مقدمة
تظهر حاجة الطفل إلى الانتماء الاجتماعي والتجمّع
في مجموعات مماثلة قبل سنّ المدرسة، ويعتمد التفاعل الاجتماعي على نضج الطفل جسدياًّ
وعقلياًّ واجتماعياًّ، ومع تقدّمه في العمر تتغيّر أنماط سلوكه ضمن الأسرة ومع
جماعة الرفاق والأصدقاء. ولذلك فعلى الأسرة أن توائم بين مطالب التربية وقيم
المجتمع، وتستمد أهدافها من أهداف المجتمع الذي تربّي له الأبناء في ضوء معايير
الجماعة وقيمها.
ولكي يتمّ انتقال القيم من المجتمع الحالي إلى مجتمع
المستقبل، وتتطوّر، لابدّ أن تكون التربية الأسرية متطورة أيضاً في إطارها
الاجتماعي والتربوي، من حيث الهدف والمحتوى والطرائق لتسهيل هذا الانتقال القيمي.
وهذا ما يتمّ من خلال التربية الاجتماعية في الأسرة.
أولاً-التربية الاجتماعيّة (طبيعتها وخصائصها):
التربية
عملية اجتماعية من حيث المنطلق والهدف، لأنّ موضوعها الإنسان وغايتها الإنسان، وهي
بالتالي تستهدف نموّ الفرد وتكييفه مع ذاته ومجتمعه. فالإنسان هو نتاج المجتمع
الذي يعيش فيه، وشخصيّة اجتماعيّة أكثر منها بيولوجية.
فالإنسان نتاج المجتمع وعمليّة التطبيع الاجتماعي تستمرّ وتبقى طوال الحياة في التسلسل الهرمي للبناء الاجتماعي من خلال مراحل النمو. " وإذا كانت التربية عمليّة اجتماعية تهدف إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من النموّ للإنسان ممّا يؤدي إلى تكيّفه الشخصي والاجتماعي، فهي تهدف إلى تحقيق النموّ السليم لكلّ من الفرد والمجتمع "
ولذلك عرّفت التربية الاجتماعية بمضمون التنشئة الاجتماعية، على أنّها العمليّة التي يكتسب الطفل / الفرد الاتّجاهات والقيم والدوافع، وطرائق التفكير والخصائص الشخصيّة، الني تميزه كفرد في المجتمع، في المرحلة القادمة من نموّه.
فالتربية الاجتماعية، عمليّة إنسانيّة تختصّ بالإنسان وحده، من جهة،وهي
فرديّة اجتماعيّة تتعامل مع فرد في مجتمع من جهة أخرى.. فتتناول شخصيّة الفرد
وتعمل على تنميتها لمواصلة الحياة
الاجتماعية، وفق المعايير والقيم التي يرغبها المجتمع.
فالتربية لا تقوم ولا توجد إلا بوجود الإنسان
وقيام المجتمعات والمجتمع بثقافته هو الوعاء الذي يحتويها في داخله والأسرة هي
المسؤولة عن تدريب أطفالها على العادات والقيم التي تقبّلها الجماعة والمهارات
اللازمة لهم في الحياة.
فلا وجود للفرد بدون مجتمع ولا مجتمع بدون
أفراد، فالفرد يكتسب خصائصه الإنسانية من خلال تفاعله مع بيئته الاجتماعية،
لأنّ حقيقة المجتمع تكمن في تفاعل الأفراد مع البيئة الاجتماعية ولابدّ من الحفاظ
على النظام الاجتماعي والنهوض به من خلال نقل القيم من جيل إلى جيل، ومن خلال هذه
الوظيفة الاجتماعية تزودنا التربية بأسس حياة الفرد في الجماعة وواجباته نحوها وحقوقه
عليها "
فالعلم لا يورّث والحضارة الإنسانية ليست
ميراثاً بيولوجياً، بل هي ميراث اجتماعي، والفرد يولد عاجزاً يحتاج للكبار لتنشئته
وتربيته وفق ارتقاء سلم التطوّر الثقافي، ممّا يجعل الفرد قادراً على القيام بأدواره
الاجتماعية. ولذلك، تعدّ التربية صناعة الكائن البشري صناعة اجتماعية، وإدخاله
في المجتمع وتحقيق طبيعته الإنسانية.
لقد انتقلت التربية الاجتماعية من مفهوم
استيعاب المعارف والخبرات إلى إحداث تغيّرات
مستمرّة في بنية المجتمع من خلال تربية
شخصية الفرد وتنميتها. فالتربية تتعامل مع الإنسان عبر مراحل نموّه ليصبح عضواً كاملاً وصالحاً في
المجتمع.وأنّ الضبط الاجتماعي من ناحية الهدف يتمثّل في النظام وفي تدعيم القيم
الاجتماعية، إنّه يعني استدماج الفرد للمعايير الاجتماعية والقيم وتوقعّات الدور
من خلال التنشئة الاجتماعية، الأمر الذي يجعل الفرد يندفع نحو الاستجابة والامتثال
نستخلص ممّا
سبق أنّ التربية الاجتماعية تحقّق التكيف الإيجابي بين الفرد والمجتمع من خلال
التفاعل بين الطرفين، وتساعد الفرد في إشباع الحاجات الضروريّة لنموّه، ومعرفة
الأدوار الاجتماعية التي يؤديها عبر مراحل حياته، وتزوّده بالقيم التربوية/
الاجتماعية التي تمكّنه من القيام بهذه الأدوار..
ثانياً-القيم الاجتماعيّة التي تغرسها الأسرة :
القيم الاجتماعية،هي
القيم التي تخص المجتمع والعلاقات الأسرية وعلاقات الأفراد بما ينسجم مع العادات
والتقاليد، وهي الإرث التاريخي لهذا المجتمع وفق سلسلة التطورات التاريخية
والاصطفاء الثقافي..وإذا كانت تعني الصفات الحميدة المتوارثة بين أفراد المجتمع،
فإنها تشمل أيضاً الأساليب المتبّعة والعلاقات القائمة على أساس ما يقبله المجتمع
من ثقة واحترام ومنفعة ومصلحة، في إطار الأهداف الاجتماعية.
فالقيم الاجتماعيّة هي نوع من المعايير
السلوكية والأخلاقية التي ترتبط بمعايير أخرى يحدّدها الإطار العام لنظام المجتمع
والمرحلة الحضارية التاريخية التي يمرّ بها، والظروف الموضوعية والذاتية المحيطة به والمؤثرة
في ظواهره وعملياته الاجتماعية. .
