّمها، أو يتلفّظ بكلمات وعبارات نابية، أو لا معنى لها.. وغايته من ذلك إحراج والديه وصرف انتباه الزوّار عن كلام أبيه أو أمّه، وقطع حديثهما وجلب الانتباه إليه لإثبات وجوده  الذي يهمله الوالدان، وبالتالي التنفيس عن معاناته منهما.

   لا شك أنّ هكذا موقف وغيره من المواقف التي تسبّب الإحراج للوالدين والاضطراب، تبرز أهميّة الدور الذي يحتم عليها القيام به لتلافي الأسباب التي أدّت بالطفل، لكي يقوم بهذه التصرّفات المرفوضة أسرياً واجتماعياً. وأول ما يجب أن يقوما به، هو التقويم الدقيق والواعي لسياستهما التربوية في التعامل مع الطفل وتصويبها، وتبنّي أساليب تعاملية متوازنة بين الأبناء ومتكافئة، دون تفريط أو إفراط، سواء بالحنان والعطف أو بالشدّة والضبط، بحيث لا يشعر أحد الأبناء بأنّه مظلوم أو محروم من والديه.. وع الاعتراف بضرورة  أن تمارس السلطة الوالدية الإيجابية في المواقف التي تتطلبّ هذه الممارسة.

     ولا بدّ من التأكيد، أنّه من المفيد أن يستخدم الآباء والأمهات، في تعاملهم مع أبنائهم، أسلوب الحوار والمناقشة والإقناع، في إطار بناء العلاقات الاجتماعية السليمة، حيث تتعزّز ثقة الأبناء بأنفسهم، فيشعرون بوجوده كأعضاء نافعين في الجماعة، يتأثرون بها ويؤثّرون فيها، وفق علاقة تبادليّة إيجابية، يتمسّكون بها ويعملون على تفعيلها.

أقراء ايضأ :الاثار التربوية ومستقبل الابناء 3

 7- اكتئـاب الأطفـال:

   الاكتئاب هو بتعرف بسيط: حالة نفسيّة قد تصيب الإنسان في أي مرحلة من مراحل عمره، وتتّسم هذه الحالة باليأس والعزلة وفقدان الأمل في الحياة. وقد تصل عند بعض الأفراد إلى حدّ الانتحار في بعض الحالات الشديدة.

    أمّا بالنسبة للأطفال، فقد أكّدت الدراسات النفسيّة والتربوية، أنّ الأطفال معرّضون للإصابة بحالة الاكتئاب، حتى في السنوات الأولى من عمرهم، وأن كانت نسبتهم قليلة. ويعود السبب في ذلك، إلى تعرّض الأطفال لبعض الصدمات الانفعالية أو الاجتماعية، وعدم قدرتهم على تحمّلها أو مواجهتها، لقلّة خبرتهم الحياتية، فيلجأون للتعبير عن هذه الصدمات بمظاهر متنوّعة.

   يقول الدكتور / فاسلر / في كتابه  (ساعدوني أنا يائس): " إنّ الأطفال الصغار الذين ليس لديهم المقدرة اللغوية للتعبير عمّا يعانون من إحباطات ومن مشاعر اكتئابية، يقومون بتصرّفات معيّنة تدلّ على ذلك.. كالتصرّف بفوقيّة وافتعال مشكلات مدرسيّة، أو الشكوى من آلام مجهولة السبب. وربّما تجلّ ذلك أيضاً، في سرعة البكاء أو الانطواء والانعزال عن الرفاق أو الأخوة داخل الأسرة.."

    أنّ نتائج الاكتئاب إذاً، ذات تأثيرات سلبية كبيرة، سواء على تفكير الطفل أو على سلوكه، ذلك بسبب القلق وعدم التكيّف، وفقدان التواصل مع الآخرين. فطفل ما قبل المدرسة الابتدائية المكتئب، على سبيل المثال، يعاني من السلس البولي / الليلي (تبليل الفراش) ومن تباطؤ الفهم، مقابل استخدام العنف والتخريب والتعرّض للحوادث.. بينما يعاني الطفل المكتئب في سنّ المدرسة الابتدائية، من التباطؤ في الفهم والاستيعاب، واكتساب المهارات الدراسية، وضعف العلاقات الاجتماعية والخوف من المدرسة، وسوء التكيّف مع الذات ومع الآخرين. إضافة إلى قيام الطفل بتصرّفات لا أخلاقية كالسرقة والكذب..

    أمّا الفتى المراهق المكتئب، فإنّه يعاني من الحزن والضجر، وتقلّب المزاج وعدم الضبط النفسي..إضافة إلى الرسوب المدرسي والهروب من البيت بصورة مستمرّة، وما ينجم عن ذلك من انحرافات سلوكيّة تتجلّى في التسوّل والسرقة أو تعاطي المخدّرات.

    واستناداً إلى ما تقدّم، يمكن القول: إذا كان الاكتئاب حالة نفسيّة تصيب الفرد / الطفل، فلا بدّ أن يكون منشؤها تربويّاً / اجتماعيّاً، ينتج إمّا عن سوء المعاملة الوالدية، أو التفكّك الأسري، أو المعاناة من الضغوطات الاجتماعية التي يتعرّض لها الطفل، من الرفاق أو الأقران في الحيّ والمدرسة. ومهما يكن الأمر، يبقى الاكتئاب بأبعاده ومظاهره،  مشكلة ذات تأثيرات سلبية على حاضر الطفل، وأيضاً على مستقبله إذا لم تعالج في الوقت المناسب، إضافة إلى انعكاساتها القلقة على الجوّ الأسري بوجه عام.

   إنّ هذه التاثيرات ومنعكساتها، تتطلّب من الوالدين الإسراع في تعرّف هذه المشكلة في حال ظهور أيّ من الأعراض التي سبق ذكرها، على سلوك الطفل، وتحرّي أسبابها ومظاهرها، والعمل على علاجها بالتعاون مع المختصّين من الأطباء والنفسيين والتربويين، لتأمين حالة نفسيّة / اجتماعية سليمة، تعيد الطفل المكتئب  إلى وضعه الطبيعي قبل فوات الأوان، وتجنيبه النتائج السيّئة التي لا يمكن تقديرها أو التحكم بها، إذا ما استفحلت المشكلة وأهمل علاجها.

 8- الغيرة عند الأطفـال:

    تعرّف الغيرة بوجه عام، بأنّها: شعور سلبي يبديه الفرد تجاه الآخرين، بما فيهم المقرّبون منه، إذا ما قاموا بعمل يتمنّاه، ولا يستطيع القيام به. والغير ظاهرة نفسيّة / اجتماعيّة تضرّ بالكبار والصغار.. حيث تشكّل، في كثير من الأحيان، عامل ضغط وتوتّر يشلّ تفكير الفرد، ويضعف قدرته على التكيّف والتعامل مع الآخرين، نتيجة لما يتولّد لديه تجاههم من الحقد والنفور والكراهيّة.. فتشكّل هذه الأمور مجتمعة مشكلة، تؤدّي إلى فشل الفرد في حياته الخاصة والعامة.

