*علاقه الأم بالطفل، خلال مراحل الطفولة الأساسيّة المتعاقبة
1ـ علاقة الأم بالطفل في المرحلة المبكرة (السنتين الأولى والثانية):
يتميّز الطفل في هذه المرحلة، بكثرة الطلبات
(الجسدية والنفسيّة) والإلحاح على تلبيتها، حتى أنّه يضع أمّه أحياناً، في مواقف
حرجة بسبب سلوكاته المزعجة (البكاء، الصراخ، التمرّغ على الأرض..) إذا لم تؤمّن له
مطالبه كلّها. وهنا يبرز دور الأم، البنّاء والإيجابي، في كيفيّة التعامل مع هذه
المطالب، بعد التفريق بين ما هو ضروري منها وغير ضروري، بحيث لا تكون سياسة
الاستجابة لمطالب الطفل، الطبيعية والخاصة جدّاً، نوعاً من التربية على تعوّد
(الطلب الذاتي) فحسب، وإنّما تكون أيضاً، نوعاً الطلب والتكيّف الذاتيين.
قد تكون طلبات الطفل كثيرة جدّا، في بعض
الحالات، أو في معظم الحالات، وحتى في اليوم الواحد، بحيث لا تستطيع الأمّ أن
تؤمّنها كلّها أو بعضها، بالشكل المعقول والمقبول. ولذلك، لا بدّ أن تستخدم الأمّ
الإجراءات المناسبة لحماية نفسها من طلبات الطفل المبالغ فيها، إذ لا يكفي أن تقف
موقفاً منفعلاً، فتستسلم لعواطفها وتقدّم للطفل كلّ ما يريد أو يطلب.
إنّ التكيّف بين الأم والطفل، أمر ضروري
لتنظيم طلبات الطفل من جهة، ولتمكين الأم من تلبية هذه الطلبات من جهة أخرى. فابن
السنة والنصف أو السنتين، مثلاَ، على الرغم من أنّه يبدو كبيراً – إلى حدّ ما –
وكثير الحركة، فإنّه يظهر غالباً، وكأنّه طفل صغير جدّاً فيما يخصّ علاقاته بأمّه. فهو يعرف بعض الكلمات ويستخدمها
للإعلان عن مطالبه، ولكن إذا لم يسعفه الحظ في معرفة الاسم الصحيح لشيء ما يطلبه،
فإنّه يسرع إلى استخدام إشارة ما تدلّ على هذا الشيء أو ذاك، ممّا يحيط به.
إنّ هذه السلوكات التي يظهرها الطفل، في هذه
المرحلة، تتطلّب من الأمّ أن تكون صبورة إلى حدّ بعيد، وأن تحسن توقّع هذا السلوك
أو ذاك، من خلال معرفة تفاصيل الحياة اليومية للطفل. وهذا يتطلّب أن تقضي وقتاً
طويلاً معه أو تأخذ عنه تفاصيل وافية من المربية، إذا كان الطفل في دار للحضانة.
2ـ علاقه الام بالطفل في سنّ (3-5) سنوات:
يمرّ الأطفال في الثالثة من العمر، في فترة
غريبة جدّاً.. فهم يبدون وكأنّهم يريدون أن يعيشوا الطفولة المبكرة من جديد،
فنجدهم يطالبون أمّهاتهم بأن يعاملنهم وكأنّهم أطفال صغار جدّاً.. حتّى أنّ بعض
الأطفال القادرين على الكلام، يعبّرون عن نفسياتهم هذه بالقول: " أنا صغير لا
أستطيع الكلام.. لا أستطيع أن آكل لوحدي.."
وأكثر ما يحدث هذه السلوك، عندما يأتي مولود
جديد للأسرة، فيصاب الأخ الأكبر منه مباشرة بما يسمّى (الارتداد أو النكوص)، أي
العودة إلى السلوك السابق الذي تخلّى
عنه.. وذلك نتيجة للغيرة التي بدأ يحسّ بها تجاه الأخ الجديد، وعدم اهتمام
الوالدين به، كما كانا قبل مجيء المولود المنافس.