واستناداً إلى طبيعة القيم الاجتماعيّة، يمكن تصنيفها في الفئات الثلاث التالية:
1- القيم داخل الأسرة:
تحكم العلاقات بين أعضاء الأسرة الواحدة،
شبكة من التفاعلات الاجتماعية التي تحدّد أساليب التعامل فيما بينهم، وتنظّم حقوق
كلّ منهم وواجباته. فكلّما كانت العلاقات موجبة
في مسارها الطبيعي، ساد جوّ الأسرة الوفاء والترابط والتماسك بين أعضائها. بينما
يكون الوضع على العكس من ذلك، عندما يسود جوّ الأسرة التنافر والتناحر وعدم الرغبة
في تحمل المسؤولية من قبل الآباء والأبناء (منصور والشربيني، 2000، ص 26)
وتستند هذه العلاقات الأسرية إلى مجموعة من
القيم الاجتماعية تضمّ سبع قيم، هي: (الانتماء الأسري)، (محبّة الوالدين)، (محبّة
الأخوة)، (علاقة الزوجين)، (معاملة
الوالدين العادلة للأبناء)، (معاملة الأبناء بعضهم مع بعض)،و (التعاون الأسري).
1/1 - الانتماء
الأسري:
هو شعور أفراد الأسرة، بأنّهم ينتمون إلى
هذه المؤسّسة، من خلال العيش المشترك ضمن مفهوم المناخ الأسري السليم الخالي من
الخصومات، والذي يحقّق إشباع الحاجات النفسية والمادية لأفراد الأسرة. وكذلك
الانسجام والأمن في البيت حيث تسوده قوانين تستند إلى العدالة والنزاهة والاحترام.
فالأب يعطي أمناً والأم تعطي حبّاً
والأبناء يعطون بسمة الرضا، وجميعهم يشعرون بوحدة الأسرة والسعي لسعادتها.
إنّ العلاقات التفاعلية، ولا سيّما في مرحلة
الطفولة،لها الدور الأساسي في تحديد الإحساس بالانتماء الأسري وتنميته.. حيث تنمّي
العلاقات الطيّبة في الأسرة إحساس الطفل/
الفرد بانتمائه إلى أسرته ومجتمعه. كما أنّ
الشعور بالانتماء الأسري يصبح قويّاً في ضوء العلاقات الزوجيّة الصحيحة، وتفاهم
الوالدين حول تربية أبنائهما وتقديم المحبّة والعطف، ضمن المناخ الأسروي السليم.
1/2- العلاقة الزوجيّة:
تتمثّل هذه العلاقة بالحقوق والواجبات المشتركة
لكلا الزوجين المعتبرة شرعاً وقانوناً، وبالمسؤولية المشتركة نحو الأبناء وبيت
الزوجية. فمن الحقوق المشتركة:الأمانة والمودّة والرحمة والثقة المتبادلة، والمعاملة
وفق الآداب العامة. أمّا الحقوق الخاصّة للزوجة على الزوج فهي أن يعاشرها
بالمعروف ويعلّمها ما هو ضروري من أمور حياتها
وأن لا يفشي سرّها.وفي المقابل، فإنّ حقّ الزوج على الزوجة مشاركته الفاعلة في إدارة الأمور العائلية،
ورعاية ماله وولده وشؤون منزله وصيانة عِرضه والحفاظ على شرفها.
إنّ
التوافق بين الوالدين وتعاونهما في أساليب تربية الأبناء، يهيّىء مناخاً أسريّاًً
تسوده علاقات سليمة، تسهّل عملية التنشئة الاجتماعية. فإذا كانت العلاقة بين
الوالدين (الزوجين) منسجمة وقائمة على أساس راسخ من الحبّ والتفاهم والتعاون،
فإنّها تؤدّي إلى نموّ شخصيّة الطفل / الفرد، على نحو متكامل ومتوازن، يؤمنّ له
التوافق الشخصي والاجتماعي، داخل الأسرة وخارجها.
فالزوجان في موقع ترجمة المضمون الإنساني
لهذه الروابط الزوجية(الأسرية) التي يجب الحفاظ عليها من خلال تأديّة كلّ منهما واجباته تجاه الآخر
برضى. وبذلك يقدّمان للأبناء المثل الأعلى والقدوة الحسنة في العلاقات الزوجيّة
السليمة، ليقتدوا بها في مستقبل حياتهم.
1/3 - محبّة الوالدين:
الحبّ حالة انفعالية / عاطفية، تنبع من داخل
الفرد تجاه الآخرين، أي أنّ لها بعداً اجتماعيّاً يتمثّل في حبّ الآخرين. أمّا حبّ
الوالدين، فهو ذو اتجاهين متبادلين، حبّ الأبناء للوالدين من جهة، وحبّ الأسرة على
مدى الحياة من جهة أخرى.
ومحبّة الوالدين، هي رابطة مقدّسة تجمع أفراد
الأسرة حول محبّة والديهم وتقديرهم واحترامهم
من جهة، وتعزيز علاقات المودّة
والاحترام، والرحمة والتقدير بين الوالدين، من جهة أخرى، وضمن المناخ الأسروي
الصحيح، وتعزيز الروابط الروحية والدموية، بحيث يعي الجميع حقوقهم وواجباتهم،
فيأخذ كل منهم ما له ويؤدّي ما عليه "
وإذا كانت المحبّة من الاحتياجات الأساسيّة
/ الفطرية التي تتعلّق بطبيعة الإنسان، فإنّ محبّة الوالدين تعطي الأمن والطمأنينة
والتفاؤل بالمستقبل، حيث ينظر الأبناء إلى الوالدين على أنهما عماد هذه
الأسرة ومسؤولان عن صونها وتأمين مستقبل
أفضل لأفرادها.
1/4 - محبّة الأخوة:
إن محبّة الأخوة بعضهم بعضاً بصرف النظر عن
الفروق الفردية، تشير إلى اتجاه وجداني إيجابي نحو مستقبل الأسرة، حيث تتضمّن هذه
المحبّة إمكانية البذل والسخاء والعطاء من أجل الجميع. ولا تنفصل محبّة الأخوة عن
محبّة الوالدين، في إطار الجوّ الأسري السائد.
فالحبّ بين الأخوة ينمو من خلال تقديم الخدمات المتبادلة
فيما بينهم؛ فالكبير يعامل الصغير بعطف كمعاملة الوالد لولده، وينال الكبير من الصغير – في المقابل- الاحترام
والتقدير. فيكون جوّ الأسرة بعيداً عن
الخلافات، قائماً على التعاون والتفاعل المبني
على الاحترام المتبادل، حيث يتجاوز الأخوة
حالة العطش العاطفي، ويشعر كلّ منهم بأنّه محبوب
ومرغوب في الأسرة، فيكون في صحّة نفسيّة سليمة تمكّنه من حسن التكيّف
الاجتماعي.
1/5 - معاملة الوالدين العادلة للأبناء:
إنّ العدل
بين الأبناء على قدم المساواة، ضرورة من ضرورات نجاح المهمة التربوية المنوطة بالآباء
والأمهات، كما أنّ العدالة علامة
بارزة من علامات نجاح القدوة الوالدية في
الحياة العملية. وتشمل عدالة المعاملة الوالدية للأبناء، المساواة بين الكبير
والصغير، والمساواة بين الجنسين، ومراعاة الفروق الفردية، وعدم المقارنات غير
المتكافئة بين الأبناء، واحترام شخصيّة كلّ منهم وفق قدراته وإمكاناته، بحيث يشعر
الجميع أنّهم مقبولون في هذه المؤسّسة الأسروية، ولكلّ منهم دوره في بنائها.