    وقد تكون الغيرة أشدّ فاعلية عند الأطفال، بالنظر إلى حساسيتهم المفرطة، وعدم قدرتهم على التحكّم الإيجابي بعواطفهم ومشاعرهم وانفعالاتهم، وبالتالي عدم تمكّنهم من استيعاب الأحداث والمواقف الحياتية، وتحليلها بواقعيّة مجرّدة، كما هي الحال عند الكبار الذين يملكون قدرات من الوعي، تمكّنهم من تحليل الأمور والتعامل معها بمنطقيّة وعقلانيّة.

    ومن الأسباب الأساسيّة التي تولّد الشعور بالغية عند الأطفال، ذلك الجوّ الأسري الذي يعيشون فيه، بنظامه وعلاقاته وتفاعلاته، ولا سيّما تمييز الوالدين بين الأبناء، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان التمييز بين الكبار والصغار، أو بين الذكور والإناث. أو حين يأتي إلى الأسرة مولود جديد، ولا يعدّ الوالدان الأخوة (أو الأخ)لاستقباله، فيفقدون بعضاً من امتيازاتهم التي ينعمون بها.

    وتتجلّى الغيرة عند الأطفال بمظاهر متعدّدة، يمكن إجمالها بالمظاهر الثلاثة التالية:

1- المظهر الجسمي: ويتجلّى في احمرار الوجه وارتعاش اليدين، وبعض الاضطرابات الحركيّة مثل، الرفس بالرجلين وإتلاف الممتلكات الخاصة أو ممتلكات الآخرين.. وقد تصل الحالة أحياناً، إلى حدّ الامتناع عن الطعام، والإصابة بنزيف دموي نتيجة التوتّر الزائد.

2-المظهر النفسي: ويتجلّى في معاناة الطفل من الأحلام الليلية المزعجة والكوابيس المخيفة..أو في الانكفاء (العزلة) والتقوقع حول الذات، أو ظهور  العدوانية والرغبة في إيذاء الآخرين.. إضافة إلى اضطرابات في العمليات العقلية (الانتباه، الاستيعاب والتذكّر..).

3- المظهر الاجتماعي: وهو نتيجة حتميّة للمظهرين السابقين، ويتجلّى في عدم القدرة على تكيّف الطفل مع الآخرين، وفشله في إقامة علاقات صداقة ومودّة وتعاون مع  أفراد أسرته، ومع رفاقه.

   يتّضح من المظاهر السابقة، أنّ الغيرة  عند الأطفال، هي حالة مكتسبة وعَرَضيّة، أنتجتها ممارسات تربوية خاطئة، وللأسرة دور كبير فيها. وهذا يتطلّب من الآباء والأمّهات، أن يكونوا أكثر وعياً بأدوارهم في تنشئة الأبناء، من خلال المعاملة الحكيمة والعادلة فيما بينهم، سواء في المحبّة أو في تأمين الحاجات بحيث يشعر كلّ من الأبناء  بقيمته واحترامه في نطاق إمكاناته وقدراته الذاتية من جهة، وفي نطاق أخوته في الأسرة من جهة أخرى.. فتتعزّز في نفوس الأبناء روح الغيريّة بدلاً من الغيرة، في إطار التعاون والمحبّة والاحترام المتبادل.

أقراء ايضأ :الاثار التربوية ومستقبل الابناء4

 9- عنـاد الأطفـال:

   يعدّ العناد صفة من الصفات الأساسيّة التي يبنى عليها تقويم شخصيّة الفرد، وذلك بحسب طبيعة هذا العناد وشدّته، والمظاهر التي يتبدّى فيها. وإذا كان العناد يعبّر عن موقف متصلّب إلى حدّ ما، فإنّه مع ذلك ليس ظاهرة (صفة) سلبية دائماً، بل قد يأخذ منحىً إيجابياً وفق الموقف الذي يقتضيه، سواء عند الكبار أو عند الصغار.

   فإذا كان العناد يتجلّى عند الأبناء في بعض المظاهر السلبيّة، كمعاكسة إرادة الوالدين وإظهار الغضب الشديد والانفعال، كتعبير عن التمرّد الصريح على قراراتهما العادلة، والذي يصل أحياناً إلى درجة الانتقام من معاملتهما القاسية، فإنّه في الجانب المقابل / الإيجابي، يكون تعبيراً عن الثقة بالنفس وتوكيداً للذات، ومصدراً للحزم والمثابرة وما له من علاقة بقوّة إرادة الشخصيّة الفاعلة.

   تشير الدراسات النفسيّة والتربوية، إلى أنّ ظاهرة العناد عندما تكون في بدايتها لدى الطفل، فهي تدلّ على بدء مرحلة الاستقلاليّة والاعتماد على الذات، والتخلّي في المقابل عن التبعية السلبية للوالدين، ولا سيّما التبعيّة للأم.. فنرى الطفل يبدأ باتّخاذ سلوكات خاصّة به، تكون أحياناً متعارضة مع رغبة الوالدين، ومعبّرة عن دوافعه لإثبات ذاته وقدرته على القيام بالأعمال الخاصّة به.

    وانطلاقاً من ذلك، ينصح الوالدان بتفهّم دوافع الطفل للعناد، وعدم اللجوء إلى الأسلوب القمعي لمواجهة سلوكه هذا وتقويمه.. بل ينبغي عليهما اتّباع الأسلوب الودّي من خلال التقرّب إلى الطفل، والإصغاء إلى وجهة نظره التي تكشف عن حقيقة رغبته في هذا السلوك الجديد، وبالتالي مناقشته في أبعاد هذا السلوك ونتائجه الخاصة والعامة، وإقناعه بما هو صحيح منها وإيجابي.. فلا يجوز بحال من الأحوال، أن يقابِل الوالدان عناد الطفل بعناد أشدّ منه، لأنّ المطلوب في هذه الحال، هو تبسيط الوضع المستجدّ وليس تأزيمه.

    فإذا أصرّ طفل في الرابعة من عمره، على سبيل المثال، على أن يتناول عدداً من قطع الحلوى أو الكعك، فبل تناول طعام العشاء، وجا ول أحد الوالدين أن يقنعه، وبصورة قسرية، أنّ تصرّفه هذا تصرّفاً خاطئاً، من الناحية الصحيّة والسلوكيّة، فإنّ هذه المحاولة ستبوء بالفشل لأنّها عديمة الجدوى، حيث تكون نتائجها زيادة في تعنّت الطفل ورفع درجة توتّره الانفعالي.. وقد يصل الحال به إلى درجة الشعور باليأس والإحباط، مقابل شعور الوالدين بخيبة الأول، لعدم قدرتهما على التأثير في الطفل وضبط سلوكه.