ولكن هذا الوضع لا يجوز أن يكون مقلقاً
للأمّ، فيما إذا كانت حكيمة – بالتعاون مع الأب – في التعامل مع هذا الطفل وأخيه
الجديد، معاملة متوازنة، تبعده عن الغيرة وتساعده في الخروج من هذه المرحلة بعيداً
عن الصدمات العاطفية، بحيث يتقدّم في سلوكه إلى الأمام، وليس العودة إلى الوراء.
إنّ الطفل في السنة الثالثة من العمر، يبدأ
بتكوين علاقة مع الأمّ تتميّز بالسهولة والرضى فيما بينهما، بحيث تكون الأمّ
الرفيق المفضّل للطفل. وهذا ما يعطي الأم سروراً كبيراً، إضافة إلى أنّ الطفل يصبح
أسهل قيادة في قضاء حاجاته وتنفيذ رغباته.
وفي المقابل، يمكنه القيام ببعض الأعمال التي لم يكن يرغب فيها، والتي ينبغي عليه
القيام بها إذا ما قدّمت له الأم الأسباب
المقنعة والمبرّرات المعقولة.
ونجد في هذه المرحلة، أنّ طلبات الطفل تصبح
قليلة إلى حدّ ما، ويكون التعامل معها أكثر سهولة، والبقاء معه أكثر إمتاعاً.
ولكنّه سرعان ما ينقلب في نهاية عامه الثالث، حيث يكون في بعض الأحيان، قلقاً،
شارداً، مشوّشاً يشعر بعدم الاطمئنان وعدم
الثقة بالنفس، ويكثر من توجيه السؤال الشائع، للأب أو للأم: " هل تحبّني.. هل
تحبينني؟ " وهذا ما يزعج الوالدين ولا يجدان له سبباً، على الرغم من جهودهما
في ذلك، ولا سيّما أنّ الأطفال في هذا العمر، يطالبون بمزيد من اهتمام الوالدين
بهم، وتوفير الاطمئنان لهم من خلال المحبّة والعلاقات الوديّة معهم والمتينة.
إنّ هذا الطفل الذي يتّصف بالمرونة وسهولة
الانقياد أحياناً، والقلق وعدم الاطمئنان أحياناً أخرى، سرعان ما ينقلب إلى مقاوم
عنيد في السنة الرابعة. فيتمرّد على سلطة الأب والأم، لمجرّد المقاومة.. فنراه
يثور لأبسط الأمور، ويستمتع بثورته هذه على نقيض ابن الخامسة الذي يتّصف بالطاعة
لوالديه، ويعبّر عن سعادته بهذه الطاعة.
وهكذا نجد أن الطفل نفسه يختلف باختلاف السنّ. وهذا يتطلّب من الأم أن تتفهّم كلّ سلوك وتستوعبه، وتتعامل معه بالأسلوب الذي يناسبه ويحسّنه.. الأسلوب الذي يساعد الطفل في اجتياز المرحلة التي يمرّ بها إلى مرحلة أرقى، وفي إطار العلاقة الإيجابية والبنّاءة.
أقراء ايضأ : التـربية الأسريّة ودور الوالـدين
إذا كان الأطفال في سنّ الخامسة يتّصفون – في علاقاتهم مع أمهاتهم – بالطوعية التلقائية والصداقة، والرغبة في تنفيذ التعليمات والأوامر من دون تذمّر، لدرجة أنّ الأم تشعر بسعادة غامرة، وكأنّ في الجنّة (كما يقولون)، فإنّ هذا الأمر يختلف تماماً عند ابن السنة السادسة.
فالطفل في سنّ السادسة، يشعر بأنّه مركز
العالم المحيط به، وهذا ما يسمّى: (ظاهرة التمركز حول الذات)، فيريد أن يحصل على
النصيب الكبر من أي شيء، حتى من حبّ والديه، ليصل الأمر به أحياناً، إلى حدّ
الشعور بأنّه يجب أن يتساوى مع أبيه أو مع أمّه، في الملكية أو التصرّف، أو في
الحديث والسهر أيضاً.. وقد لا يكتفي بذلك، بل يصبح منافساً عنيداً لأمّه، يقاوم
أوامرها بشدّة لكي يثبت ذاته كشخصيّة مميّزة، وعلى لسانه عبارة الرفض المألوفة: " لا أريد هذا... اتركيني..