وتؤكّد بعض الدراسات، أنّ العلاقة القائمة بين الوالدين والطفل على أساس الثقة والحبّ والقبول، تساعد بفاعلية عالية في نموّ الطفل نموّاً متوازناً من جوانب شخصيّته كلّها، بما يحقّق له التوافق الشخصي والتكيّف الاجتماعي، سواء مع أفراد أسرته، أو مع الناس الآخرين خارج الأسرة.
إنّ
الإخفاق في تحقيق العدالة في معاملة الأبناء يعتبر صفة سلبية في الأبوين، حيث ينظر
الطفل إلى مسألة التمييز بين أعضاء الأسرة على أنه اعتداء صارخ على حقوقه. وهذا يقتضي
من الوالدين تعاملاً دقيقاً يتّسم بالموضوعية والحكمة التي تستند إلى طبائع
الأبناء وأساليب التعامل معهم، التي تراعي الفروق بين هذه الطبائع..
1/6 - معاملة الأبناء بعضهم مع بعض:
إنّ العلاقة التي تسود بين الأبناء في
الأسرة، لا تقل أهمية عن علاقتهم بالوالدين، ولاسيما في تكوين الشخصية وأسلوب الحياة ومركز
كلّ منهم بين أخوته. فالعلاقات التفاعلية المتبادلة بين الأخوة في الأسرة، لها دور
كبير في تعليم الطفل كيف يتعامل مع الآخرين وينافسهم، وإكسابه السلوكات الصحيحة،
والتصرّفات المقبولة وغير المقبولة، إلى جانب تعلّم الصواب والخطأ.. إضافة إلى
شعوره من خلال أخوته بالحبّ والعطف والطمأنينة.
كما أنّ العلاقات التفاعلية التي يقيمها الطفل مع أخوته الكبار في الأسرة، تساعده في تنمية مهارات متعدّدة، شخصيّة واجتماعية.." فالأدب مع الأخوة كالأدب مع الآباء والأبناء فعلى الأخوة الصغار نحو أخوتهم الكبار ما كان عليهم لآبائهم وعلى الأخوة الكبار نحو أخوتهم الصغار ما كان لأبويهم عليهم من حقوق وواجبات وآداب "
والألفة بين الأخوة لا تنفصل عن الألفة الزوجية؛ فإذا انعدمت الألفة بين الزوجين وكانت العلاقة متوترة تشوبها الخلافات والمنازعات والمشادات،كانت العلاقة بين الأخوة والأخوات ممزّقة متباعدة مصبوغة بالنقمة والكراهية والتوتر والتصرفات الشاذة. فلكي يكون البيت بيئة سليمة لنموّ الأطفال ونضجهم الانفعالي / الوجداني بشكل سوي، لا بدّ من الانسجام الزوجي بين أفراده حتى يتعلّم الأبناء حسن معاملة بعضهم مع بعض في إطار الانسجام والتوافق الأسري.
1/7 - التعاون الأسري :
يقوم هذا التعاون على مبدأ أن يعمل أفراد
الأسرة جميعهم كخليّة النحل، وأن يؤدّي كلّ منهم دوره متفهّماً مشاعر الآخرين، ومراعياً
قدراتهم، بدلاً من المواجهة التنافسيّة السلبية، التي تسبّب بعض الإساءات إلى
العلاقات بين أفراد الأسرة.
" فبالتعاون الأسري يتمّ تجاوز الروح
الفردية، وتشكيل سمات الإنسان الاجتماعية، حيث يتّصف أعضاء الأسرة بتطابق الآراء
عند تقييمهم للأمور الأكثر جوهرية وحيوية في نشاط الأسرة، وتنظيم العلاقات بين
الجيل الأكبر والجيل الأصغر ".
فالأعمال اليوميّة التي يقوم بها الأطفال، تعلّمهم الكثير عن مشاركاتهم المنزليّة، وعن مشاركاتهم في المجتمع الواسع، في الوقت نفسه. كما أنّ هذه الأعمال اليوميّة تتطابق مع الأدوار الجنسيّة للذكور والإناث، وتعطي فرصة مناسبة لمساعدة الأطفال لكي يكوّنوا فكرة واضحة عن قدراتهم الذاتية. وهذا يحمّل الوالدين مسؤولية تعليم الأطفال أهميّة التعاون الأسري، من خلال تنظيم أنماط سلوكية (عملية) جماعية، حيث يعرف كلّ فرد حقّه وواجبه ومسؤولياته، فيكون الجميع متعاونين انطلاقاً من شعورهم الواعي بانتمائهم الأسري، مبتعدين عن الأنانية والتواكل.
2 - القيم الاجتماعية خارج الأسرة:
هي القيم التي تنمّيها التربية الأسرية بقصد
إكساب الفرد المبادئ والأسس اللازمة
للتكيف الاجتماعي وفق علاقات اجتماعية سليمة مع المحيط الذي يعيش فيه. وتضم
قيمتين،هما: (العلاقة مع الآخرين)، (مساعدة الآخرين)
2/1-
العلاقة مع الآخرين:
وتتمّ من خلال تعزيز روح الانتماء إلى الجماعة في نفوس الأطفال / الناشئة والتكيّف معها، بما يوفّر الأمن والاطمئنان وعدم الشعور بالتهديد الخارجي. فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وهو أحوج المخلوقات إلى التآلف والتعايش مع أبناء جنسه.. وحبّ البشر يبدأ بذوي القربى حتى يشمل الجيران وأبناء الحارة والشارع والحي
إنّ العلاقة مع الآخرين تقوم على الاحترام، باعتباره ضرورياً وأساسيّاً في ممارسة عدد من قيم الحياة الجوهرية..ولذلك علينا أن نحترم الناس إذا أردنا أن نحظى باحترامهم. وعندما نربّي أطفالنا على هذه القيمة ونظهر لهم من الاحترام أقل ما نظهر للغرباء، فنحن نعاملهم وكأنه ليس لهم حقوق، والمطلوب بدلاً من ذلك، أن نعمل على تغيير هذا الأسلوب ونوسّع استخدام كلمات من فضلك.. شكراً.. أرجوك.. معهم ومع الآخرين.
فالعلاقة
مع الآخرين تقوم على الاحترام وتقدير الشخصيات والقدرات والمواهب، وفق القيم السائدة في المجتمع، وهذا ما يؤدّي إلى التماسك الاجتماعي واحترام الضوابط
الاجتماعية.