    وينصح الأهل في هكذا موقف، التحلّي بدرجة عالية من الصبر وهدوء الأعصاب، والانشغال بأمر جانبي، لفترة من الوقت، ليتمّ الخروج من الموقف المتأزّم.. كتغيير مكان الجلوس، أو الانتقال مع الطفل من غرفة إلى أخرى، أو المشي قليلاً داخل البيت أو خارجه، أو تناول بعض المرطّبات، وغير ذلك من الأعمال التي يمكن أن تبدّد الأجواء المتوتّرة، وتعيد الوضع إلى طبيعته تدريجياً عند الطفل والوالدين معاً.

   وقد ذكرت إحدى الأمّهات في هذا الصدد، أنّها عندما كانت تقترب من حدّ الاحتراق بسبب صعوبة التعامل مع طفلها العنيد، والبالغ من العمر ثلاث سنوات، كانت تذهب إلى الثلاّجة (البرّاد) لتأخذ كأساً أو أكثر من الشراب البارد، أو البوظة، وتبدأ في التهماها لبعض الوقت.. وقد علّلت تصرّفها هذا قائلة: " إنّه يهدئني ويبرّد أعصابي.. وبالتالي لم يبقني مستمرّة في محاججة الطفل، ومجادلته بلا جدوى.. وبعدها سيهدأ تلقائيّاً.."

   لقد أثبتت غالبية الدراسات التي أجريت على عناد الأطفال، ولا سيّما العناد السلبي، أنّ الأسباب المؤدّية إلى هذه الظاهرة، تعود في معظمها إلى المحيط الأسري غير النقي والأجواء السائدة فيه، وما ينتج عنها من آثار سلبية على حياة الأبناء. ومن أهمّ هذه الآثار، الضيق النفسي الذي يعاني منه الطفل العنيد، لشعوره بضآلة أهميّته لدى والديه، وعدم تأمين حاجاته الضرورية، قياساً بأخوته الآخرين، إضافة إلى مقارنته بغيره دون مبرّر. ولذلك، يحاول الطفل أن يتّخذ من سلوك العناد سبيلاً لتوكيد ذاته، وشدّ انتباه الوالدين إلى وجوده  والاهتمام به.

    ولكي لا يصل الطفل إلى هكذا وضع، فإنّ الواجب التربوي يحتم على الوالدين أن يعملا ما بوسعهما لتحقيق العدالة والمساواة بين الأبناء، وبناء جسور المحبّة والاحترام فيما بينهم، على أساس العلاقات المتكافئة بين الجميع، مع استخدام الحريّة المنظّمة لكي يختار كلّ منهم بنفسه، الأعمال التي يرغب القيام بها، والأصدقاء الذين يحبّهم.. فيعيش كلّ منهم طفولته بسعادة، ودون أن يتعرّض لأيّة صدمات قد تعوّق تطوّره النفسي والاجتماعي.

 10- طاعة الأبنـاء للآبـاء:

      يلاحظ في التربية الأسرية، بوجه عام، أنّ غالبية الآباء والأمهات، يطالبون أبناءهم بالطاعة التي تكون في معظم الأحيان من دون مناقشة أو إقناع، ومن دون مراعاة لطبيعة هذه الأوامر ومدى مناسبتها لقدرات الأطفال (الجسدية والنفسيّة والعقلية) لكي يستجيبوا لها ويتقبّلوها، ومن ثمّ يعملوا على تنفيذها..

    ويعتبر الوالدون أنّ إصدار الأوامر المطلقة للأبناء، هو حقّ لهم وممارسة لسلطتهم الأبوية والتربوية، وهو في المقابل، واجب على الأبناء ملزم الطاعة، لا يجوز لهم رفضه كما لا يحقّ لهم الاعتراض عليه. ويتناسى الوالدون أنّ هذه الطاعة ينبغي ألاّ تكون قسرية، وإنّما يجب أن تتمّ من خلال اقتناع الأبناء بها ورضاهم عنها، وبالتالي رغبتهم في الاستجابة لها.

    وهذا كلّه يتطلّب توفير أجواء من العلاقات الإيجابية بين الوالدين والأبناء، تسودها الصراحة والاحترام، وتبادل الرأي بهدوء وموّدة، بحيث تُتّخذ الأوامر بما يتناسب مع مستوى قدرات كلّ طفل وفاعليته في التنفيذ المقبول،  فيتعوّد تقبّل النظام والانضباط.

   لا شكّ أن الأبناء، وفي معظم أعمارهم، يعمدون أحياناً إلى رفض الطاعة لأوامر الوالدين، ويتّخذون مواقف معارضة لهذه الأوامر، ولا سيّما إذا اتّسمت بالقسرية والإكراه.. ويتجلّى هذه الرفض بصورة واضحة وبارزة في مرحلتين هامّتين من مراحل نموّ الأبناء وتطوّرهم.

المرحلة الأولى – في العمر ما بين (3-5) سنوات): 


وهي المرحلة التي تسمّى: (التمركز حول الذات)، حيث يحاول الطفل إثبات ذاته وإشعار الآخرين من حوله بأنّه موجود وله كيانه الخاص. فنراه يغضب ويتمرّد، ويرفض الأوامر التي لا تعجبه.. وينصح الوالدان هنا بالهدوء والتروّي، وعدم مقابلة غضب الطفل ورفضه بردّات فعل سلبية أشدّ غضباً وقسوة، تصل في بعض حالاتها إلى العقوبة الجسدية المؤلمة، أو العقوبة النفسيّة الصادمة. وفي المقابل، فإنّ مدح الطفل على أعمال عَرَضيّة، لطيفة ومستحسنة، يقوم بها من تلقاء ذاته، يعدّ من الأساليب التربوية الناجحة لتحفيز الطفل على العمل الجيّد، والمبادرة الذاتيّة بعيداً عن الأوامر القسرية.

المرحلة الثانية-مرحلة المراهقة ما بين (14-17) سنة: 


تعدّ هذه المرحلة أكثرّ حساسيّة وأشدّ خطورة في حياة  الفرد، الآنية والمستقبلية، حيث يبدأ الطفل بالانتقال إلى مرحلة جديدة، بمظاهرها وأبعادها الفردية والاجتماعية، يحاول فيها أن يكوّن ذاته كشخصيّة مستقلّة، لها سماتها وخصوصياتها.. فنراه يرفض، في كثير من الأحيان، تدخّل والديه أو غيرهما من الكبار، في شؤونه الخاصّة، ويتمرّد على المواقف التي لا يقتنع بها، كما يرفض الطاعة للأوامر التي يراها غير منطقيّة.