".
ولكن، قد تصدر عن الطفل – أحياناً- انفعالات
متناقضة، تكون في صالح الأم أم ضدّها. فتراه تارة يعانق أمّه أحرّ العناق ويعبّر
لها عن حبّه العميق بالعبارة المشهورة: " أحبّك يا ماما أكثر من أي شخص في
العالم.." وتسرّ الأمّ بذلك أيّما سرور. ولكنّه سرعان ما ينقلب ويقول لها في
موقف آخر: " أنا أكرهك... ليتني أموت.." وتتألّم الأمّ وتتساءل بحرقة: "
ماذا فعلت له ليقول لي هكذا..؟ "
إنّ سلوك الطفل هنا، يفسّر بطريقتين: فإمّا
أنّه يتمرّد لشعوره بأنّ الأمور لا تسير معه على ما يرام، وإمّا لأنّه يريد أن
يجرّب نفسه مع والديه بوساطة العصيان.. ولا سيّما عصيان أوامر الأم التي كانت
بالنسبة إليه، وقبل أشهر، قوانين لا تناقش.. وهذا أقصى ما يستطيع التفكير به.
لكنّ هذا الوضع لا يستمرّ طويلاً، فسرعان ما
ينقلب الطفل في السنة السابعة، فيصبح هروبياً.. فبعدما كان يواجه المشكلات مع الأم
بأسلوب هجومي أحياناً، فها هو الآن يواجهها بالانسحاب، وهو يشكو من والديه، حتى
أنّه يتصوّر أنّهما لا يحبّانه. وثمّة بعض الأطفال الذين يبتعدون بخيالاتهم لدرجة
يتصوّرون عندها أنّه ليسوا أبناء لوالديهم. فنجد طفلاّ يتخيّل أنّه ابن لوالدين
بالتبنّي، وآخر يتخيّل أنّه كان ابن لوالدين ثريّين غير الوالدين الحاليين..
وهكذا..
ومهما يكن الأمر، فإنّ على الأم ألاّ تقلق
من هكذا سلوك، وأن تتعامل معه بهدوء وودّ، لأنّ الطفل ما يلبث أن يعود في السنة
التالية (السنة الثامنة) إلى طلب محبّة الأم وملازمتها، وبناء علاقة حقيقية معها
ومتينة. فهو لا يكتفي بأن يفعل ما يرضي أمّه فحسب، بل يريدها أن تفكّر بالطريقة
التي ترضيه ويكون حسّاساً جدّاً تجاه موافقتها أو عدم موافقتها.. وهو يلاحظ ذلك
بسرعة ومن خلال تعبيرات وجهها، حتى تتضايق الأم أحياناً وتشعر أنّ التصاق الطفل
الزائد بها، يفسد عليها كثيراً من الأمور الحياتية.
ولا بدّ من التأكيد – أخيراً – أنّ! هذه
السلوك من قبل الطفل، لا يحمل أية مخاطر أو دلالات سلبية في هذا العمر، لأنّ جزءاً
كبيراً منه يأتي في إطار النمو العام للطفل. ولكنّه قد يصبح مشكلة إذا ما استمرّ
سنوات عمرية متقدّمة، وهنا تظهر قدرة الوالدين على تفهّم أسباب هذا السلوك،
وبراعتهما في تعديله بالأسلوب المناسب، وفي الوقت المناسب.
4- العلاقة بين الأم والطفل في سنّ (9-12) سنة:
إنّه لمن المدهش حقّاً أن نرى هذا التقلّب المفاجىء في سلوك أطفالنا، سواء بين سنة وأخرى أو بين مرحلة وأخرى.. مع أنّ ذلك ليس غريباً في الإطار النمائي والتطوّري لمراحل الطفولة.