2/2 - مساعدة الآخرين:
وتعني تقديم العون والمساعدة في أي وقت، وتحت
أي ظرف لمن يحتاج من أبناء المجتمع الواحد دون مقابل، سواء كانت هذه المساعدة
مادية أو معنوية، ودون طلب من الآخرين بحيث تؤدي إلى حلّ مشكلة المحتاجين لها
وتسهم في تحسين أحوالهم. وبذلك تعدّ
مساعدة الآخرين قيمة أخلاقيّة فعّالة يستطيع الشخص من خلالها أن يحقّق غاية اجتماعية نبيلة تجاه ذاته وتجاه
الآخرين.
فالإنسان مضطرّ لأن يعيش وسط جماعة، ينتمي
إليها ويمارس حياته الاجتماعية فيها..ومن مظاهر الحياة الجماعية أن يحبّ أفراد المجتمع بعضهم بعضاً، وأن يساعد
بعضهم بعضاً، وأن يشعر الفرد بسعادة وهو يرى البسمة ترتسم على وجوه من قدّم لهم
المساعدة " ومن خلال هذه المواقف، يصبح المرء أكثر تركيزاً
على الخارج، وأقلّ تركيزاً على الذات، ويتعلّم
الإحساس بالآخرين والتعاطف والتسامح معهم، فتنمو لديه قيمة الغيريّة بدلاً
من الأنانيّة.
3 - القيم الاجتماعية / الذاتية:
يعدّ تعميق القيم الشخصية في إطارها
الاجتماعي، هديّة من أكبر الهدايا التي يمكن أن نقدمها للأبناء.. فمساعدة
الأطفال على تنمية قيم الصدق والمصداقية
والصداقة والتسامح والعطاء والنجاح والاحترام، هي جزء من التربية لا يقل
أهميّة عن تعليم القراءة وعبور الشارع بأمان، والقيم التي نعلّمها لأطفالنا هي
أفضل وقاية لهم في مواجهة متطلّبات الحياة الاجتماعية التي تنتظرهم.
وتضم هذه الفئة ستّ قيم هي: (الصداقة، والصدق، والتسامح، والعطاء، والنجاح الاجتماعي، والاحترام..
3/1 الصداقة :
وهي علاقة وديّة تربط بين أفراد (أشخاص) برباط
متين، دون أن يكون وراء هذا الرباط مطامع شخصية، أو أغراض خاصة تزول مع زواله، بل يكون هذا
الرباط معزّزاً للروابط الاجتماعية الأخرى كلّما توسّعت دائرة الصداقة وتعزّزت
مضموناتها..
وإذا كانت الصداقة أمراً يسهل حدوثه عند الأطفال، فإنّ ذلك يوجب علينا – نحن الوالدين- أن نسأل طفلنا من هو صديقه؟ ولماذا اختاره؟. وندع الطفل لقضاء وقت أطول مع أحد أصدقائه، كأن يذهبان مثلاً: إلى الحديقة أو إلى ملعب لممارسة الرياضة، ومن ثمّ تكون وظيفة الأهل دعوة هذا الطفل الصديق وتوطيد العلاقة معه "
.
فالطفل لا يمانع مطلقاً في أن يختار له الوالدان بعض الأصدقاء، في حين يختار المراهق
من يريد من أصدقائه بنفسه، ويرفض أي تدخل من والديه في ذلك الموضوع. وهنا
تظهر حكمة الوالدين في توجيه المراهق إلى الصديق الوفيّ.
تبدأ الصداقة
بين الأطفال وتنمو في مرحلة مبكرة من العمر، ففي سنّ الخامسة يبدأ الطفل في تعلّم
الكفايات الاجتماعية التي تهيئه لأداء دوره الإنساني المسؤول في المستقبل، كعضو
نافع للمجتمع، ضمن أسرته أو مع زملائه.. فالصداقات
لا تعرف سنّاً حيث تذهب وتجيء عند الأطفال
في سن الطفولة، ولكنّها إذا استمرت تغدق على الطفل أحاسيس من البهجة وراحة البال
تظلّ تعاوده طوال حياته" وكم نتذكّر – نحن الكبار-
أصدقاء الطفولة والأيام السعيدة التي قضيناها معهم، وكان لها أثر كبير في تكويننا
الاجتماعي.
تمرّ الصداقة بمراحل شبيهة بمراحل التطور الجسماني، فمن صداقة اللعب، إلى صداقة الأخذ والعطاء، ثم الصداقة المستديمة للتعاون وتبادل المشاعر وكتمان الأسرار المتبادلة، والتي لا يطلع عليها أحد غير الأصدقاء. وهذا يوجب على الآباء توسيع الميول الاجتماعية للأطفال عن طريق توضيح بعض الطرق والملاحظات والإيحاءات، وتشجيع إقامة علاقات الصداقة وأن يختار الأبناء أصدقاء بأنفسهم وفق الضوابط التي يحدّدها الآباء، وأن لا يكونوا مرغمين على اختيار صديق واحد. فالأب يكون صديقاً مع أولاده والولد صديقاً لأمه وأبيه، والعلاقات مع العائلة لابدّ أن تكون علاقات إنسانية تقوم على الصداقة الحقيقية، المبنيّة على المودّة والاحترام والالتزام.
3/2 - الصدق :
هو الإخبار عن الشيء بأمانة ومن دون تشويه أو
تحريف..أي قول الحقيقة مهما كانت الظروف والمعطيات.. فالصدق صفة تتّسم بالعفة
والشجاعة. ومن مظاهر الصدق الوفاء بالوعد وقول الحقّ من دون خوف، والبعد عن الكذب والغش والخداع والرياء.
ويكون
الصدق مع الذات أولاً، ومن ثمّ مع الآخرين ضمن المؤسّسات الاجتماعية
المختلفة. فالصدق هو تلك القوّة الداخلية
والثقة بالنفس اللتان تولدهما قوة الأمانة والموثوقية والاستقامة. ويمكن للوالدين
أن يمارسا على الطفل تأثيراً فعالاً لتعلميه الصدق، عن طريق المثل والقدوة..وعليهما
كمسؤولين عن أسرة أن يقرّرا سلفاً، أن يكونا
صادقين في العلاقة بينهما. فيكونا بالتالي صادقين مع أطفالهما،
من خلال المناقشة والوعود، والاهتمام بحاجات الأطفال وحلّ مشكلاتهم. فتكون المصداقية
ليس بالقول فحسب، وإنّما مقرونة بعمل ما.وهكذا تغرس الأسرة قيمة الصدق فضيلة كبرى،
تنمو بالممارسة السلوكيّة الإيجابية.
3/3 - التسامح:
1- يعني تقبّل الآخرين بما هم عليه، وعدم التصلّب
ضد أخطائهم واتخاذ مواقف سلبية في مواجهة آرائهم، أو حملهم على تغيير أحوالهم قسراً. إن التسامح
قيمة تساعد في تحسين المشاعر والأعمال الفردية والجماعية، وتسهم في تعزيز الروابط
الأسرية والاجتماعية، لأنّ في التسامح الهدوء والطمأنينة والصفاء.