وينصح الوالدان، بتفهّم مشاعر الابن / الابنة، وعدم الإساءة إلى قيمة الآراء التي يبديها أو الحطّ من شأنها، بلا مناقشة بحجّة أنّه غير قادر بعد على تقدير الأمور تقديراً جيّداً ومنطقيّاً، وما عليه إلاّ أن يطيع الأوامر التي تفرض عليه.. بل يجب على الوالدين بدلاً من ذلك، أن يتعاملوا مع المراهق / الناشىء بمودّة وصداقة، لكي يتمكّنوا من فهم معاناته ومساعدته في حلّ مشكلاته النفسيّة والاجتماعية، لكي يستطيع تجاوز هذه المرحلة الحرجة بأمان وسلامة.

 إنّ ملاحظة بعض مواقف المراهقين الجيّدة وأفعالهم اللطيفة، ومدحها والثناء عليها، تعدّ من الأساليب الفاعلة والمؤثّرة في مساعدة المراهق لتأسيس نواة سليمة لشخصيّته المستقبليّة.. وهذا المديح لا ينطبق على الأمور التي يريدها الوالدان منه أو يحدّدانها له، بل ينطبق أيضاً على مدح المراهق / الشاب لقاء أية خبرة إيجابية يحصل عليها من تلقاء ذاته، ومن ثمّ ينتقل المديح إلى مشاركة المراهق في الأفعال التي تنال الرضى والرعاية والاهتمام.

    ولا بدّ أخيراً، من الإشارة إلى أنّ ما يسمّى (الطاعة العمياء) والتي يطلبها بعض الوالدين من الأبناء، إنّما تشكّل خطراً نفسيّاً وتربوياً على حياة هؤلاء الأبناء، في طفولتهم وشبابهم، وربّما أيضاً في مستقبل حياتهم العامة، حيث تصبح هذه السمة (الطاعة العمياء) مظهراً من مظاهر الخضوع والاستسلام، أو الاضطراب النفسي والتكيّف السلبي، الذي يتحكّم في سلوكات الأبناء وتعامله الاجتماعي، داخل أسرتهم وخارجها.. وهذا ما يؤدّي بالتالي إلى فشلهم الدراسي أو العملي.

    إنّ أفضل وسيلة إذن لكي نحصل –نحن الوالدين- على طاعة أبنائنا بصورة ودّية ومقبولة، هي أن نؤمّن لهم الأجواء الأسرية المفعمة بالحبّ والاحترام.. الأجواء التي يشعرون فيها أنّنا نفهم مشاعرهم ونقدّر آراءهم من خلال المناقشة البنّاءة التي تحقّق التواصل الإيجابي، وتضمن المصالح المشتركة (الخاصة والعامة) في الأسرة..

أقراء ايضأ : علاقة الأم بالطفل خلال مراحل الطفولة الأساسية 

 11- الأطفـال واللعـب:

    يحتلّ اللعب أهميّة كبيرة وخاصة في نمو الأطفال وتنشئتهم.. فقد أكّدت معظم الدراسات التربوية والنفسيّة، أنّ انشغال الطفل باللعب يفوق انشغاله بالأعمال اليوميّة الأخرى، كالأكل والحديث والجلوس.. لأنّ الطفل في أثناء اللعب، يفجّر طاقات النموّ الكامنة، ويعبّر عن ذاته ويتعلّم الاتصال بالآخرين، ولا سيّما مع الرفاق والأقران.

     فالطفل يلعب لأنّه ينمو، ولذلك يعدّ اللعب نشاطاً نمائياً أساسياً للطفل، ولا سيّما قبل المرحلة المدرسيّة.. ففي إطار اللعب، تنمو لدى الطفل قدراته على التأثير والتأثر، وتتطوّر خصائصه العقلية والأخلاقية والاجتماعية، وتتكوّن بالتالي ملامح شخصيّة العامة.

    وانطلاقاً من هذه المعطيات العامة، فلا يجوز النظر إلى لعب الأطفال على أنّه مضيعة للوقت، بل هو حاجة من الحاجات الضرورية للنمو السليم من الجوانب الجسدية والنفسيّة والعقلية والاجتماعية. فالطفل في أثناء اللعب، يتحرّك ويتحدّث، ويفهم ويفكّر، ويعمل خياله وذاكرته بفاعلية، وتتزايد انفعالاته الإرادية واللاإراديّة.. وكما يقول / أوشينسكي /: " إنّ الطفل في اللعب يعيش بطريقة خاصة، وتبقى آثار ذلك عميقة في شخصيّته أكثر من آثار الحياة الفعلية.."

    فاللعب بالنسبة للطفل، هو نشاط حرّ ومستقلّ، لأنّه يتمّ غالباً، بمبادرة ذاتية يقوم بها الطفل، ويتميّز بطبيعة ابتكارية تتوافق مع دوافع الطفل، وتشبع تقلّباته الانفعالية. وهذا يعني أنّ ثمّة جانباً نفسيّاً مهمّاً يحقّقه لعب الأطفال، ويتجلّى في تصريف التوتّرات والشحنات الانفعالية عند الطفل، والتي تنجم في معظم الأحيان، عن القيود المفروضة عليه من الأسرة أو من المربّين في المدرسة، والتي تترافق بالأوامر المستمرّة والنواهي القاسية.

    ولذلك، يرى / كومينوس / العالم التربوي:  أنّ اللعب شكلاً من أشكال النشاطات الضرورية للطفل، لأنّه يلبّي طبيعة الطفل وميوله، باعتباره نشاطاً عقلياً جدّياً، يوسّع خيال الطفل ويغني دائرة تصوّراته عن العالم المحيط به.. ويطوّر لغته، ويسهّل عملية اقتراب الطفل من أقرانه والتعامل معهم بصور اجتماعيّة سليمة..

   واستناداً إلى هذه الأهميّة (النفسيّة والتربوية) للعب الأطفال، فإنّ ثمّة اعتبارات ينبغي على الوالدين والمربّين أخذها في الحسبان، لكي يؤدّي لعب الأطفال دوره الترفيهي والتربوي معاً.. ونذكر فيما يلي أبرز هذه الاعتبارات:

1-      تنظيم أوقات اللعب بحيث تكون مناسبة للأطفال ولا تزعج الكبار. ومن المستحسن أن تكون صباحاً في أثناء الدوام المدرسي، وفي أثناء العطل المدرسيّة.. أو في الصباح والمساء إذا كانت ظروف الطفل والأسرة تسمح بذلك.وتوجيه الأطفال إلى عدم اللعب في أوقات راحة الكبار واستراحاتهم.

2-   اختيار نوع اللعبة أو الألعاب التي تناسب عمر الطفل وقدراته، سواء كانت اللعبة فكرية أو حركية أو مهارية.. وسواء كانت فردية أو جماعية، وتوجيه الطفل إلى كيفيّة التعامل مع اللعبة / الألعاب، بحيث يستطيع أن يحقّق الفاعلية والمتعة، من دون أيّة أذيّة.