ذكرنا في الفقرة السابقة أنّ الطفل في السنة
الثامنة، حريص على الالتصاق بأمّه، ملازم لها وسعيد بصحبتها، حتى أنّ بعض الأمهات
تجدن في ذلك أمومتهنّ الحقيقية، على الرغم ممّا يسببه لهنّ من متاعب. ولذلك ثمّة صدمة تحصل لدى الأم،
عندما ترى طفلها ابن التاسعة تخلّى عن صداقتها وصحبتها، ليتّحه إلى رفيق أو صديق
في الحيّ أو في المدرسة. وهذا دليل إيجابي على النمو السليم عند الطفل، وقد تخلّص
من ظاهرة التبعية (المريلة) للأم، وبدأ يعتمد على ذاته ويكوّن شخصيّته المستقلة.
ولكنّنا نجد – في المقابل – أنّ الطفل وعلى
الرغم من نزوعه إلى هذه الاستقلالية، فهو في السنة العاشرة لا يخرج عن حدود أسرته، ويقتنع بما يراه والداه
مناسباً له. فعلى سبيل المثال، تقول طفلة في العاشرة من عمرها: إنّها تقتنع بالثوب
الذي تشتريه لها أمّها، ومن دون شكاية أو احتجاج،حتى وإن لم تكن تحبّه.. ويقول طفل
في العمر ذاته أيضاً: " إنّ أمّي تستطيع أن تقنعني بالأمور التي يجب عليّ أن
أفعلها.. فهي أحسن منّي في المناقشة والاختيار..".
إنّ هذه المثالين يظهران بوضوح وداعة أطفال
السنة العاشرة، هذه الوداعة التي تعطي الأهل متعة يسرّونه بها ويطمئنون.. فالطفل
يتقبّل كلام الأب أو الأم، ويعتبرهما مصدراً للسلطة التي يجب إطاعتها برضىً
وتسليم، وإنّ أبدى أحياناً، تمرّداً في
بعض الأمور أو ثار وناقش فيها.
ومهما يكن الأمر، فإنّ سنّ العاشرة بهدوئها
وصفائها، تعدّ فترة سعيدة وإيجابية في علاقة الأم بطفلها.. وهذا يقتضي توظيفها
بفاعلية في غرس السلوكات المرغوبة، والتي تكوّن السمات العامة لشخصيّة الطفل
المستقبلية ومواقفه الحياتية، بحيث لا يبقى هكذا طيّعاً حتى مرحلة المراهقة،وإنّما
ينمو لديه الشعور بالاستقلالية الإيجابية، والقدرة على اتخاذ القرار الصريح
والواضح.. فليس من المستحسن أن يبقى الطفل / الفتى، أسيراً فقط لتوجيهات الوالدين
وأوامرهما.
وإذا كانت الأم، تصدر الكثير من الأوامر إلى
الطفل البالغ من العمر تسع سنوات، وتلاحظ أنّه يتمرّد على هذه الأوامر أو يرفضها،
فإنّه من المناسب أن تعيد النظر فيها، وتتأكّد من أنّها ضرورية أم لا، وتؤكّد
للطفل ذلك وتفهمه أنّ هذه الأوامر ليست للبرهان على اليد العليا للأم، بل هي
لمصلحته بالدرجة الأولى.
ومن جهة أخرى، يتوجّب على الأم أن تدرك أنهّ لكي ينمو الطفل في سنّ المراهقة، نموّاً سليماً يؤهّله لكي يكون راشداً كفوءاً، فلا بدّ أن يتعلّم كيف يفكّر مع نفسه، وكيف يتّخذ قراراً ما بنفسه، بعيداً عن تأثيرات الوالدين المباشرة. وهذا لا يعني التمرّد عليهما، وإنّما تحميله مسؤولية التفكير المستقلّ والسليم.
أقراء ايضأ :الاثار التربوية ومستقبل الابناء4
سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر
ردحذفسبحان الله والحمدالله والا الله الا الله والله اكبر
ردحذف