2- ومن خلال التسامح، يدرك المرء أنّه قلّما تُسوّى الخلافات عن طريق النزاع، وأنّ تعقيد الأمور عند الآخرين دليل على معاناتهم من مشكلة، وعدم قدرتهم على فهم غيرهم والثقة بهم والتعامل معهم وهذا يتطلّب من الأسرة أن تعمّق بين أفرادها مضمونات الحبّ والهدوء والصبر وضبط النفس والتكيّف، بما يؤدي إلى التسامح الذي ينتفي معه أيّ شكل من أشكال الحقد والنوازع الشريرة التي تعكّر العلاقات الاجتماعية
3/4 - العطاء:
ويعني الاندفاع الذاتي لتقديم شيء ما للآخرين، هذا الاندفاع الذي ينبع من داخل الفرد ويجعله كريماً معطاءً في عمله وتصرّفاته وتعامله مع الآخرين، فيمنحهم من نتائج مواهبه وأعماله دون طلب منهم، بل يقوم بذلك تلقائياً لا طلباً في المديح أو الثناء أو تحقيق مكاسب مقابلة له.
.وهذا يرتبط بالمساعدة وتقديم العون لمن يطلبه.
يعّد إكرام الضيف من أنواع العطاء، حيث يبذل المضيف الجهد في إكرام ضيفه ويظهر له ما يدل على الحفاوة به، وعلى الضيف أن يقابل ذلك بالشكر والامتنان، وأن يعبّر عن ذلك بالقول والسلوك وتعبيرات الوجه ونغمة الحديث، كما يعبّر عن رغبته في استقبال مضيفيه أيضاً
إنّ ردّ الجميل ومقابلة العطاء بالعطاء، يمتّن العلاقات الاجتماعية السليمة، بدلاً من حبّ الذات الذي ينقلب أحياناً إلى أنانية. ولذلك ينبغي تربية أبنائنا الصغار على العطاء، وحبّ الآخرين، وذلك من خلال سلوكنا الشخصي، داخل الأسرة وخارجها، حتى نصل بهم إلى قيمة الغيرية والإيثار، حيث يقدّم المرء مصلحة غيره على مصلحته الشخصيّة، وفي ذلك قمّة الخُلق النبيل.
3/5 - النجاح الاجتماعي:
وهو ناتج
عن الصدق والعطاء والمعاملة الحسنة مع الآخرين.فكلّ إنسان بحاجة إلى النجاح الاجتماعي
في الحياة اليومية، والذي يتجلّى في
علاقاته بالآخرين وفي مواجهة الصعوبات اليومية، ويحظى بالرضا الذاتي كما يحظى
بالثناء والتشجيع والدعم من قبل الآخرين.
إنّ تعويد الطفل على النجاح في عمله، وعلى
النجاح في تعامله مع أفراد أسرته ورفاقه، من العوامل الأساسيّة التي تولّد لديه
اعتقاداً إيجابياً بنفسه ينمو تدريجياً من
خلال التشجيع والتعزيز، فيصبح متفائلاً
بجدارته على الإنجاز، ويطمئن إلى أنّ جهده وسعيه ليسا عديمي الفائدة.. ويشعر
بالتالي، بقدرته على بذل الجهود لإحراز
النجاحات اللاحقة، الفردية والجماعية.
إنّ الآباء والأمهات مسؤولون عن توفير
الإمكانات والأجواء اللازمة للطفل ليتسنى له ممارسة التدرّب على النجاح الذاتي
والاجتماعي ، وذلك بأن يختاروا له أعمالاًً
داخل الأسرة أو خارجها، تتّفق وقدراته،
ويحملونه على التحرّك نحوها وإنجازها، شريطة أن تتوافر لها العوامل والشروط اللازمة لنيل النجاح،
فلا يصاب بالإحباط أو بالفشل. وهذا الأمر يعدّ، بحدّ ذاته، عاملاً للنموّ
الاجتماعي.
3/6 - الاحترام :
الاحترام مفهوم عام متعدّد الأبعاد الفردية والجماعية، ويشمل احترام الحياة والملكية الخاصة، والآباء وكبار السنّ، والطبيعة وحقوق الآخرين ومعتقداتهم، كما يشمل أساليب المجاملة والأدب والأخلاق، واحترام الذات وتفادي انتقادها.
إنّ كلّ فرد يحتاج إلى احترام ذاته وتقديرها، في مقابل احترام الآخرين وتقديرهم، حيث يكون الاحترام موضوعياً ومتبادلاً، يقوّي شخصيّة الفرد ويعزّز العلاقات الاجتماعية. وهذا يتمّ من خلال التربية الأسرية بالدرجة الأولى.
فالطفل
بحاجة إلى الاحترام من سنيّ الطفولة المبكرة، عن طريق الاحتضان والإطعام،
والمداعبة والإصغاء إلى أحاديثه، ويمتدّ هذه الاحترام ويتعزّز بطرق أخرى، في مرحلة المراهقة والشباب، لينتقل من رحاب الأسرة إلى رحاب
المجتمع الواسع. والأمر المهمّ والأساس هنا هو أن يُقدّر الأبناء وفق حدود
إمكاناتهم، من دون إفراط أو تفريط.
ويعدّ هذا الأمر من الأسباب الرئيسية للنموّ
وعاملاً مهماً لبناء الشخصية، فعندما يشعر
الشخص بأنه محبوب ومحل احترام الآخرين
وتقديرهم، فإنّه عليه، في المقابل، أن يحترمهم ويقدّرهم، وهو بذلك يحقق ذاته
الإنسانية والاجتماعية.
ثالثاً-المعاملة الأسرية
(الوالدية) والتربية الاجتماعيّة :
يعيش أفراد الأسرة في نظام اجتماعي خاص، يعمل بأخلاقيات وعادات وتقاليد
وأعراف وقيم اجتماعيّة تساعده في تنظيم حياة أفراده من دون الخروج عن قوانين
النظام الاجتماعي العام. ويكون للمعاملة الوالدية موقع متميّز في هذا النظام، باعتبار
الأسرة مجتمعاً مصغراً، يقبل بعضه بعضاً ويشكّلون
هيئة مشتركة يديرها الوالدان.
إنّ أبناء الأسرة يتأثّرون في نموهم
الاجتماعي بالوسط الأسري الذي ينشأون فيه ويتربّون، حيث يخضعون للأعراف والتقاليد
والقيم التي تسيطر على الأسرة ويندمجون في الحياة الاجتماعية معها. فالمعاملة الأسرية
سلوك إنساني يقوم على إرادة الوالدين، ويعبّر عن اتجاهاتهما النفسيّة والتربوية.
وله صفة حرية الاختيار بين أساليب متعدّدة يختار منها الوالدان الأسلوب المناسب
والملائم لرغبة الطفل، ونتائجها، فيلبيان أو يرفضان من خلال النصح أو الإقناع
سلباً أو إيجاباً، وقد يلجأان للتهذيب أو التأنيب أو المعاقبة.