3-     اختيار أماكن اللعب التي تتوافر فيها الراحة والأمان، سواء داخل البيت أو خارجه، ولا سيّما في الألعاب الجماعية، كألعاب الكرات والقوى، وغيرها ممّا يحتاج إلى أماكن واسعة ومأمونة. وتأمين هذه الأماكن، من المشكلات التي يعاني منها الأطفال وأسرهم، بسبب ضيق البيوت، وعدم توافر الساحات والملاعب القريبة، قيضطرّ الأطفال إلى اللعب في الشوارع أو الأماكن الضيّقة، ممّا يعرّضهم لحوادث مزعجة.

4-  ضرورة الاهتمام بحصص التربية البدنية (الرياضيّة) في المدارس، وإفساح المجال للأطفال لطي يمارسوا النشاطات والألعاب الرياضيّة التي يرغبون فيها، وتشجيعهم على ذلك بإشراف معلمين ومدرّبين مختصّين.

 ولا بدّ من التأكيد، بعد هذه الاعتبارات، أنّ للعب الأطفال قيمة تربوية كبيرة، حيث اعتبر المربّي الشهير / أنطون مكارينكو / أنّ اللعب بالنسبة للأطفال كالعمل بالنسبة للكبار، مع فارق الهدف، فيقول: " كيف يكون الطفل في اللعب، سيكون –على الغالب- كذلك في المستقبل..". وهنا يركّز مكارينكو عل اللعب الجماعي والهادف الذي يسهم في تكون شخصيّة الطفل الاجتماعية القادمة. وهذا يوجب على الأسرة أولاً وعلى المؤسّسات التربوية ثانياً، تأمين الأماكن المناسبة وتوفير الفرص الضرورية، لكي يمارس الأطفال، وبحسب مراحلهم النمائية، المناشط الرياضيّة / الترويحية، ولا سيّما تلك الألعاب التي تسهم في تنميهم الجسدية وتعوّدهم النظام والانضباط، وحسن التعامل مع الآخرين.                                                                                                                         12- رسـوم الأطفـال:

    تشير النظريات النفسيّة/ التربوية الحديثة، إلى أنّ ثمّة علاقة بين فنون الأطفال (الرسم والأشغال والموسيقى والرقص)، والنموّ النفسي في المراحل الطفوليّة، حيث يعتبر الفنّ نشاطاً علاجيّاً مفيداً لكثير من المشكلات النفسيّة والتربوية، التي يعاني منها بعض الأطفال، كلّ بحسب المرحلة العمرية التي يمرّ بها. ولذلك، فإنّه من الأهميّة بمكان أن يتيح الوالدون والمربّون الفرص المناسبة للأطفال، لكي يقوموا بمفردهم، أو يشتركوا، في أي نشاط فنّي خلاّق، يستخدمون فيه خيالاتهم ومواهبهم.

   فعن طريق الرسم أو الموسيقى، مثلاً، يستطيع الطفل أن يعبّر عن مشاعره التي لا يستطيع أن يظهرها بطرية أخرى، سواء مشاعره الخاصة أو مشاعره تجاه البيئة التي يعيش فيها، فيخفّف بذلك من التوتّر الذي يعاني منه أو القلق أو الإحباط. ومن هنا كانت العلاقة بين فنون الأطفال وعلم نفس النمو، أي الربط بين التربية الفنيّة والمراحل النفسيّة النمائية عند الطفل. وذلك بالنظر إلى أنّ النمو الفنّي يتّصل بالحاجات الواقعيّة والقدرات المتنامية عند شخصيّة الإنسان، في كلّ مرحلة من مراحل نموّه العام.

    فالطفل الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات، لا يمتلك الإدراك الحسّي – النفسي، كما هي الحال عند ابن السادسة والذي تختلف أيضاً، نظرته الفنيّة إلى الأمور والأشياء عن نظرة المراهق. وهكذا، فإنّ الفنّ الذي يخلقه كلّ فرد ويقدّره حقّ قدره، يعتمد بدرجة كبيرة على طبيعة شخصيّة هذا الفرد، والتي تتغيّر وتتميّز بمظاهر هامّة في مراحل عمليّة النموّ.

    والسؤال الذي يطرح هنا، هو: إذا كان الفنّ يتّسم بالصبغة النفسيّة، فهل يمكن أن نعتبر "شخبطة " الطفل الصغير، خلقاً فنيّاً بمعيار ما؟!

    لا شكّ أنّ جميعنا يرى كثيراً من الأطفال الذين يبدأون – ومنذ السنة الثالثة من العمر- بالخربشات (الشخبطات) بالأقلام العادية أو الملوّنة، سواء على الأوراق التي تقع بين أيديهم أو على الجدران وغيرها من السطح الملساء، ويحاولون أن يعبّروا بالرسم عن بعض ما يرون أو يحسّون به، من الأشياء والحيوانات والناس المحيطين بهم.  ولكن، هل فكّر أحد منّا أن يدقّق في هذه الرسومات (الخربشات) ويدرس تفصيلاتها ومدلولاتها الفنيّة والنفسيّة؟ ومن ثمّ يتعرّف عالم الطفل من خلال هذه الدلالات؟

   إنّنا في الواقع، نهمل ذلك ولا نعيره أي اهتمام، بل على العكس، إذ كثيراً ما نتّخذ مواقف من القمع أو التأنيب، أو العقوبة للطفل، لأنّه مزّق الأوراق من دفاتر أخوته، أو وسّخ جدران المنزل أو سطح الطاولة...وفي هذه التصرّفات كلّها، مصادرة لحقّ الطفل في التعبير الفنّي عمّا يريد أو يعاني، أو لتنمية هواية عنده، بعيداً عن المواجهة المباشرة مع الأهل، التي قد تمنعه.

    ولكن إذا ما نظرنا إلى هذه الرسوم العفوية التي يقوم بها الطفل، بمنظاره ومشاعره، فإنّنا نجد أنّها تحمل قيمة كبيرة بالنسبة له، إذ تعبّر عن كثير من التساؤلات المفرحة والمقلقة، والتي ترتبط بصورة مباشرة بمشاعر الطفل ونظرنه إلى العالم المحيط به، حيث يعجز عن التعبير بالكلمات بصور صريحة، إمّا بسبب الخوف أو بسب عدم امتلاك القدرة على التعبير.

    فعندما يرسم الطفل والديه، مثلاً، فإنّه يرسم الذي يحبّه منهما بحجم أكبر.. وعندما يرسم أخوته، يعطي الوجه الأجمل لمن يحبّه. وعندما يعبّر بالرسم عن انفصال والديه أو عن سوء العلاقة بينهما، فإنّه يرسم بيتين منفصلين، وقد يرسم نفسه إلى جوار بيت أحد الوالدين الذي يميل إليه (الأب أو الأم).