ولكن
قد يرفض الوالدان رغبة الطفل أولاً ثم
يتراجعان أمام إلحاحه الشديد، وقد يرفضان ويصرّان
على الرفض مع المبرّرات الحقيقية وإجبار الطفل على الرضوخ لهما. وقد يرفض
الوالدان، في بعض الحالات، رغبة الطفل مع
أنهما سمحا لأخته أو أخيه، أي أنهما اختصا واحداً من الأبناء دون الآخرين بالمراضاة
وإعطاء المكافآت، وفي ذلك تأثيرات سلبية على بعض الأطفال. وهذا ما يوضح أنّ المعاملة
الأسرية في جوهرها، تكمن في علاقة الوالدين بالأبناء.
إنّ العلاقات التفاعلية المتبادلة بين الوالدين من جهة، وبينهما وبين الأبناء من جهة أخرى، تكسب الأبناء مكونات الشخصية المتكاملة والسلوكيات الصحيحة وتنمي القدرات والمهارات اللازمة للحياة الاجتماعية. فالأسرة مدرسة صغيرة للأطفال يقوم الكبار بدور المعلمين فيها، حيث يتعلّم الطفل في الأسرة أساليب الحياة وطرق مواجهة المواقف المختلفة.. وتعتبر هذه العملية من أهم العوامل في تقويم الذات وتحقيق الضبط الذاتي والاجتماعي.
وبما أن الأبناء يعيشون في منزل واحد توجد فيه أشياء مشتركة تؤدّي إلى الخصام فيما بينهم أحياناً، يتوجب على الوالدين تأمين الأشياء الخاصة لكلّ طفل، فيتعوّد الأبناء بالتالي على احترام الملكيّة الخاصة في إطار التعاون المشترك. وهنا يؤدّي الأخوة دوراً مهماً في دعم التطور الاجتماعي عند الطفل من خلال الرفقة والمساعدة والطمأنينة، والاستقرار العاطفي.
فكلّما شجّع الأهل أولادهم على الاستقلالية
وتحمل المسؤوليات بفعالية، ومنذ صغرهم،
تخلّى الأهل عن فرض سلطتهم الأبوية وفتحوا المجال أمام التواصل الديمقراطي مع أولادهم. وهذا لا يعني أن يزول
الإشراف من قبل الأهل، بل يتّخذ صفة المرجعية المرشدة الثابتة، مع فسح المجال أمام الأولاد لأخذ القرارات المناسبة في
جوّ آمن وداعم وحاضن لهم
فالزوجان
المؤهلان تربوياً واجتماعياً، قادران على تشكيل أسرة نموذجية من خلال
المعاملة الوالدية التوافقية. ويكون التزام الوالدين هو المحكّ لما يدعوان إليه؛ فكلما ازداد التزام الوالدين بما يدعوان الأبناء إليه، كان لنصحهم
المصداقية الكبرى والأثر الأعظم في تربية الأبناء.
إنّ فتح الذراعين لعناق الأطفال الصغار، على سبيل المثال، يعطيهم الكثير من الثقة والاطمئنان والشعور بمحبة الوالدين لهم؛ تلك المحبّة التي لا تقدّر لدى الصغار بالأموال ولا بأي شيء آخر في حياتهم، وذلك لأنّ معاملة الوالدين تعدّ أحد العوامل الأساسيّة / المحيطية التي تؤدي إلى نتاج الشخصية الإنسانية. وهذا يقتضي من الوالدين أن يبتعدا كل البعد عن التصرفات التي من شأنها أن تهزّ مكانتيهما في أعين الأبناء.
وإذا
صحّ المثل القائل: " فاقد الشيء لا يعطيه" فإنّ من أكبر المزالق التربوية التي يقع فيها الوالدان،
هي منافاة أفعالهما لأقوالهما، وهذا ما يجعل
الأبناء في حيرة من أمرهم، تجاه القدوة التي يتطلّعون إليها.
وتتجلّى الأسس العامّة لتأثير المعاملة الوالدية
في الجوانب التربوية(الإيجابية والسلبية) التالية:
أقراء ايضأ : التربية الاجتماعية في الأسرة
1- الجوانب الإيجابيّة: وتشمل الأمور
الثلاثة التالية:
1/1 - تنمية الشخصية:
إنّ العلاقة القائمة على المحبّة والمودّة
بين الطفل ووالديه، تأتي في المرتبة الأولى لهرمية الحاجات الأساسيّة لديه، وذلك
لأنّ شعور الطفل بالطمأنينة يؤدّي إلى قوّة
شخصيته وثقته بنفسه وبالآخرين..كما أنّ التربية
الأسرية المبنيّة على احترام القيم، تقي الطفل في صغره وفي مراحل عمره
المختلفة من الانزلاقات الاجتماعية والأخلاقية الحادّة، التي تؤثّر سلباً في صفاته
الشخصيّة والسلوكيّة.
وثمّة مفاهيم وأسس ينبغي على الوالدين التركيز عليها في تربية
الطفل وغرسها في عقله، لتنمية شخصيته
المتوازنة والمتكاملة، وتتمحور هذه الأسس والمفاهيم على الأمور التالية:
- التفوق والنجاح في ميادين الحياة المختلفة ليسا
دليلاً على الإبداع، فقد يكون المرء عبقرياً ولا يكون ناجحاً اجتماعياً، وقد يكون ناجحاً اجتماعياً ولا يملك سمات
العبقري.
- الفرص في الحياة كثيرة أمام الإنسان اليقظ المؤهل، وقليلة جداً عند الكسالى والفوض أعظم أنواع التفوّق هو التفوّق على الذات، فالشخص الناجح لا يقتنع بالوضعية التي هو عليها بل يتطلع إلى الأفضل.
- الناجحون في الحياة يهتمون بالوقت، ولهم
دائماً أهداف تتسم بالوضوح والمرونة بحيث يكون الوصول إليها أمراً ممكناً.
- سلوك الناجحين في الحياة سلوك منطقي، يكتسبون من خلاله مهارات الأعمال
التي يريدون القيام بها.. والنجاحات الصغيرة حين تتراكم تتحوّل إلى شيء عظيم.
- يتمتّع الناجحون في الحياة بالإرادة الصلبة
ويملكون طاقة الاستمرار، والأمر المهمّ هو توظيف الإمكانات والموارد، على أحسن
وجه.
- على
الآباء أن يربّوا أطفالهم على هذه المعاني، ويحاولوا جعلها جزءاً من مفاهيم
الأبناء عن الحياة عامة، وجزءاً من سلوكهم
الشخصي خاصّة.
إنّ أهميّة نوع العلاقة بين الوالدين والطفل تفوق
أهميّة كميّة الغذاء الضرورية لنمّوه
الجسدي، لأنّ مسألة تكوين شخصيّة الطفل
تتركّز في الحقيقة حول طبيعة العلاقة بينه وبين والديه بالدرجة الأولى، والطفل على أتّم استعداد لتعلّم أشياء كثيرة من
خلال هذه العلاقة.
1/2 - التكيّف الاجتماعي:
يقصد بالتكيّف الاجتماعي: نوع استجابة الفرد لمطالب
المجتمع الذي يعيش فيه، وكيفيّة التعامل معها؛ فإمّا أن يكون جيّد التكيّف، قادراً
على الحياة في المجتمع أو سيّىء التكيّف عاجزاً عل التفاعل مع أبناء مجتمعه.
إنّ الشخصية التي تتلقّى- في أثناء
تربيتها الأسرية - الإفراط في اللين أو في
القسوة، غالباً ما تكون عاجزة عن التكيّف الإيجابي.ولذلك فإنّ أساس تأهيل الأبناء
للحياة الاجتماعية، يكمن في إيجاد جوّ أسري متوازن تسوده المحبة والرعاية والعطف
والعدالة من جهة، والضبط والنظام والحزم من جهة أخرى، بحيث يكون بين الآباء
والأمهات اتفاق على أساليب التعامل مع الأطفال ورعايتهم وتهذيبهم.
فالطفل يبدأ حياته بالتكيّف البيولوجي
ويستمرّ في التكيف الاجتماعي بواسطة التربية،
فيتعلّم من والديه حبّ الناس
ومشاعر الأخوّة الإنسانية، واحترام الكبار
والعطف على الصغار ومحبتّهم، والرفق بالحيوان
وحماية المال والالتزام، وإدراك أنّ الإسراف فيه ضرر بالأهل والوطن والأمة..إنّه
يتعلّم هذه المشاعر كتطبيق عملي من والديه، ويجب أن يبدأ بتعلّمها في سنّ بكرة
إنّ تقييد حرية الطفل أو وضع العراقيل أمام
إشباع دوافعه، تجعله في حالة من التوتر، وتطبع شخصيته بالتصلّب والتحجّر. وأنّ
إعطاء الطفل قسطاً من الحرية والاستقلال والاعتماد على النفس في مواجهة المشكلات
يساعده في تنمية سلوكه الإيجابي وإغناء تجربته في مجابهة
المواقف المختلفة.
1/3- تأكيد الذات:
إنّ تنمية الثقة بالنفس وروح الاستقلال عند
الطفل/ الناشىء، ترتبط إلى حدّ بعيد بالتربية الأسرية التي تعمل على تهيئة أجواء الحرية المناسبة،
والتدريب على استخدامها من خلال القيام ببعض الأعمال المنزلية، والاعتماد على
الذات في تصريف بعض الشؤون الخاصة. وإذا كانت النفوس تنقاد بالسلوك الإيجابي معها،
فإنّها ولا شكّ تنفر من التعامل السلبي.. ولذلك فإنّ التربية الأسرية الصحيحة لا بدّ أن
تبنى على أساس متين من المعاملة الوالدية القائمة على الثقة والاحترام المتبادل مع الأبناء.
فالأطفال
الذين لا يتقبّلهم أهلهم أو زملاؤهم في
المدرسة، تكون مساهماتهم محدودة النشاط، وغالباً ما يشعرون بالاغتراب. والاغتراب
بالأساس هو مشكلة للمراهقين الذين يرفضون القيم الاجتماعية السائدة ويعجزون عن
أداء أدوار ذات معنى، بسبب ضعف ثقتهم
بأنفسهم الناتجة عن عدم توافر الفرص الملائمة لتعلّمهم قيم المجتمع الكبير.
إنّ الضبط التوجيهي للسلوك، يساعد الطفل في
المحافظة على احترامه لذاته، ويشجّعه على تنمية الوجدان الداخلي والتكيّف
الاجتماعي.. أمّا الضبط العقابي فيساعد في تنمية أخلاقية منحرفة تعوّق التنمية الذاتيّة
والتكيّف الاجتماعي. كما أنّ الموازنات التي يقيمها الأهل بين أطفالهم لها أهمية
في التكيّف الاجتماعي وتأكيد الذات، ولذلك
لا بدّ من الحذر في مناقشتها والدقّة في توظيفها، ولاسيّما عند اقتراب الأبناء من المراهقة
والنضج والبلوغ.
أقراء ايضأ : التربية الاجتماعية في الأسرة
2- الجوانب السلبيّة: وتشمل الأمور
الأربعة التالية:
2/1 - الجنوح والانحراف:
تعدّ ظاهرة انحراف الصغار وجنوح
الأحداث من أعقد الظاهرات الاجتماعية
وأخطرها، لأنّ الطفل المنحرف أو الحدث الجانح يعكّر صفو الأسرة بكاملها ويوقعها في
الارتباك والقلق، وقد يغدو جانح اليوم مجرم الغد/ المستقبل.
تكمن وراء هذه الظاهرة عوامل عديدة، منها الفقر والحرمان، أو الجهل والمرض وتفكّك
أواصر الأسرة، أو سوء الرفقة أو فساد البيئة
المدرسيّة أو التأخر الدراسي، أو سوء تربية الكبار (الآباء) للصغار (الأبناء)، أو
عدوى انتقال قلق الآباء إلى الأبناء.. أو غير ذلك من الأمور التي لا يجد فيها
الطفل / الناشىء الطمأنينة لنفسه والمكانة الاجتماعية.. فيحسّ بالقلق والتوتر
والصراع والإحباط والضياع، والحرمان من أبسط حقوقه وأعمق حاجاته، فيقع صريع انعدام
الاتزان الانفعالي وسوء التكيّف الاجتماعي.
ولكن الجانح ليس بالضرورة أن يكون مجرم الغد إذا أحسنا -نحن الكبار -فهمه وتقويمه وإعادة تربيته وتكيّفه الاجتماعي.. وهذا يقتضي أن نعترف بشخصيات الأطفال، وألاّ نعاملهم كأطفال منحرفين لمجرّد مخالفتهم بعض معاييرنا وقيمنا وأوامرنا، أنهم ميّالون إلى التغيير والاستقلالية وتأكيد الذات، ونحن نتحمل المسؤولية في انحرافهم في بعض الحالات، فحيث ينحرف الصغار يجب أن نفتش عن الكبار"
فالانحراف يظهر عند بعض الأطفال والأحداث نتيجة العوامل ذات القوة السببية، وتكون المعاملة الأسرية عنصراً أساسياً فيها. وبما أنّ خبرة الأطفال قليلة في مواجهة مواقف الحياة، يقابلها تسلّط الآباء على سلوك الأبناء ومصادرة قراراتهم الخاصة، فإنّ مشكلات الانحراف تنشأ وتتضخم في بيئة أسرية (تربوية) غير صالحة.
2/2– العدوان:
السلوك العدواني مرتبط إلى حدّ بعيد
بالانحراف، لأنّه أحد مظاهره، فهو: كلّ سلوك
يؤدّي إلى إيقاع الأذى بالآخرين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ومن مظاهر العدوانية أن يقوم الطفل بإلقاء
الأشياء وتحطيمها أو يدفع ويضرب برجله الآخرين، أ ويظهر عدم الرضا والصياح والبكاء
بصفة دائمة.