    وكذا الحال بالنسبة لرسم الطفل للحيوانات، فنراه يرسم العصافير التي ترمز إلى حاجته للحنان، بينما ترمز الحيوانات المفترسة إلى الغضب الداخلي الذي يعاني منه. أمّا رسم الطفل الورود والأزهار بكثرة، ولا سيّما باستخدام اللون الوردي، فيرمز إلى الحبّ والحنان، بينما يرمز الرسم باللون الأحمر إلى الحركة وشدّة الانفعال والعدائية، في حين يرمز اللون الأزرق إلى الإحساس المرهف والمشاعر الرقيقة، والتي تصل أحياناً إلى حدّ الانطواء.

    وكلّما تقدّم الطفل في العمر، فإنّه يطوّر موضوعات رسومه وأساليبه التعبيرية. فيكثر من رسم الرفاق والأشخاص الذين يتعامل معهم.. ويرسم المناظر الطبيعيّة التي نثير إعجابه، وشخصيات القصص التي ينسجها خياله..  ويحاول في مراحل متقدّمة أن يسقط في رسومه رموزاً من الواقع الذي يعيشه ويرغب في تحسينه. ويترك في رسومه كلّها، الكثير من بصماته الفنيّة والوجدانيّة. وهنا تصبح مسؤوليّة توجيهه مشتركة بين الأسرة والمدرسة.

    والخلاصة، إنّ رسوم الأطفال  وسيلة هامّة للتعبير عمّا في نفوسهم، قبل أن تكون وسيلة للتسلية والتقليد. وهذا يقتضي من الوالدين والمربّين إيلاء هذه الرسوم الاهتمام اللازم، من حيث العناية والتوجيه، والدعم والتنمية، وعدم السخرية من أي عمل فنّي يقوم به الطفل، مهما كانت طبيعته وجودته، وإنّما يؤخذ بالدراسة الجديّة من أجل التقرّب إلى نفوس الأطفال شيئاً فشيئاً، واكتشاف عوالمهم الداخلية، بما يتيح تفهّم شخصيّتهم وتأمين الأجواء التي تعمّق لديهم القدرة على التعبير الذاتي، في إطار تنمية هواياتهم وإبداعاتهم الفنيّة الراقية.

 13- عقدة النقص عند الأطفـال :

   تعرّف العقد التي يصاب بها الإنسان، بوجه عام، بأنّها عقد نفسيّة أو حالات نفسيّة، تطرأ على البناء العام لشخصيّة الفرد، كبيراً كان أو صغيراً، وذكراً كان أو أنثى.. وتتجلّى مظاهر هذا العقد في أنماط من السلوك غير السوي، نتيجة لما تتركه من اضطرابات مختلفة تؤدّي إلى اختلال في توازن الشخصيّة. ومن هذه العقد: عقدة القلق، عقدة التفوّق، عقدة السيطرة، وعقدة الدونيّة أو الشعور بالنقص.. وقد تكون هذه الأخيرة، من أبرز العقد النفسيّة وأشدّها تأثيراً في حياة الفرد.

   لقد دلّت التجارب والدراسات السلوكية (النفسيّة والتربوية)  على أنّ عقدة النقص، عند الكبار أو الصغار، ليست موروثة، وإنما هي تنتج عن ممارسات تربوية خاطئة تلقّاها الفرد، ولا سيّما في طفولته، من والديه أو من المربّين، الذين لم يقدّروا استعدادات الطفل  وقدراته، ويتعاملوا معها على أساسها..ممّا ولّد لديه هذا الشعور السلبي، وشكّل بالتالي هذه العقدة (المشكلة) النفسيّة.

    فالطفل لا يستطيع – أحياناً- أن يقوم بعمل يفوق قدراته، فيلقى اللوم والذمّ والتسفيه، وربّما لقي العقاب أيضاً، من والديه أو من أحدهما.. وأقّل ما يوجّه إليه، تلك العبارات المحبطة، مثل: " أنت إنسان فاشل.. أنت لا تستطيع القيام بأي عمل.. ألا تخجل من نفسك / ألا تخجلين من نفسك؟!) وقد تصل عبارات الإحباط إلى حدّ التيئيس الفعلي، كأن يقول أحد الوالدين للابن أو الابنة: " أنا قطعت الأمل منك.. ولكن ما الفائدة..؟"

    ولكن المشكلة تكون أكثر تعقيداً وقسوة على الطفل، إذا ترافقت هذه العبارات المحبطة بمقارنة مهينة مع أطفال آخرين، سواء كانوا من أخوته أو من غيرهم، دون مراعاة لمشاعر الطفل. والأمر ذاته قد يحدث للطفل من قبل المعلمين (المربين) في المدرسة، وفي ظنّ هؤلاء الوالدين والمربين، أنّهم يحسنون صنعاً تربوياً من أجل حفز الطفل على تعديل مواقفه غير المرغوبة، بينما يحصل العكس تماماً، حيث تتراكم الإحباطات عنده لتصل إلى حدّ انعدام الثقة بالنفس، وعدم القدرة على إنجاز أي عمل، حتى وإن كان يحتاج إلى قدرات أقلّ من قدراته.

    وفي الجانب المقابل، إنّ مدح الطفل بدلاً من ذمّه، وتشجيعه بدلاً من إحباطه، والرضى عنه بدلاً من تسفيهه، على أي عمل عَرَضيّ يقوم به الطفل من تلقاء ذاته، وإن كان بسيطاً ولكنه مستحسن، تعدّ من الأساليب التربوية الناجحة لتحفيزه على العمل الجيّد والمبادرة الذاتية. كأن برتّب الطفل ملابسه بنفسه، أو يسمح لطفل آخر بركوب درّاجته.. أو تبادر الطفلة إلى مساعدة أمّها في عمل ما، وإن لم تستطع إنجازه بدرجة عالية.. أو تبادر بنفسها إلى ترتيب بعض أثاث المنزل.. وغير ذلك من الأعمال التي تستحقّ الاهتمام والإعجاب، ولا سيّما أنّ الكبار لا يعيرون اهتمامهم أو يُشدّ انتباههم – في أغلب الأحيان - إلاّ لتلك السلوكات التي تروق لهم، أو التي تعدّ  جيّدة من وجهة نظرهم ومقبولة بمعيار تقويمهم.

    إنّ ملاحظة بعض حركات الأطفال وأفعالهم العفويّة اللطيفة، ومدحها والثناء عليها، هي من الأساليب الهامة لمساعدة الطفل في تأسيس نواة سليمة لشخصيّة تثق بنفسها، حيث يشعر الطفل بأنّه شخص جيّد في نظر الآخرين.. وإذا حدث وارتكب خطأ لسبب من الأسباب، فإنّه يتقبّل الانتقاد وعمل جاهداً لتلافي الخطأ وعدم الوقوع فيه مرّة أخرى.