وقد قدّم علماء النفس نظريات عديدة لتفسير
السلوك العدواني، واتّفقوا على أنّ العدوان ناجم عن الإحباط بالدرجة الأولى..فكلّما
كانت التنشئة الوالدية /الاجتماعية أكثر إحباطاً للطفل الناشئ، ازداد عنده الدافع
للعدوان. وتجمع أغلب الدراسات على أن
الميل إلى العدوان يرتبط ارتباطاً موجباً ببعض عوامل التطبيع الاجتماعي السلبي، مثل
نبذ الوالدين للطفل أو إثارة الألم النفسي لديه.. ولكن من المهم الإشارة إلى أنّ
الإحباط لا يؤدي إلى العدوان في كثير من الحالات إلاّ إذا وجد تدعيماً له من قبل الوالدين أو غيرهم
.
إنّ النظرة للأبناء على أنهم قاصرون وفي حاجة دائمة لحماية الكبار ووصايتهم، يخلق
لديهم قلقاً من شأنه إيجاد صراع بين الواقع والمفروض، ويكون من نتائج ذلك، أحياناً، التمرّد والعصيان
والعدوان، ممّا يفرض على الوالدين اتخاذ بعض العقوبات تجاه الأبناء لمواجهة أحد
هذه المواقف. فالعقاب مثلاً قد يؤدّي إلى استجابة مؤقّتة من قبل الطفل، ولا يحدث
تغيرات جذريّة في سلوكه. ولكنّ العقاب، في الوقت نفسه، يحث الطفل على تبني هذا الأسلوب أو ذاك، كنموذج
سلوكي يعتمده في تعاطيه مع الآخرين، فيصبح
عدوانياً وسريع الانفعال.
إنّ الأسرة التي تتبع الأسلوب الذي ينتج عنه
غالب ومغلوب بين الآباء والأبناء، يجعل الطفل ينظر إلى العالم من خلال منظور
عدواني 0ولذلك يجب أن تكون العلاقات الأسرية مبنية على الصراحة والصدق والمساواة. فيتعلّم الأبناء مثلاً، أنّ طاعة
الأب واحترامه واجب لا يتولّد من الخوف والتسلّط، بل من الحبّ والحنان والإكرام والوفاء،
فيكون الأب رفيقاً لأطفاله وصديقاً حميماً.
2/3- القلق:
يتجلّى قلق الأبناء في إظهار عدم الطمأنينة
لأسباب عديدة، منها انعدام الحنان
والاهتمام في الجوّ الأسري أو الإعجاب الزائد، أو الحرمان من الرعاية والتقدير، أو
اضطراب الجوّ الأسري الناجم عن الخلافات الزوجية (الوالدية). كما أنّ السيطرة الوالدية
والتدخّل المباشر في كلّ صغيرة أو كبيرة من أمور حياة الأطفال والشباب يعطّلان
النموّ النفسي والاجتماعي، ويعوّقان الخبرة المباشرة للأبناء مع الواقع الذي ينتظرهم.
فكثيرون هم الشباب الذين يعانون من نظرة
الآباء والأمّهات لهم بأنهّم ما زالوا صغاراً، ومن إحاطتهم بالرعاية الزائدة
وتوجيه سلوكهم كما يريد الوالدون لهم وكما يرغبون.. ويكون نتيجة ذلك الإحباط والألم والقلق، ومصادرة حرية التصرف وإعاقة
الشعور بتقدير الذات. .
فللأطفال حاجات واهتمامات، كما للشباب حاجات
واهتمامات.. وبما أنّ الوالدين مسؤولون عن تربية الأبناء، فإنّ هذه المسؤولية توجب عليهم التقرّب إلى
الأبناء وتأمين حاجاتهم، وتعرّف اهتماماتهم ومشكلاتهم، والعمل على حلّها بطرائق
موضوعية ودّية، تبعد الأبناء عن الصدمات النفسية والاجتماعية.
3/4- الغيرة:
هي ذلك الشعور السلبي الذي يبديه شخص ما
تجاه الآخر بسبب فشله وخيبة أمله في الحصول على شي ما، مقابل نجاح الشخص الآخر
وحصوله على هذا الشيء المرغوب، حيث يشعر الأوّل بالعجز والدونية التي تجرح عزّة النفس.
تنشأ الغيرة – أول ما تنشأ- بين الأخوة في الأسرة.
وقد تكون غير مفرطة، فتساعد الأولاد أن يصبحوا أكثر تسامحاً واستقلالية وكرماً. وكلّما
كان الوالدان متفقين ومتواصلين بشكل إيجابي فيما يتعلّق بمعاملة الأبناء، كانت
الغيرة بين الأولاد أقل حدّة وربّما معدومة.
وهذا ما يجعل كلّ فرد مطمئناً في أسرته وهو يشعر بأنّ والديه يحبّانه ويتقبّلانه
كما هو..
فعلى الأسرة التي لها أكثر من طفل ألا تقوم بأيّ تصرّفات ينتج عنها أي نوع من التمايز أو التفرقة بين الأخوة، إلاّ في حالات خاصّة تدعم التعاطف بينهم، كمرض أحدهم أو غيابه أو صغر سنّه وحاجته إلى المساعدة في تأمين حاجاته
ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الغيرة حالة طبيعية، وليس هناك طفل، ولاسيّما
البكر أو الأكبر- يخلو من الشعور بها حيال الأخ الأصغر، الذي يبدو وكأنّه يسرق من الأكبر نصف أمّه أو أكثر، في حين كان هذا الكبير يحوز
اهتمامها حتى ذلك الحين بلا شريك..وينطبق الحال على محبّة الأب واهتمامه، وإن كان
بدرجة أقلّ من حال الأم. وهذا يتطلّب من الوالدين تحقيق المساواة وإبعاد الأبناء
عن التنافر والشعور بالنقص والعمل على
التغلب عليه بالأساليب المناسبة، بحيث
تتحوّل الغيرة إلى حبّ وعطف وتعاون، كمبادىء تنظّم العلاقات بين الأخوة، حاضراً
ومستقبلاً...
والخلاصة، إن المعاملة الوالدية للأبناء تتّخذ أشكالاً
متعدّدة، وهي مرتبطة – إلى حدّ بعيد- بتأهيل الوالدين تربوياً، ودور كلّ منهما في
البناء الأسري السليم، ومن خلال العلاقة السائدة بينهما، وما لها من أثر كبير في بناء سلوك الأبناء. فحسن
العلاقة الزوجيّة يحيط الأسرة بجو أسري مفعم بالسعادة والاستقرار، والاحترام
المتبادل على أساس الحقوق والواجبات والمسؤولية المشتركة. ويبقى الهدف الأساسي
للأسرة تكوين شخصيات الأبناء المتّزنة ذاتياً،
والمتكيّفة اجتماعياً، وسط بيئة أسرية سعيدة تسودها أجواء تربوية صحيحة.
سبحان الله والحمدالله والاالله الاالله والله اكبر والاحول والاقوة الا بالله
ردحذف