    ولكن لا بدّ من الاعتراف بمبدأ الفروق الفردية، الموجودة حتى بين الأخوة والأخوات. وهذا يحتم على الوالدين اختيار أساليب التعامل التربوية ا لتي تناسب الأبناء كلّ على حدة، مع بقاء الهدف التربوي واحداً، بحيث تكون هذه الأساليب معزّزة الثقة بالنفس عند الجميع، حتى عند ضعيفي القدرات المهارية والدراسيّة.

 14- مشاعر الطفـل وانفعـالاتـه:

   إنّ نشاط الإنسان / الفرد، يتحدّد بتفاعل العاطفة والعقل. فالعاطفة تحرّك مشاعر الإنسان وتدفعه إلى اتّخاذ سلوك معيّن، ولكنّها توقع الشخص – أحياناً- في الحيرة أو التردّد إذا لم تُضبط ويسيطر عليها. وقد تحرف السلوك في اتّجاه غير سوي، أو تجعل التصرّفات متناقضة. وهنا يأتي دور العقل في ضبط العاطفة، وتحديد تصرّفات الشخص وتوجيهها في الطريق الصحيح، وفق المعايير الأخلاقيّة والتقاليد الاجتماعية السائدة.

   إنّ الشعور، مهما كان نوعه، هو تعبير صادق عن علاقة الإنسان بالمحيط، وبالناس الذين يعيش معهم، وهو بالتالي حالة نفسيّة قد تكون أحياناً، متوتّرة وتسيطر على كيانه تماماً، بحيث لا يمكنه التخلّص منها.. وقد تكون في حالات أخرى أقلّ حدّة وجموحاً، فتجعل حياته محبّبة وممتعة. فنحن بفضل عواطفنا ومشاعرنا، نحسّ بالسعادة والفرح والبهجة والمحبّة.. ونتمتّع بالجمال ونشعر بالسرور عندما نرى الأشياء الجديدة والمريحة.. وفي المقابل، نكره ونحزن وننفر من بعض الأشياء التي تسبّب لنا القلق والإزعاج..!

    أمّا بالنسبة للطفل، فإنّ مشاعره وانفعالاته تتأثّر إلى حدّ بعيد بمن حوله من جهة، وبرغبته العارمة في تفحّص الأشياء ومعرفتها من جهة أخرى. فتتولّ لديه من خلال ذلك مشاعر إيجابية أو سلبية، تشكّل انفعالاته وتصبح جزءاً من سلوكه ومقياساً لحالته النفسيّة / الوجدانيّة العامة.

     فعندما يبلغ الطفل الرابعة من عمره، يلاحظ الوالدان ظهور أشكال من السلوك لم تكن موجودة عنده من قبل، تجعلهما في حيرة إلى درجة الشكّ في قدرتهما على كسب ودّه وطاعته، مهما بذلا من جهود للتقرّب إليه.ويكون تساؤلهما باستغراب: " إذا كان –الآن- يقوم بمثل هذه التصرّفات المريبة، فكيف ستكون الحال إذن في المستقبل؟ وكيف يمكننا التعامل معه عندما يكبر؟! وينتاب الوالدان القلق والحذر معاً، وهما ينظران إلى الطفل بطريقة صارمة بهدف إبقاء السيطرة على زمام الأمور وعدم إفلاتها من قبضتهما.. وقد يلجأا إلى العقاب لردع الطفل وضبط انفعالاته.

    إنّ عملية كبح انفعالات الطفل أو السيطرة عليها بالقوّة العقابية، تكون ضعيفة التأثير إلى حدّ بعيد. فالطلب إلى الطفل أن يفعل ما لا يريد، كأن يطلب إليه أن يوقف نشاطاً حركيّاً وهو بأمسّ الحاجة إليه، يعدّ أمراً صعب التنفيذ وسابقاً لأوانه. وذلك لأنّ (شقاوات) الأطفال كما تسمّى، لا تصدر عن الرغبة في إزعاج الآخرين أو إثارة غضبهم، وإنّما هي نابعة من خصائص تطوّر نفسيّة الطفل المميّزة في هذه المرحلة.

   ولذلك يؤكّد علماء نفس الطفل، أنّ الحاجة إلى تكوين الانطباعات، هي أهمّ حاجة لنمو الطفل النفسي، من بين حاجاته الأوليّة كلّها، حيث تكمن الأهميّة النفسيّة لهذه الحاجة باعتبارها الأساس لتطوّر حاجات الطفل الاجتماعيّة ونموّها. وذلك، لأنّ حاجة تكوين الانطباعات، ملازمة للإنسان ولا يمكن إشباعها. فكلّما حصل الطفل على انطباعات جديدة وكثيرة، زادت رغته في الحصول على انطباعات أخرى، فتتحوّل عنده إلى حاجة أساسيّة للمعرفة والاطلاع، تسهم في نموّه النفسي المتكامل. وهكذا تكون الحاجة إلى الانطباعات، مرتبطة بالانفالات الإيجابية حيث يحصل الطفل على المتعة، وفي داخله شعور الفرح عندما يكتشف أشياء مجهولة، ويعرف أموراً جديدة.

   وفي المقابل، قد تلحق معاناة الطفل القاسية من الانفعالات السلبية المتكرّرة، الناتجة عن إهماله أو إهماله أو قلّة رعايته وتأمين حاجاته، أضراراً كبيرة بحالته النفسيّة وصحّته الجسديّة، في الوقت الآني والمستقبلي. ولذلك، أكّدت البحوث والدراسات العلميّة، النفسيّة والتربوية، ضرورة تأمين حالة انفعالية متوازنة عند الطفل، ومنذ مراحل النمو المبكرة، وإزالة الانفعالات السلبية من نفسه بالوسائل المناسبة لمستوى نضجه النفسي والاجتماعي، وإبعاده –ما أمكن- عن العوامل التي تثير لديه الانزعاج وعدم الرضا.

    ولا شكّ أنّ ذلك كلّه من مسؤولية الأسرة بوجه عام، ومسؤولية الوالدين بوجه خاص، مع إعطاء الأم الدور الأكبر في سنوات الطفل الأولى، حيث تؤدّي المعاشرة الودّية الحميمة بين الأم والطفل، إلى تكوين سلسلة من الانفعالات الإيجابية والضرورية خدّاً للمحافظة على حيويّة الطفل. أمّا غياب حنان الأم، أو قلّة عطفها على الطفل، فإنّه يؤدّي –غالباً- إلى تعرّض الطفل لحالات نفسيّة قد تكون أحياناً معقّدة، فتبدأ بالضعف والعجز تجاه بعض المواقف الخاصة، وتنتهي تدريجيّاً بشعور الحقد والكراهيّة تجاه الآخرين. يضاف إلى ذلك، إحساس الطفل بالقلق والتوتّر بصورة دائمة، مماّ ينعكس بالتالي على صحّته العامة.. فيشعر أنّ حنان الأم وعطفها، أمر هام وضروري بالنسبة له، وأنّ حرمانه منهما لا يمكن أن يعوّض بغيرهما البتّة. 

    لقد أوضحت معظم الدراسات النفسيّة، أنّ كثيراً من الأطفال الذين يفتقدون أمّهاتهم، وهم في مراحل عمرهم الأولى، يبقون متخلّفين في وضعهم النفسي عن أولئك الذين يعيشون مع أمّهاتهم، وإن توافرت لهم الأمّهات البديلات وأمّن لهم الغذاء والمناشط المختلفة. كما أنّهم يعانون من اختلاطات انفعالية حادّة، كالانطواء والحزن مع البكاء، والتأخّر في النطق والمشي، والرغبة في الابتعاد عن الآخرين.

   ولكنّ التأكيد على دور الأم في حياة الطفل الانفعالية، لا يعني بالمطلق أن الأطفال الذين يفتقدون أمّهاتهم، يعانون من أزمات انفعالية / سلبية، وإنّما هناك حالات استثنائيّة في هذا المجال. فكم من شخصيّات فذّة ترعرعت بعد فقدان الأمّهات، في أحضان الجدّات أو العمّات، أو في بيوت الأيتام، وكانت هذه الشخصيّات غنيّة بفكرها وروحها، ووصلت إلى مواقع متقدّمة في المجتمع.

   والخلاصة، يبقى تقرّب الوالدين إلى الطفل، وحمله ومداعبته باهتمام وحنان، وعدم تعريضه للانفعالات السلبية، كلّها من الأمور التي تؤمّن للطفل الحماية والطمأنينة والسعادة، وتوطيد الثقة بالنفس.. وهي بالتالي من العوامل الأساسيّة في إرساء بناء الطفل الانفعالي / الوجداني السليم منذ مراحل حياته الأولى. وعلى الآباء والأمّهات أن يتذكّروا هذا..!

 أقراء ايضأ : التـربية الأسريّة ودور الوالـدين

تعليقات

  1. سبحان الله والحمدالله والا الله الا الله والله اكبر

    ردحذف
  2. سبحان الله والحمدالله والا الله الا الله والله اكبر

    ردحذف

إرسال تعليق

مرحبا بتعليقك عبر عن رائيك شاركنا....

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مفهوم التربية الأخلاقية وأهدافها واهميتها طرائقه

  أولاً- مفهوم التربية الأخلاقية وأبعادها  يجمع المربون على أنّ تنمية القيم الأخلاقية في نفوس الناشئة، جزء أساس من عناصر التربية العامة، وأنّ كلّ تربية تخلو من العناصر الأخلاقية، ما هي إلاّ تربية عديمة الجدوى.  فتربية الشخصية المتكاملة والمتوازنة، لا تتحقّق إلاّ مع التربية الأخلاقية السليمة، باعتبار أنّ الأخلاق إذا ما تأصّلت في ذات الفرد، تصبح قوّة دافعة للسلوك والعمل والتعامل الإيجابي والفعّال.  وانطلاقاً من هذه الأهميّة للأخلاق والقيم والأخلاقية، فقد جهد الباحثون والدارسون، في إعطاء مفهومات للتربية الأخلاقية، من جوانبها المختلفة.  فعرّفت التربية الأخلاقية من حيث تعليم القيم الأخلاقية، بأنّها: التعليم المباشر وغير المباشر للأخلاق بهدف التعرّف إلى قيمة السلوك الخيّر أو الخُلقي، في ذاته من جهة، وبالنسبة للأفراد والمجتمع من جهة أخرى، وتحليل المبادىء التي تتحدّد في ضوئها هذه القيمة أو تلك..  أي أنّ التربية الأخلاقية هي: تعليم المبادىء الأخلاقية وممارستها، أو هي تكوين بصيرة  أخلاقية عند الطفل / الفرد، يمكنه بها التمييز بين سلوكي الخير والشرّ.  ...

العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية

     تمتاز التربية الأسرية بأنّهما عمليّة نفسيّة – اجتماعية، يخضع لها الفرد (الكائن البشري) من ولادته حتى نضجه، حيث يصبح شخصاً اجتماعيّاً كامل الصفات والموجبات اللازمة لعضويته الاجتماعيّة.وتقوم هذه العملية على التفاعل بين الطفل والأسرة، من خلال مجموعة من الروابط والعلاقات التي تنظّم حياة الأسرة، وتحدّد دور كلّ فرد فيها..وثمّة عوامل مؤثّرة في هذه العلاقات، تتمثّل في أوضاع الأسرة: (العاطفية والأخلاقية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية)، حيث تتفاعل هذه العوامل فيما بينها، لتشكّل طبيعة النظام الأسري الذي ينعكس بدور على تربية الأبناء وتنشئتهم، بصورة إيجابية أو سلبيّة.     فما   الأوضاع الأسرية التي تؤثّر في التربية الاجتماعيّة؟ وكيف تتعامل معها الأسرة؟      أقراء أيضا :العوامل التي تؤثّر في التربية الأسـرية أولاً- الوضع العاطفي للأسرة :         يختلف تأثير الأسرة في النمو الاجتماعي للفرد،   تبعاً لنوع الأسرة   والعلاقة العاطفية التي تربط بين أفرادها، إيجاباً أو سلباً. فعلاقة الطفل بالأب في سنو...

مرطب للبشرة

 المكونات خذي بياض بيض   ملعقة حليب  ملعقة عسل طريقة العمل واخلطيها جيدا وضعيها على الوجه لمدة 15 دقيقة ثم اغسلي وجهك  أقراء ايضا للحصول على شعر أسود لامع  وصفه مضمونه ومجربه لعمل رموش كثيفة  مرطب طبيعي للشفاه  طريقة العناية بالقدمين  وصفة لزيادة الوزن الطبيعي من 5 الى 7 كيلو فى الشهر وصفه مجربه لزياده الصدر مرطب طبيعي  لاطاله الشعر في شهر ونصف  اكليل الجبل لعلاج قشرة الشعر الدهني  وصفه لشد الوجه  وصفه لبشره صافيه و نقيه للحصول على اظافر قويه وصلبه وصفة لتكثيف الشعر  لشعر ناعم كأنه مستشور طريقه عمل زيت مساج في المنزل  مرطب طبيعي للوجه لبشرة كالحرير  طريقة تفتيح  وتنعيم الكوع والركبة تنعيم وتفتيح اليدين  طريقة نفخ الشفاه في المنزل  طريقة عمل ماسك لشد الوجه  ماسك للبشره الدهنيه  فوائد بياض البيض للبشره  توجد العديد من الفوائد التجميلية لبياض البيض منها  أنه يحارب حب الشباب  يصغر المسامات الكبيره   يقوم بالتخلص من الرؤوس السوداء يمنع انتفاخ منطقه حو...